كايلي جوهرة الطبيعة وصوتها العذب

1 وادي نهر بالا

2 يغني أبناء قومية مياو

3 مرسوم استقبال الضيوف

 

كايلي

 جوهرة الطبيعة وصوتها العذب

 

وو مي لينغ

 

تقع "كايلي" على جبل مياولينغ بجنوب شرقي مقاطعة قويتشو، وهي تابعة لهضبة يونقوي (يوننان- قويتشو)، ويعيش فيها أبناء قومية مياو منذ وقت طويل. "كايلي" التي يعني اسمها بلغة قومية مياو فلاحة الأرض، تحمل لقب "لؤلؤة جبل مياولينغ"، وهي واحدة من ثماني عشرة محمية ثقافية في العالم، وواحدة من عشرة مواقع سياحية طبيعية في العالم.

كايلي ذات تاريخ عريق، كانت تابعة لدويلة يانتسانغ تسانغكه في عصر الربيع والخريف (770- 476 ق.م)، ولمحافظة تشيلان في عهد أسرتي تشين (221- 207 ق.م) وهان (206 ق.م- 220 م)، وأخذت اسم "كايلي" في فترة أسرة يوان (1271- 1368 م)، قبل أكثر من سبعمائة سنة.

 

نهر بالا وقرى مياو

يمر نهر بالا بمدينة كايلي، مثل شريط حريري ملون فوق جبل مياولينغ، وقد نشأت قرى أبناء قومية مياو على ضفتيه. يسمع ركاب القوارب في هذا النهر الأغاني التي يشدو بها أبناء تلك القرى التي تبدو مثل حبات لؤلؤ ترصع النهر، فيتشكل مشهد كامل يشبه رواق لوحات رسم طبيعية.

استغرقت السيارة عشرين دقيقة من كالي، باتجاه الجنوب الشرقي، حتى وصلنا مقصدنا الأول؛ قرية نانهوا التي تحيط بها غابة من الصنوبر الخيزران على الجبال بجانب النهر. وصلنا في وقت الأصيل، فاستمتعنا بمشهد الشفق الأحمر فوق بيوت أبناء مياو العالية، المبنية بخشب أشجار التنوب الصيني. بدت القرية أمامنا مثل لوحة منحوتة فوق الجبل. بعد أن دلفنا من بوابة القرية اجتزنا جسر فنغيوي (أي جسر الوقاية من الريح والمطر) خلف تلك البوابة، وقد لفت انتباهنا أن لكل قرية مثل هذا النوع من الجسر.

تنتشر البيوت من سفح الجبل إلى قمته. كان من المخطط أن ألتقي مع المدير السابق لمدرسة نانهوا الابتدائية، لكنه لم يكن موجودا، فالتقيت بزوجته. سمعت كثيرا عن سحر وجمال النسوة المياويات، وقد تأكدت من ذلك بعد الزيارة. زوجة المدير، قد جاوزت الستين سنة من العمر، ومازالت جميلة وشعرها أسود كثيف. وقد قالت إنها لا تستخدم الشامبو لغسل شعرها قط، وإنما تغسله بنبات طبيعي، لا تعرف اسمه، وتستخدمه منذ كانت طفلة. لاحظت أن في أذنيها ثقبين كبيرين لدرجة أنه يمكن تمرير إصبع اليد في أي منهما. وعندما استأذنتها في أن ألمسهما رحبت ولم تمانع. قالت إنه تم ثقب أذنيها بإبرة في صغرها، ثم أخذت في توسيع الثقبين باستخدام الأعشاب حتى صارا على ما هما عليه الآن.

أعجبتني كثيرا بيوت المياويين المرتفعة، وخاصة سلاسل الذرة والفلفل المعلقة تحت طنوفها وأمام نوافذها. سلاسل الذرة والفلفل المنتشرة في القرية وأمام كل بيت تحمل بين طياتها ذكريات طفولة كثيرين من الذين ولدوا ونشأوا في هذه القرية، ورؤية تلك السلاسل تذكرهم بأيام الطفولة والصبا التي قضوها مع جداتهم وأجدادهم.

زرنا قرية جيداو لقومية مياو أيضا والمسافة بينها وقرية نانهوا كيلومتران أو أكثر قليلا. الأشجار والطرق وصوامع الحبوب في قرية جيداو عمرها أكثر من مائة سنة. عندما وصلت إليها ورأيت هذه الأشياء القديمة، أدركت مدى عمق تاريخ ومجد قومية مياو ولمست قوة ذكائهم فزاد احترامي وإعجابي وتقديري لهم.

تمتد قرى قومية مياو على ضفتي نهر بالا، وتشكل عالما مليئا بالمناظر الطبيعية الخلابة.

 

جبل المبخرة يحرس المياويين

يقع جبل شيانغلو (المبخرة) على مسافة ثلاثة كيلومترات غرب مدينة كايلي. يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 8ر1233 مترا، بينما لا يزيد ارتفاع الجبال الأخرى المحيطة به عن خمسمائة متر. أخذ الجبل هذا الاسم لأنه يشبه المبخرة. وهو شديد الانحدار، وليس هناك سوى طريق واحد للوصول إلى قمته، لذلك صار حصنا عسكريا هاما. وبسبب شدة انحداره، لا يصعده إلا نفر قليل من الناس. ولكنه مكان يستحق المحاولة والمشقة، فهو يشبه لوحة طبيعية. يقام في التاسع عشر والعشرين من الشهر السادس القمري من كل عام مهرجان  صعود جبل شيانغلو، فيصعد أبناء قومية مياو جبل شيانغلو الذي يكتظ بالناس من سفحه إلى قمته.

تكسو جبل شيانغلو الأعشاب وأعواد الخيزران، والصخور الناتئة، وتحيط السحب بقمته. حقول الشاي على الجبل تتميز بخصوبة تربتها، ولذا فإن الشاي الذي تنتجه لذيذ ومتميز، وقد كان يقدم كجزية إمبراطورية للبلاط في فترة أسرتي مينغ وتشينغ.

في جبل شيانغلو يوجد كهف طبيعي وآثار معبد يويهوانغقه الطاوي وآثار تشانغ شيوي مي، بطل قومية مياو. لو لم يكن جبل شيانغلو في منطقة نائية في جنوب غربي الصين، ولو كان في شرقي الصين مثلا، لنال شهرة أكبر وذاع صيته في أرجاء الصين. لكن جبل شيانغلو مثل أبناء قومية مياو، لا يسعى إلى الشهرة، وأبناء مياو قانعون بحياتهم في ركن بالجبل. لكنني سمعت أن جبل شيانغلو سيصبح موقعا سياحيا جديدا في المستقبل.

 

الأرض الساحرة في تشوشي

كلمة "قاننانغشيانغ" في لغة قومية مياو تعني المجرى الأسفل للنهر والأرض الساحرة. بنت أسرة وو برج "لوشنغ" قبل خمسمائة سنة، ومنذ ذلك الوقت، يحتفل أبناء قومية مياو بعيد لوشنغ كل عام في قرية قاننانغشيانغ، في الفترة من اليوم السادس عشر إلى اليوم العشرين من الشهر القمري الأول. يقع برج لوشنغ في قاننانغشيانغ لبلدة تشوشي في مقاطعة قويتشو.

"لوشنغ" مزيار بلدي لقومية مياو، يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، وقد توارثها أبناء قومية مياو جيلا بعد جيل، فصارت رمزا لقومية مياو. لوشنغ مشهورة في قاننانغشيانغ، ويعد عيد لوشنغ الذي يقام كل عام أكبر مهرجان لهذه الآلة الموسيقية في قاننانغشيانغ، التي يرى زوارها خلال العيد أكبر آلة لوشنغ في العالم ويستمتعون بأنغامها. يتجمع أبناء قومية مياو في تشوشي في عيد لوشنغ للتعبير عن الاحترام والتقديس لإله النهر، وللبحث عن الحب الحقيقي فيه.

تصنع مزيار "لوشنغ" في عيد لوشنغ في أربع خطوات؛ صنع القمع وصنع المزمار وصنع لسان المزمار وتعديل الصوت. تنجز جميع الخطوات يدويا. مهارة صنع لوشنغ مستمرة منذ ثمانية عشر جيلا. حاليا، لا يباع مزيار لوشنغ في مقاطعة قويتشو فحسب، بل يباع أيضا في دول جنوب شرقي آسيا ودول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

يتحدى أبناء مياو الصعوبات بالجمال ويتطلعون إلى المستقبل بالتفاؤل. في قرية شيتشينغ، رأيت لوحات من رسوم الفلاحين للرسام يانغ تشن شينغ، الذي جاوز عمره خمسين سنة. في إحدى اللوحات،  يجلس شاب وشابة على ظهر بقرةلها قرنان كبيران، تحيط بها العنقاء وطيور العقعق والفراشات والخفافيش، بعضها يقف على رأس وذيل البقرة. وأجمل ما في اللوحة هو منظر العنقاء التي تشرب من حليب، ويسبح بعض الأسماك فيه. في الحقيقة، موضوع اللوحة غريب وألوانها زاهية.

 

أسطورة قبيلة وحكاية عائلة

تقع قرية ماتانغ لقبيلة قجيا على مسافة عشرين كيلومترا غرب مدينة كايلي. لقبيلة قجيا عادات وثقافة خاصة ومتكاملة، ولها لغة مستقلة. تتميز ملابس نساء قجيا بالغرابة، حيث تلبس الفتاة غير المتزوجة قبعة مهدبة، بينما تلبس المتزوجة التي أنجبت قبعة بزخارف على شكل القمر، والمتزوجة التي لم تنجب قبعة بزخارف على شكل الشمس، وكلا النوعين يحمل زخارف تشبه القوس والسهم. يعتبر أبناء قجيا البطل الأسطوري هو يي، جدهم الأول. تحكي الأسطورة أن هو يي رمى بقوسه تسع شموس في السماء، فأسقط ثمان منها ولم تبق إلا واحدة في السماء. ولذا فإن الشمس والقوس والسهم زخارف مشهورة ومتوارثة لقبيلة قجيا تخليدا لذكرى جدهم البطل.

ويحكي أبناء قبيلة قجيا قصة رجل أصيب بجراح خلال منازلة بالووشو، فلبست أخته الصغيرة ملابسه وخاضت النزال، وفازت. شكر الأخ أخته وقدم لها ملابسه هدية، ولهذا يلبس رجال ونساء قجيا شيئا يشبه الدرع في حياتهم اليومية

تقع قرية شيلونغ لقبيلة شيجيا بالقرب من قرية ماتانغ، وتوجد عشرة مناظر طبيعية بجانب قرية شيلونغ، هي النمر الحجري والحجر المتحرك وهيكل الطاس الحجري وفم التنين الحجري والجاموس الحجري وحامل الولد الحجري والأختان الحجريتان والضفدع الحجري وقرن الثور الحجري.

شيلونغ قرية هادئة في حضن جبل. قال أمين لجنة الحزب الفرعية لقرية شيلونغ، إن أبناء شيجيا من الأجيال اللاحقة لأسرة شيا الغربية (1038 – 1227)، فقد هاجرت عائلة لوه، من شيا الغربية إلى مقاطعة جيانغشي في فترة أسرة سونغ (960 –1279)، وهاجرت العائلة إلى مقاطعة قويتشو في فترة أسرة مينغ (1368 – 1644)، واستوطنت فيها منذ ذلك الوقت. حاليا يبلغ عدد أفراد قبيلة شيجيا حوالي 3500 نسمة. من عادة نساء شيجيا أن يلبسن لفاعا أو وشاحا، ويلبس الرجال معاطف، وتلك من سمات القوميات البدوية. بالإضافة إلى ذلك، يروى أن الموطن الأصلي لقبيلة شيجيا كان به ثلاثة جبال، لذا توجد ثلاث زخارف بشكل القرن على لفاع النساء، إحياء لذكرى الموطن الأصلي.

كايلي أرض مليئة بالروايات والأساطير، لأنها هي نفسها رواية جميلة.