كونفشيوس ماركة عالمية

1-     تمثال كونفوشيوس في مدرسة صينية

2-     حفل افتتاح صف كونفشيوس في أيرلندا

 

 

كونفشيوس ماركة عالمية

تشانغ هونغ

قال البروفيسور تشو دا كه، الأستاذ في جامعة تونغجي بشانغهاي، إن الصين دخلت مرحلة جديدة من التقدم بعد زيارة دنغ شياو بينغ لجنوبي الصين في سنة 1992، مشيرا إلى أن أولمبياد بكين 2008 وإكسبو شانغهاي 2010 وإقامة معاهد كونفوشيوس في دول ومناطق مختلفة والدبلوماسية الصينية، كلها فعاليات وأدوات هدفها تقريب المسافة بين الصين والعالم. وقال البروفيسور تشو إن إقدام الصين على افتتاح معاهد كونفوشيوس في خارجها جاء نتيجة لسياسة الإصلاح والانفتاح، موضحا أن تلك المعاهد، التي تنشر الثقافة الصينية في أنحاء العالم، جعلت تعلم اللغة الصينية "ماركة" عالمية.

اللغة أكبر صادرات الصين!

في الحادي والعشرين من نوفمبر سنة 2004، افتتح في جمهورية كوريا الجنوبية أول معهد كونفوشيوس لتعليم اللغة والثقافة الصينية. في ذلك الوقت، وبينما كانت التجربة في بدايتها، أعلنت الحكومة الصينية أنها سوف تقيم مائة معهد من هذا النوع في العالم.

الذي حدث بعد ذلك فاق التوقعات، فقد كان يفتتح معهد كونفوشيوس جديد كل أربعة أيام، وخلال الفترة من 2004 حتى الآن، افتتح أكثر من 350 معهد كونفوشيوس خارج الصين، إضافة إلى أكثر من خمسمائة فصل كونفوشيوس في مائة وخمس دول ومناطق. يتجاوز عدد دارسي اللغة الصينية في خارج الصين أربعين مليونا. وقد علقت على ذلك صحيفة "بورنيو بوست" الماليزية بالقول إن اللغة الصينية ستكون أكبر صادرات الصين.

لا غرو أن الفضل في الانتشار السريع للغة الصينية في العالم يرجع إلى تعاظم قوة الصين والنمو السريع لاقتصادها، ولكننا لا يمكن أن نغفل الدور الذي تلعبه معاهد كونفوشيوس، خاصة أن هذه المعاهد تقام بطريقة تدعم تطورها الذاتي، حيث توفر الجامعة الأجنبية التي تريد إقامة المعهد بها المكان وتجهيزاته، وتتعهد الصين بإرسال المعلمين وتتحمل تكاليفهم.

كان الغرض من إقامة معاهد كونفوشيوس، في البداية، هو تعليم اللغة الصينية. ولكن مع تطور هذه المعاهد، صارت تقدم معرفة شاملة عن الصين. قالت المديرة العامة لمكتب المجلس الدولي للغة الصينية (هانبان) شيوي لين، التي تشغل أيضا منصب المديرة العامة للمقر الرئيسي لمعاهد كونفوشيوس: "كل مقطع صيني يمثل صورة بالنسبة للأجنبي، فدراسة اللغة الصينية تجذب الأجانب إلى معرفة الثقافة والعادات الصينية، خاصة ما يتعلق بالطعام والأدوات الصينية.

لقد صارت معاهد كونفوشيوس منصات لمعرفة الصين في الخارج، يقصد إليها مباشرة من يريد معرفة الثقافة الصينية."

قال لنغ سونغ، أمين عام مركز بحوث وسائل الإعلام العالمية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية."استفدنا من الشهرة العالمية لكونفوشيوس في إقامة معاهد تحمل اسمه." من مؤشرات نجاح معاهد كونفوشيوس التي لاحظها السيد لنغ، أنه كان عندما يذهب إلى خارج الصين قبل عشر سنوات كان الناس يحيونه باللغة اليابانية، أما الآن فإنهم يقولون له "ني هاو" أي مرحبا، و"شيه شيه"، أي شكرا باللغة الصينية. قال أيضا إنه قابل مرشدين سياحيين أجانب يتكلمون اللغة الصينية، بعضهم درسها في معاهد كونفوشيوس.

كونفشيوس مرآة!

كيف ننشر الثقافة الصينية في الخارج؟ فكرت شيوي لين في هذا الأمر كثيرا، كان من رأيها أن نشر هذه الثقافة يشبه النظر في المرآة، حيث نرى مزايانا وعيوبنا. وآمنت شيوي لين بضرورة استيعاب الثقافات الأجنبية الحديثة.

حاليا، هناك إقبال كبير على معاهد كونفوشيوس في مختلف أنحاء العالم، فقد تقدم أكثر من أربعمائة مؤسسة وهيئة في ست وسبعين دولة بطلبات لإقامة معهد كونفوشيوس بها، قبل "هانبان" أقل من 10% منها!.

وقد جاء في دراسة قام بها الاتحاد البريطاني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سنة 2011 أن حاجة المؤسسات البريطانية إلى عاملين يتحدثون باللغة الصينية تزداد بسرعة، وأن مرتبة المتحدثين باللغة الصينية ارتقت من الثالثة إلى الثانية، وحلوا محل المتحدثين بالفرنسية من حيث الطلب عليهم. وقال معلم في معهد كونفوشيوس بمدينة بيونس آيرس بالأرجنتين إنه في بداية افتتاح المعهد لم يكن عدد الطلاب يتجاوز خمسين طالبا، ولكن العدد حاليا 2200.

في جامعة القاهرة التي يبلغ عدد طلابها مائتي ألف طالب، سجل عشرون ألفاً أسماءهم لدراسة اللغة الصينية، فمصر دولة سياحية، وراتب المرشد السياحي باللغة الصينية يساوي ضعف راتب المرشد السياحي باللغة الفرنسية هناك.

ولكن تعليم اللغة الصينية خارج الصين يواجه صعوبات أيضا.

بلغ عدد معلمي اللغة الصينية الذين أرسلهم مكتب المجلس الدولي للغة الصينية للتدريس في معاهد كونفوشيوس أكثر من سبعة آلاف، منهم طلاب جامعيون وطلاب مدارس ثانوية ومتطوعون، ومع ذلك لم يكن هذا العدد كافيا.

من ناحية أخرى، عندما يصل المعلم الصيني إلى الخارج يحتاج إلى وقت للتعود على عادات وتقاليد وحياة البلد الذي يذهب إليه. وفي بعض الدول، يكون طلاب معهد كونفوشيوس من صغار السن، فيحدثون هرجا ومرجا في الفصل أو يغادرون قبل انتهاء الدرس، وهذا يختلف تماما عن الانضباط التعليمي في الصين. لهذا، يختلف أسلوب إدارة وتنظيم معاهد كونفوشيوس في بعض الدول عن الأسلوب التعليمي الصيني.

يحرص المعلمون الصينيون على توزيع صورة أبراج الميلاد الصينية على الطلاب الجدد حسب سنوات ميلادهم، في أول محاضرة لهم. يشرح المعلمون مغزى كل حيوان منها مما يجذب الطلاب للدراسة ويثير في نفوسهم الرغبة للتعلم.

تكون معاهد كونفوشيوس أكثر نشاطا في فترة عيد الربيع الصيني، بما تقدمه من برامج وعروض تجذب الطلاب والسكان في أماكنها.

صورة الصين

في سنة 2011، تجاوز إيرادات الدولة الصينية تريليون يوان، والصين هي الدولة الأولى في العالم من حيث احتياطي النقد الأجنبي في العالم، ولكن الثقافة الصينية ثقافة رئيسية في العالم، وقدرتها التنافسية لا تتناسب مع القوة الشاملة للصين وقدراتها الاقتصادية المتنامية.

في مسيرة نهوض أي دولة كبيرة في العالم، تعتبر الثقافة أسلوبا تقليديا لرسم الصورة الوطنية. في بداية سنة 2011، أعدت الحكومة الصينية فيلما حول صورة الصين الوطنية، تم بثه على شاشات عرض كبيرة في شوارع نيويورك أثناء زيارة الرئيس هو جين تاو للولايات المتحدة الأمريكية. وقد اعتبرت أوساط خارجية ذلك العمل حملة علاقات عامة هامة للحكومة الصينية.

قالت شيوي لين: "نساهم في تقديم الصورة الوطنية لبلادنا. زار معاهد كونفوشيوس أكثر من مائة وعشرة شخصيات كبيرة، منهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وعبر كثير منهم عن الرغبة في المشاركة في نشاطات معهد كونفشيوس. أعتقد أن معهد كونفوشيوس وسيلة فعالة لتدويل تعليم اللغة الصينية".