الصينيون المسلمون في ساحات الخير (1)

إعداد: يان يويه

 

الصينيون شعب عريق، معروف عنهم طيبة القلب وحبهم لأعمال الخير ومساعدة الفقراء والضعفاء. وهذه الشيم التي تمثل الأخلاق التقليدية للأمة الصينية، حض عليها الدين الإسلامي أيضا، كما جاء في آيات كثيرة من ((القرآن الكريم)). في سورة البقرة، قال الله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (2:177)

الهدف من أعمال الخير التي يقوم بها المسلمون هو تحقيق نوع من عدالة توزيع الثروة ومساعدة الفقراء والمحتاجين. وهذه الأعمال تحقق التماسك الاجتماعي وتدعم أمان وتطور المجتمع في سبيل الوصول إلى مجتمع مستقر.

عمل الخير أمر مستقر في وجدان المسلمين، وقد حافظ المسلمون الصينيون على تقاليد القيام بالأعمال الخيرية. ومع تطور قضية الأعمال الخيرية في الصين، يلعب المسلمون الصينيون دورا كبيرا في هذا المجال.

 

أعمال المسلمين الخيرية في المجتمع الحديث

أولا، إغاثة منكوبي الكوارث

في اليوم التالي لوقوع زلزال ونتشوان في مقاطعة سيتشوان في الثاني عشر من مايو عام 2008، بادرت الجمعية الإسلامية الصينية بإصدار ((اقتراح الجمعية الإسلامية الصينية لمواجهة آثار الزلزال وإنقاذ المنكوبين))، وأرسلته عن طريق الفاكس إلى الجهات المعنية، ونشرته على موقعها على الإنترنت وفي مجلة ((المسلم الصيني)) التي تصدرها الجمعية. تضمن الاقتراح دعوة مفتوحة للصينيين المسلمين للتبرع بما يستطيعون لمساعدة المنطقة المنكوبة.

وعندما وقع زلزال في يويشو في مقاطعة تشينغهاي في الرابع عشر من إبريل سنة 2010، وجهت الجمعية الإسلامية الصينية نداء للتبرع بالأموال على الفور لتلك المناطق المنكوبة. وفعلت نفس الشيء عندما تعرضت تشوتشيوي في مقاطعة قانسو في ليلة السابع من أغسطس عام 2010، لسيول طينية جارفة محملة بالصخور. وقد استجابت معظم الجمعيات الإسلامية المحلية لنداء الجمعية الإسلامية الصينية، وتسابق الصينيون المسلمون إلى تقديم التبرعات المالية والعينية. وحرص أئمة المساجد، في خطبة الجمعة، على شرح رؤية الدين الإسلامي لمواجهة آثار الكوارث وعمليات الإنقاذ ومد يد العون والدعم، لتشجيع المسلمين ودعوتهم لمساعدة المنكوبين. بالإضافة إلى ذلك، تم فتح المجال للراغبين بالقيام بالأعمال الخيرية الدينية عن طريق الإنترنت. وقامت مواقع الإنترنت الإسلامية الصينية بتغطية أحوال المناطق المنكوبة بعد كل كارثة طبيعية، ونظمت حملة للتبرع على الإنترنت. وبذلك وظفت التكنولوجيا الحديثة لخدمة تقاليد الأعمال الخيرية الإسلامية.

كان يوم الـجمعة، السادس عشر من مايو سنة 2008، أول جمعة بعد زلزال ونتشوان، فكانت خطبة الجمعة في الغالبية العظمى من الخمسة وثلاثين ألف مسجد بالصين عن تعاليم الإسلام التي تحض على مساعدة الفقراء وإنقاذ الضعفاء والمساكين. بعدها بدأ الصينيون المسلمون يتبرعون بأموالهم، حتى بلغ إجمالي ما تبرعوا به حتى يوم الثاني والعشرين من مايو  83ر23 مليون يوان. في حملة جمع التبرعات لمنكوبي زلزال ونتشوان، التي نظمها مسجد هويلونغ في قرية بيده ببلدة لينآن في محافظة جيانشوي بمقاطعة يوننان، وصلت التبرعات في ساعة واحدة إلى 6ر104 آلاف يوان. وخلال هذه الحملة تبرع رجل الأعمال المسلم ما يونغ شنغ، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركة هاولونغ بمقاطعة يوننان، بأحد عشر مليونا ومائتي ألف يوان، وتبرع رجل الأعمال المسلم هو تسونغ ليان بياو، مدير مجموعة هاويويه بمقاطعة جيلين، بمليون ومائتي ألف يوان، كما تبرع رجل الأعمال المسلم يه فو تساي بمقاطعة تشينغهاي بمليون يوان.

خلال كارثتي زلزال يويشو وسيول تشوتشيوي في عام 2010، أظهر الصينيون المسلمون حبهم ودعمهم المعنوي أيضا؛ حيث تبرع مسلمو مدينة شينينغ، حاضرة مقاطعة تشينغهاي، بمليوني يوان للمتضررين بالزلزال الذي وقع في مقاطعتهم.

بالإضافة إلى ذلك، أقامت العديد من المساجد صلوات للتعبير عن مواساة المسلمين لأهالي المنكوبين، وهو أسلوب يسهم أيضا في توعية المرء وتهذيبه. من جانب آخر، تسابق الكثير من الصينيين المسلمين للتبرع بالدم للمناطق المنكوبة.

ثانيا، التبرع في مجال التعليم

يحث الإسلام على العلم والتعلم. والتعليم في الإسلام نعمة من الله منحها للإنسان المتعلم ليساهم  بدوره في إيقاظ الروح الإنسانية ورفع مستوى العلم والمعارف والقضاء على الجهل. ويشجع الإسلام على طلب العلم، ويشدد على أن التعلم والدراسة واجب على كل مسلم ومسلمة. لذلك، التطوع لتعليم أطفال المسلمين الفقراء من الأعمال الخيرية الرئيسية في المناطق الفقيرة، ويلعب هذا الأسلوب دورا كبيرا في إنهاض الأسر والمناطق الفقيرة.

في سبتمبر عام 1986، تبرع  رجل الدين المشهور، هونغ وي تسونغ، نائب رئيس المجلس الاستشاري السياسي لمحافظة تونغشين في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، بأربعين ألف يوان و7غرف لإقامة مدرسة هايرو الإعدادية، أول مدرسة إعدادية للطالبات من قومية هوي في محافظة تونغشين، وهي مدرسة داخلية توفر الإقامة للطالبات الريفيات الفقيرات وتقدم لهن معونة شهرية للمساعدة في تلبية احتياجاتهن الأخرى، إلى جانب الطعام والشراب والإقامة. بعد 23 سنة من تأسيسها، تطورت مدرسة هايرو، وأصبحت واحدة من "مائة مدرسة نموذجية لقومية هوي في منطقة نينغشيا" وإحدى "المدارس النموذجية في مدينة ووتشونغ"، تقدم هذه المدرسة مساهمة كبيرة لتطوير تعليم أبناء قومية هوي في محافظة تونغشين.

مذهب شيداوتانغ واحد من مذاهب إسلامية صينية، ظهر في محافظة لينتان لمقاطعة قانسو. يهتم مذهب شيداوتانغ بالتعليم، ويتمسك بفكرة تربية الأكفاء لتقوية الوطن. وقد أقام أتباع هذا المذهب مدرسة بوتسي الابتدائية والمدرسة الابتدائية الرابعة الخاصة ومدرسة تشيشي الإعدادية في لينتان، والمدرسة الابتدائية الثانية بالمدينة القديمة في لينتان وغيرها، لهذا اشتهر مذهب شيداوتانغ بالاهتمام بقضية نشر التعليم بين المسلمين في منطقة شمال غربي الصين. وكذلك أقام أتباع مذهب شيداوتانغ "روضة الهلال الأحمر" للأطفال وهي أول روضة أطفال تقيمها منظمة دينية في منطقة جنوبي مقاطعة قانسو. بلغ عدد الأطفال الذين درسوا في روضة الهلال الأحمر حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف طفل من قوميات هوي والتبت وهان وغيرها. تبرع مين شنغ قوانغ، زعيم مذهب شيداوتانغ بمائة وعشرين ألف يوان في عام 1997 لحل مشكلة السكن في مدرسة مينتسو (الأقليات القومية) الإعدادية الأولى في لينتان. وفي عام 2001، حصل مين شنغ قوانغ على سبعمائة وثمانين ألف يوان من مصلحة التربية والتعليم لمقاطعة قانسو لبناء بناية من ثلاثة طوابق للفصول الدراسية في مدرسة مينتسو الإعدادية الأولى. و في عام 2011، أقام أتباع مذهب شيداوتانغ "صندوق التعليم" الذي قدم معونات قدرها ستة وأربعون  ألف يوان استفاد منها ستة عشر طالبا محليا التحقوا بجامعة بكين وجامعة اللغة ببكين وجامعة لانتشو وجامعة سيتشوان وغيرها من الجامعات الصينية.

في عام 2003، أقيم "صندوق تطوير التعليم لأبناء قومية سالار" بمقاطعة تشينغهاي، الذي قدم معونات مالية لواحد وسبعين طالبا جامعيا فقيرا، ووصل إجمالي المعونات المالية التي قدمها منذ إقامته ثلاثمائة وستين ألف يوان.

في سنة 2004 أقيمت "جمعية المساعدة والإنقاذ لقوميتي هوي وسالار" بمقاطعة تشينغهاي، وهي منظمة اجتماعية خيرية غير حكومية، حصلت على لقب "أفضل منظمة خيرية بمقاطعة تشينغهاي" في عام 2008، ولقب "المنظمة الخيرية الصينية المتقدمة " من الاتحاد الصيني للأعمال الخيرية في عام 2009. ساعدت "جمعية المساعدة والإنقاذ" ألفا وأربعمائة وخمسة وعشرين طالبا جامعيا وسبعمائة وستة وثلاثين طالبا في مراحل التعليم قبل الجامعي في مقاطعة تشينغهاي، وقدمت إليهم مساعدات مالية قيمتها الإجمالية حوالي مليونين وتسعمائة ألف يوان حتى عام 2010. منذ يوليو عام 2005، تعاونت "جمعية المساعدة والإنقاذ" مع جامعة مينتسو المركزية، وجامعة المعلمين بمقاطعة شينغهاي وغيرها من الجامعات في تنظيم مجموعة من الطلاب المتطوعين من قوميات هوي وسالار والقازاق وهان والتبت وشه ودونغشيانغ للتدريس في المناطق النائية، وقد بلغ عدد المستفيدين من هذا العمل ثلاثة آلاف تلميذ. بالإضافة إلى ذلك، تعاون هؤلاء الطلاب المتطوعون مع أحياء سكنية في مدينة شينينغ لتقديم التعليم العائلي المجاني للتلاميذ الفقراء، ويوجد هذا التعليم العائلي المجاني في ستة أحياء سكنية في شينينغ حتى الآن.

في سنة 2011، أقيمت "الجمعية الخيرية الإسلامية" في منطقة نينغشيا، وأنشأت المدرسة المهنية للمسلمين في حي شيشيا لمدينة ينتشوان بمنطقة نينغشيا وروضة أطفال في حي جينفنغ بمدينة ينتشوان بمعونة مالية من دولة الكويت. تقدم المدرسة المهنية التدريبات المهنية للطلاب الفقراء من قومية هوي.