تبتي في المؤتمر الاستشاري السياسي

تبتي في المؤتمر الاستشاري السياسي

                                                           لي يوان

بعد مشاركته في دورة هذا العام للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، شعر السيد كوني بالسنغ بسعادة وفخر، والسبب كما قال: "رأيت مقترحاتي تتحول إلى قرارات وحقائق واحدا تلو الأخرى.".

السيد كوني بالسنغ، التبتي البالغ من العمر اثنتين وسبعين سنة، يشغل عضوية المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني لمدة ثلاث دورات متتالية، منذ سنة 1998، قدم خلالها أكثر من عشرين مقترحا للمؤتمر، جميعها يتعلق بتعزيز بناء وتنمية منطقة آلي، التي ينتمي إليها.

آلي العالية

تقع منطقة آلي على ارتفاع أكثر من 4500 متر عن مستوى سطح البحر، وهي أعلى نقطة في هضبة تشينغهاي- التبت، ولهذا يقال إنها "سقف" "سقف العالم". بسبب الظروف المعيشية والمناخية السيئة، تتسم معظم الأماكن بهذه المنطقة بندرة السكان، فهي من أقل المناطق كثافة سكانية في العالم.

ولد كوني بالسنغ عام 1940 في محافظة بولان التي يعمل أهلها بالزراعة والرعي، في منطقة آلي، التابعة لمنطقة التبت الذاتية الحكم.

ينتمي بالسنغ لأسرة ريفية متوسطة الحال، لديها أطيانها الزراعية الخاصة. وبرغم ذلك، فإنه يصف فترة ما قبل تطبيق الإصلاح الديمقراطي في التبت سنة 1959، بـ"الأيام المريرة".

قال: "كان مستوى قوى الإنتاج متواضعا، وكانت منطقة التبت تتعرض لكوارث طبيعية كثيرة تجعل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء أمرا صعبا. لم يكن ما نحصده من الحبوب في بداية السنة يكفينا إلى أخرها، ولم نكن نزرع غير شعير الهضاب والبازلاء. كانت حياة المزارعين الأجراء أكثر سوءا وشقاء، فقد كانوا يفلحون حقول ملاك الأرض مقابل أن يسدد الملاك الضرائب المفروضة عليهم. كانوا يئنون تحت نير الديون إذا كان الحصاد ضئيلا، وتزداد وطأة الديون مع تراكم فوائدها، وينتهي الأمر بهم إلى أن يصبحوا أدوات في يد ملاك الأراضي. لم يكن لهؤلاء الأجراء حقوق، لدرجة انهم لم يكن لهم الحق في تسمية أولادهم."

لم يكن في التبت، قديما، مدارس، ولم يكن أمام الفتى كوني بالسنغ إلا فلاحة الأرض والعمل الجسماني لكسب الرزق. قال: "كان أكثر ما يسعدني في طفولتي هو أن أسوق الثيران وهي تحرق الأرض. لحسن حظي، كان أبي يعرف شيئا من القراءة والكتابة ، فعلمني اللغة التبتية ومنحني بذلك مفتاحا هاما لولوج عالم المعرفة."

في سنة تسع وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد، شهدت منطقة التبت ما يسمى بالإصلاح الديمقراطي، الذي كانت أبرز ملامحه إعادة توزيع الحقول والمواشي والدواجن على عامة الناس، وإعفائهم من الديون فصاروا بذلك سادة حقيقيين يقررون بأنفسهم مصيرهم ومستقبلهم.

قال كوني بالسنغ: "بعد تطبيق الإصلاح الديمقراطي، شهد أبناء التبت عموما، تغيرات هائلة في كل المجالات؛ في غذائهم ولباسهم وسكنهم ووسيلة انتقالهم وفي حقوقهم ومكانتهم الاجتماعية."

في سنة 1984، بدأ كوني بالسنغ وهو في سن الرابعة والأربعين، العمل في حكومة محافظة بولان الشعبية مشرفاً على الشؤون المدنية والتعليمية والصحية، وفي نفس السنة أصبح عضوا في المؤتمر الاستشاري السياسي المحلي لمحافظة بولان.

يتلقى كوني بالسنغ الوثائق التي تصدرها الحكومة المركزية، باللغة التبتية بشكل دوري، فيتابع من خلالها سياسات الدولة وخطط عملها. ويحضر اجتماعا أسبوعيا مع زملائه لإجراء مناقشات جماعية والإعلان عن سياسات الحكومة المركزية التي تحقق خير ومصلحة أبناء الشعب.

في السنوات الأخيرة، طبقت منطقة التبت الذاتية الحكم حزمة من السياسات التي تحقق مصالح أبناء الشعب، منها دعم تشغيل الجامعيين من أبناء التبت والإعفاء الأفراد العاملين في الصناعة والتجارة من الضرائب، ومنح معاش التقاعد والضمان الصحي لرجال الدين، مما يعزز بقوة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في التبت ويرفع مستوى معيشة أهلها.

ويقوم السيد بالسنغ بزيارات تفقدية كثيرة إلى مختلف المناطق لمتابعة تنفيذ السياسات المعنية، والاضطلاع على المشاكل التي يواجهها الناس في حياتهم وأعمالهم والبحث عن سبل مناسبة لحلها. قال: "عضوية المؤتمر الاستشاري السياسي ليست تشريفاً لي فحسب، وإنما أيضا تضاعف مسؤوليتي أمام الناس وتحتم عليّ أن أبذل أقصى جهدي من أجل أبناء منطقتي."

كان أول مقترح قدمه للمؤتمر الاستشاري السياسي حول ترع الأراضي الزراعية، مستفيدا  من خبرة حياته في الريف ومعرفته الجيدة بأوضاعه.

في سنة 1998، عندما أصبح كوني بالسنغ عضوا للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ممثلا لمنطقة آلي، أدرك حجم المسؤوليات الملقاة على كاهله.

آلي هي أبعد منطقة في التبت عن لاسا، حاضرة منطقة التبت الذاتية الحكم. من أجل المشاركة في المؤتمر الاستشاري السياسي على مستوى الدولة والمنطقة، يتنقل بين آلي ولاسا مرتين كل سنة، ولهذا فإن الحالة السيئة للطريق الذي يسلكه كانت شغلا شاغلا له. طرح مقترحين حول بناء الجزء الواصل بين شيتشوانخه بمنطقة آلي ولاتسي بشيكاتسي للطريق الوطني رقم 219 وبناء مطار كونشا بمنطقة آلي.

قال: "تم تنفيذ هذين المقترحين. منذ مشاركتي الأولى في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني إلى الآن، شاهدت بعيني التحسن التدريجي لظروف النقل والمواصلات بمنطقة آلي، فوجدت أن قيمتي كعضو في المؤتمر الاستشاري قد تحققت بما فعلت."

عندما يعرف كوني بالسنغ بأي صعوبة أو مشكلة تواجه الناس في حياتهم اليومية يقوم بدراستها وبحثها. يمضي بالسنغ مع زملائه الأعضاء في المؤتمر الاستشاري السياسي المحلي، شهورا كل سنة في زيارات لكافة أنحاء منطقة آلي.

قبل سنة 2003، كان يتم توليد الكهرباء في منطقة آلي بطريقة قديمة بالديزل، فكانت المنطقة تواجه صعوبات كثيرة في استخدام الكهرباء، سواء في الاستخدامات اليومية للناس أو في التنمية الاقتصادية المحلية، ولذلك طرح السيد بالسنغ مقترحا ببناء محطة شيتشيوانخه الكهربائية في هذه المنطقة. قال: "أنجز مشروع محطة شيتشيوانخه الكهربائية ويتم توليد الكهرباء بنجاح، وتحقق تزويد البيوت والمصانع في هذه المنطقة بالكهرباء. بذل كثير من الناس جهودا كبيرة لإنجاز هذا المشروع، ولم أكن أنا إلا واحدا منهم."

يشعر كوني بالسنغ بمزيد من الثقة مع زيادة خبرته في عضوية المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، فقد صارت مقترحاته أكثر شمولا وعمقا. في الدورة التاسعة للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، قدم مقترحا بزيادة العلاوات المالية في مجالي التعليم والصحة بمنطقة آلي. وفي الدورة العاشرة، قدم مقترحا حول توليد الكهرباء بالطاقة المائية وبناء طريق أسفلتي بالمنطقة. وفي الدورة التالية، قدم مقترحا حول تعزيز بناء البنية التحتية والحماية البيئية في منطقة آلي.

قال كوني بالسنغ: "من الضروري أن أنقل صوت مواطني آلي إلى المؤتمر الاستشاري السياسي. وأنا على ثقة تامة من الحصول على استجابة مقنعة.".

قال كوني بالسنغ إن دائرة عمل الجبهة المتحدة التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، نظمت لأعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي من منطقة التبت الذاتية الحكم زيارتين استطلاعيتين للمدن الداخلية في الصين، فازدادت خبرته وتوسع أفقه.

منذ سنة 1998، قدم بالسنغ أكثر من عشرين مقترحا للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وتلقى ردودا عليها جميعا. كما صارت معظم مقترحاته قرارات وحقائق على أرض الواقع. قال: "تولي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني اهتماما كبيرا لعمل المؤتمر الاستشاري السياسي، كما تهتم بمقترحات وآراء أعضائه، أنا أشعر بسعادة بالغة كوني واحدا منهم."

تغيرات مدهشة

شهد كوني بالسنغ تغيرات هائلة طرأت على موطنه خلال الثلاثين سنة الماضية، والتي شغل خلالها عضوية المؤتمر الاستشاري السياسي على المستويين المحلي والوطني.

سياسة "التعهدات الثلاثة" هي سياسة تفضيلية خاصة بمنطقة التبت. منذ عام 1985، تطبق منطقة التبت سياسة تعليمية قوامها الرئيسي في مناطق الفلاحين والرعاة المدارس الداخلية الابتدائية والإعدادية. وتوفر الحكومة، بالمجان، الطعام والمسكن ونفقة التعليم لأولاد الفلاحين والرعاة في مرحلة التعليم الإلزامي. قال كوني بالسنغ إن متوسط نسبة التحاق الأطفال في سن الدراسة بالمدارس الابتدائية تجاوز 96% في منطقة آلي، وزاد عدد المدارس بهذه المنطقة من مدرسة واحدة في ستينات القرن الماضي إلى 14 مدرسة حاليا. خلال مرحلة التعليم الإلزامي، ومدتها تسع سنوات، يتعلم الأطفال اللغة التبتية واللغة الصينية والرياضيات والفنون وغيرها من المواد الدراسية.

كما يتمتع المسنون الذين بلغوا سن الستين في منطقة آلي بعلاوة في مجال العلاج والصحة،  وتزيد العلاوة لمن بلغوا سن الثمانين. وبفضل الخدمات الطبية التعاونية، يحق لكل مواطن الحصول على مائتي يوان من نفقات العلاج في العيادات الخارجية، واسترداد 80% من النفقات الزائدة. كما شهدت ظروف العلاج الطبي تطورا كبيرا.

في أول يوليو 2010، تم تشغيل مطار كونشا بمنطقة آلي رسميا، مما يضيف مزيدا من التسهيلات لحياة أبناء هذه المنطقة. قال بالسنغ إنه سيسعى مستقبلا لتخفيض أسعار تذاكر الطائرات، سعيا لتحقيق مزيد من الفوائد الحقيقية لفلاحي ورعاة المنطقة.

مع تحسن ظروف النقل والمواصلات، بدأ كثيرا من مواطني محافظة بولان يزاولون التجارة الحدودية، وتسويق الأرز والسكر وغيرهما من المواد المنتجة في المناطق الداخلية إلى البلدان المجاورة التي تعاني نقصا نسبيا في إنتاج هذه المواد، فيحققون دخلا أكبر وتتحسن حياتهم. في عام 1999، منحت منطقة التبت الذاتية الحكم سياسة الإعفاء الضريبي لثلاث سنوات لمنفذ بولان البري، وأقامت فيه معرضا ضخما للتجارة الحدودية. هذه السياسات تعزز التنمية السريعة للتجارة الحدودية في منطقة آلي.

باقتراح من السيد بالسنغ وأعضاء آخرين بالمؤتمر الاستشاري السياسي، تم في السنوات الأخيرة بناء العديد من مشاريع البنية التحتية في منطقة آلي، وفرت فرص عمل جديدة للمحليين. قال بالسنغ: "في السنوات الأخيرة، لم يعد الشباب يتدفقون من بولان إلى مناطق أخرى بحثا عن عمل. بالعكس، يأتي أبناء المناطق الأخرى إلى بولان للبحث عن عمل."

في دورة سنة 2012 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، قدم بالسنغ ثلاثة مقترحات حول تنمية واستغلال الموارد المائية، وتطوير الطاقة الكهربائية، ومساعدة طلاب الجامعات الفقراء. قال: "يعمل معظم الناس في بلدتي في الزراعة، وبناء المشاريع المائية ومشاريع توليد الكهرباء سوف يفيدهم كثيرا."

قال أيضا: "الصين دولة كبيرة المساحة وكثيرة السكان، تحتاج إلى معالجة المشاكل وتسويتها واحدة تلو الأخرى. سأواصل اهتمامي  بالتنمية المتناغمة لمنطقة التبت الذاتية الحكم، وتقديم المساهمة الممكنة للتنمية المستقرة والمزدهرة لبلادنا، بصرف النظر عما إذا كان سيعاد انتخابي عضوا في المؤتمر الاستشاري السياسي أم لا."