الفيتو الصيني وإنقاذ الدولة السورية


 
محمد إسماعيل

لا يستطيع أحد أن ينكر أو يزايد علي الدور الصيني النشيط في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، وانحياز بكين الكامل لقضايا شعوب الدول النامية باعتبار الصين دولة نامية وعضوا دائما في مجلس الأمن الدولي تعمل سياستها الخارجية علي حفظ الأمن والسلم الدوليين في العالم .

 ولذلك، وفي هذا الإطار، فإن الصين تري أهمية إيجاد حل سياسي مناسب للأزمة السورية الحالية، بما يحافظ علي الدولة السورية باعتبار أن الجمهورية العربية السورية هي دولة لها وضع استراتيجي في المنطقة، ولها علاقات تاريخية مع كل دولها. وبقدر ما ترى الصين من أهمية لوقف العنف في سوريا، تتخذ الدبلوماسية المصرية نفس الموقف، فقد قال وزير خارجية مصر محمد كامل عمرو في تصريحات تلفزيونية إنه حان الوقت للعمل الجاد لتجنيب سوريا الانفجار الشامل من خلال الدخول في مفاوضات جادة مع الأحزاب السورية والاستجابة لمطالب الشعب السوري المشروعة المتمثلة في إجراء الإصلاحات. نفس الموقف أعلنه نائب وزير خارجية الصين تشاي جيون يوم السبت 18فبراير 2012، في العاصمة السورية دمشق بعد لقائه مع كل من نائب الرئيس السوري فاروق الشرع والرئيس السوري بشار الأسد، حيث ذكر أن الصين تدعو الحكومة السورية للاستماع لمطالب الشعب الشرعية المتمثلة في إجراء الإصلاحات وإن الصين تحث الأحزاب السورية علي التعبير عن رغباتها السياسية. ولكن الدبوماسي الصيني الكبير أكد على أهمية أن يكون التعبير عن هذه الرغبات بالطرق الشرعية والسلمية حتى يمكن الخروج من الأزمة من خلال حل سياسي سوري- سوري. المهم أن يصل بنا هذا الحل إلي الحفاظ علي "الدولة السورية"، لأن ما حدث في ليبيا يشكل هاجسا مخيفا لكل دول العالم بعد سماح مجلس الأمن الدولي من خلال قراره رقم 1973 بحرية اتخاذ ما تراه من إجراءات وتدابير لحماية المدنين في ليبيا، ومن ثم بدأت مأساة ليبيا وسقوط الدولة الليبية. وكان هذا القرار الذي سمح بالتدخل الأجنبي في ليبيا قد سبقه قرار من مجلس الأمن حمل رقم 1970، وهو القرار الذي فتح الباب لضرب ليبيا، برغم أنه بدأ بخطوة فرض عقوبات فقط على ليبيا، وهذا ما لم توافق جمهورية الصين الشعبية، صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، على تكراره مع سوريا وإحداث فوضي بها. لذا جاء الفيتو الصيني على مشروع قرار القضية السورية في مجلس الأمن، ليوقف هذا السيناريو التآمري علي الدولة السورية. وانضمت روسيا إلي الصين ليصدر الفيتو من دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن.

والسؤال هو: هل هذا الفيتو الصيني والروسي هو أمر قانوني؟ الإجابة بالطبع هو قانوني، ويكفله ميثاق الأمم المتحدة ولائحة الإجراءات في مجلس الأمن. وهنا نجد أنه من الصعب علي أي مراقب القول بأن العمل بالقانون والميثاق واللوائح يؤدي إلي هز احترام ومصداقيه الأمم المتحدة، بل العكس هو الصحيح، فقد استخدمت الصين وروسيا حقهما المشروع الذي كفله لهما الميثاق باعتبارهما دولتين وليس دولة واحدة منفردة، فضلا عن أن ما حدث من دمار شامل في الدولة الليبية هو نموذج صعب تكراره أمام العالم المتحضر والذي لا يريد أن يراه مرة أخري علي أرض سوريا.. لذا، فإن الفيتو الصيني والروسي لم يأتيا لمصالح للبلدين وإنما للحفاظ علي الدولة السورية من خلال دعوة الحكومة السورية إلي الاستماع لمطالب الشعب السوري في تحقيق الإصلاحات السياسية والدستورية ووقف العنف ضد الشعب السوري.
كما أنه من الضروري أن تعبر الأحزاب السورية والمعارضة السورية عن رغباتها وطموحها السياسية، بشرط أن تكون بالطرق الشرعية والسلمية وتفويت الفرصة علي التدخل الاجنبي وإحداث فوضي في البلاد ووقف نزيف الدم .
لابد من إعطاء الفرصة لجني ثمار الفيتو الصيني ونتائج جولة نائب وزير الخارجية الصيني تشاي جيون في المنطقة. وبالفعل ظهر جليا التوجه الذي قاده الوفد المصري في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيدت 137 دولة قرار الجمعية العامة الذي يطالب  بحل سياسي من خلال مطالبة الحكومة السورية بالاستماع لمطالب الشعب السوري الشرعية، وهو نفس التوجه الدبلوماسي لجمهورية الصين الشعبية سعيا لتحقيق حل سياسي في إطار سوري– سوري بعيدا عن التدخل الأجنبي وهدم الدولة السورية.
وقد أعرب الدكتور عبد الرحمن سعد، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ورئيس جمعية الصداقة المصرية- البولندية، عن تأييده للفيتو الصيني والروسي بشأنت الأزمة السورية، وقال إن الفيتو الصيني له ما يبرره حيث تشعر الصين بالسيناريو الذي يحاك تجاه "سوريا الدولة"، وأن هناك محاولات تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتأديب سوريا، وذلك كعقاب لسوريا التي تقف مع الحليف القوي لها في المنطقة وهي الجمهورية الاسلامية الإيرانية. فضلا عن أن النظام السوري أعلن بالفعل عن إصلاحات دستورية وتعددية حزبية وتهميش دور حزب البعث الحاكم. ولهذا، والكلام مازال للدكتور عبد الرحمن سعد، المقصود هنا ليس سوريا بالدرجة الأولي أو ما يردده الغرب والولايات المتحدة الأمريكية من خوفهم علي الشعب السوري، ولكن الهدف من كل هذا هو ضرب إيران بعد تفكيك التحالف السوري- الإيراني من خلال اتخاذ قرار من مجلس الأمن يشبه القرار رقم 1973، الذي أتاح وسمح للأعضاء بضرب ليبيا بحجة حماية المدنيين وإنقاذ الشعب الليبي. نفس السيناريو يريدون اتخاذه مع الشعب السوري ولكن الفيتو الصيني الروسي أفشل وأسقط هذا السيناريو التآمري. ومن خلال الفيتو تم وقف مشروع القرار الذي كان سيفتح الباب أمام قرار لاحق بضرب سوريا.

الصين تري أن التدخل الأجنبي في سوريا ليس له ما يبرره خاصة بعد ما ظهر من تداعيات على الأرض الليبية، وهدم جداريه زعيم الأمة العربية الخالد جمال عبد الناصر في بنغازي. وهو في حد ذاته أمر يشير إلي ضرب وإسقاط مبدأ الوحدة العربية التي تزعج الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واللذين بدورهما يريدان إسقاط أي مشروعات وحدوية في المنطقة.
والسؤال الذي نوجهه إلى الذين يقولون إن الثقة اهتزت في الأمم المتحدة بعد الفيتو الصيني والروسي، هو: لماذا أغلقتم أفواهكم طيلة السنين الأخيرة عندما كانت الولايات المتحدة تستخدم منفردة حق النقص" الفيتو" لتأمين مصالحها ومصالح إسرائيل؟ وتستخدم الفيتو ضد الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وضد لبنان، وتقف ضد اتخاذ المجتمع الدولي وإرادته في إصدار قرار أممي يفرض عقوبات علي إسرائيل نتيجة تكرار اعتدائها على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة والضفة الغربية، بجانب التهديد باستخدام الفيتو الأمريكي ضد مطالبة الشعب الفلسطيني بالحصول علي عضوية كاملة في تلك المنظمة الدولية؟

عموما نقول لهؤلاء إن الكيل بمكيالين في مصالح الشعوب أمر لن يغفره التاريخ. ولنتذكر أن الدول العربية طلبت مرارا من مجلس الأمن إرسال قوات إلى فلسطين المحتلة للفصل بين القوات الإسرائيلية والشعب الفلسطيني، ولكن واشنطن والغرب وإسرائيل رفضوا ذلك المطلب لصالح إسرائيل لأن تلك القوات إذا دخلت الأرض المحتلة ستكشف الهيمنة الصهيونية ذد الشعب الفلسطيني الأعزل.
إن الصين تخطو خطوات ناجحة في كل المجالات السياسية والاقتصادية، وتقيم شراكة وتعاون مع الدول النامية سواء مع الدول العربية أو الأفريقية في إطار تعاونها المثمر بين الجنوب والجنوب، وهي تعتز حتى الآن بكونها دولة نامية تعمل علي دعم حقوق شعوبها. ونظرا لنجاحها الاقتصادي الكبير على المستوى العالمي فهو أمر لا يأتي على هوي واشنطن، بينما الصين تقوم بمحاولات جادة لمساندة أوروبا لإيجاد مخرج لأزمة اليورو . الصين ماضية في خططها واستراتجيتها بالاستمرار في البناء والتعاون مع كل دول الجنوب وحتى مع دول الاتحاد الأوروبي.

 

* محمد إسماعيل: نائب رئيس تحرير جريدة ((الجمهورية)) المصرية