الملف السوري بين الصين والدول العربية مخاوف لا اختلاف
سوسن أبو حسين
عكست الأزمة السورية اختلاف وجهات النظر على المستوى الدولي والعربي والإقليمي، وقد بدا ذلك واضحا عندما ذهبت الدول العربية بالملف السوري إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم المبادرة العربية التي تهدف إلى الحل السلمي وتدعو لوقف كل أعمال العنف وترفض التدخل العسكري والخارجي في الشأن السوري، وتمكين الشعب السوري من ممارسة حقه في التغيير. ولكن مشهد التعامل مع الأزمة الليبية يقف حائلا ضد اتخاذ أي توافق أو إجماع دولي خشية الوقوع في نفس الأخطاء التي يعانى منها الشعب اللييي بعد انتهاء المعارك التي خاضها حلف الناتو. ولهذا نقول إنه ف يالأزمة السورية ثمة مخاوف لا خلافات بين الدول العربية والصين.
إن استخدام الصين لحق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار العربي بشأن التعامل مع الأزمة السورية، وكذلك التصويت ضده في الجمعية العامة للأمم المتحدة يفرض على نظام الرئيس بشار الأسد أن يعي الموقف الصيني جيدا، فالصين تدعو إلى وقف كل أعمال العنف وتأمين حوار جاد بين الحكومة والمعارضة للوصول إلى حل سياسي. والصين ترى أن من حق الشعب السوري تغيير النظام بدون أي تدخل خارجي. وفي المقابل نجد أن الموقف العربية، المتمثلة في المبادرة العربية، لا تبتعد عن ذلك المعنى. وقد سبق لوزراء الخارجية العرب أن أصدروا قرارات تؤكد على نفس السياق السياسي الذي أعلنت عنه الصين والذي يتضمن ضرورة وقف كافة أعمال العنف والقتل من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين، ومطالبة الحكومة السورية بالإفراج عن المعتقلين، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات الجامعة المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سورية للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث، وسحب الجيش السوري وأي قوات مسلحة من مختلف التشكيلات إلى ثكناتها ومواقعها الأصلية.
المبادة العربية تؤدي إلى تمكين الشعب السوري ومساعدته في الوصول إلى الاستقرار والتحول الديمقراطى الذي يضمن مشاركة الشعب في بناء مستقبله.
إن ثمة أسباباً، فى تقديري، لاستخدام الصين للفيتو، من بينها التخوف من تجاوز استخدام التوافق الدولي في التعامل مع الملف السوري بما يؤدي إلى التدخل الخارجي السياسي والعسكري، مما قد يؤدى إلى تعقيد الأزمة، وربما تصفية حسابات لأطراف غربية ودولية على الأراضي السورية، ومن بينها التشابك في الملفات الإقليمية العربية مثل التحالف السوري- الإيراني، والدور السوري في دعم حزب الله. وهي مخاوف ليست بعيدة عن الحدوث بالفعل، عندما تنضج فكرة التدخل الأمريكي بشكل غير مباشر فى سوريا. وقد بدأت المؤشرات في الظهور مع دخول طائرات تجسس أمريكية بدون طيار إلى الأراضى السورية لتفقد ما يحدث من معارك. إضافة على مشاركة أكثر من ثمانين دولة فى مؤتمر "أصدقاء سوريا" في تونس، تؤيد جميعها دعم المبادرة العربية التي تحاول الضغط على نظام الرئيس الأ من أجل وقف إطلاق النار، وسحب كل المظاهر المسلحة من المدن والأحياء السكنية. وإذا نظرنا إلى ما يسمى بمعسكر أصدقاء الشعب السورى نجدهم أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أما معسكر أصدقاء النظام السوري فيضم قلوة من الدول، في مقدمتها إيران. ومن ثم فإن مخاف الصين من دعم المبادرة العربية في الأمم المتحدة، ربما تتلاشى مع الحوار والتأكد من أن القرار العربي والدولي لن يذهب بعيدا أكثر من دعم الشعب السوري، والقدرة على فرض وقف اطلاق النار والعمل على دعم حوار سورى – سورى يؤدى الى فرض الأمن والاستقرار، ويتفق مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة. وفى تقديري، فإن استمرار الخلافات الدولية حول الملف السوري سوف يزيد الأزمة تعقيدا. ومن ثم كان ينبغي أن تطرح المبادرة العربية جانبا من سيناريو المستقبل، بحيث تحدث عملية الانتقال السلمي للسلطة بشكل آمن عبر حوار يؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تعد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وأن تمكن الشعب السوري من حق الاختيار الديمقراطي الحر وليس عبر وسائل القمع التي يقوم بها النظام السوري حاليا. وننتظر من الصين أن تدعم الشعب السوري، مع التمسك برفض أي تدخل عسكري أو سياسي خارجي، وأن تدعم مبادرة عربية سياسية تنقذ مصير الملايين من الشعب السوري وتحقن الدماء.
* سوسن أبو حسين: نائبة رئيس تحرير مجلة ((أكتوبر)) المصرية