اجتياز وادي تشيتسانغ
هو جيون
على مسافة غير بعيدة من حديقة جيوتشاي الوطنية المشهورة بولاية آبا الذاتية الحكم لقوميتي التبت وتشينغ بمقاطعة سيتشوان، يربض "وادي تشيتسانغ" ذو المناظر الساحرة. هذا الوادي الذي يقع في منطقة مرتفعة كثيرا عن البحر، الطرق إليه وعرة، وتنعدم فيه سبل الاتصال، ولا يمكن الوصول إليه إلا سيرا على الأقدام. لهذا، لا يذهب إليه إلا نفر قليل من الناس فظل محافظا على طبيعته البكر.
في مغامرة من نوع خاص، استطاع تسعة أفراد، كنت واحدا منهم، اجتياز ممر جبلي ضيق يرتفع أكثر من أربعمائة متر عن سطح البحر. وسط هذه الطبيعة العذراء، كانت الرياح مسكننا والندى غطاءنا ونحن نجتاز وادي تشيتسانغ. في الحقيقة، وصلنا إلى حافة الانهيار عدة مرات، وكدنا نتخلى عن فكرة مواصلة مغامرتنا، ولكننا في النهاية تغلبنا على كل الصعوبات وتمتعنا بجمال الطبيعة البرية العذراء لوادي تشيتسانغ.
الاستعداد
قبل الإقدام على هذه المغامرة، قرأنا كثيرا عن وادي تشيتسانغ، ودرسنا أحوال كل الطرق إليه، وعرفنا طول كل ممر جبلي فيه، وتعرفنا على أفضل الأماكن لنصب خيامنا. وتناقشنا مع مرشدنا السياحي حول طريق العودة. قبل الانطلاق، أعددنا جميع تجهيزات ولوازم رحلتنا، من حقائب وخيام وأكياس نوم ومفارش مقاومة للرطوبة ومصابيح الإنارة التي تربط بجبهة الرأس، وصفارات وسكاكين، وأكثر من عشرين نوعا من الأدوية الضرورية، مثل أدوية الزكام والالتهاب المعوي والمعدي والحساسية ودوار الهضاب وأدوية علاج الالتهابات والإصابات التي قد تحدث بسبب السقوط أو الدوار، وأدوية علاج الرضوض والإجهاد، لمواجهة كافة الاحتمالات.
في الخامس عشر من أكتوبر سنة 2011، انطلقنا من بكين إلى مدينة سونغبان القديمة، ومررنا بمدينة تشنغدو، حاضرة مقاطعة سيتشوان، التي كان الجو فيها باردا فارتدينا ملابس ثقيلة. وفي المساء، تناولنا طعاما شهيا في أحد مطاعمها، لم نذق مثله إلا بعد عدة أيام. بعد تناول الطعام، ألقينا نظرة على أمتعتنا للتأكد من عدم نسيان أي شيء، واستحم كل منا، لأننا نعلم أن الاستحمام في الأيام التالية لرحلتنا قد يكون مستحيلا.
وادي كاكا
بلدة تشوانتشوسي بمحافظة سونغبان هي المعبر الحدودي إلى محافظة جيوتشايقو ومنطقة هوانغلونغ السياحية. وصلنا إلى وادي كاكا بمحافظة سونغبان، فهو الدرب المؤدي إلى وادي تشيتسانغ.
في اليوم الأول، قطعنا نحو ستة عشر كيلومترا، وفقا لخطتنا. الأرض المنحدرة برفق لم تجعلنا نشعر بصعوبة في المشي. في بداية رحلة السير، رأينا غابة من الأشجار على جانبي الطريق، منظر الشجيرات الحمراء مع الجبل البعيد والسماء الزرقاء والسحاب الأبيض، أسرّنا وأدخل البهجة إلى نفوسنا، وأذهب عنا قلق الشعور بدوار الهضبة. كل أعضاء الفريق يعشقون التصوير، فكان معظمهم يحملون كاميرات تصوير كبيرة وصغيرة، وكلما رأوا منظرا بديعا أسرعوا في التقاط الصور له. وكان مرشدنا "لاو تشاو" لطيفا وصبورا، فلم يحثنا على الإسراع بالمشي، بل كان ينتظرنا دائما، ويلتقط لنا الصور، ويسير أمامنا بعد الانتهاء من التصوير.
بعد حوالي ساعتين من المشي، رأينا حاجزا، في الحقيقة، كان عبارة عن مرعى على الهضبة. سياجات المرعى تبدو متميزة وواضحة تحت السماء الزرقاء على الهضبة الواسعة. قال لاو تشاو إننا على مقربة من بعض البيوت، وقد يمكننا احتساء الشاي بالحليب وتناول بعض الأطعمة عند أهلها. رأينا دارا خشبية بسيطة، أمامها أرض معشوشبة تزهو باللون الأخضر تحت أشعة الشمس. الشاي بالزبد والشاي بالحليب يساعدان في تجنب دوار الهضبة. أعد لنا صاحب الدار الشاي بالزبد، وقدم لكل واحد منا قدحا كبيرا من ذلك الشاي، الذي كان يحتوي على دقيق شعير الهضاب والزبد والسكر. وقد شربنا، وبالأحرى، تناولنا هذا الشاي. بعد ذلك صعدنا إلى شرفة الدار، ونظرنا إلى الأفق البعيد، عندها أدركت أننا في جنة لزهور الخوخ!
تقريبا كل من زاروا وادي تشيتسانغ مروا بتلك الدار، ولكن القليل منهم مكث فيها ورأى تلك المناظر الساحرة. تملكتنا الرغبة في التصوير، فالأجواء المريحة في الدار وجمال الطبيعة من حولها ثمار لم نتوقعها. لم أعد أفضل أن أسير بلا هدف لقطع مسافات محددة بدون الانتباه لجمال الطبيعة على الطريق، حتى وإن كان الغرض هو الوصول إلى منطقة سياحية. وذلك يشبه حياة الإنسان، فإذا أهملنا التمتع بالسعادة في كل لحظة منها، وحصرنا أنفسنا في قالب لتحقيق هدف معين، ستفوتنا فرصة التمتع بملذات الحياة. وعندما نصل إلى نهاية حياتنا، نكتشف أننا عشنا حياة بائسة ومملة. وصلنا إلى المكان الذي سنخيم به في الساعة السادسة والنصف مساء. يقع هذا المكان بجوار جدول ماء. فتحنا حقائبنا وبدأنا في نصب خيامنا. لطالما كنت أعتقد أن نصب الخيام عمل شاق بالنسبة لي، ومقارنة مع مشقة السير، اكتشفت أن نصب الخيام أكثر مشقة وجُهدا. قام زملائي بحفر حفرة بالقرب من المخيم، كانت بمثابة دورة المياه لنا.
تتفاوت درجات الحرارة في هذه المنطقة بين الليل والنهار، وتختلف اختلافا كبيرا، حيث تصل إلى أكثر من عشر درجات أثناء النهار، ولكنها تنخفض إلى تحت الصفر في الليل. في هذا الجو المتقلب، كان يكفي كل منا أثناء النهار أن يرتدي قميصا فقط أثناء المشي، لكن إذا توقفنا للراحة، كان لا بد من ارتداء معطف. كنا في الليل، نرتدي ملابس ثقيلة. لقد تعرضت أجسامنا لاختبار قاس مع اختلاف درجات الحرارة بين الليل والنهار. كان علينا تغيير ملابسنا باستمرار لتجنب الزكام.
انتهينا من عشائنا في الساعة الثامنة مساء، ثم قمنا بتسخين الماء في قدر كبيرة، وملأنا كل الترامس بالماء الساخن، ثم أعددنا إبريقا من الشاي، وجلسنا حول النار نحتسي الشاي. رغم أننا شعرنا بتعب شديد، كانت قلوبنا ومشاعرنا ممتلئة بالدفء. كنا نعلم أن الرحلة في اليوم التالي ستكون أكثر تعبا، لأننا سنجتاز ممرا جبليا يرتفع عن سطح البحر أربعة آلاف ومائتي متر، ولكننا نعلم أيضا أن أجمل مناظر رحلتنا في انتظارنا!
بحيرة تشانغهايتسي
قبل انطلاقنا، حددنا على الخريطة الإلكترونية وجهتنا، ورأينا منطقة مقفرة بدون رمز جغرافي. بعد تكبير الخريطة أضعافا، رأينا رمزين جغرافيين: بحيرة تشانغهايتسي وبحيرة هونغشينغ. خططنا أن نمشي أكثر من عشرة كيلومترات في اليوم الثاني، وكان هدفنا الرئيسي الوصول إلى بحيرة تشانغهايتسي.
استيقظنا من النوم في الساعة السابعة صباحا، وكان ظلام خفيف يلف المكان، والسماء الزرقاء تطل من أعلى الجبل، دليلا على أن الجو سيكون صافيا، فزال قلقنا من سقوط المطر. اختصارا للوقت، تناولنا وجبتي الفطور والعشاء فقط في ذلك اليوم، وكان غداء كل منا تفاحة ونصف رغيف خبز.
تقع بحيرة تشانغهايتسي أعلى مكان المخيم، فصعدنا الجبل، وبينما نحن في منتصف الطريق نحو القمة الجبلية، صاح أحد زملاء الرحلة: ماء أخضر! رفعت رأسي، فرأيت بحيرة ساكنة خلف الأشجار؛ إنها بحيرة تشانغهايتسي. لم أتمالك نفسي فركضت نحو البحيرة مباشرة. لون مياه البحيرة أخضر يميل إلى الزرقة، ولا أثر لأي حياة فيها.
بدأنا نصعد ممر تشانغهايتسي الجبلي الذي يرتفع أربعة آلاف ومائتي متر عن سطح البحر، وهو أعلى ممر جبلي في رحلة وادي شيتسانغ. بعد ذوبان الثلوج، صار الطريق موحلا والسير عليه أكثر صعوبة. مع الارتفاع عن سطح البحر، تنخفض درجة الحرارة، فتبقى بعض الثلوج متجمدة. إن اجتياز ممر جبلي يرتفع أربعة آلاف متر عن سطح البحر مهمة صعبة لقلة الأوكسجين في الهواء. كانت كل خطوة تستنزف طاقة أكثر، وإذا توقفنا عن المشي تزداد نبضات القلب، ونشعر بصعوبة التنفس.
في الحقيقة، مشقة صعود الجبل أوهنت عزيمتنا، وشعرنا برغبة في التخلي عن الصعود! ومن شدة الشعور بالتعب، كنا لا نريد، بل لا نستطيع إخراج الكاميرات من حقائبنا، ولكننا كنا واثقين بأننا سنندم وقت لا ينفع الندم، إذا ضيعنا فرصة تصوير هذه المناظر الساحرة والنادرة.
استغرقت الرحلة عدة ساعات، وصلنا بعدها إلى الممر الجبلي.
بحيرة هونغشينغ
الذين يسيرون على أقدامهم يسعون إلى الوصول إلى مقاصدهم في أسرع وقت ممكن. وعندما يكون السير في مناطق مقفرة ولمدة طويلة بين الرياح والأمطار والندى، يشتاق السائرون إلى نمط الحياة المريح في المدينة. في اليوم الثاني من رحلتنا، اجتزنا وادي تشيتسانغ، ووصلنا إلى قرية هوانغلونغ، وقد سعدنا كثيرا بالنوم على أسرة دافئة ورأينا بحيرة هونغشينغ.
بحيرة هونغشينغ بحيرة صغيرة على الهضبة، تشتهر بالقمم الجبلية ذات الصخور الحمراء. مياه البحيرة صافية تكشف قاع البحيرة بوضوح.
المناظر المتكررة تصيب المرء بالملل، ولكن هذه المناظر العذراء الخلابة لا يمل منها الناظر إليها. الهدوء التام والبيئة الصافية تنقي النفوس، وقد عرفنا معنى الهدوء الحقيقي في هذه المنطقة المنعزلة.
المسافة بين نهاية بحيرة هونغشينغ وممر بحيرة هونغشينغ الجبلي ليست طويلة، إلا أننا بذلنا جهودا كبيرة لصعود ذلك الممر. مشينا أربع ساعات، وعندما وصلنا إلى سفح الجبل، لم نجد بعض زملائنا الذين كانوا يسيرون أمامنا، فأسرعنا الخطى. استخدمت جهاز التخاطب اللا سلكي في الاتصال بلاو تشاو، فقال إنهم ينتظرونا عند جدول ماء أمامنا. عندما وصلنا إلى زملائنا الآخرين، كانت الثلوج قد بدأت تتساقط، وبدأ الظلام يخيم على المكان، وانخفضت درجة الحرارة بسرعة. قال لاو تشاو إن ما تبقى من الرحلة سيستغرق ساعات، ولكن المياه معنا لم تكن كافية، فملأتُ الترمس من ماء البحيرة. في الحقيقة كان الماء نقيا وعذبا.
اشتد الظلام، وكان لا بد لنا أن نمشي في الليل، فأسرعنا الخطى، وبعد مغادرة منطقة الثلوج، دخلنا غابة، ولم يكن لدينا رغبة لمشاهدة المناظر المجاورة. حثنا لاو تشاو على الإسراع في السير، ولكن بعض الزملاء لم يستطيعوا المشي بسبب التعب الشديد، ولحسن الحظ، نجحنا في السيطرة على معنوياتنا بشكل جيد، وقررنا الراحة لعدة دقائق بعد المشي لنصف ساعة، وأضأنا مصابيحنا، وصمتنا لنحفظ طاقتنا للمشي فقط. فوجئنا بسماع صوت صراخ زميلة لنا سقطت على الأرض، فنظرنا إلى خلفنا، فرأيناها طريحة على جانب الطريق، ولحسن الحظ أنها لم تصب بجروح شديدة، بفضل قبعتها وقفازها وملابسها الثقيلة.
بعد السير إحدى عشرة ساعة، وصلنا إلى قرية هونغلونغ في الساعة التاسعة ليلا. كان لاو تشاو حجز بعض الغرف والأطعمة في منزل بهذه القرية التي دخلناها في الظلام فلم نر أحدا في شوارعها. تناولنا الطعام واتصل كل منا بذويه لطمأنتهم، فقد نجحنا في اجتياز وادي تشيتسانغ!
في اليوم التالي، واصلنا مسيرنا إلى بحيرة تسانغهاي وبحيرة يوانهاي، ثم عدنا إلى قرية هواننغلونغ. كانت المناظر أمامنا رائعة، ولكن الطريق أكثر صعوبة!