الفيتو الصيني مسألة مبدأ وليس انحيازا لطرف ضد آخر
عبد الرحمن البكري
يخطئ من يظن أن الفيتو الصيني في مجلس الأمن حول مشروع القرار العربي بشأن سوريا، كان نتيجة تطور نوعي في العلاقات الصينية- العربية، بل العكس هو الصحيح. يجب النظر إلى المسألة على أنها مبدأ لم تحد عنه الصين، ولا يمكن أن نعتبره بمثابة شراء مصالح، فلو كان الأمر كذلك لكان من الأجدى للصين أن تتبنى وجهة نظر الدول العربية التي تتمتع معها بعلاقات اقتصادية بمليارات الدولارات الأمريكية والتي لا تقارن بعلاقاتها الاقتصادية مع دولة مثل سوريا. لكن الرؤية الصينية المتأنية تستلزم الروية وعدم الاندفاع وراء قرارات دولية تمنح بعض الدول ذريعة للتدمير والتخريب تحت مسميات عديدة الهدف منها إنهاء دول وليس حكومات أو قيادات.
إن الفيتو الصيني لم يكن تأييدا للرئيس السوري بشار الأسد بقدر ما هو فرصة لمنح الدبلوماسية المزيد من الوقت للتوصل إلى حل وسط يجنّب الشعب السوري ويلات حرب أهلية وأعمال عنف داخلية لا تبقي و لا تذر. كما أن الصين ترى أن معارضتها للتدخل الدولي في سوريا يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحل أزماتها بنفسها بأساليب سوف يرى النظام القائم أنه لا بد وأن ينتهجها ولن يطول به الأمد مهيمنا على مقدرات شعبه إن استمر في عناده، فالشعوب قادرة على التغيير مهما كان جبروت الحاكم.
وما يبرهن على صحة النظرة الصينية هو ما حدث أو يحدث في دول ما يسمى بالربيع العربي، والذي تحترمه الصين رغم عدم إبداء حماس كبير لتلك الثورات لأنها لم تحقق الآمال التي عقدت عليها، بل خلفت حالة من عدم الاستقرار سواء في تونس أو في مصر أو اليمن أو ليبيا. هذه الثورات أطاحت برموز وحكومات لكن أثارت حالة من الفوضى والانفلات التي انعكست آثارها على النواحي الأمنية والاقتصادية. الصين تعتبر ما حدث في أفغانستان والعراق أكبر مثال لفشل السياسات الامريكية الأحادية في المنطقة.
ولا يخفى على محللي الشؤون الصينية أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماما أن الاقتصاد هو المحرك الأول للسياسات الصينية داخليا وخارجيا، وباتت تشن حروبا بطرق متعددة استهدفت المصالح الصينية أولا داخل الصين بحجج حقوق الإنسان أو الأقليات، ثم اللعب بورقة تايوان. ولما أعيتها الحيل لجأت إلى ضرب المصالح الصينية بعيدا جدا عن الأراضي الصينية، كما حدث في العراق والسودان والمشروعات الهائلة للصين في هاتين الدولتين. ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب هاتين الدولتين بحروب ومشاكل داخلية بهما، ثم مؤخرا أتت على ليبيا في محاولة لمحاصرة هذا التنين الصيني الاقتصادي الجامح والسيطرة عليه.
ويكمن أيضا أن نأخذ في الاعتبار ألاعيب الإدارة الأمريكية لمحاولة تطويق الصين بصفقات أسلحة لتايوان ومناورات مشتركة بالقرب من السواحل الصينية مع اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك محاولات إبرام اتفاقيات أو تحالفات استراتيجية مع الهند وأستراليا. كما أن الشرق الأوسط بنظمه الجديدة القادمة أو المقترحة من الجانب الغربي الأمريكي لا يضمن للصين البترول المتدفق من المنطقة، ولا يمكن للصين أن تغض الطرف عن هذا العامل المحرك الرئيسي لاقتصادها، سواء بترول الدول العربية أو إيران والذي لن يصبح مضمونا مع نظم جديدة غير مستقرة أو أتت على أسنة قصف أمريكي- غربي أو بمساعدات لا تستهدف سوى المصالح الامريكية- الاسرائيلية.
وفي محاولة من الصين للرد على معارضي الفيتو أوفدت مبعوثين إلى المنطقة للسعي لحل دبلوماسي، أحدهما تشاي جيون، نائب وزير خارجية الصين الذي التقىمع الرئس السوري بشار الأسد في دمشق وأيد خططه لاجراء استفتاء وانتخابات تعددية.
وتعتقد الصين، شأنها شأن كثير من الدول، أنه ما زال هناك أمل في حل الأزمة السورية بالحوار السلمي بين المعارضة والحكومة، على عكس ما تقوله بعض الدول الغربية من أن الوقت ينفد لاجراء محادثات في سوريا. وقالت الصين إن جماعات سورية معارضة مختلفة أبدت استعدادها لإجراء حوار مع الحكومة السورية. كما أن تلك الجماعات المعارضة حذرت من يسعون للتدخل الخارجي من أن يكونوا أداة للغرب.
لكن دعوات للحوار السلمي لتلك الجماعات تم تجاهلها بصورة كبيرة سواء عن عمد أو عن غير عمد في التقارير الإعلامية الغربية التي تنقل الانطباع الخاطئ عن أن هناك توافقا كبيرا بين فصائل القوى المعارضة المختلفة على أنها تريد تدخلا أجنبيا في سوريا.
* عبد الرحمن البكري: نائب ريس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية