قصة عائلة تشانغ

 

هو روي لي

 

بالمقارنة مع الجيل السابق من العمال الريفيين، يكون أفراد الجيل الجديد أفضل تعليما لكن مطالبهم المادية والروحية أكثر، كما أنهم أقل قدرة على تحمل الأعمال الشاقة.

 

طفولة سعيدة

الآنسة تشانغ تشيان رو، ذات الواحد والعشرين ربيعا، أتمت مرحلة الدراسة المعهدية في مدينة شنيانغ بمقاطعة لياونينغ، ثم انتقلت إلى بكين لتعيش مع والديها اللذين فارقتهما خمس عشرة سنة. أنشأ والداها مصنعا صغيرا للملابس في بكين قبل ست سنوات.

عندما تزوج أبوها السيد تشانغ وان شيوي سنة ثمان وثمانين وتسعمائة وألف، كان متوسط نصيب الفرد من الحقول الزراعية في قريته 4ر2 مو (الهكتار يساوي 15 مو). كانت حياته بسيطة والعمل الزراعي سهلا، ولكن عائد الأرض جد قليل وعدد سكان الريف كبير. في ذلك الوقت، بدأ بعض الفلاحين يتركون قراهم ويقصدون المدن بحثا عن أعمال تدرّ دخلا أفضل. في سنة 1992، حيث كان عمر تشانغ تشيان رو ثلاث سنين، غادر تشانغ وان شيوي، قريته إلى مدينة داتشينغ بمقاطعة هيلونغجيانغ حيث عمل في مصنع لأجهزة النفط، وبعد سنتين لحقت به زوجته. ظلت تشانغ تشيان رو وأخوها في القرية مع جدهما وجدتهما. كان الرجل وزوجته يدخران أكثر من ألف يوان كل شهر. كانا يعملان طوال أيام الأسبوع أكثر من عشر ساعات يوميا، وكانا يعودان إلى قريتهما مرة أو مرتين في السنة لمدة أسبوعين في كل مرة.

لا غرو أن الاقتصاد الصيني شهد خلال الثلاثين سنة الأخيرة نموا سريعا، ولكن فجوة الدخل بين أبناء الريف وأبناء الحضر توسعت. في سنة 1978، عندما قررت الصين انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، كان متوسط دخل الفرد في الحضر 4ر2 ضعف متوسط دخل الفرد في الريف، ولكنه في سنة 2008 صار 13ر3 أضعاف. يزداد بشكل مستمر عدد العمال الفلاحين القادمين من الريف إلى الحضر حيث يحققون دخلا أعلى ويعيش أبناؤهم حياة أفضل، ومن هؤلاء الأبناء من لا يعرف شيئا عن فلاحة الأرض.

قالت تشانغ تشيان رو: "عشت طفولة سعيدة برعاية جدي وجدتي. البيئة في الريف جميلة، ففناء دارنا فيه أشجار فاكهة وخضراوات. كنت ألعب مع أترابي ولم أعمل بالزراعة قط. أعتقد أنني كنت في طفولتي أكثر سعادة من أطفال المدن الذين يلهون بالألعاب الإلكترونية."

حسب دراسة استقصائية حول الجيل الجديد من العمال الريفيين أجراها اتحاد العمال لعموم الصين، لا يمارس 4ر89% من أفراد الجيل الجديد من العمال الريفيين الزراعة، و9ر37% منهم ليس لديهم تجربة عمل، لأن بعضهم وُلِد في الحضر، وليست لديهم أرض زراعية في الريف، ومن ثم عاشوا طفولتهم مثل أبناء الحضر.

يعمل الآباء والأمهات في المدن لفترات طويلة بعيدا عن أبنائهم الذي يفتقدون إلى الحنان الأبوي. ويقول المتخصصون النفسيون إن الفرد إذا افتقد الحنان في طفولته، يحتاج المزيد من الرعاية الروحية عندما يكبر.

 

لن أعيش في جلباب أمي

في سنة 1997 بنى تشانغ وان شيوي، بما ادخره هو وزوجته من مال، بيتا جديدا مساحته 200 متر مربع في قريته. هكذا صار للزوجين بيت وحقل وتأمين اجتماعي في موطنهما فلا يخشيان شيئا إذا قررا العودة إلى قريتهما في أي وقت. قال تشانغ وان شيوي إنه يعمل في بكين ويقدم خدماته للآخرين، وبرغم أنه يعي جيدا أن كل شيء في هذه المدينة مؤقت، يفضل العمل فيها لأن مستوى الحياة أفضل ودخله أعلى؛ أكثر من ستين ألف يوان في السنة، أي أكثر من عشرة أضعاف الدخل السنوي في الريف. يفضل معظم أفراد الجيل الأول من العمال الريفيين العودة إلى مواطنهم عندما تدركهم الشيخوخة كي يعيشوا حياة بسيطة في الريف الهادئ. لكن حوالي 10% من أفراد الجيل الأول من العمال الريفيين ما زالوا في المدن، وتشانغ وان شيوي واحد منهم. كان السيد تشانغ يتمنى أن يزوّج أبناءه في الريف، لكن ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه.

تعترف تشانغ تشيان رو بأن والديها اجتهدا في حياتهما وواجها صعوبات جمة ومتطلباتهما في الحياة بسيطة، ولكنها تقر بأنها لا تستطيع أن تعيش حياتها مثلهما. لا تريد أن تعود إلى الريف ولا تبغي أن تشق طريقها في بكين على عجل، بل تريد البحث عن عمل مناسب لها.

يبدو أن الحظ ابتسم للشابة ذات الأصول الريفية، فقد وجدت، بمساعدة صديق لها، عملا كمساعد باحث في مختبر لعلوم البصريات بالأكاديمية الصينية لعلوم القياس الصينية. ولأن بطاقة التسجيل المدني لها ليست صادرة في بكين كما أن شهادتها الدراسية ليست عالية، عملت بعقد عمل مؤقت براتب شهري 1500 يوان فقط، مع وجبة طعام مجانية يوميا. وهي راضية بعملها، لأن البيئة جيدة ولديها فرصة لاكتساب الخبرة، كما أن علاقتها جيدة مع زملائها وخاصة مديرتها التي اقترحت عليها أن تواصل الدراسة للحصول على شهادة جامعية لكي يتم تثبيتها في العمل ويتضاعف راتبها.

كان الهدف الرئيسي لأفراد الجيل الأول من العمال الريفيين هو كسب المال، لكن الأمر يختلف بالنسبة لأفراد الجيل الثاني، فهم يفضلون اكتساب العلم والخبرة والمهارة عن طريق العمل.

 

لا للخدمة المنزلية

رافقت تشانغ تشيان رو مديرتها مرتين في رحلة عمل إلى خارج بكين؛ المرة الأولى إلى شركة فوكسكون في مدينة جينتشنغ بمقاطعة شانشي، والثانية إلى شركة باناسونك في مدينة داليان بمقاطعة لياونينغ. هناك رأت بعض العمال يؤدون أعمالهم النمطية على خطوط الإنتاج، ووجوههم جامدة خالية من أي تعبير، فشعرت بالحزن،وقالت لنفسها: "لن أعمل هكذا ولو كان الراتب كبيرا."

يختلف أفراد الجيل الجديد من العمال الريفيين عن أفراد الجيل السابق، فهم لا يفضلون الحياة البسيطة، بل يهتمون بالماديات إضافة للمتعة الروحية، ومعظم أفراد الجيل الجديد لا يحرصون على ادخار المال، بل ينفقون كل ما يكسبون على شراء الملابس والطعام والشراب ومتع الحياة الأخرى. وفي الوقت الراهن مع تحول الاقتصاد الصيني من الاعتماد على التصدير إلى توسيع الطلب المحلي، يعتبر أفراد الجيل الجديد من العمال الريفيين مجموعة استهلاكية كبيرة ذات قدرة استهلاكية عالية.

وعند البحث عن عمل، لا يفكر ابن الجيل الجديد من العمال الريفيين في الراتب فقط، وإنما يضع في الاعتبار عوامل أخرى، ولهذا ظهرت مشكلة نقص الأيدي العاملة في بعض القطاعات. في بكين، نادرا ما يقبل أفراد الجيل الجديد من العمال الريفيين العمل نادلين ونادلات في المطاعم، فهم يرون أنها مهنة شاقة عائدها قليل.

لم تعد فتيات الجيل الثاني من العمال الريفيين يقبلن على العمل في الخدمة المنزلية، وإذا قبلن فإنهن يضعن شروطا عديدة، ومنها ألا يزيد وقت العمل عن 12 ساعة يوميا، ولا تقل أيام الراحة عن 4 أيام كل شهر، ولا يقل الراتب الشهري عن 1500 يوان. في بكين حاليا، يصل راتب راعية طفل في فترة نفاس الأم إلى خمسة آلاف يوان شهريا وتحصل منظفة المنزل على 12 يوانا مقابل كل ساعة عمل ومع ذلك هناك نقص في هذا النوع من العاملات. قالت تشانغ تشيان رو: "لقد رعانا أبوانا في طفولتنا، ولا نريد أن نكون خدما لآخرين، ثم أننا لا نعرف هذا العمل جيدا." صار أفراد الجيل الثاني ينظرون إلى المكانة الاجتماعية والراتب، ولأن الخدمة المنزلية مهنة متدنية اجتماعيا حسب المفهوم التقليدي الصيني لا تقبل عليها العاملات الريفيات من الجيل الثاني.

 

حيرة وتردد

بعد قدومها إلى بكين، غيرت تشانغ تشيان رو عاداتها تدريجيا وأخذت تتصرف مثل أهل المدن، لكنها تشعر أحيانا بأنها تغير عاداتها مضطرة وليس بإرادتها.

في الحقيقة، لا تحبذ تشانغ تشيان رو أن تعيش في بكين، وتتساءل: "لماذا يغبطني أصدقائي على عملي في بكين؟ أعتقد أن الحياة في الريف أكثر سعادة. لا أدري، ما إذا كان هذا بسبب إيقاع الحياة السريع في المدينة أم لكثرة الأثرياء بها؟"

بكين مدينة جميلة، ولكن سعر الشقة العادية بها يجاوز مليون يوان، ولهذا تشعر تشانغ تشيان رو بالفارق الطبقي. رغم أنها تبذل جهودا كبيرة في عملها، لكن العائد قليل. تقول: "غيرت المدينة عادات حياتي. لم أعد أستطيع العودة إلى الريف، ولكنني لا أتحمل أيضا أن أمكث في المدينة وقتا طويلا. أشعر بالحيرة والتردد."

حسب نتيجة دراسة استقصائية، يفضل 9ر55% من أفراد الجيل الجديد من العمال الريفيين البقاء في المدن عن طريق مواصلة العمل، ويرى 1ر74% منهم أن بوسعهم توفير ثمن شقة بسعر أقل من ثلاثة آلاف يوان للمتر المربع الواحد، ويعتقد 9ر6% منهم أنهم يستطيعون شراء شقة بسعر أكثر من أربعة آلاف يوان للمتر المربع الواحد. لكن الحقيقة المرة هي أن سعر المتر المربع الواحد في العقارات السكنية يتجاوز كثيرا ثلاثة آلاف يوان في معظم المدن الصينية، باستثناء بعض محافظات منطقتي وسط وغربي الصين، ما يعني أن 10% أو أقل من أفراد الجيل الثاني للعمال الريفيين يمكنهم أن يستقروا في المدن الكبيرة.

يواجه أفراد الجيل الثاني للعمال الريفيين مشاكل أخرى غير مشكلة شراء المسكن، فهم لا يحصلون على الكثير من الحقوق المادية والمعنوية والضمانات التي يحصل عليها أبناء المدن.

تجذب بكين، كونها العاصمة السياسية والثقافية للصين، الآلاف من العمال الريفيين، وقد حقق بعضهم نجاحا فيها، وحفز هذا النجاح الكثير من العمال الريفيين القادمين إليها على العمل والاجتهاد. تفتح المدينة أحضانها لاستقبال القادمين إليها من الريف، ولكنهم سيواجهون العديد من الصعوبات، وسيكون البقاء للأصلح.

تشانغ تشيان رو

عامل فلاح في بلدته يحتفل بعيد الربيع

تشانغ تشيان رو مع أبويها أمام مصنع الملابس المملوك لأسرتها