التعليم يغير المصير
التعليم يغير المصير
رو تشون يان
بفخر واعتزاز، تحدث سيدار قائلا: "ابني الأكبر تخرج في الجامعة ويعمل حاليا في هيئة حكومية، والابنان الآخران ما زالا في الجامعة." سيدار راع في منطقة بشمالي هضبة التبت- تشينغهاي، يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة متر، وتعد واحدة من أسوأ مناطق التبت من حيث الظروف المناخية. يقطنها 430 ألف نسمة، منهم أربعمائة ألف يعملون بالزراعة والرعي. وقال سيدار: "كنت أنا وزوجتي أميين، ولكننا نجحنا في تربية ثلاثة جامعيين، لن يرعوا الغنم والبقر، بل تنتظرهم حياة أروع وأمامهم آمال عريضة."
أحلام أبناء الرعاة
في أحد أيام شهر مايو سنة 2011، وبينما كانت أشعة الشمس الدافئة تسطع على فناء المدرسة المركزية الابتدائية ببلدة بيرو على شاطي نهر ناتشيو الواقع في المجرى الأعلى لنهر نوجيانغ، عادت درولما تشي إلى مسكنها بعد انتهاء الدوام المدرسي. تفصل بين بيت درولما، الطالبة في الصف السادس الابتدائي، ومدرستها جبال شاهقة الارتفاع. قالت الفتاة: "الجبال عالية، وتستغرق المسافة من بيتنا إلى المدرسة بالدراجة النارية يوما كاملا، لذا أقيم في المدرسة في أيام الدراسة." تطبق الحكومة الصينية ما يسمى بـ"التعهدات الثلاثة" في مناطق الرعاة والفلاحين بالتبت، ويقصد بها توفير المأكل والمسكن ورسوم الدراسة للأطفال هناك، مجاناً.
لم تكن زميلات درولما قد عدن إلى المسكن بعد، فذهبت الفتاة إلى المكتبة وأخذت تتصفح كتبا باللغة التبتية. وفقا لبرنامج التدريس الموحد في الصين، جميع المقررات الدراسية في مدارس ناتشيو الابتدائية باللغة الصينية، باستثناء الدروس المتعلقة باللغة التبتية.
قالت درولما، البالغة من العمر اثنتي عشرة سنة: "أتمنى أن أدرس بالمرحلة الإعدادية في المدرسة التبتية في مقاطعة تشيجيانغ، ثم ألتحق بجامعة في داخل الصين، وأن أعمل بعد تخرجي لأعيل أسرتي."
درولما تشي هي "المثقفة" الوحيدة في أسرتها، فجميع أفراد الأسرة الآخرين يعملون في الرعي،ولذا فهي تدرك حجم مسؤوليتها في المستقبل. تنم طريقة كلامها عن معرفة بالحياة ونضج يفوق أترابها.
دورجي ورغايا، تلميذ في مدرسة ببلدة بيرو المركزية ، يحب جمع صور نجم الكونغ فو الصيني المشهور
جاكي شان. قال:"أسرتي من الرعاة. يستيقظ والداي في الساعة الخامسة صباحا لحلب البقر والغنم، ثم يأخذان القطعان إلى الجبل ويعودان في المساء. أبحث عنهما في الجبل أحيانا عندما أعود إلى البيت في عطلة نهاية الأسبوع. ظلهما أجمل منظر في المرج." يتمنى دورجي أن يلتحق بمدرسة إعدادية في بكين.
الآن، تتحلى أغلبية المدارس في منطقة ناتشيو بمحطة إذاعة ذاتية ومطاعم نظيفة ومساكن منظمة ومكاتب ضخمة وحجر متطورة للتعليم عن بعد وغرفة مستشار نفسي دافئة.
روضة الأطفال الفاخرة
تقع بلدة نيرونغ على ارتفاع 4700 متر عن سطح البحر، ويميز سكان هذه البلدة أن شفاههم سوداء نتيجة للظروف الطبيعية هناك. أفخم بناية في نيرونغ هي بناية روضة الأطفال بها.
جميع غرف روضة أطفال نيرون، التي بنيت بمعونة قدرها خمسة ملايين يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات)، مزودة بالتدفئة وذات أرضية ملساء وبها أنواع مختلفة من ألعاب الأطفال والوسائل التعليمية والتربوية.
في الروضة، راينا أطفالا سعداء يمرحون في أزيائهم التبتية التقليدية الرائعة. قالت معلمة بالروضة إن الأطفال يبدلون أحذيتهم قبل دخول الروضة للحفاظ على نظافتها. في غرفة الموسيقي، يتدرب أطفال على الرقص على يد معلمة متخصصة.
مدرسة في الهضبة
تنزين تشودرنغ، تعمل معلمة تربية بدنية في مدرسة بايتشينغشيانغ الابتدائية بمحافظة نيرونغ منذ تخرجها في جامعة التبت. الظروف المناخية في المرج الذي تقع فيه هذه المدرسة سيئة، وعندما زرناها في شهر مايو كانت الثلوج تتساقط.
التقينا مع تنزين، وكانت تدرب الطلبة على نط الحبل في الملعب. هذه الفتاة المولودة في سنة 1982، مفعمة بالمشاعر الرومانسية كثيرة، مثل بنات جيل ثمانينات القرن العشرين، لكن الظروف لا تتيح لها حتى أن تشاهد فيلما في دار سينما،. قالت: "عندما جئت إلى المدرسة قبل أربع سنوات، لم يكن تلاميذي يفهمون لهجتي المحلية، وكان لا بد أن أتعلم لهجة لاسا." الآن، تبدو تنزين ملكة للأطفال، تلعب كرة السلة دائما بعد انتهاء اليوم الدراسي مع تلاميذها وتتجاذب أطراف الحديث مع تلميذاتها.
ولدت تنزين في شيكاتسي التي تحمل لقب "صومعة حبوب التبت". سألناها عن كيفية تحملها لهذه الظروف الصعبة، فقالت إنها تدفن مرارتها في قلبها، وتبذل كل ما في وسعها لتعليم تلاميذها أملا في أن يحققوا طموحاتهم في المستقبل.
هوي شي جين، نائب مدير مدرسة بايتشينغشيانغ الابتدائية، يقدر أطفال الرعاة والفلاحين قائلا: "إن هؤلاء الأطفال أكثر تطلعا إلى تعلم المعارف والعلوم، وسوف تبزغ من بينهم مجموعة من الساسة ورجال الأعمال والعلماء والخبراء البارزين في المستقبل.:
نشر التعليم
تاشي نوربو، رئيس دائرة التعليم لبلدة بيرو، شاب موهوب ونشيط، ولد في ديسمبر سنة 1981، وهو أحد الذين استفادوا من سياسة "تعميم التعليم" التي انتهجتها الصين.
سجل تاشي نوربو أرقاما قياسية كثيرة. بعد تخرجه في معهد ناتشيو للمعلمين في سنة 2000، عمل معلما في مدرسة بيرو الإعدادية. بفضل تميزه في العمل، تمت ترقيته لمنصب نائب مدير المدرسة قبل أن يتخطى عتبه التاسعة عشرة من العمر، في سابقة استثنائية، وتولي منصب نائب أمين لجنة الحزب بالمدرسة وعمره واحد وعشرون سنة. وتم إرساله لتولي منصب مدير مكتب البحوث الدراسية في بيرو في سنة 2003، وتم ترشيحه لمنصب نائب رئيس دائرة التعليم لمحافظة بيرو في سنة 2005، وهو في سنة الثالثة والعشرين، وشغل منصب مدير الدائرة في سنة 2008، فهو أصغر الكوادر سنا في هذه البلدة.
خلال عشر سنوات من العمل، أتم تاشي نوربو دراسته الجامعية، ذاتيا، ويستعد حاليا لمناقشة أطروحته لنيل درجة الماجستير في الإدارة العامة بجامعة مينتسو (الأقليات) المركزية في بكين.
إن الانطباع الذي يتركه هذا الرئيس الشاب هو أنه يسعي لتحقيق الإنجاز ولا يتباهى بما فعل. "بكل صراحة، عندي حلم، وهو جعل أطفالنا الذين يعيشون في الجبل والهضبة ويدرسون في المنطقة الرعوية، يتمتعون بما يتمتع به الطلبة في المدن من معاملات، وذلك من خلال تهيئة الظروف الممكنة بقدر استطاعتنا."
تبلغ ميزانية التعليم لبلدة بيرو 52 مليون يوان سنويا، معظمها يستخدم في أغراض محددة. ويتطلب الأمر تدبير الأموال بكل السبل الممكنة لتهيئة ظروف أفضل للأطفال المحليين. قال تاشي نوربو: "عندنا قاعدة للخضراوات يزرع فيها الخيار والطماطم والملفوف (الكرنب الصيني) وغيرها، تزود المدارس الابتدائية والإعدادية المحلية بالخضراوات، وتؤجر بعض حقولها مقابل حوالي 100 ألف يوان سنويا. فضلا عن ذلك، اشترينا حافلة لنقل المواد التعليمية، وبذلك نوفر 300 ألف يوان من نفقات النقل سنويا. " إدارة صوبات الخضراوات عملية صعبة، إذ تسقط دائما تلك الصوبات كلما هبت رياح شديدة. عندما يحاول البعض إقناع تاتشي نوربو بالإقلاع عن هذه القاعدة، يقول بلا تردد إنه سيبذل مزيدا من الجهود لجعل هذه القاعدة أفضل وليزيد دخلها لتوفير مقاعد جديدة وأجهزة تلفزيون للمدارس.
يثق تاشي نوربو بأن التعليم هو مفتاح تغيير مصير الإنسان ومصير التنمية الاقتصادية المحلية. قال إنه سيقدم كل ما في وسعه لخدمة كل تلميذ.