الصينيون على درب التسوق الإلكتروني
الصينيون على درب التسوق الإلكتروني
لي يوان
ظاهرة التسوّق الإلكتروني التي أحدثت ثورة في نمط تسوق الأمريكيين والأوروبيين، تلقى حاليا إقبالاً متزايدا من الشباب وكثير من متوسطي العمر في الصين، بفضل ما يتيحه التسوق عبر الشبكة العنكبوتية من راحة وتنوع في الاختيارات والأسعار التفضيلية..
في فترة الكريسماس، قررت البكينية أويانغ وي بنغ أن تخوض تجربة التسوق الإلكتروني، وبدأت بالبحث عن مستحضر للتجميل تفضله. وقد دهشت السيدة أويانغ للسعر الذي قدمه لها متجر "ماسي"، والذي يقل كثيراً عن سعر نفس المنتج الذي تريده في المتاجر التقليدية. بعد ثلاثة أسابيع من طلبها، وصلت مجموعة مستحضرات التجميل التي طلبتها إلى مقر عملها، إلى جانب هديّة مجانية بمناسبة الكريسماس من "ماسي". قالت أويانغ إنها كانت حقا تجربة ناجحة.
بطاقة الائتمان أولا
يتزايد عدد المستهلكين الصينيين الذين يحصلون على المنتجات والخدمات من منافذ البيع الدولية عبر شبكة الإنترنت، ويبحثون عن المعلومات حول المنتجات التي تعرضها متاجر البيع بالتجزئة خارج البلاد. حاليا، يبلغ عدد أعضاء موقع "Letsebuy.com"، وهو موقع صيني للتسوق الإلكتروني العالمي، أكثر من ثلاثين ألفاً، يجمع بين هدف واحد هو الاستفادة المشتركة من تجارب التسوّق الإلكتروني من الخارج، ومعرفة المعلومات الجمركية وأسعار الشحن من الخارج ، إلى جانب الاستفادة من المواقع الأجنبية المفضّلة التي تقدّم تخفيضات جيدة.
ليو يي، وهي تعمل مترجمة في مجلة يقع مقرها الرئيسي في مدينة بكين، بدأت وهي حامل في طفلها الأول تستكشف اختيارات التسوّق المناسبة لها عبر مواقع التسوق الإلكتروني العالمية. بيد أن السيدة ليو التي تجيد الإنجليزية، ظلت تشعر بالقلق من الإقدام على أول عملية تسوق إلكتروني تقوم بها. بعد أن اشترت بعض المنتجات لطفلها المنتظر، قالت: "هذه المنتجات هي نفس المنتجات المتوفرة في الأسواق المحلية التي أتعامل معها، ولكن الأسعار عبر الإنترنت رائعة فعلاً، فقد دفعت فيها ثلث المبلغ الذي كنت سأدفعه إذا اشتريتها من المتاجر العادية."
وأوضحت ليو أنها حرصت على شراء المنتجات الخفيفة الوزن، بسبب ارتفاع أسعار الشحن الدولي، الذي يكلّف 15 دولارا أمريكيا للكيلو جرام الأول، وخمسة دولارات أمريكية لكل كيلوجرام إضافي.
ولكن، قبل التعامل مع مراكز التسوق الرقمية الدولية، ينبغي على المستهلك الصيني، أن يتخذ بعض الخطوات الضرورية. بعد الحصول على بطاقة ائتمان ثنائية العملة، يجب على المتسوّق أن يسجل اسمه في موقع Paypal.com حتى يمكنه الدفع عبر الإنترنت. وحتى بعد القيام بهذه الخطوة، بعض المواقع لا تستطيع إرسال البضائع بالبريد مباشرة إلي الصين، ويكون على المستهلك الصيني أن يسجل اسمه في إحدى شركات إعادة الإرسال تتولى توصيل البضاعة إليه داخل الصين.
ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية وضريبة الواردات وضريبة الاستهلاك من الأسباب الرئيسية التي تجعل سعر السلعة الأجنبية مرتفعا في المتاجر الصينية التقليدية، ففي بعض الحالات يصل معدل الضريبة التراكمية على السلع المنزلية المستوردة إلى أكثر من 50% من ثمنها. لهذا، يلجأ الناس إلى التسوق الإلكتروني الذي يجنّبهم هذه الضرائب.
تلعب المرأة الصينية دوراً محورياً في ثورة التسوّق عبر الإنترنت التي تشهدها الصين حالياً؛ فمستحضرات التجميل تحتل رأس قائمة المنتجات التي يتسوقها الصينيون عبر الإنترنت من الخارج.
الأرباح الضخمة التي يحققها التسوق الإلكتروني على مستوى العالم، شجّعت العديد من الصينيين المقيمين في الخارج لإنشاء مواقع تسوق إلكترونية للاستفادة من الإقبال الكبير على هذا النمط من التسوق في وطنهم الأم.
فنغ وي، وهو مواطن من أبناء تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، ويعيش حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ منذ ثلاث سنوات يعمل كوكيل شراء غير رسمي، بالهاتف، لأصدقائه الصينيين الذين يريدون شراء الحقائب من الولايات المتحدة الأمريكية. ومع تزايد أعداد المشترين، قرر أن ينشئ متجرا ًإلكترونيا لعرض الحقائب وتلقي طلبات الشراء. حاليا، يبيع فنغ وي عبر متجره الإلكتروني حوالي أربعين حقيبة شهرياً في المتوسط، يحصل منها ربحا يصل إلى نحو عشرة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوانات).
قال فنغ وي: "تقدم الأسواق العامة تخفيضات كبيرة بشكل دائم أكثر من منافذ البيع الرسمية للمنتجات من الماركات المشهورة. نشتري الحقائب من الأسواق في مواسم التخفيضات، ثم نبيعها بأسعار مخفضة طوال السنة. أهم شيء هو السعر. أسعار السلع لدينا هي الأرخص، لذلك يتهافت الناس على الشراء منا."
فانغ هونغ، وهي سيدة بكينية الأصل وتحمل الجنسية الهولندية منذ خمس سنوات، تشتري أطعمة وحليب الأطفال في هولندا، وتبيعها للصينيين الذين يساورهم القلق من صلاحية المنتجات المحلية المشابهة في السوق الصينية.
قالت السيدة فانغ هونغ: "وفقاً للقانون الهولندي، يمكن لأي شخص شراء ثلاث عبوّات فقط من مسحوق الحليب في المرة الواحدة.، ونظرا لكثرة طلبات الشراء من المستهلكين الصينيين، أضطر إلى الذهاب إلى المتاجر في المدن المجاورة للمدينة التي أقيم فيها ثلاث مرات أسبوعيا لشراء ما يكفي لتلبية هذه الطلبات." وقالت إنها بدأت هذا العمل بعد فضيحة حليب الأطفال الصيني في عام 2008، والآثار والمخاوف المحلية التي مازالت عالقة بأذهان المستهلكين منذ ذلك الحين.
تخضع صناعة أغذية الأطفال في العديد من دول أوروبا الغربية لإشراف هيئات حكومية متخصصة، وتحصل على دعم من الحكومة وتباع بسعر أقل من تكلفتها، وعلى سبيل المثال يبلغ سعر عبوّة مسحوق الحليب في العاصمة الهولندية أمستردام حوالي 10 يورو فقط. نفس هذه العبوة يمكن أن تباع في الصين بنحو 160 يوانا، مع الأخذ في الاعتبار الرسوم والتعريفة الجمركية. قالت فان : " أربح حوالي 30 يوانا في العبوّة الواحدة، وهو ربح ممتاز بالنسبة لي. هناك الكثير من الأشخاص في هولندا وألمانيا يفعلون مثلي، ومنهم من يربح عشرات الآلاف من اليوانات شهرياً".
لجذب المزيد من المستهلكين الصينيين، أطلقت العديد من مواقع التسوّق الإلكتروني العالمية إصدارات باللغة الصينية، فزادت أعمال شركات توصيل المنتجات والخدمات مثل شركتي Alipay و Direct Mail المتخصصتين في خدمة التوصيل في الصين.
ازدهرت أعمال الشحن والتوصيل في الصين. في عام 2011، افتتحت شركات بريد كبيرة مثل Global Courier و Buytong خدمة الشحن. قال مندوب مبيعات في شركة Global Courier: "نستقبل يوميا أكثر من 100 طلب بنقل منتجات إلى الصين، أغلبها موجّهة إلى المدن الكبرى مثل بكين وشانغهاي. حجم العمل في قسم خدمات الشحن والتوصيل إلى الخارج 3 أضعاف العمل في قطاع خدماتنا البريدية، وكلما ازداد دخل شركات البريد في سوق خدمات الشحن والتوصيل، كلما ازدادت المنافسة".
مخاوف وشكوك
برغم الإقبال الكبير على التسوق الإلكتروني في الصين، لمزاياه العديدة المتمثلة في الأسعار وتنوع الاختيارات وبساطة التعامل، ظهرت في الآونة الأخيرة بعض المخاوف من جودة المنتجات التي تباع من خلال هذا الوسيط الرقمي.
في النصف الأول من عام 2011 ، وجدت هيئات فحص السلع وهيئات الحجر الصحي في الصين، 665 عيّنة عشوائية لمواد غذائية غير مطابقة للمواصفات الصحية الصينية، وحوالي 36 عيّنة لمستحضرات تجميل مستوردة غير مطابقة للمواصفات الصينية.
عن أسباب عدم شرائها لحليب الأطفال عن طريق مواقع التسوق الإلكتروني الدولية، قالت ليو يي: "في سبتمبر من عام 2010 ، وجد أن حليب الأطفال بماركة سيميلاك يحتوي على بقايا خنفساء. وقد قامت الشركة المنتجة بسحب منتجاتها من هذا الحليب من أسواق الولايات المتحدة الأمريكية وبورتوريكو. لهذا السبب لا تشتري ليو يي حليب الأطفال من مواقع إنترنت خارج الصين.
تحفل منتديات الحوار الإلكترونية عن التسوّق بشكاوى المستخدمين من الشراء عبر الإنترنت، والتي تشمل استلام منتجات منتهية الصلاحية، بسبب طول وقت النقل، استلام بضائع تالفة، إلى جانب صعوبة إعادة البضاعة واسترداد ثمنها.
ويخشى بعض المستهلكين من عمليات تزوير بطاقات الائتمان عند الشراء، حيث يفصح المتسوق الإلكتروني عن تفاصيل بطاقة الائتمان الخاصة به. كما أن عدم المعرفة التامة باللغة الإنجليزية قد يؤدي بالمستهلكين إلى شراء سلع غير التي يريدونها، ويجد أغلبهم حرجا في إعادتها.
إيجابيات وسلبيات
مع الزيادة المتواصلة في عدد المتسوقين عبر الإنترنت، تزداد أيضا الشكاوى والانتقادات لهذا النمط من التسوق. ولكن مواقع التسوق الإلكتروني المسجلة خارج الصين لا تخضع للرقابة الداخلية، ويتم تسليم البضاعة للمشتري مباشرة، بدون فحص دقيق لها في منافذ الحجر الصحي الصينية. وإجمالا، ليست هناك ضمانات كافية لصحة وسلامة هذه المنتجات. وإذا اكتشف المشتري عيوباً في المنتج الذي اشتراه، فليس ثمة مكان يشكو له إلا الموقع الإلكتروني الذي اشترى من خلاله.
قال البروفيسور باي شون جين، نائب عميد كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة تشينغهوا إن التسوّق الإلكتروني يوفر للمستهلك وهو في مكانه طريقة سهلة للتسوّق، ويتيح له الحصول على منتجات عالمية معروفة غير متوفرة في الأسواق المحلية أو في متاجر البيع التقليدية. وهذه بالطبع مزايا كبيرة بالنسبة للمستهلك المحلي. ولكن جنون التسوّق عبر الإنترنت ليس في مصلحة المنتجين والمصنّعين المحليين، لاسيّما بعد بوادر التعافي من نتائج الأزمة المالية العالمية العنيفة، التي وصل الطلب على المنتجات والبضائع الاستهلاكية خلالها أدنى مستوى له. يطالب البروفيسور باي السلطات المعنيّة باتخاذ إجراءات تضمن للشركات المحلية عدم التوقف عن العمل والإنتاج بسبب الضرائب المفروضة عليها الأعلى بكثير من الضرائب المفروضة على المنتجات المنافسة التي يتم تسويقها إلكترونيا.
المستورد والمحلي
وفقا لتقرير حول التسوق الإلكتروني، صادر عن المركز الصيني لبحوث التجارة الإلكترونية، بلغ حجم تسوق الصينيين من الخارج عن طريق الإنترنت نحو 12 مليار يوان في سنة 2010، وتصدرت مستحضرات التجميل ومساحيق الحليب والحقائب قائمة السلع المشتراة. هذا يعني أن التسوق الإلكتروني صار من وسائل التسوق الخارجي الرئيسية للصينيين. وقد لفتت هذه الظاهرة نظر الحكومة الصينية، وبدأت بالفعل اتخاذ خطوات لمكافحة التهرب من الرسوم الجمركية.
منذ أول سبتمبر سنة 2010 ، خفضت الجمارك الصينية حد الإعفاء الجمركي للسلع الشخصية الواردة بالبريد من خمسمائة يوان إلى خمسين يوانا. ولكن برغم هذه الخطوة لم تفتر حماسة الصينيين لشراء السلع الأجنبية. قالت السيدة فانغ هونغ، إن سعر عبوة حليب الأطفال التي تشتريها من الخارج زاد حوالي 20- 30 يوانا نتيجة لهذا الإجراء، ولكنها مع ذلك مازالت تشتريها، حرصا على صحة صغارها.
قال تشو تشي جيان، المستشار بوزارة التجارة الصينية، إن ارتفاع الرسوم الجمركية على واردات معيّنة يؤثر بشكل أكبر على أسعار السلع المستوردة المتوسطة والراقية في السوق الصينية. وأضاف: "المنتجات الصغيرة والشخصية التي يتم شراؤها عبر الإنترنت لا تتأثر بصورة كبيرة بهذه الرسوم، وبالتالي لا تستطيع المتاجر المحلية المنافسة مع هذه المنتجات".
وقد اتفقت مختلف السلطات المعنية في الصين على خفض رسوم الاستيراد على السلع الكمالية، بهدف تحقيق تكافؤ الفرص بين الشركات الأجنبية والمحلية.
إن خفض الرسوم الجمركية على السلع الكمالية، سيشجع المزيد من الصينيين على شراء المنتجات المستوردة الراقية من السوق المحلّية بدلاً من استيرادها من الخارج. قال باي تشونغ جين: "التمهيد لهذه الخطوة يظهر التزام الصين بتخفيض التعريفة الجمركية، وفقاً لمبادئ منظمة التجارة العالمية".
منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، انخفض متوسط الرسوم الجمركية على الواردات من 3ر15% إلى 8ر9%، بينما ظلت الرسوم الجمركية على السلع الكمالية المستوردة ثابتة عند نسبة 30 %.
وقد أعلنت الحكومة الصينية مؤخرا أنها تسعى لزيادة وارداتها من أجل تحقيق توازن الميزان التجاري، وتخفيف الضغط المتصاعد على عملتها "الرنمينبي". تدرس الحكومة خفض رسوم الاستيراد على بعض المنتجات، مثل مستحضرات التجميل والسجائر والمشروبات الكحولية.
يرى تشو شي جيان، أنه إضافة إلى المنتجات الراقية، يجب خفض الرسوم الجمركية على المنتجات الضرورية اليومية أيضا. وقال إن السلطات المعنية عليها أن توضّح المقصود بـ"المنتجات الكمالية". وأوضح السيد تشو قائلا: "السلطات الصينية تعتبر صبغة شعر أمريكية منتجاً كماليا، وهذه الصبغة تباع في الولايات المتحدة الأمريكية بثلاثة دورات ونصف، أي ما يعادل 23 يوانا صينيا ، وبخمسة وعشرين يوانا في هونغ كونغ، ولكن سعرها الفعلي في بر الصين الرئيسي 59 يوانا. السبب في هذا الفرق الملحوظ في السعر هو رسوم الاستيراد. هناك حاجة ماسّة إلى إعادة النظر في مفهوم السلع الكمالية، وضرورة أن يتم خفض الرسوم الجمركية على جميع أنواع السلع."
قال وو هانغ مين، الكاتب المعروف المتخصص في الشؤون التجارية: "التسوّق الإلكتروني لا يعتبر تهربا ضريبيا. فمعدّل زيادة عائدات الضرائب في الصين أعلى بكثير من معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهي مسألة لا بد من النظر إليها من زاوية ضرورة تخفيف العبء الضريبي عن كاهل الطبقة المتوسطة، والسعي إلى تحسين حياة المواطنين من خلال منحهم الفرصة للوصول إلى الأسواق العالمية. يؤيد السيد وو تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات، مؤكداً في نفس الوقت أن عصر التسوّق الإلكتروني قد حل، ويبدو أنه لن يرحل.