محتويات العدد 9 سبتمبر (أيلول)  2003 

((تاريخ العلاقات الصينية العربية))

تأليف: قوه ينغ ده
ترجمة: تشانغ جيا مين

(بقية الباب الرابع)ب

ولما دخلت الصين في عهد يوان، أرسل هولاكو فلكيا مسلما يدعى جمال الدين من مدينة مراغة إلى الصين للعمل فيها. فأحضر الرجل معه ((جامع المبادئ والغايات)) للفلكي العربي على أبو حسن المراكشي، ولعل جمال الدين هذا هو جمال الدين بن محمد النجاري. وفي العام الرابع من فترة تشي يوان (1267) تقدم جمال الدين إلى بلاط يوان بـ ((التقويم الدائم)) المعتمد على التقويم العربي. فعمل به فترة من الزمن بأمر من الإمبراطور شي تسو – يوان. وفي العام نفسه أنشأ جمال الدين مرصدا في بكين، وصنع سبعة أنواع من الأجهزة الفلكية العربية وهي كما يلي: الأجهزة الفلكية

1)    ذات الحلق

2)       ذات السموت

3)       لحمة المعوج

4)       لحمة المستوى

5)       كرة السماء

6)       كرة الأرض

7)       الأسطرلاب

غير أن أسماء هذه الأجهزة لم ترد في ((تاريخ يوان – سجل الفلكيات)) مكتوبة بالمقاطع الصينية المقاربة إلى الألفاظ المقابلة لها في اللغة العربية تماما، لأنها في الوقت نفسه مثلت الصياغة الفارسية والطريقة الفارسية في النطق أيضا. الأجهزة الفلكية

وهذه المصادر والأجهزة الفلكية العربية قد ساعدت مساعدة فعالة على صنع الأجهزة الفلكية والرصد الفلكي ووضع التقاويم في الصين. وإنما على أساس صناعة الأجهزة الفلكية السابقة استطاع قوه شو جينغ (1231- 1316) الفلكي الصيني الشهير أن يبتكر جهاز الرصد المبسط وغيره من الأجهزة الفلكية الجديدة في العام الثالث عشر من فترة تشي يوان (1276). وأفاد ((تاريخ يوان الجديد)) بأن الأجهزة التي أوجدها قوه شو جينغ قد عملت في المراصد مدة مائة سنة، وفاقت جميع ما تقدمها في العصور الماضية من الأجهزة المماثلة لدقة عملها (1). وكان "جهاز الرصد المبسط" الذي يجمع بين الدقة والكمال والبساطة قد ظهر قبل الجهاز الاستوائي المماثل له الذي صنعه الفلكي الدانمركي تيكو براهي (Brahe,Tycho ،1546- 1601) بثلاثة قرون (2). الأجهزة الفلكية

إن للتقويم العربي فضلا عظيما في تحسين التقويم الصيني. فالتقويم الذي أوجده قوه شو جينغ قد استوعب كل ما حققه علماء الفلك السابقون من نجاحات. وقد مضت عليه ثلاثة أو أربعة قرون ابتداء من عهد يوان وانتهاء بعهد مينغ دون أن يلاحظ فيه أي خطأ. و"لم يكن هناك أي تقويم أدق منه قبل تبني التقويم الأفرنجي." (3) أما عبارة "استوعب كل ما حققه علماء الفلك السابقون من نجاحات "فتعني الاقتباس من مزايا التقاويم السابقة، بما فيها منجزات التقاويم الصينية، وصفوة التقاويم العربية، فقد جاء ((تقويم التوقيت)) اقتباسا من الزيج الكبير الحاكمي لابن يونس (توفي عام 1009) أكبر علماء الفلك في أيام الفاطميين (909- 1171). وبالرغم من أن الصين استخدمت تقويم التوقيت في عهد يوان، واستخدمت ما يسمى بالزيج العام الكبير في عهد مينغ، فقد ظل التقويم العربي يتمتع بمكانة عالية في هذين العهدين، إذ أنشأت أسرة يوان "هيئة الأرصاد الفلكية الإسلامية" التي تتولى الأرصاد الفلكية والحسابات التقويمية في البلاد" (4). وكانت، شأنها شأن هيئة الأرصاد الفلكية في عموم البلاد، تشغل الدرجة الرابعة من سلم الإدارات الإمبراطورية، ثم ارتقت إلى الدرجة الثالثة لفترة من الزمن مما دل على علو مكانتها. ولما دخلت الصين في عهد مينغ حظي التقويم العربي باهتمام الدولة المستمر. ففي العام الأول من فترة هونغ وو (1368) أنشأت الحكومة الصينية هيئة الأرصاد الفلكية الإسلامية. وفي العام التالي دعت أحد عشر موظفا، ومنهم تشنغ على من مرصد هوي هوي الذي تم إنشاؤه في عهد يوان، والذي لم يلبث أن رقي إلى هيئة الأرصاد الفلكية، إلى نانجينغ لمناقشة مشكلة التقويم. وفي العام الثالث من فترة هونغ وو (1370) "حولت الحكومة هيئة الأرصاد الفلكية إلى هيئة أرصاد فلكية إمبراطورية، وعينت لها رئيسا، وكانت تنقسم إلى أربعة أقسام: قسم الفلكيات، وقسم الساعة المائية وقسم التقويم العام الكبير، وقسم التقويم الهجري. وفي العام الخامس عشر، كلفت العلامة وو بوه تسونغ وزملاءه بترجمة كتب عن التقويم الهجري وخطوط الطول والعرض وعلم الفلك" (5). وقد ظل التقويم الهجري مستخدما فترة من الزمن في أوائل عهد تشينغ إلى أن ألغي في العام الثامن من عهد كانغ شي (1669). الأجهزة الفلكية

وبما أن الرياضيات هي أساس علم الفلك، فقد انتقلت الرياضيات العربية مع علم الفلك العربي إلى الصين في آن واحد. ويرجح أن المثلثات القوسية التي بادر قوه شو جينغ إلى استخدامها في عهد يوان قد نقلت من بلاد العرب أيضا. وقد ذكر في مادة كتب هوي هوي من ((سجل ديوان وثائق يوان)) سبعة عشر جزءا من علم الهندسة وثمانية أجزاء من المسائل الحسابية وغيرها من كتب الرياضيات العربية. الأجهزة الفلكية

الطب والصيدلة الأجهزة الفلكية

إن العقاقير الطبية العربية بما فيها اللبان ودم الأخوين والصبار والمر والميعة والحلبة والقرنفل والزراوند والحلتيت والإهليلج واللؤلؤ وكافور بورنيو وما إلى ذلك من العقاقير العربية قد استخدمت في أوساط الطب والصيدلة في الصين على نطاق واسع، وبعض أسمائها لا يزال باقيا في اللغة الصينية كما هو في اللغة العربية تقريبا، مثل (muyao) (دواء مر) و(Huluba) (الحلبة) و(Helile) (الإهليلج)..الخ. وتظل الأبخرة العربية تحتل مكانة هامة بين العقاقير الطيبة الصينية، وقد ورد في وثائق سونغ أن عدد الحبيبات والكريات والمساحيق من مصنعات اللبان بين الأدوية الصينية الجاهزة يبلغ اثني عشر نوعا، وعدد الطبخات من مركبات الزراوند والكريات من مصنعاته يبلغ ستة أنواع، وعدد الكريات والمساحيق من مصنعات المر يبلغ سبعة أنواع. وبعد عهد سونغ شهدت الأبخرة العربية استخدامات أوسع من ذي قبل. الأجهزة الفلكية

لقي الطب العربي والصيدلة العربية إقبالا عظيما من أهل الصين، وقد ورد في مصادر الطب في عهد سونغ قول بأن مسحوق الزراوند له قوة سحرية في شفاء الأمراض، وأن كريات الميعة لها قدرة على تنظيم النشاط الحيوي لدى المرضى من جديد أو شفائهم من تف الدم ، حتى تعيد المشرف على الموت منهم إلى كامل صحته. وكانت العملية الجراحية العربية في عهد يوان تتمتع بشهرة عظيمة جدا داخل الصين، فقد ظلت ألسنة العامة تتناقل الحكايات عن القدرة السحرية لدى بعض الأطباء المسلمين في الصين في علاج الصداع باستخراج "السرطان (السلطعون) الصغير" من الجمجمة، أو في شفاء الفرس من تضخم البطن باستئصال النسيج المتصلب من فخذه (6). الأجهزة الفلكية

كانت سلطة يوان الإمبراطورية تهتم بالطب العربي والصيدلة العربية، فأنشأت في المستشفى الإمبراطوري المؤسسة الخيرية العامة التي "تعني بالعقاقير الطيبة العربية ومصنعاتها التي كانت الأسرة الإمبراطورية تداوي بها المرضي من الحرس المسنين والمساكين في العاصمة" (7)، ثم الحقت بها دار الأدوية الإسلامية في دادو – العاصمة الكبرى (بكين اليوم) ودار الأدوية الإسلامية في شانغدو – العاصمة العليا (خراخوروم اليوم) لتتوليا شؤون الأدوية الخاصة بالمسلمين في الصين. وفي الوقت نفسه حفظت السلطة الإمبراطورية بعض المصادر الطبية التي نقلت من بلاد العرب. فقد ذكر في مادة كتب هوي هوي من ((سجل ديوان وثائق يوان)) كتاب بعنوان ((Tuibi Yijing)) (من ثلاثة عشر جزءا)، أي "كتاب الطب"، ولفظة "Tuibi" تحريف للفظة "الطب" العربية. الأجهزة الفلكية

وقد ورد الكثير من الأدوية أو العقاقير العربية في كتاب ((وصفات هوي هوي)) الذي تم تأليفه في عهد مينغ، والنسخة المخطوطة الناقصة من هذا الكتاب لا تزال محفوظة في مكتبة بكين إلى الآن. الأجهزة الفلكية

وبانتقال الطب العربي والصيدلة العربية إلى الصين صار التراث الصيني في الطب التقليدي والصيدلة التقليدية أغنى من ذي قبل. وقد ذكر لي شي تشنغ علامة الطب التقليدي الصيني في عهد مينغ الكثير من الأدوية العربية وطرق المداواة العربية في عمله ((الخلاصة الوافية من العقاقير الشافية)). فورد فيه مثلا أن زيت الميعة من انتاج دولة داشي، ورائحته مماثلة لنبات يسمى (Dunuxiang)، وأن الشيوخ التازيان يزعمون أن الإنسان إذا حمل معه الإهليلج يشفي من كل الأمراض، وأن البلح مغذ ويزيد سيماء الوجه بهاء. الأجهزة الفلكية

طريقة تكرير السكر الأجهزة الفلكية

لما دخلت الصين في زمن الأسر الإمبراطورية الست (220- 589)، بدأت تصفي السكر من عصير قصب السكر. وفي أواسط القرن السابع أرسل الإمبراطور تاي تسونغ – تانغ رجالا إلى (Magadha) في الهند حيث تعلموا فن استخلاص السكر بطريق الغلي. ولما عادوا إلى البلاد استطاعوا أن ينتجوا سكرا أجود مما ينتج في المناطق الغربية من حيث اللون والمذاق (8). فبدا من ذلك أن الصين قد تمكنت من رفع فن تصفية السكر إلى مستوى أعلى. وقد ورد في ((رحلة ماركو بولو)) أن سكان (Unguen) في فوكيان (9) كانوا قبل سيطرة سلطة يوان عليهم لا يعرفون كيفية تصفية السكر، وإنما يكثفون عصير قصب السكر بطريقة الغلي، ويزيلون الأوساخ منه، حتى إذا برد حصلوا على قطع السكر ذات اللون الأسمر. ولما خضعوا لحكم يوان، أرسلت السلطة المركزية إليهم رجالا من "بابل" (10) يتقنون فن تكرير السكر ليعلموهم كيفية تصفية السكر باستخدام الرماد النباتي المحتوي على الصودا التي من شأنها أن تبيض السكر الأسمر. وجدير بالذكر أن السكر الأبيض حينذاك لم يكن أبيض كما هو عليه اليوم، وإنما يبدو أبيض نسبيا (11). وقال ابن بطوطة: "ببلاد الصين السكر الكثير، مما يضاهي المصرى، بل يفضله" (12). لقد شهدت الصين تطورا عظيما في تكرير السكر في غضون ثمانين سنة. وكانت متخلفة في هذا المجال غير أنها سرعان ما فاقت الدول الأخرى وصارت دولة متقدمة فيه. الأجهزة الفلكية

الأجهزة الفلكية(البقية في العدد القادم)  الأجهزة الفلكية           

ملاحظات: الأجهزة الفلكية

(1)  ((تاريخ يوان الجديد))، جـ 41. الأجهزة الفلكية

(2)   راجع شي تسه تسونغ: ((ذات الحلق وجهاز الرصد المبسط – منجزات الصين في العصور القديمة في صناعة أجهزة الرصد الفلكي))، ضمن ((منجزات الصين في العصور القديمة في ميدان العلوم والتقنية))، دار شباب الصين للنشر، عام 1978. الأجهزة الفلكية

(3)       ((تعدد التقاويم))، أ. الأجهزة الفلكية

(4)       ((تاريخ يوان – سجل الوظائف)) جـ 73. الأجهزة الفلكية

(5)       ((الوقائع الكبرى في عهد مينغ))، جـ 73. الأجهزة الفلكية

(6)       تاو تسونغ يي: ((سجل التوقف عن الزراعة))، جـ 22، مادة الفن النادر من المناطق الغربية. الأجهزة الفلكية

(7)       ((تاريخ يوان – سجل الوظائف))، مادة المستشفى الإمبراطوري. الأجهزة الفلكية

(8)       ((كتاب تانغ الجديد – سجل المناطق الغربية))، مادة (Magadha). الأجهزة الفلكية

(9)       يرجح فنغ تشنغ جيون أن (Unguen) هي يوشي حاليا. الأجهزة الفلكية

(10) يرى بعض العلماء أن بابل هنا يقصد بها بغداد، ويرى بعضهم الآخر أنها القاهرة، ولعل القاهرة هي القول الأرجح. الأجهزة الفلكية

(11) راجع جي شيان لين: ((مشكلة Cini)) وهي ورادة في ((محاضرات حول الحضارات الشرقية))، دار هوانغشان، عام 1988، ص 11- 20، و((رحلة ماركو بولو)) الطبعة الصينية، جـ 2، باب 80. الأجهزة الفلكية

(12)    ((رحلة ابن بطوطة))، جـ 2، ص 246. الأجهزة الفلكية

 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

كلنا شرق
Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.