محتويات العدد 6 يونيو (حزيران) 2003

((تاريخ العلاقات الصين ية العربية))ال

تأليف: قوه ينغ ده

ترجمة: تشانغ جيا مين

(بقية الباب الرابع)

ومسجد نيوجيه ببكين (مسجد شارع البقر)، وبني في العام الثاني من فترة تشى داو من عهد الإمبراطور تاى تسونغ لأسرة سونغ (996)، وحي نيوجيه هذا يدعى قانغشانغ (أي الرابية) أيضا لارتفاع موقعه، وقد ورد في ((سجل قانغشانغ)) "أن شيخا عربيا اسمه قوام الدين أتى بأولاده إلى الصين لنشر الدين. ولما منح الإمبراطور ابنه نصر الدين منصبا رسميا ولقب شرف، اعتذر عن قبولهما بإصرار، إذ كان قد صمم على التفرغ لشؤون المسجد، فطلب من الإمبراطور أن يمنحه هبات ليستطيع بها بناء مسجد في قانغشانغ هو مسجد نيوجيه اليوم" (1). وتبلغ مساحة هذا المسجد زهاء ستة آلاف متر مربع، تقوم عليها مجموعة مبان متكاملة أكبرها قاعة المسجد التي تبدو من داخلها زاهية مشرقة والتي تتسع لأكثر من ألف مصلّ. وفي الناحية الجنوبية الشرقية من الفناء قبران لإمامين قدما الصين لنشر الإسلام، أحدهما أحمد البلدان (؟) الغساني الذي توفى عام 1280، والآخر عماد الدين البخاري الذي توفى عام 1283، والنقوش العربية على شاهدتيهما تتميز بالخط البسيط الواضح، وتعتبر من الآثار الهامة في تاريخ الإسلام في الصين.من الآثار

ومن المساجد المعروفة في الصين أيضا المسجد القائم في مركز محافظة دينغشيان بمقاطعة خبى، والمسجد اليمني خارج بوابة تومن بمدينة الزيتون، وقد بنى نانا عمر بوابة هذا المسجد وأسوار فنائه. ولعل تاريخ بناء كل من هذين المسجدين يعود إلى عهد أسرة سونغ.من الآثار

وقد بنيت المساجد في مختلف الأماكن بعهد أسرة سونغ دليلا على انتقال عدد كبير من المسلمين من بلاد العرب وفارس وآسيا الوسطى إلى الصين، وعلى إقامة كثير منهم في الصين جيلا بعد جيل، وعلى توثق الصلات بينهم وبين الصين أكثر فأكثر، ومن ثم ازدياد صلة الإسلام بالصين تدريجيا.من الآثار

لقد دخل الإسلام إلى الصين في عهدي تانغ وسونغ، وجاء ذلك نتيجة طبيعية للنشاطات التجارية التي قام بها المسلمون في أرض الصين وتوارثهم العقيدة الإسلامية، ولم ينتقل إليها نتيجة للدعوة من حيث الأساس، ولذلك شهد هذا الانتقال مراحل من التاريخ طويلة وبطيئة.من الآثار

أوج التطور الذي بلغه الإسلام في عهد أسرة يوان

سارت إمبراطورية يوان المنغولية على سياسة "من كل واد عصا" في مجال العقائد الدينية، وقد أصدر جنكيزخان قانونا ينص على أن من قتل مسلما يفرض عليه غرامة من الذهب تبلغ قيمتها أربعين بالش (وحدة وزن) (2). وكان مونغكه خان يحمي المسلمين، فتدفق في زمنه عدد كبير من المسلمين من مختلف الفئات من غربي آسيا وأواسطها إلى الصين، حتى تغلغلوا في مواطن المنغوليين، وكان حي السرسينيين من خراخوروم عاصمتهم مجتمعا للتجار المسلمين (3).من الآثار

وفي عهد أسرة يوان أسلم بعض أبناء المنغول وهان والجنود المرابطين في تانغوو (4)، فطعّموا جموع المسلمين في الصين بعناصر محلية. وقد سبق لسلطان تانغوو حفيد قوبلاى خان آناندا أن رضع من إحدى نساء المسلمين، وترعرع في رعايتها. فاعتنق الإسلام وآمن به إيمانا صادقا. وكان في استطاعته أن يتلو القرآن الكريم عن ظهر قلب وأن يكتب مقالات جيدة باللغة العربية. ولما خلف أمير آنسي في تولي حكم تانغوو في العام الأول من فترة تشى يوان، جعل معظم جنوده البالغ عددهم مائة وخمسين ألف جندي يتحولون عن عقيدتهم السابقة إلى الإسلام (5)، ومما يؤكد نشاطهم الديني في القرن الرابع عشر هو ما اكتشف في شرقي لواء أجينا بمنطقة منغوليا الداخلية من أطلال مسجد من ذلك العصر بالإضافة إلى قطعة من نصب تحمل نقوشا فارسية. وفضلا عن إسلام جنود تانغوو حدث لبعض سكانها أن أسلم لأسباب اجتماعية مختلفة. فكان الرجل إذا أسلم، أسلمت معه امرأته أو بالعكس. وكان السيد أو الرئيس إذا أسلم، تبعه خدمه أو مرؤوسوه في اعتناق الإسلام. ويعتقد بأن عدد هؤلاء لم يكن قليلا.من الآثار

بدأ المسلمون العرب وغير العرب يستوطنون الصين ويتكاثرون فيها منذ عهد أسرة تانغ، ثم انتشروا في مختلف أنحائها من حيث الكل وتجمعوا في مناطق معينة من حيث الجزء. وأقاموا اقتصادهم على الزراعة، بينما بقي جزء منهم يمارس التجارة والصناعة اليدوية. والتجارب المرة التي عاشوها والعقيدة المشتركة التي اعتنقوها طيلة الفترات التاريخية وضعت أساسا لعقليتهم المشتركة، حتى تهيأ لهم المناخ في عهد أسرة يوان لتكوين قومية هوى؛ فبدأ هذه القومية فعلا باعتبارها عضوا في أسرة الأمة الصينية تخطو على طريق النشوء والتكوين.من الآثار

وتمشيا مع الازدياد الحاد في عدد المسلمين واستيطانهم في مختلف الأماكن أنشأت حكومة مينغ "مركز (Hadi) أبناء هوى للإشراف على الشؤون الدينية" ليكون مسؤولا عن القضاء. أما (Hadi) فهي اللفظة المقابلة لكلمة "قاضي" في اللغة العربية، وكان المأمور الأدنى من (Hadi) يدعى (Sisu). ومركز القاضي هذا قد ظهر في عهد أسرة تانغ وأسرة سونغ، إلا أنه كان مقتصرا على المدن التجارية الكبرى، أما في عهد أسرة يوان فقد عم البلاد كلها. وبالإضافة إلى ذلك كان في الحكومة المركزية والحكومات المحلية أجهزة خاصة وموظفون متفرغون للعناية بشؤون المسلمين مثل "ديوان شؤون المسلمين" و"إدارة شؤون المسلمين" و"دار محفوظات المسلمين" و"مفوض فيلق المسلمين من القوات البحرية المنغولية" و"مأمور شؤون المسلمين" و"هيئة الأرصاد الفلكية الإسلامية" و"المؤسسة الخيرية العامة" (مؤسسة تعني بالعقاقير الطبية الخاصة بالمسلمين، والتي كانت الأسرة الإمبراطورية تستخدمها لعلاج المرض من الحرس المسنين والمساكين في العاصمة)، و"معهد اللغة الويغورية" .. الخ.من الآثار

كما أنشئت نتيجة لهذا الازدياد الحاد في عدد المسلمين مساجد وجوامع في مختلف الأماكن بما في ذلك المدن الواقعة في أطراف البلاد. فقد وجد في خراخوروم مثلا مسجدان، على جدران كل منهما لوحات في أصول الشريعة الإسلامية. وفي مسجد محافظة دينغشيان الذي أعيد بناؤه في العام الثامن من فترة تشى تشنغ في عهد أسرة يوان (1348) نصب تذكاري لإعادة بنائه، عليه "نقش إعادة بناء المسجد" القائل "إن الجهة الغربية هي قبلة من يصلي سواء كان في هذا المسجد أو في أي من المساجد الأخرى بما في ذلك المساجد القريبة في العاصمة، والمساجد البعيدة في أنحاء البلاد، وعددها يزيد عن عشرة آلاف مسجد" (6). وقال ابن بطوطة "في كل مدينة من مدن الصين حي خاص للمسلمين ينفردون فيه بسكناهم، ولهم فيها المساجد لإقامة الجمعة وسواها" (7). ووصف كانتون يقول "في بعض جهات هذه المدينة بلدة المسلمين، ولهم بها المسجد الجامع والزاوية والسوق. ولهم قاض وشيخ. ولا بد في كل بلد من بلاد الصين من شيخ الإسلام، تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه، والقاضي يقضي بينهم" (8). وبالرغم من أن القول الوارد في ((نقش إعادة بناء المسجد)) حول المساجد أن "عددها يزيد عن عشرة آلاف مسجد" لا يخلو من المبالغة، إلا أنه جاء دليلا أكيدا على أن المسلمين في عهد يوان قد بنوا المساجد في مختلف أنحاء الصين، وأنهم كانوا يتمتعون بالحرية في ممارسة عباداتهم. من الآثار

كان المسلمون في عهد أسرة يوان متميزين بقوة اقتصادية هائلة ومكانة سياسية رفيعة. وكانت سلطة الحكم في الصين طوال عهد أسرة يوان، المركزية منها والمحلية، تضم مسلمين يتقلدون مناصب عالية. ولعل والى شيانيانغ شمس الدين الذي ذكر في الباب الثاني من هذا الكتاب و(Pushougeng) الذي ذكر في الباب الثالث دليل كاف على ذلك. وقد اكتشف الأستاذ باى شيو يى بالاستناد إلى ((تاريخ يوان -- جدول كبار الوزراء)) و((تاريخ يوان الجدول الزمني لكبار الوزراء)) أن عدد المسلمين الذين شغلوا مناصب وزارية في الحكومة المركزية قد بلغ ستة عشر شخصا. كما اكتشف بالاستناد إلى ((الجدول التاريخي لكبار الوزراء في المقاطعات في عهد أسرة يوان)) بقلم وو تينغ شى و((تاريخ يوان الجديد الجدول التاريخي لكبار الوزراء في المقاطعات)) أن عدد المسلمين الذين شغلوا مناصب وزارية في المقاطعات قد بلغ اثنين وثلاثين شخصا. كما كان هناك عدد غير قليل من المسلمين الذين حققوا منجزات بارزة في مجال العلوم، منهم على سبيل المثال العالم الفلكي جمال الدين والأديب شمس الدين والعالم المعماري اختيار. من الآثار

ويبدو أن تطور الإسلام في عهد أسرة يوان قد تميز إجمالا بالخصائص التالية (9):من الآثار

1)  بينما استوطن عدد كبير من المسلمين في الصين في عهد أسرة يوان اعتنق الإسلام عدد كبير أيضا من أبناء مختلف القوميات في الصين، فأمدوهم بمزيد من العناصر الصينية الجديدة.من الآثار

2)  سبق للمسلمين الذين قدموا الصين قبل عهد أسرة يوان أن اعتبروا أنفسهم أجانب، غير أنهم صاروا مع حلول ذلك العهد يعتبرون أنفسهم صينيين.من الآثار

3)  كان المسلمون في بداية وصولها إلى الصين لا يسمح لهم بالاستيطان إلا في المراكز التجارية الكبرى، ومن ثم سمح لهم بالتنقل بين المدن الكبرى. أما في عهد أسرة يوان فكانوا منتشرين في مختلف أنحاء الصين لأنهم أصبحوا يعتبرون صينيين يحق لهم أن يقيموا في أي مكان يحلو لهم.من الآثار

4)  بالرغم من أن المسلمين في الصين كانوا قد قوبلوا باحترام عقيدتهم، إلا أن أبناء البلاد لم يكونوا يعلمون عن الإسلام كثيرا. أما في عهد أسرة يوان فقد أصبح الإسلام يلقى من الحكومة ما تلقاه الديانات الأخرى من العناية، إذ أحاطته بالاهتمام، وبسطت حمايتها على المسلمين، وجعلت تكل إليهم المهمات العظيمة.من الآثار

وهذه الخصائص كلها تدل على أن تغيرا جوهريا قد طرأ على أحوال نشر الدين الإسلامي في الصين، وهو أن الإسلام قد أخذ يتحول في الصين تدريجيا من مجرد دين دخيل إلى دين أهلي.من الآثار

بداية اصطباغ الإسلام بالألوان الصينية في عهد أسرة مينغ

اتبعت حكومة مينغ مع المسلمين سياسة التقريب والتسامح، فقد أصدر الإمبراطور تاى تسو أوامر بإنشاء مساجد جنوب نهر اليانغتسى ومقاطعة شنشى. وفي العام الخامس من فترة يونغ له (1407)، أصدر الإمبراطور تشنغ تسو مرسوما خاصا أثني فيه على أمير الحج الذي عمل على نشر الإسلام فقال إنه إنسان "مؤمن بدين محمد ومتفان في الأعمال الخيرية، يعين الصالحين ويبر ذوي الهيبة وينذر نفسه للبلاد"، ثم تابع يقول: "ونظرا للخدمات التي سبق له أن قام بها، والتي تستحق الثناء والتقدير، نصدر هذا المرسوم خصيصا، معلنين فيه عن رغبتنا في أن يكون هو وما يخصه تحت كنف الأسرة الإمبراطورية، حيث لا يسمح لأي فرد من الموظفين أو العساكر أو الرعية بأن يمسه بسوء. "كانت أسرة مينغ تهتم بإنشاء المساجد وحماية أئمة الإسلام رغبة في استمالة المسلمين. وربما كان لذلك صلة أيضا بالأمجاد الحربية التي سجلها القواد المسلمون لتأسيس أسرة مينغ ذاتها.من الآثار

وبالرغم من أن سلطة مينغ كانت متسامحة مع الدين الإسلامي، غير أنها وضعت حدا لتطوره، فقد ورد في ((نظام مينغ)) مواد تقول "وكل من يعيش على وجه الأرض من أبناء شايمو المنغوليين يباح لهم أن يتزوجوا بالصينيات أو بالعكس، ولا يسمح لهم أن يتزاوجوا فيما بينهم. ومن خالف من شاب أو شابة، يضرب بالعصا ثمانين ضربة ويصادر حقه المدني ويصبح قنا. والملاحظات الأصلية الملحقة بالنص تقول "أما تحريم الزواج فيما بين أبناء شايمو المنغوليين فمخافة أن يتكاثر أفراد قبائلهم". إذ أن المسلمين كانوا يشكلون السواد الأعظم منهم، فقد وضع هذا الحد رغبة في الاحتياط من المسلمين أو رغبة في احتوائهم.من الآثار

إن قومية هوى باعتبارها جزءا من الأمة الصينية قد تم تكوينها في عهد أسرة مينغ، وكانت شنشى وقانسو ونينغشيا ويوننان أهم ديارها. كما كان أبناؤها يعيشون موزعين على امتداد شاطئ القناة الكبرى التي تمتد بين هانغتشو وتونغتشو، وفي بكين ونانجينغ وكانتون وغيرها من المدن، وفي تشجيانغ وهونان وقوانغشى وقوانغدونغ وسيتشوان وغيرها من المقاطعات. وكوّنوا  لهم مشاعر قومية مشتركة ، وإن شاركوا بني هان في اللغة حديثا وكتابة . وقام الإسلام باعتباره عقيدة أبناء قومية هوى بدور عظيم في تكوين عقلية وعادات وتقاليد خاصة بهم، وبدور عظيم أيضا في تطوير اقتصادهم الاجتماعي. وقد برز في عهد أسرة مينغ عدد غير قليل من الشخصيات المعروفة، مثل تشانغ يوى تشون الذي سجل أمجادا في تأسيس الأسرة الإمبراطورية، والذي شغل مختلف المناصب الرسمية حتى ولاية هوبى، ومنح بعد وفاته لقب أمير كايبينغ؛ ومو ينغ الذي منح لقب أمير تشياننينغ بعد وفاته؛ وتشنغ خه الذي قام بسبع رحلات إلى المحيط الهندي؛ وكذلك المفكر النابغة لى تشى.من الآثار من الآثار   

(البقية في العدد القادم)                                         

ملاحظات:

(1)    شى كون بين: ((موجز التعريف بمسجد نيوجيه))، المنشورة في ((المسلمون في الصين))، عام 1981، عدد 2.من الآثار  

(2)    ((تاريخ منغول لدوسانغ))، ترجمة فنغ تشنغ جيون، دار الصين، بكين عام 1962، جـ 2 ص 6. 2.من الآثار

(3)    راجع ((رسل البابا في منغوليا))، الطبعة الصينية، دار العلوم الاجتماعية، عام 1983، ص 3. 2، ترجمة خه قاو جى عن من الآثار

 Edited by Chirstopher Dawson,London and Newyork,1955 (( ((The Mongol Mission من الآثار

(4) كانت سلطة شيشيا تسمى تانغوو عند أسرة يوان، وكانت تشمل ما يقابل شمالي نينغشيا وشمال غربي قانسو وشمال شرقي تشينغهاى وجزءا من غربي منغوليا الداخلية في الوقت الحالي.من الآثار

(5)    راجع رشيد الدين: ((جامع التواريخ))، الترجمة الروسية، موسكو، عام 1960، جـ 2 ص 208.من الآثار

(6)       سون قوان ون: ((تذييل نقش النصب لإعادة بناء المسجد))، المنشورة في ((الآثار)) عام 1961، عدد 8، ومكتبة جامعة بكين تحتفظ بنسخة من الأوراق المنسوخة من هذه المقالة.من الآثار

(7)        ((رحلة ابن بطوطة))، ص 247248.من الآثار من الآثار

(8)        نفس المصدر السابق، ص 254.من الآثار

(9)     ((المسلمون والإسلام في عهد أسرة يوان)) للأستاذ باى شو يى، ترد هذه المقالة في ((مخطوطات تاريخ الإسلام في الصين)).من الآثار

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

كلنا شرق
Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.