العرب يتابعون في الدوحة قصة حب إسلامية على طريق الحرير
إماراتية تسجل رؤيتها للمارد الذي يسير بخطى ثابتة على طريق الإصلاح والانفتاح
احتلت الصين مساحة واسعة في الإعلام العربي خلال الأسابيع الماضية، مع تنامي دروها(دورها) في محاربة القرصنة بمنطقتي المحيط الهندي والقرن الأفريقي. ولاقت اهتماما أكثر بعد نشر معلومات حول تبوأها(تبوءها) المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي، متجاوزة اليابان، أثر أزمة مالية مستمرة للعام الثالث على التوالي ومازالت تهدد العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم. وكانت المفاجأة في المشهد العربي أن العديد من الصحف وأجهزة الإعلام تناولت مسار تطور العلاقات الثقافية والوفود المسرحية الصينية التي جابت سوريا وقطر ومصر في الآونة الأخيرة، وأكدت على أن الفن والإبداع هما أقصر الطرق لتحقيق التفاهم المشترك والتقارب بين مختلف الشعوب مهما اختلفت الثقافات أو اللغات.
تحت عنوان "المارد الصيني يمضي قدما بخطى ثابتة نحو الانفتاح والإصلاح"، و"الهدف الجديد لحكام الصين جَعْل بلادهم دولة قوية وغنية وديمقراطية مزدهرة" كتبت الصحفية لارا حجيبان في مجلة ((البيان الاقتصادية)) العدد رقم 464: "تاريخ ضارب في الجذور والحضارة، الصين بانطلاقاتها من الماضي وتحديدا من ساحة "تيان آن من" وحتى نقطة الوصول إلى موقع قرية الألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2008، وبين ماض وحاضر، يمضي المارد بخطى ثابتة نحو الإصلاح والانفتاح، وبين هذه المسافة التي لا تتعدى تسعة كيلو مترات سيفقه القارئ أن خلف فريق(بريق) أضواء الملعب الأولمبي والميدان السماوي مشوار استمر 30 عاما من الإصلاح والإنفتاح."
وكتبت مراسلة ((البيان الاقتصادية)) الإماراتية، عقب مشاركتها في الدورة التدريبية للإعلاميين العرب الذين زاروا الصين ضمن وفد من ثمان دول عربية هي لبنان وفلسطين وسوريا والأردن وتونس واليمن والجزائر وموريتانيا، أن الصين تعيش في نهضة بعد قرون وسطى، وأن السياسة الصينية لم تغير أهدافها منذ قرن ونصف القرن وخلصت بضرورة جعل البلد الآسيوي قويا مزدهرا، ولذلك انطلقت محاولات تجديد الإمبراطورية واتباع الرأسمالية الغربية ومرورا بالفترة الماوية إلى أن تسلم الحكم الزعيم دنغ شياو بينغ الذي نهج سياسة الانفتاح والإصلاح مبرهنا على أن الشعب الصيني ليس صاحب حضارة قديمة فحسب، وإنما صاحب ذاكرة حية أيضا."
صنع في الصين
تشرح لارا حجيبان الظهور الأول لعبارة "صنع في الصين" في سبعينيات القرن الماضي، والتي بدأت عبر منتجات صغيرة الحجم رخيصة الثمن جعلت وزير التجارة الصيني السابق بوه شي لاي يقول إن قيمة تصدير 800 مليون قميص من الصين يعادل ثمن طائرة "ايرباص 380" مصنوعة في أوروبا، لكن ما لبثت البلاد بعد هذه العبارة أن تحولت إلى الإبداع، وأصبحت تخطط لتحويل هيكل صادراتها وتعزز الابداعات التكنولوجية لرفع المكونات العلمية والفنية للمنتجات. واستندت لارا حجيبان إلى تقارير اقتصادية تبين أن الصين ستصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم بحلول عام 2050.
وأشارت الكاتبة الإماراتية إلى تطور العلاقات التجارية بين الصين والبلدان العربية، وانتقالها من مرحلة الصعوبة والبطء خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إلى بداية انطلاقها عام 1994 بوصول حجم التبادل التجاري إلى ثلاثة مليارات و800 ألف دولار أمريكي ثم بلوغها نحو 108 مليارات دولار أمريكي و300 مليون دولار أمريكي في عام 2009. ونوهت الكاتبة إلى أن الصين لديها 650 مشروعا في مصر، كما وقعت مع الكويت اتفاقية لإقامة خمسة مشروعات من بينها مشروع تصل قيمته نحو تسعة مليارات دولار أمريكي.
وتشير الكاتبة إلى المراحل الأربع التي مرت بها عملية الإصلاح الاقتصادي، منذ عام 1978 وحتى الآن والتي استهدفت تنمية المدن والأرياف وتنمية الأقاليم من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية والتناغم بين الإنسان والطبيعة، مع الانفتاح على العالم. وقالت الكاتبة: "إن الصين، باعتبارها أكبر دولة نامية وتتمتع بظروف خاصة، لم تقلد أنماط التنمية للدول الأخرى ولم تسنسخ مفاهيم العلم الاقتصادي الغربي، بل اكتشفت طريقا تنمويا عصريا عبر الممارسات يعده البعض نمطا ديمقراطيا اجتماعيا، فلم يكن نمطا رأسماليا أمريكيا ولا روسيا متطرفا يركز على الخصخصة."
وبينت الكاتبة التحديات التي واجهتها الصين خلال عملية الإصلاح وأبرزها الهوة الكبيرة بين المدن والأرياف والخلل في توزيع الدخل بين الغرب والشرق ومخاوف التضخم المالي مع ارتفاع قيمة العملة الصينية (رنمينبي) أمام العملات الأخرى، والاعتماد على الخارج في الحصول على موارد الطاقة والمعادن الحيوية. وأكدت الكاتبة على أهمية الدور الجديد الذي يلعبه الإعلام الصيني، في التعليم والتعبئة والترفيه ومساعدة المواطنين على التفكير بطريقة إيجابية والحد من الفساد وكشف القائمين به، وحماية الحقوق الشخصية.
حفاوة ثقافية
من المشهد الاقتصادي إلى الاحتفاء الخاص بالثقافة الصينية، عرضت مجلة "الدوحة" في عددها السابع لسنة 2010 الخاص بمناسبة اختيار الدوحة عاصمة للثقافة العربية، تقريرا حول العرض المسرحي الصيني "ظهور الهلال فوق جبال خلان"، تحت عنوان "قصة حب وتواصل على طريق الحرير". يذكر التقرير الذي نشر على مساحة كبيرة في المجلة، أن مجموعة مسرح الفنون بمدينة ينتشوان قدمت العرض على مسرح قطر الوطني في إطار فعاليات الدوحة، عاصمة الثقافة العربية لعام 2010، بالتعاون بين وزارتي الثقافة في دولة قطر وفي جمهورية الصين الشعبية. وبين التقرير أن المسرحية الراقصة تستلهم تجارب وخبرات قومية "هوي" المسلمة وهي من تأليف يانغ شياو يانغ وسيناريو تشاو دا مينغ وألحان تشانغ تشيان يي.
وبين التقرير أن الخط الدرامي الأساسي للعرض مبني على قصة حب بين خديجة، التي تنتمي إلى منطقة السهل، وناصر القادم من المنطقة الصحراوية، عبر طريق الحرير التاريخي. ويوظف المخرج الفكرة لتقديم معالجة فنية وجمالية لتراث تاريخ طريق الحرير البري وطريق البخور البحري، اللذين كانا مفتاحين للحوار بين المسلمين الآتين من أصقاع بعيدة حاملين رسالة الإسلام إلى الصين.
وأوضح التقرير أن حركة مجاميع الممثلين المتقنة والموسيقى الرفيعة والاستعراضات والديكور شكلت إطارا جماليا مذهلا لبناء المشاهد، التي قدمت معادلا موضوعيا وجماليا لايقاع وحركة أبطال العمل القادمين من الصحراء وعبر البحار، وهم يكابدون أهوال البحر وساقيات الصحراء، وفي المقابل شكل مستقبلوهم في السهل استعراضا رائعا عبر تعبيرات درامية نفذت من قبل الممثلين ببراعة وجمال.
وتناول التقرير كل عناصر العمل المسرحي التي شكلت أبطالا في العرض، ووفرت للحضور فرجة ممتعة بصريا، منوها إلى أن الموسيقى الجميلة كان لها دور كبير في تصعيد المواقف الدرامية وفي النزول بها من ذرى الانفعال إلى السكينة والهدوء. وعن الأزياء والاستعراضات الضخمة في العرض الأوبرالي، أوضح التقرير أن المشهد العاطفي وقبله المشهد الاجتماعي، المرتبط باستقبال الضيوف، قدمت الفرقة من خلاله تعبيرات في غاية الرفاهة والمودة واللطف والعواطف. واستطاع المخرج أن يمزج رسالة العرض الاجتماعية بالتخيل الفني الذي يقتضيه العمل المسرحي بتوازن واضح.
وذكر التقرير أن ضخامة العرض المسرحي ومتطلباته الدرامية، عكست البعد الثقافي للشخصية الصينية وقدرة فناني الصين على إقامة حوار جمالي متميز بين المدلول الاجتماعي والتاريخي والخصوصية الصينية، والتوظيف البارع للتقنية الحديثة في خدمة العمل المسرحي. وقال التقرير إن مسرح الفنون بينتشوان مجموعة متخصصة في العروض الفنية بمنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة، ويؤدي فنونا متميزة في الرقص والفنون الشعبية والأعمال الموسيقية رشحت هذا العمل لنيل عدة جوائز على المستوى الوطني. وتعد مسرحية "ظهور الهلال على جبل خلان" التي اتسم عرضها بالإبهار والروعة وفخامة الديكور، أول مسرحية راقصة خاصة بقومية هوي وقدمت أكثر من مائتي عرض وحازت جوائز محلية ودولية عديدة.