الدراسة في الخارج

طالب صيني يتحدث مع مسؤول مدرسة أمريكية حول الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية
الدراسة في الخارج
حلم صار اختيارا
سون تشاو
انطلاقا من روح جولة دنغ شياو بينغ في جنوبي الصين سنة 1992، أصدرت الحكومة الصينية سياسة الدراسة خارج البلاد والتي أكدت على "دعم الدراسة خارج البلاد، تشجيع عودة الطلاب المبعوثين وحرية الذهاب والعودة"، ووضعت سلسلة من القوانين واللوائح المتعلقة بالدراسة في الخارج. كان ذلك يعني أن الصين بدأت تتبنى سياسة مرنة بشأن الدراسة الدراسة في الخارج، فعرضت شروطا متساهلة للدراسة في الخارج من جهة، ومن جهة أخرى، تشجع طلابها المبعوثين على العودة إلى بلادهم بعد إنهاء دراستهم. لقيت السياسة الجديدة قبولا واسعا بين المبعوثين الصينيين، وقد قال أحدهم: :"سياسة الدراسة في الخارج تتغير كل سنة منذ تطبيق الإصلاح والانفتاح، وتتطور نحو الأفضل. لقد أصبحت الدراسة في الخارج تُدار بطريقة معيارية."
في الفترة من سنة 1978 حتى سنة 2010، بلغ عدد أبناء بر الصين الرئيسي الذين درسوا في الخارج مليونا وتسعمائة وخمسة آلاف وأربعمائة فرد، تلقوا تعليمهم في أكثر من مائة دولة ومنطقة. ويدرس حاليا في الخارج 892 ألف صيني من أبناء البر الرئيسي. وقد بلغ عدد الصينيين الدارسين في الخارج الذين عادوا إلى بلادهم بعد إتمام دراساتهم 632 ألفا ومائتي طالب، منهم 3ر399 ألف طالب عادوا إلى الصين في فترة تطبيق الخطة الخمسية الحادية عشرة، أي ثلاثة أضعاف العدد في فترة تطبيق الخطة الخمسية العاشرة، مما يدل على أن الصين شهدت تيارا جديدا لعودة الطلاب المبعوثين إلى الوطن.
الدراسة على نفقة الدولة
في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بعثت الحكومة الصينية عشرة آلاف طالب للدراسة في الاتحاد السوفيتي وأكثر من ألف طالب إلى الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية. وفي سنة 1965، قررت الحكومة إيفاد طلاب إلى الدول الغربية والدول المجاورة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين. في ديسمبر سنة 1978، وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية أول بعثة دراسية صينية ضمت 52 طالبا. وبعد ذلك، بدأت الحكومة إيفاد الطلاب للدراسة في الخارج على نفقة الدولة بعدد كبير.
تشاو تنغ في، الأستاذ في جامعة في بكين، تقاعد قبل سنوات، ولكن جامعته تحرص على دعوته إليها عندما يقوم أساتذة أجانب بزيارتها وذلك لتقديم تقارير باللغة الإنجليزية التي يجيدها، لقلة عدد المتحدثين بالإنجليزية في الجامعة. قال البروفيسور تشاو إن الفضل في مستواه الممتاز في تخصصه وفي اللغة الإنجليزية يرجع إلى دراسته في الخارج.
قال البروفيسور تشاو أيضا: "ما زلت أتذكر السعادة التي غمرتني في أحد أيام سنة 1982عندما وصلني إخطار قبولي في امتحان اختيار الطلاب المبعوثين." لم يكن تشاو تنغ يفكر في الدراسة خارج الصين في تلك الفترة المبكرة بعد تأسيس الصين الجديدة. كان راتبه الشهري أكثر قليلا من خمسين يوانا بينما سعر تذكرة السفر وحدها آلاف اليوانات، ولهذا كانت الدراسة في الخارج على نفقته الخاصة حلما مستحيلا. بعد أن اشترك في سلسلة من الامتحانات، حصل السيد تشاو على فرصة للدراسة في تورونتو بكندا. بعد أن أتم دراسته في سنة 1984، عاد إلى الصين.
قال تشاو فيه: "برغم أن الظروف في الخارج كانت مختلفة عن الصين كثيرا، لم أفكر في البقاء في الخارج بعد إكمال دراستي.".
دراسة وعمل
في أوائل تسعينات القرن الماضي، زاد عدد الصينيين الراغبين في الدراسة خارج بلادهم، كما زاد عدد الطلاب الذين يدرسون على نفقة الدولة أو على نفقتهم الخاصة. كانت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا وأستراليا وبريطانيا من أكثر المقاصد تفضيلا للطلاب الصينيين في تلك الفترة، حيث كانت الدراسة في الخارج طريقا سهلا لكسب المال في الخارج والهجرة.
في الفترة من سنة 1980 إلى سنة 1985، درس حوالي عشرة آلاف صيني في الخارج على نفقتهم، وفي الفترة من سنة 1986 إلى سنة 1990، ارتفع العدد إلى 130 ألف فرد، منهم 56 ألفا في سنة 1990. في سنة 1991، بلغ عدد الدارسين الصينيين في الخارج 170 ألفا، وبلغ عدد الطلبة الذين سافروا إلى الخارج للدراسة 84 ألفا في عام 2001، من بينهم 76 ألفا كانوا يدرسون على نفقتهم الخاصة..
د. تشو تشنغ تساي، الباحث في معهد بحوث الوراثة والنمو البيولوجية بالأكاديمية الصينية للعلوم، سافر إلى ألمانيا في سنة 1993على نفقته الخاصة، لدراسة الدكتوراه في معهد بحوث الوراثة النباتية واستيلاد المحصول الغذائي هناك. في ذلك الوقت كان تيار الدراسة في الخارج يعم الصين، وقد سافر كثير من زملاء د. تشو إلى الخارج للدراسة، فقرر أن يكون مثلهم. لم تكن الدراسة في الخارج، آنذاك، أمرا سهلا، حيث كانت شروطها عالية وإجراءات الحصول على تأشيرة البلد المستهدف صعبة.
اقترض تشو تشنغ تساي ثمن تذكرة السفر من صديق له في الخارج. كانت حياة الطلاب الصينيين في الخارج صعبة، والظروف المادية في الصين عسيرة، وجامعات قليلة هي التي تقدم منحا دراسية مجانية لطلابها، فلم يكن أمام الطلاب الصينيين المغتربين إلا أن يعملوا في وقت فراغهم. كان تشو تشنغ تساي يعمل أربع ساعات يوميا، ويكسب من المال ما يكفيه، بينما كان العديد من أصدقائه يعملون في غسل الأطباق في المطاعم.
قال: "كانت الصين تهيئ بيئة جيدة للحياة والدراسة في حدود قدرتها، وقد رضيت بظروفي في تلك الفترة." في سنة 1997، عاد تشو تشنغ تساي إلى الصين لزيارة أهله وأقاربه، وألقى بعض المحاضرات في مؤسسات علمية، فغرض عليه مسؤول من الأكاديمية الصينية للعلوم، أن يعمل في الصين، وتعهد بتقديم معاملة تفضيلية له. وبها أن زوجة السيد تشو لم تكمل دراستها في الخارج بعد وقتذاك، فاعتذر عن عدم قبول العرض، وتعهد بالعودة بعد سنتين.
عاد د.تشو إلى الصين في سنة 1999، وكان ضمن "برنامج المائة شخص" للأكاديمية الصينية للعلوم. قال: "اهتم قيادة الأكاديمية بي كثيرا، فقدم لي شقة جديدة من ثلاث غرف، وأولاني العلماء من الجيل القديم بالرعاية."
من أجل تهيئة بيئة جاذبة للأكفاء الصينيين الذين يعملون في الخارج، شرعت الصين منذ سنة 1990 تطبق مشروعات "الاعتماد المالي للبحث العلمي للأكفاء الصينيين العائدين من الخارج" و"الاعتماد المالي لدعم أساتذة الجامعات المتميزين " و"خطة تشوهوي" و"القواعد النموذجية الإحدى والعشرين للأكفاء الصينيين العائدين من الخارج" وغيرها من المشروعات والاعتمادات المالية لتشجيع عودة الأكفاء الصينيين إلى وطنهم. إضافة إلى ذلك، أنشأت وزارة التعليم في سنة 2003 "منحة دراسية للمتميزين من الدارسين في الخارج على نفقتهم". وهذه المنحة تقدم في 31 دولة، وبلغ عدد الدارسين الذين حصلوا عليها أكثر من ألف ومائة فرد. تنفذ الحكومة منذ سنة 2007 "مشروع بعث طلاب الدراسات العليا الممتازين في الجامعات الصينية المتميزة للدراسة في الخارج" في إطار هذا المشروع بعثت الحكومة سنويا أكثر من خمسة آلاف طالب دراسات عليا في 49 جامعة صينية إلى الجامعات العالمية المشهورة في الفترة من سنة 2007 إلى سنة 2011.
إن الأكفاء الصينيين العائدين يقدمون مساهمات عظيمة لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية لوطنهم.
القرن الجديد
مع دخول القرن الحادي والعشرين، ازدادت التسهيلات للدراسة في الخارج، ففي سنة 2002 عدلت أستراليا ونيوزيلندة وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول شروط منح تأشيرات دخولها للطلاب الصينيين، وألغت القيود الخاصة بالطلاب الصينيين تدريجيا. في سنة 2003، أدخلت وزارة التعليم الصينية تعديلات على إجراءات التدقيق والإقرار للراغبين في الدارسة بالخارج على نفقتهم، فألغت "التدقيق للدراسة في الخارج على النفقة الخاصة".
مع تعمق الإصلاح والانفتاح في الصين وارتفاع مستوى معيشة الصينيين، لم تعد تكاليف الدراسة في الخارج عبئا ثقيلا على الأسرة الصينية. يختار عدد متزايد من الصينيين إرسال أبنائهم للدراسة في الخارج، ويزيد عدد الصينيين الدارسين في الخارج مائة ألف سنويا، وتنوعت مقاصد الدراسة، وصار فارق العمر بين الدارسين كبيرا، مع زيادة ملحوظة في عدد الدارسين صغار السن.
تشي تشي، فتاة عمرها 18 سنة، حصلت على شهادة الثانوية في مقاطعة شنشي سنة 2010. كان حلمها أن تدرس في الخارج، فشاركت في فصول إضافية لامتحاني (TOEFL) و(SAT) في اللغة الإنجليزية، وهي في الصف الثاني الثانوي، وحصلت على 115 درجة من 120 درجة في الأول، وعلى 2300 درجة من 2400 درجة في الثاني، وتلقت إخطارات قبول من عدة جامعات أمريكية، ولكنها اختارت جامعة تقدم منحا دراسيا أكثر، حتى لا تزيد أعباء أسرتها.
مع زيادة كثافة التبادلات الدولية للصين، لم تعد الدراسة في الخارج لغزا، وأصبح لدى الطالب الصيني فرص عديدة لاختيار وقت الدارسة والجامعة والدولة التي يريد أن يدرس فيها. لم يعد الصيني يقدم أوراقه إلى عشرين أو ثلاثين جامعة ليختار الجامعة التي تقدم منحا أكثر، ولم يعد الحصول على التأشيرة يقلقه، لأن العديد من الدول تمنح التأشيرة لأكثر من 80% من الطلاب الصينيين الذين يتقدمون للدراسة فيها. الدراسة في الخارج أصبحت أمرا عاديا وبسيطا.
يقول متخصصون إن كثيرا من الدارسين الصينيين في الخارج سافروا إلى الخارج مباشرة بعد إنهاء دراستهم في المرحلة الثانوية أو الجامعية بدون خبرة عمل. ولكن معايير اختيار الأكفاء تتغير، وفي المستقبل ستكون قدرة العمل والقدرة على المساهمة أهم معيارين. لم تعد الدراسة في الخارج ميزة كبيرة في حد ذاتها عند التوظيف. الآن، يتجه بعض طلاب الجامعات الصينية إلى العمل في وقت الفراغ لاكتساب الخبرة والتمتع بقدرة تنافسية أعلى، وهذا ناقوس تنبيه للدارسين في الخارج بأن الهدف ليس فقط الحصول على الشهادة الجامعية، وإنما أيضا رفع القدرة واكتساب التجارب.