القماش الأزرق فن يعود إلى الحياة

القماش الأزرق فن يعود إلى الحياة

جياو فنغ

 نسج القماش القطني الأزرق المرقط، المعروف باسم "كاليكو"، حرفة يدوية صينية تقليدية عمرها ألف سنة. هذا النوع من القماش، برغم بساطة لونه، يتميز بأناقة فريدة تعكسجماليات فن حرفي أصيل، وبراعة الفنان الحرفي الذي يصنعه، وأيضا الذوق الرفيع لمستخدميه.

مدينة نانتونغ في مقاطعة جيانغسو هي منبع فن نسج القماش الأزرق المرقط في الصين، لأنها المنطقة الرئيسية لإنتاج القطن، وتزرع فيها كثير من النباتات ذات اللون النيلي التي تستخرج منها صبغة كاليكو الزرقاء المميزة. لا يخلو بيت في هذه المدينة من أقمشة كاليكو الزرقاء التي تستخدم في الألحفة والوسائد والمفارش، وفي الملابس أيضا.

المحافظة على التقاليد

من أبرز خبراء القماش القطني الأزرق المرقط، وو يوان شين المولود في سنة 1960، لأسرة تعمل بحرفة نسج القماش القطني الأزرق المرقط. قال وو يوان شين إن صورة جدته المكفوفة وهي تغزل خيوط القطن، ووالدته وهي تنسج تلك الخيوط من أجمل ذكرياته، مضيفا بأنه كان ينام ويستيقظ على صوت آلة النسج. وقال أيضا إن أسعد لحظات حياته هي عندما سُمح له بالعمل في الحقل مع والده ومساعدته في صبغ القماش والذهاب معه إلى السوق لبيع المنتجات.

بعد تدهور حالة والده الصحية، عاشت أسرة وو أوقاتا صعبة، فقد اضطر وو يوان شين إلى ترك الدراسة بعد أن أتم المرحلة الثانوية، وكان عمره سبع عشرة سنة، ليتحمل مسؤولية إعالة أسرته.

في تلك الفترة، سبعينات القرن الماضي، كان معظم الشباب من أترابه في البلدات والقرى يعملون في مصانع الأجهزة الكهربائية ومصانع أشباه الموصلات، ولكن الفتى وو اختار العمل في أحد مصانع إنتاج القماش القطني الأزرق المرقط. قال: "كنت العامل الشاب الوحيد في ذلك المصنع، وأمضيت وقتا طويلا في تعلم هذه الحرفة، تصميم وإنتاج القماش القطني الأزرق المرقط على يد المحليين الذين يجيدونها. وفي وقت الفراغ كنت أتجول في القرى لجمع صور تصميمات وأنماط مشغولات القماش القطني الأزرق المرقط، ثم أحاول إبداع تصميمات وأنماط بنفسي".

في السنة الأولى لعمله بالمصنع، تعلم السيد وو المهارات الأساسية له. وفي السنة الثانية، عمل في قسم التصميم والنحت بالمصنع وواصل مسيرته في مجال تصميم وإنتاج القماش القطني الأزرق المرقط.

لقد ظل هذا النسيج اليدوي العريق الرائع شائعا حتى خمسينات القرن المنصرم، وكان يستخدم في الملابس وفي الزخارف المنزلية في أرجاء الصين. كانت التصميمات تنتقل من جيل إلى جيل، وكانت أنماط جديدة تظهر باستمرار مما حافظ على توسع مجالات القماش الأزرق المرقط. ولكن، من المؤسف أن التحول إلى الطباعة والصبغ آليا أدى إلى تقليل الطلب على منتجات كاليكو مما أجبر الحرفيين العاملين في هذا المجال إلى التخلي عنه، كما تراجع تدفق الأنماط والتصميمات الجديدة، ومنها ما قد اختفى إلى الأبد.

مصادر الإلهام  

تم تكليف السيد وو بمهمة إحياء وتنشيط تصميمات وحرفة نسج القماش القطني الأزرق المرقط. وقد قام السيد وو بزيارات عديدة للحرفيين الشعبيين وجمع معلومات كثيرة حول الأنماط المختلفة لهذا الفن الشعبي. وحرصاً منه على رفع مستواه الفني، كان يذهب إلى متحف الثقافة المحلية لدراسة الفنون الجميلة. والتحق بقسم الفنون الجميلة في مدرسة بييشينغ للخزف سنة 1982، حيث درس فنون الزخرفة. قال وو: "في ذلك الوقت، كان عدد قليل من عمال مصنع الصباغةتعلموا في مدارس مهنية رسمية. على الرغم من أن مكتبة المدرسة كانت صغيرة، إلا أنها وسعت أفقي. وقد استلهم وو مما تعلمه نماذج جديدة ساهمت كثيرا في دفع أعمال مصنعه.

بعد تخرجه، عينته المدرسة للعمل فيها، وأدخلت القماش القطني الأزرق المرقط ضمن منهج التصميم الجمالي الأساسي.

في سنة 1987، أنشأت مدينة نانتونغ مؤسسة متخصصة في الحرف اليدوية السياحية، وعلى رأسها حرفة نسج كاليكو، فالتحق السيد وو بوظيفة في المدينة لمواصلة بحوثه في فنون وأشغال القماش القطني الأزرق.

قال وو: "على مدى عشر سنوات، قمت بزيارة العديد من ورش الطباعة والصباغة، في وقت كان فيه الهم الأكبر للحرفيين وعلية القوم بالمنطقة هو جمع الكنوز الدفينة في المنطقة وصور وتصميمات المنتجات الفاخرة. ولم أدخر جهدا في جمع مجموعة مقتنيات خاصة بي."

في إحدى المرات، أمضى السيد وو ساعات طويلة في طريقه إلى بلدة ريفية ليصل إلى بيت سيدة عجوز تجاوز عمرها ثمانين سنة، من أجل الحصول على مفرش سرير ذي نمط كلاسيكي مصنوع من قماش القطن الأزرق المرقط. وقال إنه عندما سمع من أحد سكان بلدة يونغيانغ عن وجود مفرش نادر منسوج من القطن الأزرق المرقط، زار تقريبا كل بيت في البلدة حتى عثر عليه. وقد سار أميالا على قدميه تحت المطر من أجل الوصول إلى أكياس وسائد منسوجة من القماش القطني الأزرق المرقط، محفوظة لدى أسرة ريفية منذ أكثر من مائة سنة. هذه الأسرة قدمتها له هدية تقديرا منها لصدقه وإخلاصه.

في سنة 1989، ذهب السيد وو إلى قسم فنون الزخرفة بالأكاديمية المركزية للفنون الحرفية لمزيد من الدراسة حول فن القماش الأزرق المرقط. بعد ذلك درس السيد وو في الأكاديمية المركزية للفنون الجميلة، على يد البروفيسور يانغ شيان رانغ، عميد كلية الفنون الشعبية.خلال هاتين السنتين في بكين، أتم وو أطروحته حول تصميمات السمك في معلقات القماش الأزرق المرقط التي اكتسبت، هي وأعمال أخرى، شهرة في الداخل والخارج، وحصلت على الجائزة الوطنية للحرف اليدوية للسياحة.

معرض كاليكو

في عام 1996، واجهت المؤسسة المتخصصة في الحرف اليدوية السياحية التي يعمل فيها السيد وو أزمة مالية طاحنة، فتم ضمها إلى مصنع أحذية وقبعات. كان أمامه اختياران، أحلاهما مر. الأول، أن يبقى في هذا المصنع لتصميم القبعات، ومن ثم ضياع الخبرات والبحوث التي كرس نفسه لها لمدة عشرين سنة. الثاني، أن يستقيل ويعتمد على مهارته في كسب رزقه.

قبل سنوات، عرضت مجموعة من التجار اليابانيين الذين أدركوا القيمة الثقافية للحرف التقليدية، على السيد وو إقامة معرض لفن القماش القطني الأزرق في شانغهاي. وكان تاجر ياباني قد أخذ عينات من أعمال كاليكو لعرضها في اليابان. وقد أحدث ذلك هزة في قلب السيد وو، فقرر توظيف خبراته ومعارفه من أجل إقامة معرض لأشغال وتصميمات ونماذج القماش القطني الأزرق المرقط في الصين. كان الأمر بالنسبة له مسألة حياة أو موت، فأنفق كل مدخراته واقترض من والدته، ومن خلال علاقاته الخاصة استأجر مكانا أقام فيه "متحف نانتونغ للقماش القطني الأزرق المرقط".

بعد عام واحد من ذلك، افتتح السيد وو المتحف الذي ضم مئات من المقتنيات التي تم جمعها خلال عشرين سنة. وتم إنشاء مصبغة في المتحف. في النهار، كان السيد وو يقوم بدور المرشد لزوار المتحف، فيقدم شرحا وافيا لكل قطعة. في الليل، كان يصمم ويصبغ المنسوجات في المصبغة. كان يذهب من نانتونغ إلى شانغهاي مرتين كل أسبوع لتسليم المنتجات. كانت الرحلة من نانتونغ إلى شانغهاي تستغرق أكثر من ست ساعات بالقارب. وبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق استطاع معرض وو تحقيق الاكتفاء الذاتي.

في ديسمبر 1999، دشن وو يوان شين معرض فن كاليكو نانتونغ في قصر ثقافة القوميات ببكين. كانت هذه أول مرة تعرض فيها منتجات القماش القطني الأزرق المرقط في معرض على المستوى الوطني، وقد عرضت فيه أكثر من خمسمائة قطعة وصورة، واجتذب جموعا غفيرة من الزوار الصينيين والأجانب.

اختار وو ثلاثة آلاف قطعة وصورة للقماش الأزرق وجمعها في كتاب من مجلدين ((المجموعة الشاملة لأنماط وتصميمات القماش الأزرق في الصين))، ونشر هذا الكتاب في سنة 2004، فسد بذلك الفراغ في هذا المجال.

في عام 2006، أدرج فن طباعة وصبغ القماش القطني الأزرق المرقط في الدفعة الأولى للتراث الثقافي غير المادي في الصين، وترسخت مكانة السيد وو كمتوارث لهذا الفن. وقد فازت بعض أعماله بجوائز ذهبية في معرض الصين الثالث للفنون الشعبية، وعرضت جميعها في المتحف الوطني للصين والمتحف الوطني للفنون والحرف اليدوية.

في العام الماضي، دعي السيد وو للمشاركة في "عام الثقافة الصينية" في إيطاليا، حيث عرض في روما وفلورنسا والبندقية حوالي مائة قطعة من المنسوجات القديمة والجديدة للقماش القطني الأزرق المرقط، شملت لعب أطفال ومفارش موائد وحقائب. عرض السيد وو الثقافة الصينية القديمة للزوار الأجانب، مقدما شرحا لتقنيات هذه الحرفة التقليدية.

يشعر السيد وو بالامتنان للشرف الذي أسبغ على فن القماش القطني الأزرق، كون ذلك اعترافا اجتماعيا بالجهود التي بذلها خلال ثلاثين سنة لبحث القماش القطني الأزرق والحفاظ على هذا الفن العريق، والذي يعتبره واجبه طوال حياته. السيد وو يكرس حياته للمضي قدما بهذا الوجه الرائع للثقافة الشعبية.