معونات الصين الخارجية غير المشروطة تضاف لرصيدها الدولي

 

بانغ تشونغ ينغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رنمين الصينية

 

حثت الولايات المتحدة الأمريكية الصين، عبر قنوات متعددة، بأن "تتحمل مسئوليتها" تجاه أعمال الإغاثة لباكستان التي ضربتها كارثة الفيضانات. هذا "الحث" الأمريكي أثار تساؤلا داخل الصين حول طبيعة المعونات التي تقدمها الصين للخارج.

مع ارتفاع مكانة الصين الاقتصادية في العالم، صارت الدول النامية، خاصة الدول الأقل نموا والدول غير الساحلية ودول الجزر الصغيرة، تعلق آمالا وتوقعات عالية على الصين في تلقي المعونات، كما أن منظمات اقتصادية دولية، بما فيها البنك الدولي، أعربت عن رغبتها في إقامة شراكة وثيقة مع الصين، لتعزيز التنمية المشتركة في كافة دول العالم. أما الدول الغربية، التي ظلت لفترة طويلة القوة الرئيسية لتقديم المعونات للدول النامية، فتمارس تارة الضغوط على الصين لإجبارها على تحمل مسئولية أكبر وتعزيز التنسيق معها في أعمال الإغاثة الدولية، وتارة أخرى، تنتقد المعونات الصينية للخارج بل وتثير علامات الاستفهام حولها.

بيد أن الصين ماضية في طريقها لتوطيد الإنجازات المرموقة التي حققتها خلال ستة عقود منذ تأسيسها في سنة 1949، والتي جعلتها نموذجا ناجحا للدول النامية. إن المعونات التي تقدمها الصين للخارج هي معونات ودية من دولة نامية صديقة إلى دول نامية صديقة أخرى.

في كلمته يوم الثالث عشر من أغسطس سنة 2010، حول المعونات الصينية الخارجية، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو أن مبدأ الصين في أعمال الإغاثة الدولية هو تقديم المعونات على قدر استطاعتها، وبأقصى مدى ممكن. ونحن نعتقد أن هذا المبدأ ينبغي أن يكون مبدأ محوريا لإصلاح وتحسين المعونات الصينية الخارجية، ولكن من الضروري فهم هذا المبدأ بشكل صحيح وسليم.

   ليس المقصود بهذا المبدأ أن تنأى الصين بنفسها عن الأخلاقيات والمسؤوليات الدولية، وإنما ترسيخ سياسة عملية حكيمة. متوسط دخل الفرد في الصين من أقل معدلات دخل الفرد في العالم، ومازال في الصين تقريبا 130 مليونا من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر حسب المعيار الدولي. ومع ذلك، الصين أكبر دولة نامية مانحة للمعونات، ولا يمكن إنكار المساهمات التي تقدمها الصين للتنمية العالمية وعمليات الإغاثة الإنسانية.

الصين دولة مسؤولة في المجتمع الدولي، وتشاطر العالم في سرائه وضرائه. وعلى هذا الأساس، كانت جهود الإغاثة التي قدمتها الصين، حكومة وشعبا، لهايتي التي ضربها الزلزال وباكستان التي اجتاحتها الفيضانات وروسيا التي أضرمت الحرائق النار فيها.

إن مصداقية المبدأ تتجسد في التنفيذ الحقيقي له. وتسعى الصين دوما إلى أن تكون معوناتها مفيدة وسريعة وفعالة، وتولي اهتماما بالغا لفعالية الإغاثة ومدى تنفيذها، في وقت مازالت بعض التجمعات الدولية المتعددة الأطراف، مثل مجموعة الدول الثماني الصناعية، عاجزة عن الوفاء بوعودها وتعهداتها بمساعدة أفريقيا.

إن الصين تسلك طريق تنمية سلمية ذات خصائص ومبادئ مختلفة عن الدول الغربية، كما تنتهج نموذج وآليات مساعدات خارجية تختلف عن الدول الغربية. وتواظب الصين على فحص واختبار قدراتها على تقديم المعونات الخارجية، فتعدل أساليبها وآلياتها وفقا لظروف تطورها الداخلي وحسب التغيرات التي يشهدها العالم. ولا غرو أن الصين تواجه صعوبات جمة في مجال تقديم  معونات الإغاثة للدول الأخرى، وذلك يتطلب منها جرأة في الابتكار ومواجهة المستقبل، ويتطلب تحديد استراتيجية تنمية جديدة للمعونات الخارجية.

تعزيز القوة الذاتية

 القوة هنا يمكن أن تعني القوة الحقيقية الصلبة، ويمكن أيضا أن تعني القوة اللينة المجردة. فإذا شحت الموارد المادية يمكننا أن نلجأ إلى الموارد المعنوية، مثل التعاطف والمشاعر الإنسانية تجاه الدول النامية، وتحمل المسئولية تجاه المجتمع الدولي، وتبادل خبرات التنمية والتخلص من الفقر والتعاون مع البنك الدولي وغيره من المنظمات الدولية. على سبيل المثال، لا تقدم الصين المعونات فقط، وإنما تبتكر آليات توفر فرصا للتجارة بينها وبين الدول التي تحتاج المعونات، وهي بذلك تقدم نموذجا جديدا للمعونات الخارجية.

 قنوات جديدة للمعونات الخارجية

إضافة إلى جهود الحكومة الصينية المركزية، تبذل الحكومات المحلية والمنظمات الشعبية غير الحكومية بالصين جهودا كبيرة في مساعدة البلدان الأجنبية. ويزداد عدد الشباب الصينيين الذين يتطوعون لأعمال الإغاثة والمعونات الخارجية. والمنظمات الاجتماعية والأهلية الإنسانية غير الهادفة للربح معين لا ينضب للتنمية والإغاثة الدولية والحملات الإنسانية ومساعدة المناطق المنكوبة.

في القرن الحادي والعشرين، صار الوضع العالمي أكثر تعقدا وصعوبة. وبات مستقبل الصين مرهونا بالتصدي الناجح للتحديات العالمية. إن الصين لا تستطيع بمفردها إنقاذ العالم، ولكن دورها وتعاونها مع دول العالم الأخرى لا غنى عنه. نساعد مَن يواجه المحن، ونتعاون يدا بيد من أجل التنمية المشتركة، ونقف كتفا إلى كتف مع كل شعوب العالم. في السنوات الثلاثين الماضية، تلقت الصين، كدولة نامية، معونات من الأمم المتحدة ومن منظمات اقتصادية دولية، ودول أعضاء بمنظمات التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. ورغم أن الصين مازالت في مرحلة التنمية الأولية، إلا أنها حريصة على رد الجميل بالجميل، حتى تنشأ علاقات دولية تكاملية تعتمد فيها الدول على بعضها البعض، وتشد أزر بعضها البعض.

المعونات الخارجية والعلاقات الدولية

تستفيد الصين من خبرات ونماذج الإغاثة للدول الأخرى، وتقوم بالتنسيق مع الأطراف المانحة للمعونات. تقدم الصين رئيسيا المعونات من طرف واحد، ولكن ينبغي أن يتعزز دورها  في جهود الإغاثة المتعددة الأطراف. أما الضغط الذي يُمارس على الصين بشأن المعونات الخارجية، فيمكن النظر إليه من زاوية موضوعية تحمل مغزى إيجابيا إلى حد ما، ولا ينبغي للانتقادات أن تجبر الصين على تقديم معونات تفوق قدراتها. علينا أن نبذل الجهود لنيل المكانة والتمثيل والحضور المناسب في المجتمع الدولي، بما يمكننا من دحض النقد غير الموضوعي للصين. وفي نفس الوقت، علينا الحرص على عدم تعقيد العلاقات بين الصين والدول النامية بسبب الجدل بين الصين والعالم الغربي.

المعونات الخارجية من منظور "الدبلوماسية العامة"

تقديم المساعدات سياسة سائدة لدى كافة الدول في مجال العمل الدبلوماسي، الأمر الذي يمنح قوة داعمة أخلاقية للدول، ويساعدها على مراكمة الرصيد السياسي الدولي لها.

تدريب متطوعين من الشباب الصينيين لمساعدة سيراليون في مدينة شنيانغ يوم 26 أكتوبر سنة 2009

فريق الإنقاذ الصيني في مستشفى ميداني متنقل في مدينة ثاتا بجنوبي باكستان، حيث يقوم طاقم طبي مكون من 36 فردا بعلاج ورعاية المصابين