سارة في بكين تجربة ممتعة وتفوق في الدراسة وأمل كبير في المستقبل
سارة في بكين
تجربة ممتعة وتفوق في الدراسة وأمل كبير في المستقبل
أنسام شاكر خضر

نتبادل اليوم حياة طالبة عراقية تعيش وتدرس في بكين منذ طفولتها. إنها تجربة ممتعة أن تترعرع هذه الطالبة في بكين، حيث المحيط التقليدي الشرقي المشابه كثيرا لمحيطها العائلي الأصلي في العراق، وتجربة تحدٍ لتواصل دراستها بتفوق وهي الآن على أبواب التخرج في الجامعة.
بداية جديدة
إنها سارة عباس، الفتاة العراقية التي وصلت إلى الصين مع عائلتها في شتاء عام 1998، حيث بدأ أبوها عمله في بكين، وعمرها لم يتجاوز التسع سنوات آنذاك. ورغم صغر سنها، شعر أبواها ببعض القلق عليها وعلى أخيها الذي ينقصها في العمر بأكثر من سنة، من احتمال تأثرها بالانتقال من مجتمع لآخر، خاصة أنها طالبة يجب عليها مواصلة دراستها التي قد تضطرها للالتحاق بمدرسة صينية مما يستلزم إعدادا خاصا لها في اللغة والعلاقات المدرسية، وما إلى ذلك. لكن، لحسن الحظ، وجدت سارة المحيط السكني والحياتي الملائم كثيرا لها؛ حيث ما زال الصينيون محافظين كثيرا على تقاليد المجتمع الشرقي، ويراعون عاداتهم وعادات الآخرين. لكن، ورغم ذلك تقول سارة: "لا أنكر أنني حتى الآن أجد صعوبة في تكوين علاقات صداقة مع قريناتي من الصينيات، فأنا أراهن مختلفات عني في اهتماماتهن وميولهن وطباعهن، لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك علاقات زمالة واحترام مع العديد من الطالبات والطلبة في الجامعة". عناصر المتعة في تجربة حياة سارة في بكين هي الاطلاع على مظاهر غنية لحضارة شرقية عريقة في التاريخ والمضامين وزيارة مناطق سياحية منظرية جميلة تسحر عيون الصغار والكبار على حد سواء. وعن أجمل المناطق التي زارتها قالت سارة: "سور الصين هومن أروع وأجمل الأماكن التي زرتها، وأنا أشعر كل مرة أذهب فيها إلى ذلك المكان الساحر، بأنه صرح عظيم يدل على عراقة وإبداع الشعب الصيني منذ القدم. أعتقد أن الصين مليئة بالأماكن الرائعة التي أتمنى أن أتمكن من زيارتها في المستقبل". ولم تنس سارة إبداء حبها ورغبتها في التسوق، حالها حال جميع الفتيات، وقالت وهي تبتسم: "أعتقد أن الأسواق في بكين هي من أجمل وأفضل الأماكن التي يمكن لأي إنسان أن يقضي فيها وقتا ممتعا ومفيدا".
تجربة المدرسة واللغة الصينية
بدأت سارة دراستها في بكين، لتكمل ما بدأته أصلا في مدرسة ابتدائية في بغداد. ولكونها في السنة الدراسية الخامسة، كان من الأفضل أن تواصل دراستها باللغة العربية، وفعلا التحقت بمدرسة عربية في بكين. رغم انشغالها بدروسها العربية، كانت شغوفة بتعلم اللغة الصينية، مستفيدة من ظروف وجودها في بكين، حيث الكل يتحدث الصينية في محيط لغوي مناسب تماما.
يقول الصينيون، وكذلك الأجانب الذين يدرسون اللغة الصينية، إن اللغة الصينية عموما صعبة، لكن التحدث بها أسهل كثيرا من كتابة مقاطعها "المعقدة". ومن خلال تجربتنا الحياتية مع الصينيين، لمسنا فعلا صعوبة كتابة المقاطع الصينية، لأنها كثيرة، قد تزيد على خمسة آلاف، وهذا الرقم للفصحى الرسمية فقط! أما المقاطع الأصلية القديمة، فتزيد كثيرا على هذا الرقم. ومع الصعوبة، يوجد التحدي والعزم على تحقيق شيء يدعو للفخر الشخصي، وهذا ما عقدت سارة العزم عليه.
من التلفزيون إلى الجيران، وعلى الطريق إلى المدرسة وركوب الحافلة مع الصينيين، بدأت سارة تتعلم الكلمات الصينية تدريجيا، وأخذت التدرب على نطقها ومحاولة كتابتها مُستغلة كل ظرف ممكن. ولم يمض وقت طويل، حتى بدأت تفهم من يكلمها بالصينية، ثم ازدادت ثقتها بنفسها فصارت تتحدث بها وتتقنها نطقا وكتابة. هذا الأمر ساعدها كثيرا في دراستها لاحقا، حيث اختارت تخصصا علميا واصلت دراسته باللغة الصينية، رغم صعوبة المصطلحات العلمية. وبفضل الله تعالى، ثم بجهودها ودعم العائلة والأصدقاء، مضت سارة في طريق الدراسة متفوقة، وظلت الأولى على دفعتها في كافة مراحل الدراسة، وتوجتها هذه السنة بتفوقها بدراستها في جامعة بيهانغ الشهيرة ببكين.
علوم الكومبيوتر في خدمة التواصل الحضاري
اختارت سارة علوم الكومبيوتر تخصصا لدراستها الجامعية، وهي اليوم على أبواب التخرج في الجامعة. عن دراستها واختيارها هذا المجال بالتحديد، قالت سارة: "عشقت هذا التخصص منذ الطفولة، وكنت أرى فيه عالما مليئا بالإبداع والتحديات، ومنذ ذلك الوقت، بدأت أعزز من عزمي وأصقل رغبتي في توظيف مؤهلي العلمي لخدمة التواصل الحضاري بين الأمتين العربية والصينية، العريقتين تاريخيا والمرتبطتين بأواصر صداقة ودية تقليدية تعود لآلاف السنين." قد تكون الخطوات الأولى صعبة، ولكن العزيمة موجودة والأمل كفيل بتذليل الصعوبات، لتتمكن سارة من التعاون مع زملائها وأصدقائها العرب والصينيين من تأسيس منصة إلكترونية تخدم المزيد من تعزيز العلاقات العربية الصينية.