العودة إلى قانغدلين

العودة إلى قانغدلين

   رو تشون يان

 

قبل ثمانية وأربعين عاما، جاء تشانغ شياو بينغ، الطالب المتخصص في الثقافة التبتية بجامعة مينتسو(الأقليات القومية) المركزية في بكين، إلى قرية قانغدلين في بلدة دويلونغدتشينغ بمدينة لاسا بغرض الدراسة التطبيقية. في قانغدلين، عاش تشانغ شياو بينغ وعمل مع الفلاحين من قومية التبت.

قال السيد تشانغ: "في هذه القرية، عرفت أهل التبت وحياتهم، فوقعت في حب التبت منذ ذلك الوقت." بعد نصف قرن تقريبا من ذلك، ظلت زيارة قانغدلين وأصدقائه فيها حلما يراود  السيد تشانغ. في صباح الرابع من سبتمبر سنة 2011، بدأ تشانغ شياو بينغ، البالغ من العمر  سبعين سنة، رحلته إلى التبت. وقد زاد من سروره أنه التقى مع صديقه القديم، تري دوندروب، في قانغدلين؛ القرية التي شهدت تغيرت هائلة.

تري دوندروب هو صاحب البيت الذي استضاف تشانغ شياو بينغ عندما وصل إلى القرية، وقد تعرف السيد تري دوندروب على السيد تشانغ، العائد لزيارة القرية، عندما رآه من بعيد وناداه باسمه التبتي.

قال السيد تشانغ: "عندما أتيت إلى التبت كان الناس ينادونني بامسي التبتي وهو "شيراب"، ويعني المثل والحكمة في اللغة التبتية." في المحاضرة الأولى حول الثقافة التبتية بجامعة مينتسو المركزية، في ديسمبر 1960، أعطى الأستاذ التبتي توبتن أوبور اسما تبتيا لكل طالب من أبناء قومية هان في الصف، واختار اسم "شيراب" للطالب تشانغ شياو بينغ. في ربيع سنة 1963، ذهب تشانغ شياو بينغ مع 21 زميلا آخر يدرسون في قسم الثقافة التبتية، إلى التبت بغرض صقل معلوماتهم، حسب الأسلوب المتبع في جامعة مينتسو المركزية.

في ذلك الوقت، تعرضت الصين لكوارث طبيعية لمدة ثلاث سنوات متتالية، فكان تشانغ شياو بينغ يحصل على حصة محدودة من الزيت والأرز من الحكومة المحلية. برغم تلك الظروف، استضاف تشوبل ريغدن هذا الطالب القادم من بكين، في غرفة ابنه الأصغر، تري دوندروب. كان الابن في نفس عمر السيد تشانغ، 21 سنة، ولكن الأخير متزوج ولديه طفلان. قال تشانغ: "كنت محرجا للغاية، فلا أدخل الغرفة إلا بعد أن يذهب الزوجان إلى فراشهما."

كانت مستلزمات الحياة اليومية شحيحة. عندما كان تشانغ شياو بينغ يزور أحدا من أبناء القرية، كانوا يضعون قطعة صغيرة جدا من الزبد في الشاي، فمن عادتهم شرب الشاي بالزبد، وكانوا ينبهونه لينفخ في كأس الشاي قبل الارتشاف منه، خشية أن يشرب طبقة الزبد في جرعة واحدة، فيشعرون بالحرج.

صار كل ذلك ماضيا في قرية قانغدلين الجديدة. صار تري دوندروب أبا لخمسة أولاد، وصار لأولاده أطفالا. كان تري دوندروب نائب رئيس قريته، ونائب أمين لجنة الحزب الشيوعي بالقرية. حاليا، يتنقل بين بيوت أولاده بعد وفاة زوجته ويتمتع بشيخوخة سعيدة. بعد تغير التقسيم الإداري لقرية قانغدلين، أنشئت قبل عدة سنوات "تعاونية زراعية" للخضراوات، لمنتجاتها شهرة واسعة في لاسا، كما افتتحت بها قبل عدة شهور قاعة لتجارة وعرض الخضراوات والزهور. يعمل أبناء تري دوندروبفي مقاولة صوبات الخضراوات ويحققون دخلا جيدا كل سنة. منذ سنة 2006، بدأ أبناء القرية الانتقال إلى مساكن الضمان الاجتماعي الجديدة، التي صارت منظرا رائعا بجانب الطريق الوطني رقم 318. في العام الماضي، شارك تري دوندروب مع أبناء قريته في حفل استقبال لإحياء الذكرى السنوية الستين لتحرير التبت سلميا، أقيم في ساحة قصر بوتالا بمدينة لاسا.

عندما علم تري دوندروببمجيء تشانغ شياو بينغ، انتظره بجانب الطريق لمدة نصف ساعة، خشية أن لا يعرف السيد تشانغ الطريق إلى مسكنه الجديد. وقال له متأثرا في أول وهلة لرؤيته:" يا شيراب، تنتظر قريتنا عودتك منذ 48 سنة."

تعلم تشانغ شياو بينغ في قانغدلين صنع الخبز التبتي المميز واحتساء مشروب شعير الهضاب وتوزيع شتلات الزرع وتطهير الترع. كما أجاد لهجة لاسا التبتية، وجمع كثيرا من الأمثلة والأغاني الشعبية لقومية التبت. بعد التخرج في الجامعة، زار تشانغ التبت بضع عشرة مرة، بصفته مراسلا لإذاعة الشعب المركزية، ونقل للشعب الصيني وشعوب العالم التطورات والتغيرات التي شهدتها التبت، وعمل فيها مرتين في إطار مشروع مساعدة التبت بصفة كادرا للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وعمل في موقع شبكة التبت على الإنترنت بعد التقاعد، فصار بينه وبين التبت ارتباط وثيق. قال تشانغ إنه شهد خلال فترة إقامته في التبت الإصلاح الديمقراطي، وأنشأ فرق المساعدة المتبادلة في الإنتاج، كما حضر انتخاب رئيس القرية التي كان يسكنها.

طلب تشانغ من صديقه تري دوندروب أن يصحبه لزيارة المسكن القديم، الذي صار أطلالا، ومع ذلك تأثر جدا لرؤيته وتسلق ما بقي من جدرانه لالتقاط صور للمكان الذي عاش فيه لمدة نصف سنة، وتحدث مع صديقه القديم مجترا الذكريات القديمة.

فتح تشانغ يومياته التي كان يكتبها في أيام عمله في قرية قانغدلين، وسأل عن أسماء الأصدقاء القدامى، قال تري دوندروب: "مات معظمهم. قليل منهم، من بينهم نقودروب، مازالوا على قيد الحياة. نقودروب يتذكرك دائما، ويسألني عنك كثيرا." أضاف تري دوندروب.

في أوائل ستينات القرن الماضي، كان في قرية قانغدلين مدرسة ابتدائية بسيطة تابعة للإدارة المحلية. كان التلاميذ يفترشون الأرض ويضعون ألواح الكتابة على ركبهم. مازال تشانغ شياو بينغ يتذكر أول درس ألقاه على تلاميذ تلك المدرسة، وكان بعنوان ((بلادنا العظيمة)). كما علمهم غناء أغنية ((يعيش الرئيس ماو تسي تونغ معنا إلى الأبد)) التبتية التي كانت شائعة في مناطق الصين الداخلية. كان نقودروب معلما في تلك المدرسة.

في 4 سبتمبر 2011، عندما التقى تشانغ مع نقودروب، عرفه هذا العجوز التبتي على الفور وصافحه بحرارة.

يومها كان نقودروب مشغولا في زخرفة بيته الجديد، فدعا تشانغ لزيارته. غنى نقودروب ((يعيش الرئيس ماو تسي تونغ معنا إلى الأبد)) بمرافقة تشانغ، وقال له إن هذه الأغنية أصبحت واحدة من الأغاني الأكثر شيوعا في القرية حتى أن كثيرا من المسنين مازالوا يغنونها حتى الآن.

بينما كان تشانغ شياو بينغ يهم بمغاردة القرية، قطف أصغر أحفاد تري دوندروببعض الفلفل من صوبته وقدمه له، إضافة إلى علبة من البيض التبتي ومشروب شعير الهضاب. هذا المشهد جعل السيد تشانغ يتذكر مشهد مغادرته لقرية قانغدلين قبل 48 سنة، عندما قدم إليه والدا تري دوندروب البيض المسلوق والفول المقلي. يمارس كل أحفاد تري دوندروب أعمالا مختلفة، منهم من التحق بجيش التحرير الشعبي، ومنهم من يعمل في الجهاز الحكومي، وبعضهم يزاول التجارة. قال السيد تشانغ: "ما يسعدني هو أن أشقائي التبتيين يقضون حاليا شيخوخة سعيدة بعد أن تخلصوا من الأيام الصعبة." يعتقد السيد تشانغ أن رحلته تكللت بالنجاح التام.