رحلة عليم من الكباب إلى التعليم
يان يويه


الجد والاجتهاد والبدايات الصعبة
، عناوين حية للشباب ليتقدموا في مسيرة الحياة بحلوها ومرّها. وشباب الصين ليسوا استثناء؛ فمعظمهم يطمح ليكون مثالا ناجحا في حياته، ولكل منهم سعيه الحثيث وصبره وجلده ليعمل شيئا ثم يتألق في مجال عمله. الصين فيها كثير من المبدعين في مجالات عديدة، ومنهم من يستحق أن يكون نموذجا يحتذى به في كل مناحي الحياة. عليم حالك شاب يضرب به المثل في العمل الجاد من أجل إثبات الذات. شاب ويغوري بسيط من شينجيانغ يعمل في صنع أشهر وأطيب أنواع الكباب في مدينة بيجيه في مقاطعة قويتشو. اختير عليم في ليلة الثالث من فبراير ضمن "أكثر عشر شخصيات تأثيرا في الصين لعام 2011". جاء في الكلمة التي ألقيت في حفل لتكريمه بمناسبة هذا الاختيار أنه "شاب سعيد ومجد في عمله، يذهب كل يوم إلى السوق لبيع الكباب المميز الذي يصنعه. ينادي على بضاعته بصوت عال، بينما دخان الشواء يحيط به طوال اليوم. يعمل بنشاط وحيوية طوال اليوم، فلا تفتر همته وحماسه، ولا تهتز ثقته بنفسه وبسمعته الطيبة وشهرته. قلبه الطيب ومعاملته الحسنة تأسر قلوب الآخرين." ويطلق أهالي شينجيانغ على عليم اسم "الشاب الممتاز لشينجيانغ" و"مُطور الكباب".عليم الذي يبلغ من العمر أربعين سنة، ولد لأسرة مسلمة في محافظة خجينغ بمدينة كورلا في منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية الويغور. تم تجنيده في جيش التحرير الشعبي سنة 1989، حيث أدى الخدمة العسكرية في مدينة شيشينزي بشينجيانغ حتى تسريحه في سنة 1992. بعد ذلك، عمل في شركة بشينجيانغ، ولكن الشركة أفلست في سنة 1997، فغادر منطقته بحثا عن عمل في مكان آخر. في سنة 2000، وصل عليم إلى مدينة بيجيه بمقاطعة قويتشو. وهناك لاحظ أنها مدينة فقيرة، فكثير من الناس فيها يحملون سلالا للبحث عن العمل والرزق، ولكنه رأى أنه يستطيع أن يجد عملا فيها. كانت ظروفه جد صعبة، فكان ينفق كل يوم يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات) على طعامه وشرابه ويوانا آخر لسكنه في أرخص فندق بالمدينة. وراح يبحث عن عمل يقتات منه. عن هذه الفترة قال: "ذات مرة، وضعت حذائي تحت رأسي ونمت في مكان عام، وعندما استيقظت وجدت أن جامع القمامة قد أخذ حذائي، فطفقت أبحث عن حذاء في القمامة حتى وجدت حذاء كبيرا ثبته في قدمي برباط." عندما نفد ما معه من مال، اقترض مائة يوان من صاحب بار في المدينة، ليس بينهما سابق معرفة، وشرع يعمل في بيع الكباب أمام ذلك البار. كان يربح عشرين أو ثلاثين يوانا كل يوم، وبعد أسبوع واحد رد ما عليه من دين، وعقد العزم أن يرد جميل ذلك الرجل وأن يقدم خدماته ومساعدته لكل أهل بيجيه ولكل من يحتاج إلى مساعدة.
قال إنه في البداية كان يبيع سيخ (شيش) الكباب بنصف يوان يربح منه 2ر0 يوان، ارتفع السعر إلى يوان واحد قبل ثلاث سنوات، وزاد ربحه فصار 3ر0 يوان. في عام 2006، تبرع بالمال لطلاب فقراء بعد أن ناقش الأمرمع مسئولي معهد بيجيه، ومنذ ذاك يواصل هذا العمل الخيري. قال تانغ يوي هوا، نائب أمين لجنة الحزب الشيوعي لمعهد بيجيه: منذ سنة 2006 حتى الآن تبرع عليم لمعهد بيجيه بأكثر من مائة ألف يوان، ساعد بها أكثر من مائة وستين طالبا فقيرا في الدراسة." هذا المبلغ يعادل ثمن 300 ألف سيخ كباب. قال تانغ يوي هوا: في سنة 2006، تبرع عليم للمعهد بخمسة آلاف يوان، وأعرب عن رغبته في مواصلة التبرع كل سنة." خمسة آلاف يوان مبلغ بسيط، وكان أقل مبلغ حصل عليه المعهد من المساعدات المالية الدراسية، لكنه كان كل ما يملكه عليم في ذلك الوقت. تأثر مسئولو المعهد بالعمل النبيل الذي قام به عليم، وقرروا تكريمه باعتماد "مساعدة عليم المالية الدراسية" رسميا. قال عليم: ""لا أعرف الطلبة الذين أساعدهم، ولا أحدد هويتهم، ولا أعلم إن كانوا سيساعدون غيرهم من الفقراء بعد تخرجهم وتحسن أحوالهم، ولكنني على ثقة تامة بأنهم طيبون يستحقون أن نمد لهم يد العون. وأثق تماما بمساعدة الآخرين لي إذا احتجت المساعدة في يوم ما."
عن دافعه للتبرع بالمال للطلاب الفقراء، قال عليم: "عانيت كثيرا بسبب قلة تعليمي وجهلي بكثير من المعارف، فأنا لا أستطيع أن أعمل في أي مجال آخر سوى شواء الكباب، وأنا على يقين بأن التعليم يمكن أن يغير أفكار ومصائر الناس، وأن ينير عقولهم ويفتح لهم أبواب العمل. لا أريد رؤية طلاب فقراء مثلي في المستقبل. لذلك أسعى لمساعدتهم بأقصى جهودي."
بعد زلزال ونتشوان بمقاطعة سيتشوان، تبرع عليم بمبلغ من المال للمنطقة المنكوبة. وبعد زلزال يويشو بمقاطعة تشينغهاي، سافر من بيجيه إلى شينينغ، حاضرة مقاطعة تشينغهاي على الفور، واشترى لحوما وخضراوات بآلاف اليوانات وحملها إلى يويشو. قدم نفسه لجنود الإغاثة كجندي سابق، فاشترك معهم في أعمال الإنقاذ. عمل عليم في المنطقة المنكوبة أكثر من عشرة أيام، وقد نال تقدير وامتنان المحليين والجنود.
في بداية عمله ببيع الكباب، كان عليم يحقق دخلا حوالي ألف يوان يوميا في الفترة التي يكون فيها الطقس جيدا، ومن مائة إلى مائتي يوان عندما يكون الطقس سيئا.
يعيش عليم حياة بسيطة ولكنه سعيد. لا يهتم بمظاهر الحياة، فهو إنسان قنوع ومتواضع، فقد ظل يرتدي ملبسا اشتراه بخمسة عشر يوانا أربع سنوات. يعمل يوميا نحو عشر ساعات متواصلة في بيع الكباب. طعامه الخبز وشرابه الماء دائما، ولا يتناول شيئا من الكباب الذي يصنعه، ومع ذلك قانع بحياته. قال: "حياة معظم الأغنياء معقدة، أنا لا أحبها. كل ما يهمني هو أن أكون بصحة جيدة ومرتاح البال، فأنا بخير طالما أجد طعامي كل يوم ولا أشعر بالجوع ، وهذا شيء جيد للغاية وأنا راض به."
باتي قولي أبو ليز، فتاة ويغورية كانت تعمل في محطة وقود بمنطقة شينجيانغ. سمعت باتي قولي بقصة عليم في بداية سنة 2011، فأعجبها فيه نبل أخلاقه وكرمه وطيبة قلبه. اتصلت به عن طريق الإنترنت، فتعارفا وصارا يتجاذبان أطراف الحديث يوميا. وبعد سبعة عشر يوما، ذهبت باتي قولي من شينجيانغ إلى بيجيه لكي تلتقي وجها لوجه مع عليم، وهناك اتفقا على الزواج. سألها عليم: "هل أنت فعلا راغبة في الزواج مني؟ أنا لا بيت عندي ولا مال." ردت باتي قولي: "أنت إنسان طيب القلب ونبيل، وهذا يكفيني. يمكن أن نقيم في بيتي. لا أحتاج إلى مال وبيت." عاد الاثنان إلى مسقط رأسيهما لإتمام الزواج، واستقالت باتيقولي من عملها ورافقت زوجها إلى بيجيه لتشاركه في بيع الكباب.
كان عام 2011 غير عادي في حياة عليم، فخلاله منحه اتحاد شباب منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية الويغور "ميدالية رابع مايو للشباب في شينجيانغ"، في الخامس والعشرين من يناير عام 2011. وحصل عليم على جائزة "النموذج الأخلاقي" للدورة الثالثة للنماذج الأخلاقية في الصين. بالإضافة إلى ذلك، سافر عليم إلى أماكن كثيرة ليتحدث عن تجربته. قال: "حصلت على جوائز كثيرة في السنة الماضية، كأني أعيش في حلم. في الحقيقة، الجوائز التي أحصل عليها تشبه قبعات جميلة، أسعد بارتدائها، ولكن سواء أرتديها أو لا أرتديها سأظل كما أنا، ولن تغيرني القبعات. لا تستطيع هذه الجوائز أن تغير قلبي أو نيتي في مساعدة الآخرين، وبالمقابل أشكر كل من يؤيدني ويشجعني من القوميات المختلفة".
تأثر كثير من الصينيين بتجربة عليم. في مارس عام 2011، قام الرسام المشهور تشاو وان شون، رئيس متحف هواشيا الفني بمنطقة شينجيانغ، بتنظيم نشاط خيري لجمع تبرعات لشراء شقة لعليم، وعرض بيع أعماله الفنية لهذا الغرض. استجاب رجال الأعمال من مقاطعة قانسو لطلب تشاو وان شون. تسلم عليم 520 ألف يوان من تشاو وان شون ورجال الأعمال من مقاطعة قانسو، لكنه رفض أن يأخذ هذا المبلغ لنفسه، بل أراد أن يتبرع به للطلاب الفقراء. وبعد نقاش طويل قبل أن يخصص لنفسه 160 ألف يوان لشراء شقة، وأقام "صندوق عليم لمساعدة ودعم تعليم الفقراء" بالباقي. وفي نفس الوقت، أعلنت حكومة بيجيه عن تقديم معونة مالية لشراء شقة لعليم. بعد المناقشة والاختيار، حصل عليم على شقة في بيجيه بعد عمله واجتهاده لعشر سنوات فيها، وجهوده لمساعدة الآخرين. قال عليم: "لدي حاليا شقتي الخاصة وعائلة سعيدة، لكنني لا أزال أساعد الآخرين باجتهادي، بفضل الله كسبت ثقة الكثير من الأصدقاء، ولن يتغير قلبي وتفكيري أبدا."
حاليا يملك عليم محلين لبيع الكباب في بيجيه، تبلغ مبيعاتهما يوميا حوالي عشرة آلاف يوان. يعتزم عليم بناء مدرسة لأطفال بيجيه الذين يعمل آباؤهم في مدن بعيدة، لأن عدد هؤلاء الأطفال في المدينة كبير. بناء المدرسة يحتاج إلى مليوني يوان تقريبا، ولا يقبل عليم بمعونة مالية، فهو يريد أن يحقق أمله وحلمه بجهوده الذاتية. ويخطط عليم لافتتاح سلسلة محلات للكباب تضم ثلاثين محلا في مختلف المدن الصينية خلال السنوات الثلاث القادمة، ومن أجل ذلك يحاول ضغط نفقات أسرته، لتكون في حدود ألف يوان شهريا.
قال عليم: "يقال إنني أقوم بهذه الأعمال من أجل كسب المزيد من الشهرة والسمعة الطيبة ولأصبح ذائع الصيت، أنا بعيد عن هذه الأقاويل، وأقسم أن كل ذلك لا أساس له من الصحة. فأنا أؤمن بأنه يجب على كل شخص أن يساهم حسب قدرته وموقعه في تحسين وتطوير التعليم، فأنا لا أعرف وسيلة لمساعدة الطلاب الفقراء إلا ببيع الكباب، وهذه هي قدرتي وإمكانياتي. واعتبر أن قوتي الحقيقية تكمن في نجاحي بجعل كثير من الناس يساهمون في مساعدة الفقراء على التعليم، هذا هو الإنجاز الحقيقي."
حلم آخر يراود عليم، وهو أن يعيش في مكان فيه جبل ونهر عندما يصير عجوزا. يتمنى أن يبني مساحة كبيرة فيه، ويبني بيوتا ويزرع أشجارا مثمرة في مساحة واسعة، ويربي بعض المواشي في الجبل، فيأكل من عمل يديه، ثمارا ولحوما وحليبا.