من أجل حياة أفضل لسكان الحضر

من أجل حياة أفضل لسكان الحضر

تبلغ نسبة الحضرنة في الصين حاليا 47%، فالصين ظلت خلال الثلاثين سنة الأخيرة في مقدمة دول العالم التي تشهد تحولا حضريا بمعدلات سريعة. مع تنمية المدن القديمة ونهوض المدن الجديدة، تساهم التجمعاتالسكنية، كونها عنصرا أساسيا في البناء الحضري، مساهمة كبيرة في تهيئة بيئة إنسانية هامة لحياة المواطنين الذين يقيمون فيها، فصارت التجمعات السكنية عنصرا هاما يؤثر في جودة حياة مواطني المدن.

لجان التجمعات تعد ركيزة من ركائز التجمعات السكنية، حيث تتولى هذه اللجان إدارة  مختلف شؤون التجمعات السكنية، التي يمارس سكانها حقهم الدستوري في الإدارة الديمقراطية لشؤونهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وفي ظل ما تشهده المستشفيات الكبيرة في الصين من زحام وتكدس،  توفر مراكز الرعاية الصحية للتجمعات السكنية والتي تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتعتبر إنجازا هاما للإصلاح الطبي الصيني، خدمات وتسهيلات كبيرة للمقيمين في التجمعات السكنية، وتقدم لهم العلاج الطبي والخدمات الصحية. ومع الزيادة السريعة في عدد المسنين، أنشأت التجمعات السكنية مرافق خاصة للمسنين وآليات لخدمة كبار السن الذين لا يستطيعون الخروج من بيوتهم. وقد ظهرت في الفترة الأخيرة لجان مالكي العقارات في التجمعات السكنية التجارية الجديدة لمعالجة العلاقة بين أصحاب العقارات والمصلحة العامة للتجمعات السكنية، والتعاون مع لجان التجمعات السكنية المحلية لتنسيق علاقات الجوار الجديدة بين التجمعات السكنية الناشئة. أما موظفو التجمعات السكنية، فيضيفون دفئا ونشاطا لهذه التجمعات السكنية.

 

لجان السكان تستعيد حيويتها

شيانغ هونغ

لجنة التجمع هي أقرب منظمة اجتماعية على المستوى القاعدي لسكان المدن في بر الصين الرئيسي فيما يتعلق بشؤونهم الحياتية..

منذ تأسيس أول لجنة تجمع سكني في الصين الجديدة، في شارع يانغشي بمدينة هانتشو في 23 أكتوبر 1949، تلعب لجان التجمعات دورا لا غنى عنه في الخدمة والإدارة الاجتماعية على المستوى القاعدي في المدن الصينية. في سنة 1954، أصدرت الصين ((اللوائح التنظيمية لمكتب الحي الحضري)) و((اللوائح التنظيمية للجنة التجمع السكني))، التي نصت على أن نظام الإدارة القاعدية للمدن الصينية هو نظام "مكتب الحي- لجنة التجمع السكني" باعتبار أول وكالة للحكومة على مستوى الحي الحضري والأخرى تنظيما ذاتي الإدارة لسكان المدن. حاليا، يصل عدد أعضاء لجان التجمعات السكنية الحضرية البالغ عددها 85 ألفا، إلى حوالي 431 ألف عضو.

شهدت الصين تطورا اجتماعيا سريعا منذ انتهاجها لسياسة الإصلاح والانفتاح. في الوقت نفسه، شهدت الظروف السكنية للصينيين  تغيرات هائلة، حيث انتقلوا من الدور الشرقية الرباعية إلى الأبراج المتعددة الطوابق، ومن المساكن المخصصة من الحكومة إلى الشقق المملوكة لهم، بل انتقل بعضهم إلى قصور فاخرة.

هذه التغيرات جعلت لجنة التجمع السكني أقل تأثيرا في حياة الناس اليومية. حاليا، أبناء الأجيال الجديدة قد يكونوا على معرفة أكثر بلجان أصحاب العقارات. ليس مألوفا للشباب من مواليد ثمانينات وتسعينات القرن العشرين أن لجنة التجمع السكني تلعب دورا كبيرا في حياة السكان، وتساعدهم في حل مشاكل التجمع السكني.

       هذا التغير يفتح المجال لطرح أسئلة مثل: ما هو الوضع الحالي للجان السكان؟ وما هي طبيعة علاقاتها مع سكان التجمع حاليا؟ وللإجابة على هذه الأسئلة، زارت مراسلة المجلة لجنة السكان في تجمع شينفنغ السكني رقم 1 بحي شيتشنغ في بكين.

 

مهام متعددة

شدت انتباهنا اللافتة المعلقة في محطة العمل لتجمع شينفنغ السكني رقم 1 والتي يوجد فيها أسماء 17 منظمة تابعة للجنة التجمع، منها "محطة العمل والضمان الاجتماعي" و"محطة الخدمات والنشاطات الثقافية والرياضية" و"محطة خدمة المسنين" وغيرها. محطة العمل هذه عبارة عن شقة من ثلاث غرف ويعمل فيها بضعة عشر موظفا.

عندما وصلنا إلى هناك، كان جميع الموظفين مشغولين بالتحضير لانتخاب دورة جديدة للجنة التجمع في اليوم التالي. قالت تشاو يينغ جيون، رئيسة اللجنة، مثل كل لجان التجمعات في الصين، تتكون لجنة تجمع شينفنغ السكني رقم1 من أعضاء منتخبين وموظفين متعاقدين. يتولى منصب نائبة رئيسة اللجنة السيدة لنغ يينغ، منذ عام 2007، بعد نجاحها في الاختبار والمقابلة الشخصية.

تأسس تجمع شينفنغ السكني رقم 1 في النصف الثاني من عام 2002. وبعد ثلاث سنوات تم تشكيل أول لجنة لهذا التجمع. مع انتقال مزيد من السكان إلى هذا التجمع، أجري انتخاب أعضاء لجنته لدورة جديدة في عام 2009. يسكن فيه حاليا حوالي 2400 عائلة تضم أكثر من 5600 فرد، تتراوح أعمار أكثر من 50% منهم بين 25 و50 عاما.

 معظم سكان تجمع شينفنغ السكني رقم 1 في عمر العمل ويرغبون في الاستمتاع بأوقات الفراغ. تركز اللجنة جلّ عملها في النشاطات الثقافية والرياضية وخدمة المسنين والأطفال. وقد أنشأت جمعية ثقافة وفنون وجوقة موسيقية وفرقة رقص ومنتدى للشعر وفريقا للياقة البدنية. كما تشجع اللجنة سكان التجمع على المشاركة في النشاطات الفنية المتنوعة في الصيف وعيد الربيع. وتقدم أيضا خدمة الرعاية اليومية للتلاميذ خلال العطلات الصيفية والشتوية. خلال السنوات الثماني الماضية، نالت اللجنة 20 جائزة على مستوى المدينة والمنطقة، بفضل خدماتها الممتازة.

 

مشاركة واسعة

كثير من الأعضاء المنتخبين للجنة تجمع شينفنغ السكني رقم 1 سكان متقاعدون لديهم وقت والتزام لخدمة السكان الآخرين على نحو أفضل. ليانغ تسي تشن، البالغة من العمر 72سنة، واحدة من هؤلاء الأعضاء. تسكن هذه السيدة في المبنى رقم 8 في هذا التجمع السكني، الذي تزخرف جدرانه البيضاء الناصعة باللوحات والرسوم وأبيات الشعر التي أبدعها السكان الموهوبون. بتوصية من السيدة ليانغ، جمع أصحاب العقارات في هذا المبنى أموالا عدة مرات لإعادة تبييض الجدران للحفاظ على جمالها. تبذل ليانغ كل ما في وسعها للقيام بكل المهام والأنشطة التي تقوم بها اللجان الممتازة، وتوظف خبرتها وحكمتها لتنسيق ومناقشة شؤون التجمع وتتبرع من مالها الخاص لدعم النشاطات في التجمع، فقد تبرعت بألفي يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات) لفرقة الحي الفنية.

ينهمك كثير من المتقاعدين مثل السيدة ليانغ في أعمال التجمع، ومنهم ألف متطوع يساهمون في تحسين التجمع والمدينة. قبل افتتاح أولمبياد بكين عام 2008، قام كثير من هؤلاء المتطوعين بالتمرين والتدريب لمدة ثلاثة أشهر للمساعدة في تسيير إقامة المباريات. قالت ليانغ، لم يتذمر أي شخص من هذه المهمة، ولم ينسحب من هذا التدريب أي من المتطوعين. وقد جسدت روحهم الرغبة التطوعية للشعب الصيني في خدمة الأولمبياد وتحقيق الشرف والسمعة الطيبة لبلادهم ومدينتهم وتجمعاتهم السكنية. بالنسبة لهؤلاء المسنين، المشاركة في أعمال التجمع تجعلهم متفائلين بالحياة وإيجابيين، والأكثر من ذلك، تعتبر مصدرا للاستمتاع بالحياة.

 

غموض ومشاكل

تعالج لجان التجمع قضايا ذات علاقة وثيقة بحياة السكان اليومية. ومن أجل تعميق أداء هذه المهمة في القرن الحادي والعشرين، هناك حاجة إلى توضيح وإصلاح الإدارة والتنظيم والوظائف الخاصة بلجان التجمعات.

تنص اللوائح التنظيمية للجان التجمع السكني الحضري الصادرة في عام 1954 والقانون التنظيمي للجان التجمع السكني الحضري الصادر في عام 1989، على أن اللجنة تعتبر تنظيما ذاتي الإدارة للسكان. وتحدد "الآراء حول تعزيز وتحسين أعمال لجان التجمع السكني الحضري" الصادرة في عام 2010  وظائفها الأساسية الثلاث، وهي تنظيم نشاطات للسكان، ومساعدة الحكومات المحلية في أعمالها، وتولي مسؤولية "تنظيم نشاطات المراقبة المطلوبة". ولهذا فإن أجهزة الحكم المحلية تعتبر لجان التجمع لسانها الذي تنطق به وقدميها اللتين تسير عليهما. ولكن هذا الأمر له تداعياته السلبية، فكثير من الأجهزة تنقل مسؤولياتها إلى اللجان، وتثقل كاهل العاملين بمهام الحكومة المحلية.

قالت تشاو يينغ جيون: "لكل دائرة من دوائر الحكومة ما يناسبها من المناصب في تجمعها"، مشيرة إلى لافتة المكتب ذات أسماء الـسبعة عشر جهازا فرعيا. لكن عدد أعضاء لجنتها 17 فقط، مما يضطر كل عضو منهم إلى النهوض بمسؤوليات متعددة والقيام بمهام مختلفة.

وأشارت مديرة مكتب التجمع إلى تضارب وتناقض بعض القوانين المعمول بها حاليا؛ فمنها ما ينص على أن لجنة التجمع تنظيم للسكان يؤدي وظائف الإدارة الذاتية وليس فرعا من الحكومة المحلية، بينما تنص قوانين أخرى على أنها تتبع التوجيهات والإرشادات الحكومية، وتلتزم بمساعدة الحكومة المحلية وأجهزتها المسماة بالـ"المستوى الأعلى".

وفي معظم الأحوال، تستند الحكومات المحلية  إلى التفسير الأخير للتنصل من مسؤولياتها في تسوية عدد لا يحصى من شؤون الإدارة الاجتماعية وإلقاء المهام على كاهل لجان التجمع، من الأمن  الاجتماعي إلى شؤون المواليد والصحة العامة. هذا النطاق الواسع من المسؤوليات يجعل موظفي اللجنة مشغولين طوال أيام الأسبوع وطوال السنة. في العطلات وعند إقامة فعاليات محلية هامة، مثل الألعاب الأولمبية في بكين أو العيد الوطني الذي يصادف 1 أكتوبر كل سنة، يقومون بدوريات لضمان الأمن العام والمهام الأخرى، بما فيها نصب اللافتات وتعليق الفوانيس في شوارع تجمعهم. بل تكلف بهم مهمة إجراء انتخابات مجلس نواب الشعب المحلي والمؤتمر الاستشاري السياسي المحلي. وكل ذلك يضع ضغوطا هائلة على المتطوعين، مما يجعل كثيرا من الناس يعزفون عن الانضمام إلى اللجنة خوفا من كثرة المسؤوليات.

تشكو لجان التجمع من مشكلة الوضع القانوني لموظفيها، فهم عاملون اجتماعيون، لأن لجان التجمع ليست من المؤسسات الرسمية في الصين، ولا مؤسسة أو شركة أو منظمة حكومية.

كما أن نقص التمويل وتدني الأجور من الأسباب الأخرى للعزوف عن  الانضمام إلى لجنة التجمع. تقضي السيدة لنغ يينغ، وقتا طويلا في العمل، ولكن راتبها الشهري ثلاثة آلاف يوان فقط، وهو أقل من متوسط الراتب الشهري في بكين.

وقد سعت الحكومة إلى حل مشكلة كثرة العمل وتدني الرواتب في لجان التجمعات السكنية، فأصدرت في سنة 2010، قرارا بزيادة نسبة المخصصات الحكومية للجنة التجمع السكني الحضري. وقد بدأت ثمار هذا القرار تظهر. قالت السيدة لنغ يينغ، إن هناك عددا متزايدا من خريجي الجامعة يتقدمون للعمل في اللجنة. واعتبارا من بداية هذا العام، تتمتع هي والعاملون في اللجنة بحق إجراء عدد من المكالمات الهاتفية المجانية كل يوم لتسهيل وتسيير أعمالهم. كما أقامت الحكومة امتحان التأهيل لموظفي التجمعات السكنية كي تجعل أعمال اللجان تجري على نحو أفضل.

ثمة مؤشرات عديدة للإصلاحات المستمرة في تمويل وفعالية لجان التجمع. ومع تطور الإدارة الديمقراطية والخدمة الذاتية للمواطنين، ستزداد أهمية لجنة التجمع لسكان الحضر يوما بعد يوم في المستقبل.