كتاب
((تاريخ العلاقات الصينية العربية))ت
م(بقية
الباب الأول)م
ا
م2-
الخطوط البحرية الرئيسية
1) أهم خط من خطوط
الملاحة بين الصين والغرب كان ينطلق من كانتون وتشيوانتشو
ويانغتشو وهانغتشو ومينغتشو (نينغبو حاليا) وغيرها من موانئ
التجارة الخارجية، فيدخل في البحر الجنوبي باتجاه الجنوب
على امتداد الشاطئ الشرقي من فيتنام، ثم يمر بتشاميا (Champa
) ونها ترانج (Nha Trang) وفان رانغ (Phan Rang) إلى جزيرة
كون داو(Con Dao)، ثم يستمر باتجاه الجنوب، فيخرج من مضيق
ملقه، ويجتاز جزائر نكوبار (Nicobar) إلى سري لانكا التي
يواجهها الجزء الجنوبي من شبه جزيرة الهند من وراء البحر،
ومن ثم يمتد باستمرار باتجاه الشمال الغربي إلى قالون (Quilon)
التي تقع على الشاطئ الجنوبي الغربي من شبه جزيرة الهند،
ثم يتجه شمالا مع شاطئها الغربي ويمر ببرواتش (Broach) نحو
دايبول (Daibul) الواقعة على مصب نهر السند حيث يمتد غربا
ويجتاز مضيق هرمز حتى يصل إلى الابلة التي تقع على مصب شط
العرب، حيث يصعد في دجلة شمالا، فيصل إلى البصرة وينتهي
إلى بغداد.
2) وخط كان يمتد من
شط العرب باتجاه الجنوب فيصل إلى صحار الواقعة على شاطئ
عمان، حيث يمتد باستمرار باتجاه الجنوب مع الشاطئ الشرقي
من جزيرة العرب حتى عدن التي تقع على الطرف الجنوبي من الجزيرة.
3) وخط كان يمتد من
الشاطئ الجنوبي الغربي من شبه جزيرة الهند صوب عدن مباشرة،
ثم يتجه شمالا مع الشاطئ الغربي من الجزيرة حتى يصل إلى
سوريا وفلسطين، أو يدخل في البحر الأحمر فيتجه شمالا حتى
ينتهي إلى مصر.
إن خطوط المواصلات البحرية
بين الصين وبلاد العرب هي طريق البخور، وتسمي طريق الخزف
الصيني أو طريق الحرير البحري أيضا.
كانت كانتون وتشيوانتشو
وهانغتشو موانئ دولية معروفة لدى العرب. ففي المؤلفات العربية
المعنية بذلك كانت كانتون تدعي مدينة خانفو (Khanfu) وتشيوانتشو
تدعي مدينة الزيتون (Zaytun)، وهانغتشو مدينة قوين ساي (QuinSay)
أو خين زي (Khin Zai) أو خان زي (KhanZai).
وجزيرة تشامبو هي جبل
سانف فلو (Sanf-flaw) الذي ذكره جيا دان في كتابه ((طرق
كانتون إلى بلاد ما رواء البحار) (1) أو الصنف الذي ذكره
المسعودي أبو حسن على بن حسين (؟-957 ) في كتابه ((مروج
الذهب ومعادن الجوهر)). أما فان رانغ فقد دعيت (Tulangchou)
في ((طرق كانتون إلى بلاد ما وراء البحار))، كما دعيت (Pandunarga)
في ((سجل البلدان)) بقم تشاو رو كوه. أما جزيرة كون داو
فدعيت جبل (Juntuneng) في ((طرق كانتون إلى بلاد ما رواء
البحار))، وكاردان (Kardanj) في ((مروج الذهب ومعادن الجوهر)).
أما سري لانكا فهي دولة الأسد التي وردت في ((طرق كانتون
إلى بلاد ما رواء البحار))، وسرنديب التي وردت في ذهن العرب
أيضا. أما قالون فهي دولة (Male) التي وردت في ((طرق كانتون
إلى بلاد ما رواء البحار))، ودولة (Kanlam) التي عاصرت أسرة
سونغ، و(Xiaojunan) التي وردت في ((طرق كانتون إلى بلاد
ما رواء البحار))، و(Junan) التي وردت في تاريخ يوان، وكولام
ملي(Kulam-mali) التي وردت في ((أخبار الصين والهند))(2)،
والتي كانت السفن الصينية تصل إليها من حين لآخر، كما ذكر
في هذا الكتاب. أما برواتش فهي بمثابة دولة (Bayi) في ((طرق
كانتون إلى بلاد ما رواء البحار)). أما دايبول فهي دولة
(Tiyi) التي ذكرت في ((طرق كانتون إلى بلاد ما رواء البحار))
والتي سماها العرب "الدايبول" بزيادة أداة التعريف.
أما الفرات والابلة والبصرة وبغداد فقد وردت هذه الأسماء
كل على حدة في ((طرق كانتون إلى بلاد ما رواء البحار)) كنهر
(Felile)، ودولة (Wula) ودولة (Mulo) و(Fuda).
وصحار هي ما ذكر بـ(Mezoen)
في ((طرق كانتون إلى بلاد ما رواء البحار))، وعدن كانت معروفة
بـ(Eudaemon) وقد أفاد الادريسي الجغرافي (1100-1166 ) في
الكتاب الذي سجل فيه أحوال العالم تحت عنوان ((نزهة المشتاق
في اختراق الآفاق))، بأن السفن الصينية كانت تصل إلى عدن
من وقت إلى آخر.
كان البحر الأحمر يعتبر
أهم طريق في المواصلات البحرية بين الشرق والغرب، إذ كان
هناك طريق تجاري يصل بين شاطئه الغربي وميناء الإسكندرية،
ومصر هي ما ذكر بـ(Wusili) في مؤلف دوان تشنغ شي الأديب
الصيني في عهد تانغ تحت عنوان ((تتمة المتفرقات في يويانغ))،
وكذلك في ((دليل ما وراء الجبال الجنوبية)) بقلم تشو تشيو
في الأديب الصيني في عهد أسرة سونغ، وكذلك في كتاب آخر باللغة
الصينية تحت عنوان ((سجلات البلدان))، كما كانت تدعي (Micur)
في عهد أسرة يوان، و(Micur) أو (Micr) في ((تاريخ مينغ-
سجلات المناطق الغربية)). وكل هذه الألفاظ الواردة في المصادر
الصينية إنما جاءت ترجمة صوتية لـ"مصر" هذه اللفظة
العربية.
كانت المياه اللامتناهية
التي تفصل بين الصين وبلاد العرب، مقسمة من الغرب إلى الشرق
إلى سبعة أبحر في المصادر العربية التاريخية، هي بحر فارس
(الخليج الفارسي وخليج عمان حاليا)، وبحر لاروي (Larwi -البحر
العربي)، وبحر هاركند (Harkand- خليج البنغال وبحر اندمن
حاليا)، وبحر كلهبار (Kalahbar- بحر الملقه حاليا)، وبحر
كوند رانغ (Kundrang) أو بحر كاردانغ (Kardang- الجزء الجنوبي
من خليج سيام والجزء الشمالي من بحر جاوه)، وبحر تشامبو
أي الصنف (al-Sanf) أو سانف فلو (Sanf-fulaw) وهو الجزء
الغربي من بحر الصين الجنوبي، وبحر سنغ (ai-Zanj,Sang- وهو
الجزء الشرقي من بحر الصين الجنوبي) (3). كانت الرحلة من
بلاد العرب إلى الصين عبر الأبحر السبعة تستغرق مدة طويلة
من الزمن، وقد أفاد ((طرق كانتون إلى بلاد ما وراء البحار))
أنها كانت حوالي تسعين يوما (بالقياس إلى الرياح المؤاتية).
وتسعون يوما يقصد بها مدة الإبحار فقط. وإذا أضيفت إليها
أيام الرسو فإن الرحلة ذهابا أو إيابا كانت تستغرق نحو نصف
سنة، أما ذهابا وإيابا فكانت تستغرق نحو ستنين (4).
إن الصينيين والعرب
من الأمم التي أسهمت في فتح خطوط المواصلات البحرية بين
الشرق والغرب وشاركت في نمائها وازدهارها.
وقد سبق للعرب أن اشتهروا
بخبرتهم في الملاحة في وقت مبكر من العصور التاريخية، إذ
أن القحطانيين أوشكوا أن يحتكروا التجارة في المحيط الهندي،
وأن الهيمنة العربية في البحار قد بدأت من القرن الرابع
قبل الميلاد وامتدت إلى النصف الثاني من القرن الأول قبل
الميلاد، حتى تعرضت لتحديات البطالسة اليونانيي الأصل في
مصر (305 ق.م- 30 ق.م). ولما حل الروم محل البطالسة عام
30 ق.م استغلوا الرياح الموسمية ليبحروا إلى الشاطئ الغربي
من شبه جزيرة الهند مباشرة، ففازوا بالتفوق البحري والحق
بالعرب نكسات في التجارة البحرية (5). ولكن لما أقبل القرن
الثالث، عاد العرب ينشطون في عرض البحار، وقد احتلوا هم
والاحباش مركز الصدارة في التجارة ما بين المحيط الهندي
والبحر الأحمر في الفترة ما بين أوائل القرن الثالث والقرن
السابع، بينما حققت الهند التفوق المطلق (6) ما بين المحيط
الهادي والمحيط الهندي، غير أن العرب عادوا يستبدون بالتجارة
فيما بين القرن السابع والقرن التاسع. وبالرغم من أن مركز
العرب في الملاحة بالمحيط الهندي هبط إلى حد معين، غير أنهم
ظلوا محتفظين بقوة عظيمة فيه.
أما أهل الصين فقد سبق لهم في أقدم العصور التاريخية
أن بدأوا النشاطات البحرية فيما بين الجزر على امتداد شواطئها،
وصار لهم علم بالرياح الموسمية في القرن الثالث قبل الميلاد
(7)، وبلغوا مستوى عاليا جدا في صناعة السفن بعهد هان الغربية،
بحيث أن ارتفاع سفينة البرج من عهد الإمبراطور وو دي بلغ
بضعة عشر تشانغ (تشانغ يساوي ثلاثة أمتار وثلث متر)، والغرف
في سفينة يونتشانغ كانت تناظر الغرف في القصور. وقد أفاد
((كتاب هان- سجلات الجغرافيا)) أن السفن الصينية وصلت إلى
شبه جزيرة الهند، وأن رسل هان وصلوا إلى الدولة تشنغ بو
(هي سري لانكا بالاستناد إلى بحث الأستاذ الصيني سو جي تشنغ).
وفي عصر الممالك الثلاث (220-280 ) خطت الصين خطوة واسعة
في الملاحة. وفي عهد تانغ (618-907)، شهدت الصين تطورا وازدهارا
في المهارات الملاحية حتى أن السفن التجارية الصينية كانت
تقطع مسيرات طويلة جدا وتصل إلى كثير من الموانئ العربية.
وفي أواخر عهد تانغ بدأ التجار العرب يركبون السفن الصينية
بدل السفن الأخرى(8). وفي عهد سونغ (عام960- 1279) تمكنت
السفن الصينية من الوصول إلى أفريقيا. وبدأ الصينيون يستعملون
البوصلة في أواخر القرن الحادي عشر على أقل تقدير، فأحدثوا
بذلك قفزة نوعية في فن الإبحار. وفي عهد يوان (1271- 1368)
شهدت الصين تطورا مستمرا في المواصلات البحرية. وفي عهد
سونغ الجنوبية (1127- 1279) وعهد يوان أيضا، كان الأوربيون
كثيرا ما يركبون السفن الصينية، وأخذوا عنها انطباعات حميدة
(9). وقد شملت ((أنظمة يوان)) في مادتها الثانية والعشرين
حول رسو السفن في الموانئ الصينية نصوصا خاصة بالتجار الأجانب
الذين ركبوا السفن الصينية، مما دل على كثرة التجار الأجانب
بين ركاب السفن الصينية. ويؤكد ذلك أن الأمر استدعى وضع
لوائح قانونية خاصة بشأن التجار الأجانب. وفي مطلع عهد مينغ
(1368- 1644) شهدت الصين نشاطا وازدهارا في الملاحة، فكان
أسطول تشنغ خه الضخم يجوب المحيط الهندي ويصل إلى
مختلف البلدان في آسيا وأفريقيا، مثيرا إعجاب العالم أجمع.
ويمكن القول أن الأساطيل البحرية الصينية قد سبق لها أن
كانت أعظم الأساطيل في العالم، لكن لم يمض وقت طويل على
نزول تشنغ خه إلى المحيط الهندي حتى افلت شمس الصين في المواصلات
البحرية نتيجة لسياسة التحريم البحري التي طبقتها سلطة مينغ.
وفي مطلع القرن السادس عشر بدأ الاستعمار الغربي يزحف نحو
الشرق، فتسبب في انقطاع الاتصالات البحرية بين الصين وبلاد
العرب.
م3-
الخطوط الأخرى
1) خط كان ينطلق من
شرقي لياونينغ، فيجتاز مروج منغوليا الداخلية، ويمر بالسفوح
الشمالية من جبال تيانشان ممتدا نحو آسيا الوسطى وغربي آسيا.
2) خط كان يمتد من لانتشو، ويمر برواق خشي
فيصل إلى هامي، ثم يمتد باتجاه الغرب والسفوح الشمالية من
جبال تيانشان، ويخرج من وادي نهر ايلي، ويمر ببحيرة اسيك
كول (Issyk Kul) فيصل إلى طشقند وسمرقند ومرو.
3) خط كان ينطلق من لانتشو، ويمر بتشينغهاي
أو سيتشوان فيدخل في التبت حيث يمتد إلى باتنا (Patna)
وموترا (Muttra)، ثم يمر بكابول حتى ينتهي إلى مرو.
4) خط ينطلق من باوشان الواقعة في غربي يوننان
باتجاه الجنوب مع نهر سالوين (Salween) حتى يصل إلى مولمين
(Moulmein) حيث ينتهي إلى ما وراء البحار.
5) خط كان ينطلق من لاسا ويمر بغانغتوك
(Gangtok) حتى يصل إلى نهر الغانج (Ganges Rever)، حيث يتجه
شرقا مع هذا النهر فينتهي إلى ما رواء البحار.
6) خط كان يمتد من
بكترا إلى كابول، ثم يمتد إلى نهر الغانج، ثم يتجه جنوبا
مع هذا النهر حتى مصبه حيث ينتهي إلى ما وراء البحار.
كان الخطان الثاني
والثالث يلتقيان في مرو في طريق الحرير الذي تقدم ذكره في
الفصل الأول، وكل من الخط الرابع
والخامس والسادس عندما ينتهي إلى البحر يصل إلى طريق البخور
الذي تقدم ذكره في الفصل الثاني.
وطريق الحرير وطريق
البخور كلاهما يمثلان ما أنشأته الأمم المختلفة معا من مشاريع
عظيمة للمواصلات. وكان كل منهما يعتبر طريقا هاما يربط بين
الصين والبلاد العرب من جهة، ويمثل شريانا رئيسيا في الاتصالات
بين الشرق والغرب من جهة أخرى، فاحتل بذلك مركزا عظيم الأهمية
في تاريخ التبادلات الاقتصادية والحضارية بين الصين وبلاد
العرب من جهة وبين الشرق والغرب من جهة أخرى، إذ كان يربط
بين منابع الحضارات الرئيسية والمناطق الاقتصادية الهامة
في العالم، فساعد على تطور الاقتصاد والحضارة وتبادلهما
بين هذه المناطق وزاد من التفاهم والصداقة بين الأمم.
ملاحظات:م
(1) راجع ((كتاب تانغ
الجديد- سجلات الجغرافيا))، جـ 7 .
(2) ((أخبار الصين والهند)) الطبعة الصينية،
ترجمة مو قن لاي وون جيانغ وهوانغ تشوه، تحقيق ناجون، دار
الصين ببكين عام 1983 .
(3) راجع ((مروج الذهب ومعادن الجوهر))
للمسعودي طبعة مصر 1948 جـ 1 ص 149- 154 .
(4) راجع ((الطرق البحرية
إلى البلدان الأجنبية)) في ((دليل ما وراء الجبال الجنوبية))
بقلم تشو تشيو في، جـ 3، ويفيد ((أخبار الصين والهند)) أن
الرحلة البحرية بين مسقط وكانتون كانتتستغرق نحو 120 يوما؛
وراجع ((المسالك والممالك)) لابن خرداذبة ص 59- 71 .
(5) تاريخ العرب بقلم ب. ك. هيتي طبعة نيويورك
1974 ص 58- 59 -P.K. Hitti << Histony of The Arabs
>>,Newyork,1974
(6) هودسن: ((أوربا والصين))- Hudson: <<Europe
and China>>,A Survey of Their Relations From The
Earliest Times To 1800 >> Bostom, 1961, P113.
(7) تشانغ شون: ((المواصلات الصينية البحرية
في الزمن القديم))، دار الشؤون التجارية، بكين عام 1986
، ص 9.
(8) كتاب كوابارا زيتسوزو باليابانية تحت
عنوان ((الدراسات في بوشوكن)) ترجمة تشن يوي تشينغ، دار
الصين 1929، ص 93 .
(9) ((تاريخ العلوم والحضارة في الصين))،
جـ 1 ص 179 ملاحظة (8).
(البقية في العدد القادم)