محتويات العدد 9 سبتمبر (أيلول)  2003 

((تاريخ العلاقات الصينية العربية))

تأليف: قوه ينغ ده
ترجمة: تشانغ جيا مين

(بقية الباب الرابع)ب

الفنون الشعب

تركت الفنون العربية بما فيها العمارة والموسيقى والرسم والزي أثرا في الأقليات الصينية الإسلامية بدرجات متفاوتة. الشعب

وأثر العمارة والرسم يتمثل بصورة رئيسية في مباني المساجد والجوامع، فمسجد هوايشنغ في كانتون يتميز بالأسلوب المعماري العربي، ومئذنته المسماة برج النور والمنتصبة في شكل أسطواني، تطاول عنان السماء بمسلتها خلافا للبرج الصيني ذي الطوابق المتعددة من الطوب والخشب. وقد ورد في نقش ((نصب إعادة بناء مسجد هوايشنغ)) تعريف يقول: "وتحت السحب البيضاء وفي أحضان الجبال يقوم هذا المبني الديني، وهو من حيث الطراز كأنه منقول من المناطق الغربية، ومن حيث المنظر كأنه صخرة منتصبة، فلا مثيل له في أواسط البلاد." وخلاصة القول إن مسجد هوايشنغ قد بني متأثرا بالهندسة المعمارية الإسلامية، ولم يسبق له نظير في الصين. ومسجد شنغيو الذي بني في مدينة الزيتون في العام الثاني من فترة داتشونغ شيانغ فو (1009- 1010) في أسرة سونغ الشمالية متشابه جدا من حيث بوابته وتصاميم سقف قبته والأسلوب المعماري للطريق المبلط المؤدي إلى بنائه الرئيسي مع مباني المساجد التي كانت شائعة في بلاد العرب في القرون الوسطى. والمبني الرئيسي من مسجد فنغهوانغ بهانغتشو يحاكي في مظهره المساجد العربية، إذ يتوسطه مدخل مقوس على شكل تويج الزهرة، وينتصب على كل جانب منه برج رمزي، وسطحه مسيج بحيطان خفيضة مزخرفة ببتلات اللوتس، وذلك كله يدل على الأسلوب المعماري الإسلامي. أما قاعة الصلاة فيه "فتقع في مؤخره بحيث تبدو جبهتها أعظم من عمقها، مثل المساجد التقليدية في غربي آسيا" (1). وسقف قبتها منقوش بالأزهار والأعشاب، وهي من الزخارف العربية الزاهية الألوان. ومسجد نيوجيه في بكين يمثل ببنائه وتوزيعه "فنا يجمع بين عمارة القصور الصينية التقليدية والعمارة العربية، بحيث يضفي على التركيب الخشبي من المباني الصينية الزخرفة العربية الصاخبة، فيشكل الطراز الفريد الذي تتميز به العمارة الإسلامية في الصين" (2). وعلى الواجهة من البناء الرئيسي من هذا المسجد شبابيك ذات شعرية تحمل زخارف من الكتابات العربية، وفي داخله رواق مكون من واحد وعشرين عقدا فوق عشرين عمودا مكتوبا عليها آيات قرآنية وتعابير مديح للنبي بالخط العربي النابض بالقوة، وخصوصا الخط الكوفي، و"الزخارف البديعة من أزهار الساعة تعلوها مذهبة أو مبيضة على أرضية حمراء. كما أن سقف القاعة منقوش بعبارات التسبيح وأسماء الله عز وجل" (3) فتبدو مشرقة مهيبة. ومسجد هواجيويه في شيآن تتوزع مختلف أقسامه بما فيها قاعة الصلاة والجوسق وقوس البوابة في تناسق تام ، و" يجمع بين تقاليد العمارة الصينية وفن العمارة الإسلامية في منظر رائع من التوافق والانسجام  " (4). الشعب

أما في سينكيانغ فإن جامع عيد كاه في كاشغر وبرج سوقونغ في تروبان يتميزان كذلك بالأسلوب العربي الإسلامي. الشعب

لقد سبق للصين وغربي آسيا أن شهدتا قبل الميلاد تبادلا فنيا في مجال الموسيقى. وفي أواسط القرن العاشر أصبح إسلام الدولة القرخانية نقطة تحول كبرى في تحول سينكيانغ إلى الإسلام، فترك هذا أثرا عميقا في تاريخ الحضارة في سينكيانغ وآسيا الوسطى. فالدولة القرخانية التي كانت تقع على القسم الهام من طريق الحرير قد شهدت ازدهارا في العلوم، وأصبحت ملتقى للحضارات الشرقية والغربية، وقد اشتهرت (Balashagun) وكاشغر – عاصمتاها في فترات متفاوتة – في أرجاء العالم، حيث كانت الحضارة العربية الإسلامية والحضارة التركية ممتزجتين، فتكونت الحضارة التركية الإسلامية. وكانت الموسيقى العربية تلتقي بالموسيقى الويغورية فتقتبس كل من الأخرى، الأمر الذي ساعد على تطور كل منهما، بل أحدث تأثيرات في الموسيقى في أواسط البلاد. الشعب

في الآلات الموسيقية (5): قد ظهرت في مصر قبل ثلاثة آلاف سنة آلة موسيقية تسمى "جونق" أو "هابو"، وقد استعملت هذه الآلة الموسيقية في آشور قبل ألفي سنة قبل الميلاد، وكانت تسمى "سنكا"، ثم نقلت إلى فارس، وسميت "Cank"، ومن ثم نقلت إلى كوتشار وإلى أواسط بلاد الصين، فسميت "كونغهو"، ومن ثم نقلت إلى كوريا واليابان. و"كونغهو" لفظة محرفة عن"Cank"، و"بي – با" (اسم مختصر لبيبا المعوجة العنق) قد انحدرت من بلاد ما بين النهرين، وبدأ استعمالها في فارس في القرن الثامن قبل الميلاد، ثم نقلت إلى كوتشار فيما بين عهد تشين وعهد هان حيث أدخل عليها تحسين، ومن ثم نقلت ثانية إلى أواسط البلاد. وكان العازف عليها يعتمد على الريشة. ثم ظهر بي شينغ نو أول من عزف عليها بالأصابع بدل الريشة، وكان فنانا من شوله (Shule) في سينكيانغ. والصنج النحاسي الذي يعود أصله إلى آشور قد نقل إلى المناطق الغربية في عهد هان تقريبا، وبدأ استعماله في أواسط البلاد في عهد جين الشرقية (317- 420). والسنطور آلة موسيقية من ابتكار الآشوريين، وقد نقلت إلى بلاد الصين عبر فارس؛ وآلة اليانغ- تشين تطوير لهذه الآلة. والدافو آلة ويغورية يعود أصلها إلى بلاد العرب. والربابة آلة وترية من ابتكار العرب، وكانت أحادية الوتر في البداية، ثم تحولت إلى ربابة رأس الحصان المنغولية ذات الوترين، وإلى الكمنجا الفارسية ذات الوترين. ولما تبناها الويغور، سموها "خرزك". وهي آلة ذات مرنان مستدير ووترين، ويعزف عليها بالقوس. ولما نقلت إلى أواسط البلاد، سميت "الهو – تشين"، ثم تطورت ثانيا إلى "الأرهو"، و"الجينغهو" و"البانهو" و"السيهو". ومن الآلات الويغورية ما يسمى بأسماء الآلات العربية، غير أنها آلات أخرى لا تمت بصلة إلى مسمياتها في البلدان العربية. والطنبور الويغوري ذو الأوتار الخمسة هو ما تطور من العود العربي. أما الطنبور العربي فهو آلة رباعية أو سداسية الأوتار. والربابة الويغورية آلة وترية نقرية، أما الربابة العربية فآلة وترية قوسية. والناي الويغوري مزمار أفقي، أما الناي العربي فمزمار عمودي أطول. الشعب

في المقامات: إن "مقامات" لفظة عربية مفردها مقام، ومدلولها الأولي أنها أسلوب من أساليب الأدب العربي يتضمن قصة قصيرة مسجوعة، ثم تحولت في القرن الثالث عشر إلى اصطلاح موسيقي يمثل اثني عشر سلما أساسيا من الموسيقى العربية الإسلامية التي أبدعها الفيلسوف والموسيقار ابن سينا التاجكي (980- 1037)، ثم شهدت تطورا متكررا خلال فترات تاريخية طويلة، فظهرت لدى الشعوب الإسلامية مقامات متباينة الأساليب. والمقامات الويغورية تمثل مجموعات تقليدية من الألحان التي تجمع بين "لحن الغناء"، و"لحن الرقص"، و"لحن الجواب" وهو لحن سريع يأتي غالبا في ختام اللحن الغنائي. وظل الويغوريون يحتفظون في مقاماتهم بمجموعات الألحان الثلاث (Lake) و(Wushake) و(Wuzale) -  (الرقة والعشاق والعذال) – التي أبدعها الفيلسوف والموسيقار العربي الفارابي التركي الأصل (870- 950)، هذا إلى جانب المصطلحات الموسيقية العربية والألفاظ والتعابير العربية التي أدخلوها عليها أو الآثار التي تركتها الأوزان والقوافي العربية فيها. الشعب

اللغة الشعب  

دخلت اللغة العربية الصين مع دخول الإسلام إليها. ومعروف أن كثيرا من المسلمين يتعلمون اللغة العربية منذ نعومة أظفارهم، ويقرأون القرآن الكريم باللغة العربية، وإن الويغور والقازاق وغيرهما من الأقليات التي تنطق لغات الترك، ظلت تكتب لغاتها بالأبجدية العربية، وتبنت عددا كبيرا من المفردات العربية، بينما اتخذت اللغة العربية هي الأخرى عددا من المفردات من لغات الترك. وقد بدأت الأبجدية العربية تحل محل الأبجدية الويغورية الكلاسيكية في زمن الدولة القرخانية، كما أن اللغة العربية كانت لغة متداولة في كاشغر. وقد وضع كتابان ضخمان معروفان في العالم في زمن الدولة القرخانية: ((ديوان لغات الترك)) و((الحكمة مفتاح السعادة)) اللذان بقيا درتين مشرقتين في تاريخ الحضارة الويغورية وتحفتين في تراث حضارة الأمة الصينية، وقد ألقى العرب ظلالهم على كل منهما من حيث اللغة والأدب. الشعب

إن ((ديوان لغات الترك)) قاموس للتركية – العربية، والتركية كلها مكتوبة فيه بالأبجدية العربية. ومؤلفه محمود الكاشغري المنتسب إلى الويغور في كاشغر، وكان متقنا للغة العربية، وقد أمضى في سينكيانغ وآسيا الوسطى وكبتشاك بضع عشرة سنة في دراسة التاريخ واللغة والأدب والفلك والخغرافيا والملامح الطوبوغرافية والنوادر والنقوش والنباتات والحيوانات والطيور والحشرات والعادات والتقاليد والأزياء والأدوات .. الخ. ووصل إلى بغداد في نهاية الستينات من القرن الحادي عشر، وقدم إلى الخليفة العباسي المقتضي أول قاموس في العالم للغتين التركية والعربية، ألفه استجابة لرغبة العرب في دراسة لغات الترك، وضم بين دفتيه ما يزيد على سبعة آلاف مادة لغوية (وألحقت به خريطة للعالم)، ويعتبر أول موسوعة خاصة بسينكيانغ وآسيا الوسطى لوفرة ما فيه من مواد. هذا وقد أدرج فيه أكثر من مئتي أغنية شعبية وأكثر من مئتي مثل أو حكمة من الويغور وغيرها من القبائل التركية، وكلها ذات قيمة أدبية كبيرة. والنسخة المخطوطة الوحيدة لهذا القاموس لا تزال محفوظة الآن في المكتبة الوطنية في تركيا. الشعب

وديوان ((الحكمة مفتاح السعادة)) ("علم السعادة" بالترجمة الحرفية) ليوسف خاص حاجب من مواليد (Balashagunوكان قوى الإيمان وشاعرا نابغا وفيلسوفا ومفكرا. وقد تم نظم هذا الديوان عام 1070، وضم بين دفتيه ثلاثة عشر ألف بيت أو أكثر من القصائد القصصية، ويعتبر أول عمل أدبي ضخم باللغة الويغورية الكلاسيكية (من العلماء من يرى أن صياغته الأولية كانت باللغة الويغورية المكتوبة بالأبجدية العربية، ثم نسخ بعد ذلك باللغة الويغورية الكلاسيكية)، والقصائد فيه تسبيح لله وتمجيد للرسول ونصائح للحكام بأن يتمسكوا بالعدل والحكمة والقناعة حيث رسم لاستقرار الدولة القرخانية مشروعا من ثلاث نقاط ليلتزم به الحكام والرعية على حد سواء. وهذه النقاط هي الاستفادة من العلم لأحياء الضمير لدى الإنسان، والاستعانة بالأخلاق للحد من التصرفات الشخصية، واللجوء إلى القانون لصيانة سلطة الحكم. وهكذا مثلت هذه القصائد رغبة أبناء الشعب في الاستقامة والعدل والأمن والاستقرار إلى حد معين، ومزج فيها بين الحضارة القومية والحضارة الواردة في وحدة متكاملة بأسلوب بديع وحكم غنية، فبقي ديوانه هذا عملا خالدا في تاريخ الأدب الويغوري. لقد تبني الشاعر أوزان الشعر العربي التقليدي في قصائده وصاغها صياغة ثنائية، لذلك كانت قصائده أول منظومات ثنائية موزونة في تاريخ الأدب الويغوري. ولديوان ((الحكمة مفتاح السعادة)) ثلاث نسخ مخطوطة، نسخة بالويغورية الكلاسيكية محفوظة إلى الآن في مكتبة فيينا، ونسختان بالويغورية المكتوبة بالأبجدية العربية، إحداهما محفوطة في مركز البحوث الشرقية التابع لأكاديمية العلوم في أوزبكستان، والأخرى قد سبق لها أن حفظت في مكتبة الخديوي بالقاهرة. الشعب

2- إسهامات الحضارة الصينية في الحضارة العربية الشعب

لقد سبق للعرب أن أعجبوا بالحضارة الصينية في زمن مبكر جدا. فقد قدم العلماء من الأندلس إلى الصين طلبا للعلم رغم مشقات السفر الطويل (6). وكان العلماء العرب يكيلون للعلوم والتقنية الصينية آيات المديح، إذ أثنوا على ذكاء الصينيين ومهاراتهم اليدوية، ورأوا أن بين أعمال الفنون الجميلة الصينية ما لا يضاهيه شيء من فنون العالم المماثلة، وأن كثيرا من هذه الفنون الصينية تبدو كأنها ضرب من السحر والخيال. وكان العرب يعجبون بالسلع الواردة من الصين، فيلحقون لفظة "صينية" بكثير منها إشارة إلى موطنها وتأكيدا على حسن جودتها وإتقان صناعتها.  الشعب   

(البقية في العدد القادم)  الشعب          

ملاحظات:الشعب

(1)   يانغ شين بينغ: ((الفن المعماري بمسجد فنغهوانغ في هانغتشو))، ((المسلمون في الصين))، عام 1982 عدد 3. الشعب

(2)       شي كون بينغ: ((تعريف موجز بمسجد نيوجيه))، ((المسلمون في الصين))، عام 1981 عدد 2. الشعب

(3)       نفس المصدر السابق. الشعب

(4) جين جينغ كون: ((نوادر عن العلاقات الصينية العربية في التاريخ))، ((العالم العربي))، عام 1989 عدد 3. الشعب

(5) وفيما يتعلق بالآلات الموسيقية والتبادل الفني الخاص بموسيقى المقامات فيما سيأتي من هذا الفصل، راجعت مؤلف تشو تشينغ باو تحت عنوان ((الفنون الموسيقية على طريق الحرير))، دار الشعب للنشر في سينكيانغ، عام 1988. الشعب

(6)   راجع العباس أحمد بن محمد المقري (1591- 1631): ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) ليدن، 1855، جـ 1، ص 144، و((تاريخ العرب)) ص 578. الشعب

 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

كلنا شرق
Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.