جهود الصين لتسوية الأزمة السورية تصمد أمام اختبارات الزمن
جهود الصين لتسوية الأزمة السورية تصمد أمام اختبارات الزمن
وو سي كه
الاضطرابات في سورية مستمرة منذ أكثر من سنة. وقد أثار الوضع الخطير والنزاعات الدموية والمآسي التي يعانيها الشعب السوري اهتماما كبيرا من المجتمع الدولي. لكن الأطراف المعنية لا زالت تتمسك بمواقف متباينة حول كيفية مساعدة الشعب الصيني للتخلص من هذه الورطة.
سوريا، بصفتها جسر يربط بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، ظلت "قلب الشرق الأوسط" منذ زمن بعيد. وتتداخل سوريا بشكل معقد مع البلدان الأخرى بمنطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا من حيث العرق والدين والأيديولوجيا، إذ أنها تعتبر طرفا لا غنى عنه في العديد من القضايا الساخنة بهذه المنطقة، بما فيها مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل والأزمة العراقية وقضية مكافحة الإرهاب ومسألة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تمثل المشكلة النووية الإيرانية بؤرتها، وقضية الأكراد. لقد ارتبطت شخصيا بشؤون غربي آسيا وشمالي أفريقيا أكثر من أربعين عاما، وأعرف جيدا المكانة الاستراتيجية الجيوسياسية المميزة والهامة لسوريا. إن تطور الوضع السوري يؤثر في كل منطقة الشرق الأوسط، لأن حركتها الطفيفة قد تؤثر على وضع المنطقة بمجملها، وقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ذات مرة: "لا سلام في الشرق الأوسط بدون سوريا". وهذا بالفعل خلاصة التجارب التاريخية.
الآن، يشهد "قلب الشرق الأوسط" "عدم انتظام النبض"، و"الوصفات الطبية" التي كتبتها الأطراف المختلفة للعلاج معقولة ومقبولة. على الرغم من ذلك، من الضروري أن نقدم علاجا مناسبا وحذرا لهذا "القلب". في الفترة الراهنة، الأمر الأكثر إلحاحا هو توقف الأطراف السورية المعنية عن جميع أعمال العنف بشكل فوري وشامل. يؤدي العنف إلى قتل وجرح الأبرياء وابتلاع أفكار الإنسان العقلانية، لكن تبديل ظلم بظلم يزيد دوامة العنف، مما يأتي بنتائج غير متوقعة.
يحتاج الحفاظ على المصالح الأساسية والطويلة المدى للشعب السوري والحفاظ على السلام والاستقرار في سوريا وكل منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا إلى التمسك بالطريق الصحيح المتمثل في حل الأزمة السورية سياسيا، والقضاء على منبع الأزمة، أي توقف جميع أعمال العنف فورا، ودفع الحوار السياسي بين الأطراف السورية المعنية، وجعل الشعب السوري يبدي رغبته في المطالبة بالإصلاح والتنمية، مع تحقيق طلباته. فضلا عن ذلك، يجب أن يشمل الحوار السياسي نطاقا واسعا، ولا يمكن استبعاد الحكومة السورية وأطراف المعارضة المختلفة. التباين في المواقف ليس مخيفا، وسوف تلتقي في نقطة ما إذا سارت في اتجاه واحد.
طبعا، لا يجوز تبني أي خطة حل سياسي على حساب تخريب سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها. سوريا ذات تاريخ عريق وحضارة مشرقة، بينما يتمتع الشعب السوري بحكمة وقدرة على تسوية الأزمة الحالية وإيجاد طريق تنمية سياسية واقتصادية مطابق لواقعه. يجب أن يتم تحديد مستقبل سوريا من قبل الشعب السوري وبشكل ذاتي. لا يؤدي التدخل الخارجي إلا إلى ظهور التناقضات الجديدة وزيادة توتر الوضع السوري الخطير والمتدهور بالفعل. علينا أن نستفيد من العبر العراقية والأفغانية والليبية السابقة.
الوضع الإنساني في سوريا لافت لأنظار الناس. لكن المسألة الإنسانية، لا يمكن تسييسها، أو اتخاذها ذريعة للتدخل العسكري. بل يجب تكليف جهاز محايد تقبله الأطراف المعنية بتقدير موضوعي وشامل لوقائع الوضع السوري، وإنشاء آلية شحن وتوزيع للإغاثة والمساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، تتمتع الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها بخبرات وفيرة، فيمكنها أن تلعب دورا مرشدا ومنسقا.
الصين، باعتبارها دولة صديقة لسوريا وللدول العربية، تولي اهتماما كبيرا لمخاوف الشعب السوري والشعوب العربية، وتسعى للحفاظ على سلام واستقرار منطقة الشرق الأوسط، متمنية أن تخرج سوريا من الورطة الحالية في أسرع وقت ممكن. كما أن الصين، بصفتها دولة مسؤولة، لا تسعى لمصالحها الخاصة ولا تتستر على أي طرف، ولا تعارض أي طرف عمدا في القضية السورية، بل تأمل من أجل تحقيق المصالحة بين الطرفين وتعزيز محادثات السلام، وتساهم في حل الأزمة السورية سياسيا. لذلك، تحافظ الصين على اتصالات كثيفة مع الأطراف السورية المعنية، وطرح مقترحات للحل السياسي أكثر من مرة. الصين مخلصة وتعمل من أجل تحقيق المصالحة بين الطرفين.
مواقف الصين إزاء الوضع في غربي آسيا وشمالي أفريقيا مترابطة ومتماسكة. أولا، احترام ودعم بلدان المنطقة لمعالجة الشؤون الداخلية بشكل ذاتي، واحترام رغبة شعوب المنطقة في الإصلاح والتنمية، دعم عمليات الانتقال السياسي في بعض البلدان، والإيمان بتمتع بلدان المنطقة وشعوبها بقدرات ووسائل لإيجاد طريق تنمية مطابق لواقعها. ثانيا، الأمل في تخفيف النزاعات بين مختلف أطراف بلدان المنطقة والسعي للحل السياسي من خلال الحوار السياسي، وذلك من أجل تفادي أعمال العنف والاشتباكات المسلحة وإعادة الاستقرار والنظام الطبيعي في أسرع وقت ممكن. ثالثا، حث المجتمع الدولي وبلدان المنطقة على احترام أهداف ((ميثاق الأمم المتحدة)) ومبادئ الأعراف الدولية، ولعب دور بناء وإيجابي لدفع تخفيف التوتر في المنطقة، مع معارضة التدخل المسلح والعقوبات المفروضة من الخارج. ويجب تفعيل الدور الريادي الذي تلعبه الأمم المتحدة في الحفاظ على استقرار الوضع وإعادة إعمار الدول، إلى جانب الاهتمام بصوت المنظمات الإقليمية. رابعا، حث المجتمع الدولي على تعزيز المساعدات والتعاون الاقتصادي في المنطقة، والعمل من أجل دفع حل النزاع بين إسرائيل وفلسطين والمسألة النووية الإيرانية والمشاكل الأخرى، وتهيئة ظروف مناسبة للحفاظ على استقرار وتنمية المنطقة.
في المرحلة السابقة، أدت افتراءات وسائل الإعلام الغربية إلى سوء فهم لدى بعض المواطنين العرب حول موقف الصين إزاء الوضع السوري، وهؤلاء الناس يرون أن الحكومة الصينية تدعم سلطة بشار الأسد. في الحقيقة، ينطلق موقف الحكومة الصينية أمام مجلس الأمن للأمم المتحدة من المصالح العامة لحكومة سوريا وشعبها، كما ينظر إلى استقرار كل المنطقة، فالصين لا تسعى إلى مصالح خاصة. أكد مندوب الصين لدى الأمم المتحدة والحكومة الصينية مرارا وتكرارا أن الصين لا تدعم أحدا بعينه في القضية السورية، بل تدعم إجراء الحوار الواسع النطاق من خلال الوسائل السياسية والسلمية، وتحقيق مطالب الشعب والوفاء بأمنياته، وتجنب أعمال العنف وانزلاق سوريا إلى الحرب الداخلية، لأنه لو حدث ذلك فسوف تقع مأساة في سوريا وستحدث اضطرابات وكوارث خطيرة في كل المنطقة. كانت الصين ومازالت تعمل لدفع الحل السلمي للقضية السورية. بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة، تعي الصين جيدا الواجبات والمهام الملقاة على كاهلها، وتلتزم بمبادئ ومقاصد ((ميثاق الأمم المتحدة)) والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية، وتعمل في سبيل الحفاظ على المصالح الأساسية والطويلة المدى للدول النامية.
خلال الزيارة التي قمت بها لمنطقة الشرق الأوسط في فبراير العام الجاري، بصفتي مبعوثا خاصا لقضية الشرق الأوسط، تبادلت الآراء مع حكومات وشعوب هذه البلدان، وعرفت معرفة عميقة حساسية وتعقيدات القضية السورية، كما استمعت إلى تقييم كثير من الشخصيات الحكيمة البعيدة النظر لموقف الصين. إن العمل من أجل تحقيق المصالحة بين الطرفين وتعزيز محادثات السلام، يجسد فكرة أكثر اكتمالا وأوسع نطاقا لتسوية الأزمة السورية، وبالطبع يحتاج ذلك إلى أن نبذل مزيدا من الجهود والصبر والحكمة، إلى جانب الآراء المشتركة والتعاون بين الدول الكبرى.
سوف يثبت التاريخ في نهاية المطاف أن حل الأزمة السورية سياسيا يتفق مع المصالح الأساسية والطويلة المدى للشعب السوري، ويلعب دورا مهما للحفاظ على استقرار وضع المنطقة. فضلا عن ذلك، سوف تصمد الجهود التي تبذلها الصين من أجل ذلك أمام اختبارات الزمن والتاريخ إلى الأبد. إن ما يتطلع إليه السوريون حاليا هو مستقبل مستقر وآمن ومزدهر لبلدهم، وتلك أمنيات مخلصة يؤمن بها الشعب الصيني وشعوب مختلف دول العالم.