الإدارة الاجتماعية قاعدة التناغم الاجتماعي
لي يوان

الصين، التي يبلغ عدد سكانها نحو مليار وأربعمائة مليون نسمة، وتشهد تنمية اقتصادية واجتماعية، تولي حكومتها اهتماما بالغا للإدارة الاجتماعية، وتقوم، منذ فترة طويلة، باستكشاف وتجريب وتطوير أنظمة الإدارة الاجتماعية التي تتفق مع ظروف الصين.
خلال أكثر من ثلاثين سنة من الإصلاح والانفتاح، تم تأسيس نظام اقتصاد السوق الاجتماعي تدريجيا، وشهد المجتمع الصيني تغيرات عميقة، ودخلت الصين فترة هامة للتطور الاجتماعي وظهور المشاكل الاجتماعية.
لمناقشة الإدارة الاجتماعية في الفترة الجديدة، أجرت ((الصين اليوم)) مقابلة خاصة مع د. تشن هونغ تاو، الأستاذ المساعد بمعهد إدارة الكوادر التابع لوزارة الشؤون المدنية، والمعني بالدراسات الاجتماعية.
التنمية تدفع إصلاح الإدارة
المقصود بالإدارة الاجتماعية هو تنظيم وتنسيق وضبط المكونات المختلفة للنظام الاجتماعي ومختلف مجالات الحياة الاجتماعية وحلقات التنمية الاجتماعية، سواء التي تقوم بها الحكومة أو المنظمات الاجتماعية، بهدف دفع تنسيق إدارة النظام الاجتماعي.
قال د. تشن هونغ تاو: "تولي الحكومة الصينية، منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، اهتماما بالغا للإدارة الاجتماعية، مما أدى إلى تأسيس نظام إدارة اجتماعية يتفق مع أحوال الصين والنظام الاشتراكي، وتم بناء شبكة للإدارة الاجتماعية وإقرار السياسات والقوانين الأساسية للإدارة الاجتماعية. عناصر نظام الإدارة الاجتماعية تتمثل في: "قيادة لجنة الحزب الشيوعي، الحكومة تتحمل المسؤوليات، المساعدات الاجتماعية، المشاركة الجماهيرية"، وقد تكون النظام بشكل أولي. غير أنه مع التنمية الاجتماعية، شهدت الحياة الاجتماعية الصينية العديد من التغيرات الجديدة؛ حيث تزداد الهياكل الاجتماعية يوما بعد يوم، وتقام منظمات اجتماعية متنوعة، مما يتطلب إدارة كثير من الشؤون الاجتماعية وحل المشاكل والتناقضات الاجتماعية العديدة وسد الحاجات الاجتماعية المتنوعة. هذا يستلزم استكشاف وإبداع أساليب إدارية وأنظمة وآليات وقوانين وسياسات ملائمة. لذا، تحرص الحكومة الصينية على تعميق وإبداع أنظمة إدارة اجتماعية، وجذبت اهتمام أوساط المجتمع."
أسباب المشاكل في مجال الإدارة الاجتماعية ترجع إلى مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي في الصين، والسمات التي تميز المرحلة الحالية. قال د. تشن: "بعد مرور أكثر من ستين سنة على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وخاصة بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، شهدت البلاد تقدما كبيرا، من حيث القدرة الاقتصادية والقوة الوطنية الشاملة، مما أرسى أساسا ماديا هاما لسد الحاجات المتزايدة المادية والثقافية للناس، وحل المشاكل في مجال الإدارة الاجتماعية. ولكن الصين مازالت وستظل لوقت طويل في المرحلة الأولية للاشتراكية. التناقض بين حاجات الشعبية المادية والثقافية المتزايدة والإنتاج الاجتماعي المتخلف، مازال هو التناقض الاجتماعي الرئيسي في الصين. ومازال الافتقار إلى التوازن والتناسق والاستمرار في التنمية مشكلة بارزة."
بدأت الحكومة الصينية تنفيذ إصلاح النظام الاجتماعي، الذي يشمل إدارة المنظمات الاجتماعية والتجمعات السكنية، والإسعاف الاجتماعي، والضمان الاجتماعي، ومرافق الرعاية الاجتماعية، وغيرها.
بيت جميل إدارته ذاتية
الإدارة الاجتماعية هي إدارة وخدمة البشر، وبما أن الناس يقيمون في التجمعات السكنية، فينبغي تعزيز الإدارة الاجتماعية في الوحدات القاعدية والتجمعات السكنية.
منذ ثمانينات القرن الماضي، بدأ الصينيون يمتلكون مساكنهم، وصارت التجمعات السكنية الاختيار الرئيسي للصينيين للسكن والحياة. ولهذا، تمثل أعمال التجمعات السكنية حلقة أساسية في نظام الإدارة الاجتماعية. ومن ثم فإن إدارة التجمعات السكنية موضوع هام في الإدارة الاجتماعية.
قال د. تشن: "إدارة التجمعات السكنية هي حلقة الوصل التي تربط بين الدولة والمجتمع، ولجان التجمعات السكنية منظمات أهلية قاعدية للإدارة الذاتية في المدن الصينية وليست ممثلة للحكومة، ولكن هناك علاقة وثيقة بين التجمعات السكنية والحكومة. إن الزيادة الحالية في عدد المنظمات الاقتصادية والاجتماعية القاعدية تجسد الحيوية المجتمعية. والإدارة الذاتية للتجمعات السكنية وإذكاء حماسة المواطنين للمشاركة في إدارة التجمعات السكنية عنصران رئيسيان لإدارة التجمعات السكنية. إن تحديد دور ومسؤوليات الحكومة في إدارة التجمعات السكنية هو مفتاح تنمية التجمعات السكنية."
تشارك الحكومة في تخطيط وتنفيذ معظم مشروعات التجمعات السكنية، كما تشارك في إدارة التجمعات مباشرة، مما يعني أنها تقوم ببناء وإدارة التجمعات السكنية. في بداية تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، كانت الحكومة، وليس المنظمات الاجتماعية، الركيزة الوحيدة للإدارة الاجتماعية والهيئة الوحيدة التي تقدم الخدمات الاجتماعية. وبعد فترة من تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، أخذ الدور التنسيقي للقوى الاجتماعية والمشاركة الجماهيرية في البزوغ، ولكن مجالات الإدارة الاجتماعية ما زالت كثيرة."
أضاف د. تشن: " تسابقت دوائر حكومية كثيرة للانخراط في شؤون التجمعات السكنية، مع توزيع واجباتها ومسؤولياتها، فانشغلت لجان التجمعات السكنية بإكمال الشؤون الإدارية التي تكلفها بها الدوائر الحكومية، ومن ثم لديها من الوقت ما يكفي لتنفيذ أعمال الإدارة الذاتية. حسب دراستنا، تتحمل لجان التجمعات السكنية أكثر من 130 عملا محددا، منها أكثر من عشرة فقط تخص الإدارة الذاتية."
مع تعمّق إصلاح إدارة التجمعات السكنية، بدأت بعض المناطق الصينية الفصل بين الأعمال الحكومية وأعمال التجمعات السكنية، وقد أقيمت محطات خدمة أو محطات عمل، كوكالات للحكومة في التجمعات، في بكين وشانغهاي وشنتشن وغيرها من المناطق الصينية لتحمل معالجة الشؤون الحكومية، وفي نفس الوقت، عادت إلى لجان التجمعات السكنية صلاحيات الإدارة الذاتية.
كثير من التجمعات السكنية في بكين تقدم خدمات لسكانها مثل إصلاح الأجهزة الكهربائية وصيانة خطوط الماء والكهرباء والاستشارات القانونية والطبية والنفسية والعقارية، بل وخدمات الحلاقة وتعليم الموسيقى وغيرها. إضافة إلى ذلك، توفر بعض لجان التجمعات السكنية معلومات حول سياسات التوظيف وتنظيم الأسرة والمساكن الاقتصادية.
عن كيفية زيادة المشاركة الجماهيرية في أعمال إدارة التجمعات السكنية، قال د. تشن إن تقديم الخدمات وفقا لمطالب السكان ومشاركة المتخصصين في الأعمال الإضافية العامة أحد الحلول الهامة. وأضاف: "كان معظم العاملين في لجان التجمعات السكنية من المسنين، ولهذا لا تتسم أعمال التجمعات السكنية بالحيوية. مع تطور الاقتصاد الصيني السريع، شهدت التجمعات السكنية تغيرات هائلة، وبدأت تتحمل مسؤوليات الإدارة الاجتماعية والخدمات الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وتعتبر حاليا مراكز لتنسيق وحشد الشرائح الاجتماعية المختلفة."
أصدرت الحكومة الصينية ((آراء حول تعزيز أعمال موظفي التجمعات السكنية))، ونص ((منهاج خطط التنمية الوطنية المتوسطة والطويلة المدى للأكفاء)) على بناء صفوف من المتخصصين الأكفاء في الأعمال الاجتماعية، بحيث يصل عددهم إلى مليوني فرد بحلول سنة 2015، ورفع هذا العدد إلى ثلاثة ملايين في سنة 2020.
قال د. تشن: "الموظفون المتخصصون في الأعمال الاجتماعية موجودون في كل الأماكن التي تواجه مشاكل اجتماعية. التناغم في التجمعات السكنية هو أساس التناغم الاجتماعي. والخدمات المتخصصة هامة جدا لتقديم خدمات فعالة وعالية الجودة في التجمعات السكنية وحل كل التناقضات."
إدارة مبتكرة وتناغم تام
الهدف من تعزيز الإدارة الاجتماعية هو حماية النظام الاجتماعي وتعزيز التناغم الاجتماعي وضمان حياة كريمة للمواطنين، وتهيئة بيئة اجتماعية ملائمة لتنمية الوطن وبناء مجتمع متناغم.
قال د. تشن: "المجتمع الجميل يتمثل في الحياة الاجتماعية، يتعامل المواطنون على أساس الحرية والمساواة، ويستطيع المواطن حماية مصالحه الذاتية. وتكون هناك مساواة بين المنظمات الحكومية والمؤسسات والمنظمات الاجتماعية. المجتمع الجميل مجتمع منسجم. قد تكون فيه تناقضات اجتماعية، ولكنها لا تؤدي إلى الوضع الانفصالي."
المجتمع الجميل يجعل المواطن يشعر بالأمان والحرية والمساواة والاحترام والسعادة. تعزيز الإدارة الاجتماعية يعظم هذا الشعور عند المواطن، ولهذا، فإن الإدارة الاجتماعية، التي تسعى إلى بناء المجتمع الجميل تنال دعم الجماهير.
قال د. تشن هونغ تاو إن دراسة أعمال التجمعات السكنية تمت على أساس معرفة الأحوال الحقيقية للتجمعات السكنية، رافضا أن تتم أعمال التجمعات السكنية وفقا لنظريات أجنبية. وقال إن الأساس المادي لحل المشاكل الاجتماعية المتنوعة ما زال ضعيفا، ومن ثم فإن معالجة المشاكل في مجال الإدارة الاجتماعية قضية ملحة عاجلة كما تحتاج إلى وقت طويل.