الصين والإمارات من الصداقة إلى الشراكة الاستراتيجية

الصين والإمارات من الصداقة إلى الشراكة الاستراتيجية

 

اليوان عملة صعبة في بنوك الإمارات لمستثمري العرب وأفريقيا

600 صيني تخرجوا في مركز الشيخ زايد في بكين يخدمون الثقافة العربية والإسلامية

 

تتجه العلاقات بين الصينيين والعرب إلى مزيد من القوة والمتانة خلال المرحلة المقبلة. فبرغم الأزمات التي تمر بها المنطقة، إلا أن قيام الصين بدور كبير في إزالة الألغام المفجرة لهذه الحوداث جعل المواطن العربي أكثر شعورا بدورها، خاصة على المسار السوري والفلسطيني وفي العراق وفلسطين. ورصدت أجهزة الإعلام العربية، الجهود الحثيثة التي تقوم بها الصين في الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية، وركزت خلال الشهر الماضي على النتائج التي أفرزتها تلك العلاقة القوية بين الصين والبلدان العربية. تناولت الصحف ووكالات الأنباء العربية الزيارة التي قام بها مؤخرا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى  للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى بكين. ورصدت أجهزة الإعلام التحولات التي ستشهدها العلاقات الصينيةـ الإماراتية في المرحلة المقبلة والتي تصل إلى تحول العملة الصينية إلى عملة صعبة قابلة للتدوال في السوق الإماراتية، بما يدفع حركة التبادل التجاري بين البلدين من جهة، والسوق العربية من جهة أخرى إلى مزيد من التعاون.

وكانت زيارة ولي عهد الإمارات قد شهدت مراسم إعادة افتتاح مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية  ببكين. هذا المركز الذي تبرع بإنشائه رئيس الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أثناء زيارته للصين في عام 1990، تبلغ مساحته نحو 4100 متر مربع. ثم أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتخصيص 8ر2 مليار دولار أمريكي لصيانة المركز وترميمه بشكل كامل في عام 2009، وتحول اسم المركز بعد تجديده إلى "مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية".

ونشرت وكالة الأنباء الإماراتية تصريحات يانغ شيوه يي، رئيس مجلس جامعة الدراسات الأجنبية  ببكين، التي أكد فيها أن  المركز ساهم  في تخريج أكثر من 600 طالب وطالبة من الدارسين الصينيين منذ إنشائه، أصبحوا رسل الصداقة بين العالمين العربي والصيني، وأصبح قاعدة هامة لإعداد الأكفاء الصينيين في اللغة العربية، وصرحا علميا لنشر اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية  في الصين، ونافذة فعالة لتعزيز الصداقة والتفاهم بين الشعبين الصيني والعربي.


وقال عمر أحمد عدي البيطار، سفير دولة الإمارات لدى الصين،  لجريدة الاتحاد الإماراتية، إن المركز استضاف الكثير من القادة والمثقفين البارزين من جميع أنحاء العالم، كما أقام العديد من الندوات والمحاضرات العلمية، علاوة على إصدار الكثير من الدراسات والكتب والترجمات التي ساهمت في تعميق التفاهم الثقافي والحضاري بين الصين والدول العربية والإسلامية. وبينَ البيطار أن زيارة الشيخ محمد بن زايد استهدفت توطيد التعاون في مجالات السياسة والطاقة والتجارة والثقافة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والصين، الأمر الذي يرتقي بالشراكة الاستراتيجية الثنائية إلى آفاق جديدة.

وذكرت وكالة الأنباء الكويتية أن الصين والإمارات يرتبطان بعلاقات ودية ومتنامية في مجالات مختلفة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية قبل 27 عاما، حيث تعد الإمارات  ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم العربي بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 35 مليار دولار أمريكي خلال عام 2011، بزيادة نسبتها 37% عن عام 2010، مسجلا بذلك ارتفاعا قياسيا جديدا. وقد أطلقت الصين والإمارات شراكة استراتيجية في يناير من العام الجاري خلال زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو للإمارات.

والتقى الشيخ محمد خلال زيارته للصين مع نائب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ورئيس مجلس الدولة، ون جيا باو، ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وو بانغ قوه، وبحث معهم تعزيز التعاون الثنائي بشكل وثيق من أجل التنمية المنظمة والفعالة والمستدامة للبلدين. كما حضر أيضا مراسم إعادة افتتاح مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية  ببكين. وقال السيد شي إنه إذا عدنا بالنظر إلى مسار تنمية العلاقات بين الصين والإمارات، نجد أن الاحترام المتبادل والثقة السياسية هما أساس هام للعلاقات الثنائية، في حين أن التعاون على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك يشكل قوة دائمة لتطوير العلاقات الثنائية، وأن الصداقة والتبادل الثقافي بين الشعبين هما حلقة رئيسية في العلاقات الثنائية.

وأشارت جريدة ((الخليج)) الإماراتية إلى ما ذكره ون جيا باو خلال محادثاته مع الشيخ محمد بن زايد من أن الإمارات لديها رؤية استراتيجية في تناولها للعلاقات مع الصين، إذ أنها أول دولة فى منطقة الخليج تقيم شراكة استراتيجية مع الصين، داعيا البلدين إلى تحسين التعاون الاستثماري في مجالات البنية التحتية والتصنيع المتقدم والصناعة الخضراء، كما حث على تعميق التبادلات التعليمية والثقافية وإقامة منطقة تجارة حرة بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وأكد الشيخ محمد بن زايد في محادثاته مع القادة الصينيين على أن الشراكة الاستراتيجية تتفق مع المصالح الرئيسية للطرفين، وأن الإمارات على استعداد لتقوية التعاون العملي مع الصين فى جميع المجالات.


وتحدثت جريدة ((الشرق الأوسط)) اللندنية عن التوافق الصيني الإماراتي في المجالات السياسية والاقتصادية، قائلة: "يبدو أن الإمارات العربية المتحدة بصدد مزيد من الانفتاح على العملة الصينية، وإن كان ذلك يجري ببطء وتحفظ، وهو ما عكسته تصريحات محافظ مصرف الإمارات المركزي باعتباره قرار بلاده إدخال اليوان الصيني ضمن عملات الاحتياطي الأجنبي يأتي نتيجة عملية طويلة الأمد، فيما يفتح ذلك الباب أمام التخفيف من التركيز على الدولار الأمريكي منذ سنوات. وقالت الجريدة التي تصدر في لندن وتطبع في العديد من العواصم العربية الكبرى إن الإمارات وقعت في بداية العام الحالي اتفاق مبادلة عملة مدته ثلاث سنوات مع الصين بقيمة 20 مليار درهم (45ر5 مليارات دولار أمريكي) لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين. وقال سلطان ناصر السويدي، محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، إن قرار الإمارات إدخال اليوان الصيني ضمن عملات الاحتياطي الأجنبي يأتي نتيجة عملية طويلة الأمد. وعما إذا كان البنك المركزي يدرس إدراج اليوان في احتياطياته الرسمية، اعتبر السويدي أن ذلك يمثل "عملية طويلة الأمد"، وقال للصحافيين على هامش مؤتمر مالي عقد مؤخرا في دبي إن "هذا اتفاق طويل الأمد، لذلك سيستغرق وقتا طويلا لتنفيذه"، مشيرا إلى أن "البنك يتحلى بالصبر".

وعلى الرغم من أن الصين مستورد غير كبير نسبيا للنفط الخام الإماراتي، ووقعت سلسلة من اتفاقات مبادلة العملة في السنوات القليلة الماضية مع شركاء تجاريين رئيسيين لتعزيز استخدام عملتها في تسويات مباشرة للتجارة الدولية، فإن بيانات الجمارك الصينية تظهر أن حجم التجارة بين الصين والإمارات نما بنسبة 39 في المائة إلى 32 مليار دولار أمريكي في الأشهر الـ11 الأولى من 2011 مقارنة بمستواه قبل عام، إذ ارتفعت الصادرات الصينية 28 في المائة إلى 3ر24 مليار دولار أمريكي، وقفزت الواردات الصينية 89 في المائة إلى 6ر7 مليارات دولار أمريكي، ومعظم المنتجات التي صدرتها الصين إلى الإمارات أعيد تصديرها إلى دول أخرى في الخليج وأفريقيا، وحتى أوروبا. ويُعد استخدام اليوان في تسوية جزء من هذه التعاملات التجارية نجاحا لجهود الصين في تشجيع الاستخدام الدولي لعملتها، على اعتبار أن الصين أطلقت في عام 2009 برنامجا تجريبيا يسمح للشركات في بعض الأقاليم بتسوية الواردات والصادرات باليوان، ومنذ ذلك الحين يتوسع هذا البرنامج في أنحاء البلاد. وفي فبراير 2012 استوردت الصين 777 ألف طن من النفط من الإمارات، بزيادة 45 في المائة عن وارداتها قبل عام، وفقا لبيانات الجمارك الصينية، فيما أعلن بنك "HSBC"، أكبر مصرف أوروبي، عن إصدار سند خارجي مقوم باليوان الصيني وذلك للمرة الأولى لصالح جهة شرق أوسطية، من خلال الإطلاق الأول لسند بنك الإمارات دبي الوطني ومدته ثلاثة أعوام، بقيمة إجمالية قدرها مليار يوان صيني (أي ما يعادل 158 مليون دولار أميركي).

قال عبد الفتاح شرف، الرئيس التنفيذي لبنك"HSBC"في الإمارات العربية المتحدة لجريدة ((الشرق الأوسط)): "نعتقد أن لهذه الصفقة أهمية كبيرة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا؛ حيث إنه من شأن إصدارات كهذه من قبل جهات إقليمية مهمة أن تعزز وترسخ دور الإمارات العربية المتحدة كمركز تمويلي لدى المستثمرين الآسيويين. ومع التحول التدريجي المتواصل لمركز الاقتصاد العالمي نحو الشرق، أصبح من المهم جدا الآن، وأكثر من أي وقت مضى، للشرق الأوسط أن يغتنم الفرصة بالعمل على زيادة التعامل والتعاون مع الاقتصادات الآسيوية المزدهرة."