الانفتاح على الطريقة الصينية
1- موقع سباق F1

2- لي هاو جيه في دبي

في سنة 1984، زار الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ مدينة شنتشن بجنوبي الصين، حيث حسم الخلاف حول المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين، فعندما وصل إلى مدينة قوانغتشو، حاضرة مقاطعة قواندونغ، خط بيده عبارة "تطور وتجربة شنتشن دليل على أن سياسة إقامة المناطق الاقتصادية الخاصة صائبة". منذ ذلك الوقت، طفق الإصلاح والانفتاح يتعمقان أكثر فأكثر، وبدأ "الاقتصاد التجاري" يدخل ملفات الحكومة.
في بداية سنة 1992، قام دنغ شياو بينغ بجولة جنوبية شملت ووتشانغ وشانغهاي وشنتشن وتشوهاي، ألقى خلالها كلمات حول التنمية الاقتصادية والإصلاح والانفتاح، ففتح دورة جديدة للإصلاح في الصين، ومنذ ذلك الوقت، بدأت الثروات الصينية تزداد أضعافا، وشهد الاقتصاد الصيني تقدما مشهودا.
تخليدا لذكرى دنغ شياو بينغ، الذي أطلق سياسة إصلاح وانفتاح الصين، يضم هذا العدد مجموعة من المقالات التي تقدم رؤى مختلفة لتطور الصين في تلك السنوات، وتستعرض التغيرات الضخمة التي شهدتها البلاد بفضل سياسة الانفتاح.
جسر بين الصين والعالم
تشانغ شيويه ينغ
في كلمة له خلال جولته الجنوبية سنة 1992، قال دنغ شياو بينغ: "علينا أن نواصل الإصلاح بجرأة أكبر وأن نجرأ على التجربة وشق الطريق الجديد ما تأكدنا من صحة ما نعمل"، انتشرت هذه الجملة في أنحاء الصين مثل انتشار النار في الهشيم. هذه العبارة، جعلت بعض الصينيين الأذكياء والأجرياء يتوقعون أن تتغير حياتهم ومستقبلهم، ومن بينهم الشاب لي هاو جيه الذي تقدم في نهاية سنة 1992، وعمره ثلاثون سنة، بطلب لنقل عمله من مكتب إدارة لجنة الحزب الشيوعي في مقاطعة خنان إلى وحدة قاعدية في نفس المقاطعة. قال السيد لي، الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس إدارة شركة تيانرونغ المحدودة للاستثمار: "لم أكن أعرف معنى اقتصاد السوق، ولم أستطع فهمه إلا بعد أن عملت في الوحدات القاعدية".
قبل سنة 1992، كان يُنظر إلى العمل التجاري على أنه غير قانوني بل جريمة. وقد رصد كتاب بعنوان ((تغيرات)) للمؤلف لينغ تشي جيون التغيرات التي شهدتها الصين في مجال التجارة بعد سنة 1992. جاء في الكتاب أن "كل الموانع تقريبا ألغيت، وصارت الحكومة تسمح بتأسيس الشركات، وتجيز للمدارس كسب أرباح، وللمدرّسين القيام بأعمال أخرى، وللموظفين الحكوميين القيام بأعمال تجارية، وصار بيع البضائع الشحيحة أمرا مشروعا."
بعد جولة دنغ في جنوبي الصين والكلمات التي ألقاها هناك سنة 1992، عدل مجلس الدولة الصيني وألغى أكثر من 400 وثيقة مقيدة للأعمال التجارية، وظهرت موجة غير مسبوقة في إقامة الشركات. في بكين كان عدد الشركات الجديدة يزيد ألفي شركة شهريا منذ فبراير 1992، وفي مقاطعات سيتشوان وتشيجيانغ وجيانغسو تضاعف عددها بالمقارنة مع سنة 1991. وفي برج مركز التجارة العالمي، أعلى بناية في الصين آنذاك، بلغ عدد الشركات 300 شركة، وضم طابق واحد مكون من 25 غرفة بهذا المركز أكثر من عشرين شركة، ووصل الأمر إلى أن بعض الشركات لم يكن في مقرها غير منضدة.
في سنة 1998، بدأ لي هاو جيه يعمل بالتجارة، وقد تعجب زملاؤه من قراره بترك الوظيفة الحكومية من أجل إنشاء شركة خاصة. قال لي هاو جيه: "إن زملائي، الذين في مثل عمري، كانوا لا يفهمون سبب تركي لوظيفتي. في الحقيقة أنا أردت أن أخوض التجربة لأختبر قدراتي."
في تسعينات القرن الماضي، كان النزول إلى نهر التجارة تيارا عاما بين الموظفين الحكوميين، وكان السبب الرئيسي لذلك هو اتجاه المؤسسات الحكومية المتخمة بالعاملين إلى تقليص عدد العاملين وزيادة فعالية العمل. من ناحية، رأت الحكومة الصينية أن تحول بعض الأكفاء في المؤسسات الحكومية، والذين لا يعملون شيئا، إلى الاشتغال بالتجارة سيقلل تكاليف الحكومة المالية. ومن ناحية أخرى، كان بعض الموظفين الشبان والخبراء يشعرون بأنهم مقيدون في وظائفهم، وأرادوا الحصول على فرصة للكشف عن قدراتهم وإثبات ذاتهم.
اقترض لي هاو جيه 500 ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6) من صديقين له، وأسس شركته. لم يخبر والديه بأمر هذا الدين إلا بعد أن سدده.
بفضل فهمه لسياسات الاقتصاد الكلي، تطورت شركة لي هاو جيه بسلاسة، فقد كانت كل قراراته تتفق مع سياسات الدولة. شاركت شركته في تنفيذ مشروعات للهندسة الأحيائية وبناء الطرق السريعة. في سنة 2003، اتخذت الحكومة الصينية سلسلة من السياسات الصارمة للتنسيق والسيطرة الكلية من أجل تهدئة اقتصاد الصين المحموم آنذاك. في ذلك الوقت، لاحظ لي هاو جيه بعد دراسة عميقة أنه بالإضافة إلى صناعة المال، تعتبر الرياضة من أكبر الصناعات في الولايات المتحدة الأمريكية، فتيقن بأن الاحتياجات الروحية للناس تظهر بعد سد احتياجاتهم المادية، وأن الصين ستدخل هذه الفترة يوما ما.
بدأ لي هاو جيه يبحث عن مشروعات في أنحاء العالم. وقد ساعدته خبرتة في التعاون الخارجي أثناء عمله في الأجهزة الحكومية، في فتح آفاقه الدولية. فحاول إدخال مشروعات رياضية ذات تأثير دولي إلى الصين من أجل نشر صورة الصين في العالم، ودفع الصناعات الصينية، ووضع عينه على سباق الزوارق البخارية السريعة F1.
من أجل وضع أسس إقامة سباق الزوارق F1، أسسلي هاو جيه شركة تيانرونغ المحدودة للاستثمار، للعمل في مجال الثقافة الرياضية. تعاقدت الشركة مع الاتحاد الدولي للزوارق البخارية لإقامة سباق F1 لمدة عشرين سنة اعتبارا من سنة 2006، ولها حق في الحصول على المصالح التجارية لذلك في داخل الصين. وبالتعاون مع مصلحة الدولة العامة للرياضة البدنية، أسس لي هاو جيه فريق تيانرونغ الصيني لسباق F1للزوارق. مشاركة منتخب الصين للزوارق البخارية السريعة في مسابقات F1 جذبت أنظار العالم، وساهمت في نشر صورة الصين الدولية. حقق هذا الفريق الذي تأسس قبل خمس سنوات، نتيجة ممتازة في سنة 2011، ولأول مرة احتل إجمالي العلامات السنوي المركز الثالث في السباق في العالم.
في سنة 1981، بدأ الاتحاد الدولي للزوارق البخارية سباق F1 الذي تبثه أكثر من مائة محطة تلفزيونية سنويا ويبلغ عدد متابعيه مليار فرد لكل سباق.
سباق له تأثير واسع. قال لي هاو جيه إنه بعد انتهاء محطة شنتشن من هذا السباق في سنة 2007، ذهب إلى دبي، برفقة مسؤول من حكومة شنتشن، للاشتراك في الدور النهائي للسباق. وعندما عرف أحد موظفي الجمرك الإماراتي أنهما من شنتشن، أثنى عليهما وقال: "مدينتكما جميلة! السباق رائع!". قال لي هاو جيه: كثير من شباب الإمارات مولعون بسباق F1، وقد تأسس فريق لهذا السباق في الإمارات برئاسة الأمير. وقد تأثر المسؤول الحكومي الصيني بهذه التجربة في الإمارات كثيرا، وأنا شعرت بالفخر."
من الأشياء التي تركت انطباعا عميقا لدى لي هاو جيه، نقل الشعلة الأولمبية في أوروبا سنة 2008. في الرابع من مايو، قبل افتتاح سباق الزوارق البخارية F1في محطة بوريتماو في البرتغال، استقلت السباحة الصينية لوه شيوي جيوان، بطلة سباحة الصدر في أولمبياد أثينا 2004، زورقا آليا، وحملت الشعلة الأولمبية. وقد أشعل وصول الشعلة الاولمبية حماسة هذه المدينة الصغيرة، وتأثر بها كثيرا المغتربون الصينيون الذين ذهبوا إلى الملعب من كل حدب وصوب، ولوحوا بعلم الصين، ورفعوا لافتة طويلة مكتوب عليها "دعم الروح الرياضية، أغلى الأمنيات لأولمبياد بكين"، فأقبل لاعبو السباق للتوقيع على هذه اللوحة لتأييد أولمبياد بكين.
يواصل لي هاو جيه جهوده لنشر صورة الصين في ملاعب العالم، ويخطط لإقامة معرض صور حول التبت على هامش سباق F1 في الخارج، وإقامة معارض حول التراث الثقافي العالمي في الصين وأجمل المناطق السياحية الصينية.
يرى لي هاو جيه أن إقامة سباق F1 الدولي الضخم تساعد على رفع قدرة تأثير بعض المدن الصينية. قال: "عندما أقمنا هذا السابق في مدينة تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، أرسلت حكومة مدينة شيآن بمقاطعة شنشي وفدا إلى هناك. وقد لاحظ الوفد أن سباق F1 لعب دورا هاما في دفع تنمية الاقتصاد للمناطق المجاورة للمدينة. وبعد اختتام السباق بمدينة تشنغدو، قدمت حكومة شيآن طلبا لاستضافة سباق F1 في منطقة تشانبا للتنمية الواقعة في دائرتها، التي لم تكن تجذب الشركات، ولكن قبل شهر من افتتاح محطة تشانتشو لهذا السباق، ارتفع سعر كل مو (الهكتار يساوي 15 مو) من الأرض في المنطقة من 300 ألف يوان إلى أكثر من 6ر1 مليون يوان. قال السيد وانغ جيون، أمين لجنة الحزب بمنطقة تشانبا للتنمية: "فتحنا أمام العالم مدينة شيآن المميزة الحديثة والخضراء من خلال إقامة سباق F1."
وقد أقيم سباق F1 في تشنغدو وشيآن وشنتشن وليوتشو ولينيي، وجذب اهتمام كثير من الجماهير، وتقدمت تيانجين وهاينان وتشنغداو بطلبات لاستضافة هذا السباق.
لي هاو جيه، هو العضو الوحيد من قارة آسيا في لجنة سباق F1 للاتحاد الدولي للزوارق السريعة، حيث حل محل عضو من ماليزيا. وحصل لي هاو جيه على حقوق تنظيم سباقF1 في أستراليا.
فضلا عن سباقF1 ، يهتم لي هاو جيه بتطوير صناعة السفن السياحية، ويرغب في التعاون مع الشركات الصينية لدخول هذا المجال الجديد واستيراد التكنولوجيا العالية والمواد الحديثة إلى الصين، ويثق بأن صناعة السفن السياحية تتمتع بطاقة كامنة كبيرة.
في يناير سنة 2008، منح اتحاد الصينيين العالمي لي هاو جيه لقب "الصيني البارز في العالم"، تقديرا لمساهماته الضخمة في تنمية وتقدم العالم والخدمات الاجتماعية العامة والأعمال الخيرية، وفي ديسمبر نفس السنة، اختارته صحيفة ((داكونغباو)) الصينية في قائمة "الصينيين المتميزين في العصر المزدهر" بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لانطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح.