العلاقات الصينية الأمريكية في 2010
جين ري

عادت العلاقات الصينية الأمريكية إلى واجهة الأحداث في الفترة لأخيرة، بعد سلسلة من الخلافات في جملة من القضايا، وفي مقدمتها مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان، واستقبال الرئيس باراك أوباما للدالاي لاما، وتدخل الحكومة الأمريكية في خلاف جوجل مع الصين.
الحقيقة أن المسؤولين الأمريكيين، من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، إلى وزير الخزانة تيموثي غيثنر، كلهم جاءوا إلى الصين واحدا بعد الآخر سنة 2009، وكلهم دافعوا عن التعاون والصداقة الصينية الأمريكية، ووضعوا جانبا الاختلافات حول تايوان، التبت، حقوق الإنسان وسياسات النقد الصينية وذلك من أجل مكافحة الأزمة الاقتصادية العالمية. وارتقت الزيارة الناجحة للرئيس أوباما إلى الصين بالعلاقات إلى مستوى جديد. وقد تعهد السيد أوباما بأن الولايات المتحدة ترحب بأن تلعب الصين دورا أكبر في المحافل الدولية. وكانت مجموعة الاثنتين أو (G2) الكلمة الأكثر سخونة سنة 2009.
ولكن، في عيون المحافظين الأمريكيين، لم تثمر سياسة "الحمائم" لأوباما، والدليل هو رفض الصين دعوات إعادة تقييم سعر عملتها ورفض تبني اتفاقية إلزامية لتغير المناخ في كوبنهاغن ووقوفها بحزم ضد فرض عقوبات مشددة على إيران. وقد قال مايك غرين، وهو مسؤول سابق في إدارة جورج بوش: "أخطأت إدارة أوباما بالمبالغة في اعتمادها على بكين، مما جعل الصين //المملكة الوسطى// والولايات المتحدة //الدولة التابعة// التي تطلب المساعدة."
يبدو أن أوباما يسعى إلى "تصحيح" غلطته في السنة الجديدة.
في الأسبوع الأول من يناير سنة 2010، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن بيع صواريخ دفاع جوي متقدمة من طراز باتريوت لتايوان،على الرغم من المعارضة والتحذيرات الشديدة من جانب بكين. وفي التاسع والعشرين من يناير أخطرت إدارة أوباما الكونغرس رسميا باقتراحه بيع أسلحة قيمتها 4ر6 مليار دولار أمريكي. إضافة إلى ذلك، جاء إعلان السيدة كلينتون في الخامس من فبراير أن السيد أوباما سوف يلتقي مع الدالاي لاما، مثيرا لمزيد من غضب الحكومة الصينية والشعب الصيني.
لقد تقدم نائب وزير الخارجية الصيني خه يا في، يوم 30 يناير، باحتجاج شديد اللهجة إلى جون هانتسمان، السفير الأمريكي لدى الصين، بعد أن أخطر البنتاغون الكونجرس الأمريكي بمبيعات الأسلحة المقترحة لتايوان. وأشار السيد خه إلى أن الولايات المتحدة تجاهلت الاحتجاجات الصينية وأصدرت القرار الخاطئ المتعلق بمبيعات الأسلحة لتايوان، والذي يخالف البيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة. وقال خه يا في إن قرار الولايات المتحدة يمثل تدخلا سافرا في الشؤون الصينية الداخلية، ويشكل خطرا جديا على الأمن القومي الصيني ويضر بجهود إعادة التوحيد السلمي للصين، مؤكدا أن خطة الولايات المتحدة ستقوض العلاقات الصينية الأمريكية لا محالة وستأتي بآثار سلبية خطيرة على التبادلات والتعاون في مختلف المجالات بين البلدين وستؤدي إلى عواقب لا يرغب بها الجانبان. وحث خه يا في الجانب الأمريكي على ضرورة الإدراك الكامل لخطورة هذه المسألة، وإلغاء القرار الخاطئ المتعلق بمبيعات الأسلحة لتايوان ووقف بيع السلاح للجزيرة.
لقد أبدى العديد من مستخدمي الإنترنت الصينيين معارضتهم الشديدة لقرار واشنطن ببيع أسلحة لتايوان، وعبروا عن تأييدهم القوي للحكومة الصينية، بل إن بعضهم اقترح اتخاذ تدابير مضادة ضد واشنطن. وتعليقا على ذلك، قال يوان بنغ، مدير الدراسات الأمريكية بالمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، إن الردود الأحادية على الإنترنت من جانب مستخدمي الإنترنت الصينيين تبين أن تسامحهم وصل حده الأقصى مع شعورهم بأن قوة الصين تزداد.
لقد تغير الزمن، ولكن أولئك السياسيين الذين تحركهم الإيديولجية والذين يهاجمون الصين في الولايات المتحدة، لم يدركوا بعد أن الأرض قد تحولت من تحتهم. مازالوا يصرون على المضي في مقابلة الدالاي لاما، كطقس صراخ وترويج لما يعتقدون أنها "المبادئ الديمقراطية الجوهرية". إن السياسة الأمريكية الطويلة الأمد في التأييد والدعم العيني للدالاي لاما نابعة من عقلية الحرب الباردة، والتي تستلزم من واشنطن توظيف كل السبل لاحتواء ما تظن أنها تهديدات من الصين الشيوعية. لقد كشفت وثائق الاستخبارات الأمريكية المعلن عنها أنه في معظم سنوات ستينيات القرن العشرين، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقدم لحركة التبت في المنفي 7ر1 مليون دولار أمريكي سنويا للقيام بعلميات ضد الصين، ويشمل ذلك معونة سنوية للدالاي لاما قدرها 180 ألف دولار أمريكي.
لقد أعربت الصين عن رفضها لهذا اللقاءن فقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ما تشاو شيوى، بأن الصين ترفض عقد هذا اللقاء تحت أي ذريعة أو بأي شكل، مشيرا إلى أن الرئيس الصيني هو جين تاو نفسه حث أوباما خلال لقائهما في بكين في نوفمبر العام الماضي على عدم استقبال الدالاى لاما. وقال ما تشاو شيوي إن الولايات المتحدة ينبغي أن تدرك الحساسية الكبيرة لقضية التبت حتى تتعامل بحكمة وبشكل مناسب مع المسائل ذات الصلة وتتفادى إحداث مزيد من الضرر في العلاقات الصينية الأمريكية. وقال ما تشاو شيوى: "إن بعض القادة الغربيين يريدون أن يلعبوا بورقة التبت وأن يجتمعوا بالدالاي لاما، وفي الوقت ذاته يتطلعون إلى الحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية وتجارية جيدة وطبيعية مع الصين وكأن شيئا لم يحدث وهذا أمر يصعب تحقيقه وعليهم إدراك ذلك."
إن مقابلة أوباما للدالاي لاما تعتبر دفعة معنوية للإنفصاليين التبتيين. قد تبدو بأنها عمل رمزي يبين أن الولايات المتحدة تقف على "أرض أخلاقية عالية". ولكنها لن تغير أبدا حقيقة أن التبت كانت ولاتزال وستظل دائما جزءا من الصين.
إن أوباما، وكل أجهزة استخباراته، يعلم طبيعة المقابلة وتداعياتها. سيكون مؤسفا إذا قرر أوباما مواصلة لعب هذه اللعبة السياسية القديمة البالية والتي ليست في مصلحة الولايات المتحدة، وإنما فقط تزيد الغضب بين الصينيين. إن أوباما، كونه رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم، من حقه أن يقابل من يشاء في أي وقت على تراب بلاده، ولكن فقط لا تلونوا هذه المهزلة بلون أخلاقي، إننا نسمي ذلك الجرأة في العار.
حرية الإنترنت صارت مصدرا آخر للتوتر بين البلدين. بعد إعلان شركة غوغل اعتزامها الانسحاب من الصين، أدلت السيد كلينتون بتصريحات عالية النبرة جاء فيها أن حرية الإنترنت تعتبر دعامة أخرى للسياسة الخارجية الأمريكية، وأبدت معارضتها لرقابة الصين على الإنترنت وهجمات القرصنة التي يُدعى أن منشأها في الصين.
فضلا على ذلك، ظلت الخلافات التجارية تطارد العلاقات الثنائية حتى في "شهر العسل" الصيني الأمريكي. ففي الرابع من فبراير، حذر وزير التجارة الأمريكي غاري لوك من أن الشركات الأمريكية تواجه الكثير من العقبات عندما تحاول القيام بالأعمال التجارية في الصين، وقد تفقد الاهتمام إذا ارتدت بكين عن الانفتاح وحكم القانون.
إن سنة 2010 هي عام انتخابات الكونغرس الأمريكي، ولن يترد الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، في توجيه الاتهامات لسياسة الصين النقدية، سياستها الموجهة للتصدير، وسجلها في حقوق الإنسان،الخ.
ستكون العلاقات الصينية الأمريكية معقدة وصعبة خلال 2010، على الرغم مما بين الدولتين المتنافستين من مصالح ضخمة. ينبغي على إدارة أوباما أن تمارس الحكمة السياسية كي تضع العلاقات الصينية الأمريكية على المسار الصحيح.