يانغشوه تحت حبات المطر

نانسي تيان

مناظر نهر ليجيانغ تشبه لوحة حبر
  نهر ليجيانغ

بعد رحلة بالطائرة استمرت ثلاث ساعات، وصلت من بكين إلى مدينة قويلين، حاضرة منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ، ثم اتجهتُ بسيارة أجرة من المطار مباشرة إلى يانغشوه. السيارات قليلة على الطريق السريع الذي يربط بين قويلين ويانغشوه. قطعت السيارة المسافة، وهي 66 كيلومترا في ساعة واحدة.

يانغشوه، التي تتبع مدينة قويلين، تقع في شمال شرقي منطقة قوانغشي، على الضفة الغربية لنهر ليجيانغ جنوب شرقي مدينة قويلين. يقيم في يانغتشوه أبناء ثلاث عشرة قومية، منها هان وتشوانغ وياو وهوي. أنشئت محافظة يانغتشوه، حسب السجلات التاريخية، في سنة 590 ميلادية، فتاريخها يرجع إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة.

نهر ليجيانغ لوحة حبر

يقع نهر ليجيانغ في شرقي منطقة قوانغشي، وينتمي إلى النظام المائي لنهر تشوجيانغ. ينبع من جبل ماوآر في سلسلة جبال يويتشنغ بشمالي مدينة قويلين، وهو أعلى جبل بجنوبي الصين، ويمر بقويلين ويانغشوه، ويصل إلى محافظة بينغله. يبلغ طول النهر الإجمالي 170 كيلومترا، ويبلغ طول المجرى المائي بين قويلين ويانغشوه 83 كيلومترا. تستغرق الرحلة النهرية من قويلين إلى يانغشوه بين أربع وخمس ساعات.

عندما وصلت إلى يانغشوه، كانت السماء ملبدة بالغيوم. وفي الصباح بدأت قطرات المطر تتساقط، ومع ذلك قررت أن أقوم برحلتي المائية في نهر ليجيانغ، متمنية أن تكون مناظر النهر في هذا الجو متميزة. انطلقت من يانغشوه إلى ناحية يانغدي بالأتوبيس العام في الصباح، وركبت النهر من ناحية يانغدي إلى بلدة شينغبينغ، فقد قيل لي إن هذا المجرى المائي الذي يبلغ طوله أربعين كيلومترا، فيه أجمل مناظر نهر ليجيانغ.

زوار ناحية يانغدي ليسوا كثيرين، فالشتاء هو موسم الكساد السياحي لنهر ليجيانغ. تمتعت بالهدوء الذي يبحث عنه سكان المدن.

طوف الخيزران الذي ركبته في نهر ليجيانغ يشبه الطوف التقليدي، غير أنه يعمل بمحرك ديزل، وله غطاء بسيط للوقاية من المطر والرياح الباردة. ساعدني سائق الطوف، وهو رجل عمره نحو أربعين سنة، على ارتداء سترة الإنقاذ وطلب مني الجلوس على الطوف بحرص شديد، ثم بدأنا الرحلة.

انساب طوف الخيزران مع تيار النهر، وبدأت  الجبال على الضفة والأماكن البعيدة تبزغ بين الضباب. التضاريس هنا نموذج للطبوغرافيا الكارستية والصخور الكلسية، وهي نوع من الصخور الذائبة. وقد تشكلت الجبال المستقيمة هنا بسبب ذوبان بعض صخورها الكلسية بفعل مناخ قوانغشي الرطب والحار. من بين هذه الجبال جبل جيوما هواشا الذي يشبه تسعة خيول تركض فوق هاوية سحيقة وصخور معلقة في الهواء. مناظر هذه الجبال الشاهقة مطبوعة على أوراق النقد الصينية. للأسف، لم تكن مناظر الجبال واضحة أمامي بسبب قطرات المطر.

عندما انساب الطوف مع تيار النهر، شعرت كأنني داخل لوحة حبر صينية. على ضفتي النهر غابة كثيفة من خيزران ذيل العنقاء، تتراقص أوراقه الخضراء والذهبية بين الرياح، بينما أسراب من الطيور تحلق حولنا أحيانا. نهر ليجيانغ يشبه فتاة خجولة ترتدي حجابا، وتجلس بين رذاذ المطر والضباب. مياه نهر ليجيانغ الخضراء تشبه اليشم، نقية لدرجة تجعل قاع النهر واضحا جليا. كانت هذه الفترة هي موسم الجفاف لنهر ليجيانغ، فظهرت قطع الأحجار في قاعه بوضوح. في عرض النهر، صادفنا بعض الأطوف وعليها زوار آخرون، فكنا نلوح لبعضنا البعض ونتبادل التحية.

بلدة شينغبينغ مرسى الفؤاد

تقع بلدة شينغبينغ في شمال شرقي يانغشوه، وتبعد عن مركز المحافظة خمسة وعشرين كيلومترا. شينغبينغ فيها جبل ونهر وأزقة جميلة، وتعتبر أجمل بلدة قديمة على ضفتي نهر ليجيانغ، يرجع تاريخها إلى 1700 سنة. البلدات الصغيرة تجذبني بشدة، لذا قررتُ أن أزور شينغبينغ.

وصلتُ إلى شينغبينغ ظهرا، وقد دهشت أن لهذه البلدة بوابة فخمة مرصعة ببيت شعر يقول: "بلدة قديمة أنيقة، سكانها مهذبون". دخلتُ مطعما صغيرا في البلدة فرأيت فيه نموذج لوجه مسرحي لأوبرا بكين، إضافة إلى الموائد والمقاعد، تُعرض في المطعم صور للبيع، قيل إن صاحبي المطعم فنانان شابان، يكسبان رزقهما من بيع الصور وإدارة هذا المطعم. طلبتُ حساء الدجاج وأطعمة حارة، تناولتها بسرعة فشعرت بالحيوية تسري في عروقي.

زوار البلدة ليسوا كثيرين، وصاروا أقل بسبب المطر. تجولت في أزقة البلدة على مهل مستمتعة بأرضيتها الصخرية التي استقبلت المطر والرياح خلال مئات السنين، ووطأها آلاف البشر. بعض قطع الصخور لامعة، وبعضها غير مكتمل، ولكنها مازالت باقية.

على جانبي الطريق، رأيت محلات يبدو أن تجارتها كاسدة. أمام أحدها، عجوز يغفو فوق مقعد، وعلى جانبي الباب بيت شعر يقول: "الحياة مع الأطعمة البسيطة، وقضاء الشيخوخة في قراءة الكتب ورسم الصور". كأن الشعر يصف حياة هذا العجوز. على جدران المحل صور كثيرة. في الغرفة المجاورة للمحل، أربعة من المسنين يلعبون الورق، لم ينتبه أي منهم لوجودي. أبواب البيوت في هذه البلدة مفتوحة.

في البلدة بيوت قديمة جدرانها بيضاء مزخرفة بقراميد سوداء، ونوافذ محفورة وأبواب قديمة، تنمو على طنوفها أعشاب، يبدو كأنها تحكي حكايات من قديم الزمان. بالقرب من هذه البيوت القديمة بار يحمل اسم "المكان الأصلي"، قائمة أطعمته في الخارج وفي داخله أريكة و"جدار ثقافي"، تعلق عليه أوراق كتبها الزوار، يبدو هذا البار الحديث مختلفا عن البيوت القديمة. هذا التمازج بين التقليدي والحديث جعلني أسأل نفسي: "أين أنا؟" الزبون الوحيد في هذا البار عجوز ياباني لطيف، عندما رآني، سألني باللغة الإنجليزية: هل أنت يابانية؟ فأجبتُ: لا، أنا صينية. عندما رأى الكاميرا اليابانية الصنع في يدي، قال إنه يشعر بالفخر، والتقط صورة  معي.

تجولت في الأزقة، وتمتعت بالطبيعة والراحة. عندما رأيتُ أهل البلدة ذوي الطموح، الزاهدين في الشهرة والجاه، غبطتُهم كثيرا، فتلك هي الحياة التي أبحث عنها.

نهر يويلونغ جنة على الأرض

بعد مغادرة بلدة شينغبينغ، قررتُ ركوب نهر يويلونغ عكس اتجاه التيار، من جسر جينلونغ إلى محافظة جيوشيان. نهر يويلونغ رافد لنهر قولي بمحافظة لينقوي، ومعظمه في يانغشوه، ويمر بناحية جينباو ومحافظات بوتاو وبايشا وشينيانغشوه وناحية قاوتيان، ويلتقي مع نهر جينباو ليشكلا معا نهر تيانجيا الذي يصل إلى نهر ليجيانغ أخيرا.

توقفت قطرات المطر، ولكن الجو ما زال غائما. أفضل طوف الخيزران اليدوي غير المتلوث على نهر يويلونغ. سائق الطوف فتى قوي البنية، إضافة إلى دفع الطوف، قام بدور المرشد السياحي أيضا، قال إن عددا كبيرا من المشاهير الصينيين والأجانب ركبوا طوفه، وإن مجلة سياحية نشرت تقريرا عنه.

سار الطوف بسرعة مناسبة، ولم يكن في النهر غيره، فلم أسمع غير صوت الرياح والماء. عندما تسكن الرياح، يشبه النهر مرآة ضخمة تنعكس عليها صورة الجبال وخيزران ذيل العنقاء والأشجار، وعندما تهب، تختفي كل الصور.

أشار قائد الطوف إلى الأمام، وقال إن هذا الجسر المقنطر القديم جسر يويلونغ، الذي بُني في فترة أسرة مينغ (1368-1644م)، لا أعرف عمر هذا الجسر الحقيقي، وأؤكد أنه سيبقى هنا في المستقبل. على نهر يويلونغ جسور كثيرة، لذا يأتي كثير من المولعين بالتصوير إلى هذه المنطقة لتصوير هذه الجسور.

على ضفتي نهر يويلونغ زهور متفتحة بيضاء لا أعرف لها اسما، وتتمايل الأشجار ذات الأوراق الذهبية اللون مع النسيم، البنايات البيضاء تبرز كل ما هو أخضر. جماعة من البط تلهو في مياه النهر وهي أصحاب النهر الحقيقيين، ونحن زواره فقط.

شيجيه مائدة متنوعة

الذي يذهب إلى يانغشوه لا بد أن يزور شارع شيجيه. نزلت في فندق في تقاطع بهذا الشارع المشهور الذي بدأ بناؤه سنة 1674، ويعتبر أعرق شارع بمحافظة يانغشوه. يطل الشارع على نهر ليجيانغ شرقا وجبل بيليان غربا، وبجانبه سلسلة جبال قاوفنغ، عرضه ثمانية أمتار، وطوله حوالي 800 متر.

كنت قد سمعتُ أن بار ليبينغ أفضل موقع لمشاهدة مناظر شارع شيجيه، فتوجهت إليه. وجدت مكانا فيه، فطلبتُ إبريقا من شاي الزنجبيل، وتمتعتُ بهذا الشاي اللذيذ،. الزوار في الشارع ليسوا كثيرين. على جانبي الشارع محلات متنوعة عديدة، ومن بينها بارات ومطاعم توفر قوائم الطعام باللغتين الصينية والإنجليزية، وفنادق عادية ومحلات صغيرة لبيع المنتجات الفنية والتذكارات.

على باب محل "بويانبويوي" للأقمشة نول النسج الخشبي، تعمل عليه فلاحة محلية. الصوت العذب لنول النسج أطربني. إضافة إلى هذا المحل، توجد في شارع شيجيه محلات خاصة لبيع منتجات رائعة، عندما دخلتها، عايشت المزاج الذهني لمصمميها.

في شارع شيجيه يمكن التمتع بعصير الذرة الطازج وشاي الزنجبيل الحار وطحين السمسم الطازج والآيس كريم الإيطالي والقهوة الأجنبية، كل هذه الروائح المتنوعة تشكل النكهة المميزة لشارع شيجيه.

يستيقظ شارع شيجيه في مساء كل يوم، عناقيد الفوانيس الحمراء والمصابيح الملونة تشعل حماسة الزوار، وتستعد البارات لاستقبال الزوار.

لا بد أن كل من يزور ياننغشوه يرى شارع شيجيه برؤية خاصة، كما أن هذا الشارع له سماته التي تتنوع بتنوع فصول السنة. هو شارع شيجيه تقليدي وحديث، فيه هدوء وضجيج، كاسد ونشيط، دافئ وفاتر. هو مزيج من التناقضات، كل من يزوره يجد فيه بغيته فلا يرغب في مغادرته.

لمعلوماتك:

1-    موسم النشاط السياحي لمحافظة يانغشوه هو الفترة من أواخر مارس إلى أوائل نوفمبر كل سنة. يمكن الوصول بالطائرة إلى مدينة قويلين، ومنها إلى يانغشوه بالمواصلات العامة أو سيارات الأجرة.

2-    الانسياب مع تيار الماء في نهر ليجيانغ ونهر يويلونغ تجربة فريدة. خطوط الإنسياب مع تيار النهر، وينصح بالتأكد من الخط والسعر قبل ركوب النهر.

3-    ينصح زوار يانغشوه بارتداء ملابس  ثقيلة، خاصة عند ركوب النهر.

4-    مكرونة قويلين المصنوعة بالأرز وجبة محلية تستحق التذوق، كما أن سمك ليجيانغ والدجاج المحلي لذيذان أيضا.

 
بلدة شينغبينغ

 محل في شارع شيجيه