الصينيون يمتطون التنين في 2012

 

لو رو تساي

 

مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، اجتماع هام يعقد في نهاية كل سنة لبحث وتحديد سياسات الاقتصاد الكلي للسنة التالية. ومؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لسنة 2011 عقد في الفترة من 12 إلى 14 ديسمبر، متأخر قليلا عن الموعد المعتاد، ربما بسبب تعقيدات الوضع الاقتصادي في داخل الصين وخارجها.

لخص المشاركون في المؤتمر رؤيتهم لنمو الاقتصاد الصيني في سنة 2012 بعبارة "تحقيق التقدم المطرد مع الحفاظ على الاستقرار"، وأكدوا أن الصين لا تحتاج إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي المتزن والسريع نسبيا فحسب، وإنما أيضا الحفاظ على استقرار سياسة الاقتصاد الكلي وأسعار السلع والوضع الاجتماعي. "تحقيق التقدم" يقصد به إحراز تقدم جديد في تغيير نمط التنمية الاقتصادية وتحقيق نجاح جديد في الإصلاحات وتحسين الحياة اليومية للمواطن الصيني.

مع انكماش الاقتصاد العالمي واضطرابات أسواق المال العالمية، صار نمو الاقتصاد الصيني المطرد محاصراً من جبهات عديدة. مازال الاقتصاد العالمي غير مستقر، ولم تجد صناعات التصدير الصينية بعد طريقا للعودة إلى سابق عهدها. وتعاني كثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم صعوبات، وبعضها أفلس.

لقد تراجع معدل نمو الناتج المحلي للصين من 7ر9% في الربع الأول من العام الماضي إلى 1ر9% في الربع الثالث. وكلمات مثل "الثبات" و"الاستقرار" التي ترددت كثيرا في مؤتمر العمل الاقتصادي لسنة 2011 مؤشر للأوقات المضطربة التي سيواجهها صانعو السياسة الصينية في عام التنين.

الفقاعات

في السنوات الأخيرة، كان قطاع العقارات الدافع الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين. في بكين، على سبيل المثال، احتلت العقارات 60% من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2009.

لقد جذب قطاع العقارات تدفق رؤوس الأموال "الساخنة" بسبب الارتفاع الحاد لأسعار العقارات. قال البروفيسور سون لي جيان، نائب عميد كلية العلوم لاقتصادية بجامعة فودان: "تحول رؤوس الأموال من الصناعات الإنتاجية إلى العقارات هو مشكلة خطيرة للاقتصاد الكلي في الصين. السبب في مشاكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حاليا ليس السياسة النقدية الصارمة أو ارتفاع التكاليف، وإنما تحول مبالغ ضخمة من أموال تلك المؤسسات إلى الاستثمار في قطاع العقارات المتضخم، حيث واجهت تلك الاسثمارات صعوبات بعد فتور حرارة سوق العقارات نتيجة للتدخل الحكومي. إذا تم إقرار مزيد من التخفيضات في الضرائب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحسنت آليات أسعار الطاقة،  ستصبح المؤسسات الصناعية أكثر جذبا للمستثمرين."

وقد شدد المشاركون في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الأخير على أهمية معالجة التشوهات المالية التي أدت إليها الفقاعات العقارية، وتعهدوا بـ"تعزيز قوة الاقتصاد الإنتاجي ووضع أساس متين للتنمية الاقتصادية الشاملة" و"تهيئة بيئة اجتماعية تسودها قيم الاجتهاد والمثابرة في العمل وكسب الثروة بالأعمال الحقيقية." قال الاقتصادي المشهور والخبير العقاري ما قوانغ يوان: " ستواصل الحكومة المركزية في عام 2012، السيطرة على قطاع العقارات. وهذه خطوة ضرورية للحفاظ على التنمية المعقولة لهذا القطاع وتفادي المخاطر التي تهدد الاقتصاد الصيني."

هناك حاجة إلى تصحيح سوق العقارات وتشجيع العودة إلى الاستثمار العقلاني في هذا القطاع. في إبريل 2010، أصدرت الصين "الإجراءات الوطنية العشرة" للسيطرة على سوق العقارات، بهدف "كبح الارتفاع الحاد لأسعار المساكن في بعض المدن الصينية." في ذلك الوقت، كان عامة الصينيين يشكون في القدرة على "كبح الارتفاع".في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي 2011 أكد المشاركون على أن الهدف هو "العودة إلى أسعار المساكن المعقولة". وقد أوضح تشو باو ليانغ، نائب مدير قسم التنبؤ الاقتصادي بمركز الدولة للمعلومات، أن "العودة إلى أسعار المساكن المعقولة" تعني أولا، ضرورة عودة هذه الأسعار إلى مستوى يتيح للأسر المتوسطة شراء المساكن، وثانيا، أن لا يتجاوز معدل ارتفاع أسعار المساكن مؤشر أسعار المستهلك بنسبة كبيرة.

يأمل عامة الصينين أن تنخفض أسعرا المساكن أكثر، ولكن السؤال هو: هل سيتحقق هذا الهدف؟.

لي نا، مواطنة بكينية، ترغب في شراء شقة، ولكن رغبتها مجمدة بسبب ارتفاع أسعار المساكن، حتى القديمة في العاصمة. قالت: "أسعار المساكن في ضواحي بكين انخفضت قليلا بعد إصدار إجراءات السيطرة على سوق العقارات، بيد أن أسعار المساكن في وسط المدينة لم يطرأ عليها انخفاض إلا قليل. بالنسبة لذوي الدخل المتوسط الذين يرغبون في امتلاك مسكن لا يمكنهم تحقيق رغبتهم حتى ولو انخفضت أسعار المساكن بنسبة 50%، وهذا طبعا لن يحدث أبدا."

حسب الخبرات السابقة في قطاع العقارات، قدتعاود أسعار المساكن الارتفاع بعد أن تنخفض بنسبة 15%. تتمنى لي نا أن تتواصل الجهود المبذولة للسيطرة على أسعار المساكن وأن تنخفض تلك الأسعار  إلى الحد المعقول.

الحكومة الصينية من جانبها قامت ببناء المزيد من مساكن "الضمان الاجتماعي". حتى نهاية أكتوبر 2011، تم بناء أكثر من عشرة ملايين وحدة من مساكن "الضمان الاجتماعي". وقد خصصت الحكومة المركزية 2ر152 مليار رنمينبي (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات) و614ر42 هكتارا من الأرض لمشروعات مساكن "الضمان الاجتماعي".

تحتاج تنمية الاقتصاد الإنتاجي إلى توسع الطلب المحلي والطلب الخارجي. وقد كان النصف الثاني من عام 2011 فترة صعبة للمصدرين الصينيين، ومن هنا تبرز أهمية السوق المحلية في الحفاظ على النمو الاقتصادي. وإدراكا منهم لهذه الحقيقة، طالب المشاركون في مؤتمر العمل الاقتصادي لسنة 2011 بالتركيز على تحفيز الطلب المحلي وعلى البرامج الهادفة لضمان وتحسين مستوى معيشة المواطنين وتسريع تنمية صناعة الخدمات ورفع نسبة أصحاب الدخل المتوسط في الصين."

الإجراءات الضريبية

مثل السنوات السابقة، تعتزم الحكومة المركزية مواصلة "السياسة المالية الإيجابية والسياسة النقدية المتزنة". في سياستها المالية، أكدت الحكومة على تعهدها بمواصلة استكمال التخفيضات الضريبية الهيكلية، وزيادة التمويل للمشروعات ذات العلاقة بمعيشة الشعب، وتحسين هيكل الاقتصاد المحلي بشكل متزايد." هذا يعني أن التخفيضات الضريبية الهيكلية ستكون محور السياسة المالية في عام 2012." قال قاو بي يونغ، مدير معهد بحوث المال والاقتصادات التجارية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: "من حيث الإيرادات في أنحاء البلاد، تتمتع الصين بكل الوسائل الممكنة لتنفيذ تخفيضات ضريبية على نطاق واسع." في عام 2011، تجاوزت الإيرادات المالية للصين عشرة تلريونات يوان. في نوفمبر العام الماضي، أعلنت الحكومة الصينية إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر من 22 نفقة إدارية في السنوات الثلاث المقبلة، منها رسوم تسجيل الشركات والضرائب.

وقد بدأ في يناير العام الجاري، توسيع إصلاح ضريبة القيمة المضافة ليشمل المزيد من القطاعات في مناطق مختارة، حيث تحل ضريبة القيمة المضافة محل ضريبة الإيرادات. فضلا عن ذلك، سيضاف معدلان جديدان لضريبة القيمة المضافة هما11% و6% إلى ما قد وُجد الآن من 17% و13%.

الإعفاء من الرسوم الإدارية كان خبرا سارا للمؤسسات المتوسطة والصغيرة، لكن هذه المؤسسات مازالت تأمل أن تتخذ الحكومة إجراءات أكثر لرفع فعالية عملها وتقليل تكاليف المؤسسات الإدارية.

بحث مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لسنة 2011،  الضريبة العقارية التي تطبيقها تجريبيا في بعض المدن الصينية. في يناير 2011، بدأت شانغهاي وتشونغتشينغ فرض هذه الضريبة بنسبة تتراوح بين 4ر0% و2ر1% على المساكن التي يكون متوسط نصيب الفرد فيها ستين مترا مربعاً أو أكثر. قال يانغ ونغ شيوي، نائب مدير مركز بحوث التنمية بمعهد بحوث العقار: "هناك احتمال كبير لتوسيع التجربة إلى المدن الأخرى على أساس تجربة هاتين المدينتين.

كانت زيادة نسبة متوسطي الدخل موضوعا رئيسيا في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لسنة 2011.

العدالة الضريبية من وسائل إعادة توزيع الدخل. التعديل الجديد لقانون ضريبة دخل الفرد الذي بدأ سريانه في أول ديسمبر 2011، رفع حد الإعفاء من ضريبة الدخل الشهري من 2000 يوان إلى 3500 يوان،  وبذلك انخفض عدد دافعي ضريبة الدخل من 84 مليون فرد إلى 24 مليونا. في أكتوبر 2011، بلغت إيرادات ضريبة دخل الفرد 237ر35 مليار يوان، وهي أقل من شهر سبتمبر بنحو 9ر9 مليارات يوان، وبنسبة 22%. قالت تشانغ ماو نان، الباحثة بمركز الدولة للمعلومات: "كانت الصين تركز في السابق على زيادة الثروة مع إهمال توزيع الثروة، مما أدى إلى ظاهرة الدولة الغنية والشعب الفقير. ولهذا فإن زيادة ثروة المواطنين من خلال خفض الأعباء الضريبية لمتوسطي الدخل إجراء مهم للغاية في الوقت الراهن."

يتفق الخبراء الصينيون على أن خفض ضريبة الدخل خطوة هامة لتصحيح الخلل في هيكل توزيع الدخل في الصين. الإجراءات لا تقتصر على زيادة دخول المواطنين وإنما أيضا تشمل تحفيز الاستهلاك وخفض التكاليف الإدارية للمؤسسات.

 

 

كبح التضخم

في عام 2011، كانت "أسعار السلع الاستهلاكية" عبارة حساسة للصينيين. في الأشهر التسعة الأولى، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 7ر5% مقارنة مع نفس الفترة لعام 2010. بالنسبة لأصحاب المصانع، ارتفعت أسعار الشراء بنسبة 4ر10% في الفترة ذاتها بينما ارتفعت أسعار البيع بنسبة 7%. في نوفمبر 2011، تراجع مؤشر أسعار المستهلك إلى 3ر4%.

مازال الصينيون يشكون من ارتفاع أسعار كثير من المواد الغذائية واللوازم اليومية التي تتضاعف خلال فترات قصيرة. ويعتقد الصينيون أن السبب في ذلك هو سوق العقارات الساخنة.

قال السيد جيا، وهو سائق سيارة أجرة في بكين: "في سنة 2006، كان دخلي الشهري ثلاثةآلاف يوان. كان هذا المبلغ يكفي لشراء متر مربع في المساكن. حاليا، دخلي الشهري كما هو ولكنه لا يكفي إلا لشراء 1ر0 متر مربع في المساكن." أضاف الشائق البكيني أن راتب ابنته، التي تعمل في شركة خاصة، أربعة آلاف يوان، يكفي بالكاد لسد إيجار الشقة ونفقات الطعام. وقال: "ارتفاع الأسعار سهل، ولكن انخفاضها صعب للغاية."

في ظل هذا الضغط المزدوج، الناتج عن بطء نمو الاقصاد الوطني وارتفاع أسعار السلع، أكد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لسنة 2011 على ضرورة أن تقوم الحكومة بتشديد السيطرة على الأسعار، وأن تركز الإجراءات الهادفة إلى استقرار أسعار المواد الغذائية في سنة 2012 على زيادة الإمداد لزيادة المعروض منها، بما في ذلك زيادة الإنتاج الزراعي ومراقبة حلقات التسويق.

قال وانغ يي مينغ، نائب مدير معهد بحوث الاقتصاد الكلي  بلجنة الدولة للتنمية والإصلاح، إن النمو الاقتصادي السريعوالطلب الكبير يسببان معا ارتفاع أسعار السلع والتضخم، مشيرا إلى أن النمو بمعدل أقل قد يكون أفضل. وأضاف: "إذا بلغت سرعة النمو الاقتصادي مستوى معقولا، وشهد توازنا أساسيا بين الطلب والعرض، ستصبح السيطرة على التضخم أكثر فعالية."

قال با شو سونغ، نائب مدير معهد البحوث المالية بمركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني، إن الاقتصاد الصيني سيشهد تحولا من مسار النمو السريع إلى المسار المعتدل في عام 2012، وتوقعأن يتغير هيكل الناتج المحلي الإجمالي ومؤشر أسعار المستهلك من صيغة "10+2" إلى "8+4"، وهذا يعني نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% وزيادة مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 4%.

تواجه الصين في عام 2012 تحديات اقتصادية كثيرة، ولكن مع تنفيذ الإجراءات الهادفة للسيطرة على السوق العقارية، وتخفيض الضرائب المفروضة على المؤسسات المتوسطة والصغيرة وومتوسطي الدخل والحد من التضخم، لن يسير الاقتصاد الصيني في سحابة من الدخان في عام التنين.