محتويات العدد 5 مايو (آيار) 2003

مهرجان الجنادرية الثقافي.. رؤية صينية

بقلم : محمود يوسف ( لي هوا ين)

يظل مهرجان الجنادرية الثقافي السعودي مهوى أفئدة الزوار ! فلقد سبق لعدد من العلماء الصينيين أن حضروا هذه المناسبة البهيجة في السنوات الماضية. ولكن المهرجان لم يكن معروفا في الصين كما يجب بسبب مرور 18 سنة فقط على تطوره من سباق الهجن الفروسي إلى وضعه الحالي. أما في غضون السنوات المنصرمة فقد بلغ شأوا جديدا بفضل حظوته بالاهتمام التام من قبل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز/ ولي العهد السعودي. هذا وقد تشرفنا نحن الثلاثة ( أنا والدكتور تشو ليه نائب رئيس جامعة بكين للغات الأجنبية والسيد هان هاي تشاو رئيس تحرير مجلة الفتح ) بحضور مهرجان الجنادرية الثقافي السعودي الثامن عشر الحافل من 8 إلى 16 يناير من السنة الجارية تلبية للدعوة الموجهة إلينا. الثقافي السعودي

يهدف مهرجان الجنادرية إلى إنعاش الحضارة العربية الإسلامية. وقد سمي بذلك لنشوئه في قرية تحمل نفس الاسم في ضاحية الرياض الشمالية الشرقية. ولو حضرت هذا المهرجان لوجدت نفسك في نشوة من السرور بفعالياته سواء كنت ترى سباق الفرسان المرتدين للأزياء المبرقشة في مضمار السباق وهم يعدون على ظهور الهجن، أم كنت تذوب في سيول من الزوار المتدفقين إلى القرية التراثية المتميزة بالسمات المحلية القوية لكي تشاهد كيف يصنع الحرفيون المهرة الأواني المعدنية والفخارية والخشبية الجميلة للبيع ميدانيا أو تتجول في سوق الكتب الممتعة للناظرين لشراء ما يحلو لك من الكتب.. أو تذهب إلى المسارح العصرية للتمتع بالأغاني و الرقصات البدوية الأصيلة..أو تدلف إلى المعارض ذات المسحة القديمة للتفرج على المعروضات الفنية الفولكلورية المشوقة .. أو تتوقف في المقهى الشرقاوي المجهز بسعف النخيل لتذوق القهوة برائحة الحبق الحساوي..الخ. فجاز لي القول بأن هذا المهرجان الثقافي الجامع للحضارات القديمة والحديثة لا يعطي الزوار متعة فنية فحسب بل يحدث شعورا في نفوسهم بأنهم قد عادوا إلى عالم مما ورد وصفه في " ألف ليلة وليلة ". الثقافي السعودي

وأرجح الظن هو أن عدد زوار المهرجان في السنوات الأولى من ظهوره إلى حيز الوجود ليس كثيرا لقلة محتوياته آنذاك. ولكنه صار مقصد المزيد والمزيد من الرواد ومحط وقفاتهم بمحتوياته المتزايدة عبر تطوره على مدى اكثر من عشر سنوات. فارتفع عدد المترددين عليه إلى اكثر من 100 ألف زائر يوميا في السنوات القليلة الماضية. الثقافي السعودي

و قد اتخذت المملكة العربية السعودية مهرجان الجنادرية منبرا علميا دوليا للتباحث في مسائل النقاط الساخنة. معنى ذلك أن المهرجان ليس لأبناء المملكة فحسب و إنما لعلماء الأمة العربية والإسلامية والدول الأخرى أيضا ومن ضمن المدعوين إليه مسلمون وغير مسلمين في آن واحد. أما مهرجان الجنادرية هذا العام فقد حضره حوالي 150 من المفكرين والكتاب والشعراء و الأساتذة و كبار الصحافيين بصفتهم ضيوفا للحرس الوطني السعودي ( الوحدة القائمة على المهرجان ) قدموا من اكثر من 20 بلدا ومنها الصين والكويت والبحرين والأردن ولبنان وسورية واليمن وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان وأندونيسيا والهند وباكستان وتركيا واليابان ومنغوليا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأستراليا .. الخ. الثقافي السعودي

و قد زرنا خلال المهرجان المتحف الوطني و

جامعة الملك سعود وغيرهما من المؤسسات الثقافية و التعليمية من الدرجة الأولى. ولكن حضور الندوة العلمية يوميا كان على رأس قائمة فعاليات المهرجان لشدة أهميتها في إنعاش الحضارة العربية الإسلامية. الثقافي السعودي

وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد أقامت علاقات شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة منذ سنة 1945م مبدئيا إلا أن الولايات المتحدة التي تدعي بأنها حارسة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان دائما ما تتهم المملكة العربية السعودية بإتباع الشريعة الإسلامية التي تناقض الديمقراطية بينما المملكة التي عرفت باعتبارها مركزا للعالم الإسلامي لا يمكن لها في أي حال من الأحوال أن تتجاهل هذا النوع من الاتهامات الاستفزازية بلا مبرر انطلاقا من حماية كرامتها وكرامة الإسلام. فقال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بوضوح وصراحة: للمملكة العربية السعودية ديمقراطية خاصة بها تتفق مع الشريعة الإسلامية وبدورها لا تتعارض مع حقوق الإنسان و حرية التعبير. أما الديمقراطية الأمريكية فهي غير صالحة للمملكة. وما إن نشبت حوادث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة حتى سادتها ضجة كبرى ضد المملكة السعودية بسبب هوية أسامة بن لادن فقط. فسرعان ما شنت وسائل الإعلام الأمريكية و أتباعها حملة دعائية ضد الإسلام لم يكن لها مثيل في التاريخ وألصقت التهم الباطلة ضد الدين الحنيف وهي تستنفد كل ما لديها من قدرة على الافتراء. وفي كنف ذلك أختير اسم " هذا هو الإسلام !" محورا رئيسيا للندوة الثامنة عشرة لمهرجان الجنادرية الثقافي السعودي. وذّكر الأمير عبد الله / ولي العهد العلماء الحاضرين بقوله :"إن إبراز حقيقة الإسلام و ما يهدف إليه من خير للبشرية جمعاء والرد على ما يثار حوله من شبهات من قبل دوائر لم تعد خافية على أحد مسؤولية جماعية كبيرة لا يقدر على تحملها إلا المخلصين"  فدعا الجميع إلى إبراز حقيقة الإسلام و مجابهة هجمات الحاقدين على المسلمين بـ " ضبط النفس والحكمة والكلمة الهادفة". وعلى ضوء توجيهات سموه راح العلماء من مختلف الدول يبدون آراءهم للمسائل التالية: " كيف نجابه تحديات الحضارة الغربية ؟" و"موقف الإسلام من الإرهاب" و"مبدأ الجهاد الإسلامي" و"الدور الاجتماعي لـ / أمر الإسلام بالمعروف ونهيه عن المنكر/" و"روح التسامح الإسلامي" و " المصدر الحقيقي للإرهاب" كما تناقشوا بحرارة في المسائل العظيمة التالية :" النضالات التحررية الوطنية و النشاطات الإرهابية" و " العالمية الإسلامية والعولمة الأمريكية" و"حرية المعتقدات الإسلامية وفرض الهيمنة". وكانت وجهات نظرهم إلى المسائل السالفة الذكر متشابهة على اختلاف جنسياتهم و معتقداتهم مما يقدم دليلا على ان كينونة " الشعور المشترك في قلوب الصالحين " قانون موضوعي لا يدعو الى الشك. وبما ان الجميع ظلوا يتمسكون بمبدأ الإسلام حول الإقناع بالحجج ققد جرت الندوة بصورة معقولة ومفيدة ومتزنة وتكللت بالنجاح التام في نهاية المطاف. وانتهازا لهذه الفرصة قدمت إلى الندوة بحثا بعنوان "الإسلام دين حنيف يدعو إلى السلام" آملا في أن يبدي العلماء الحاضرون ملاحظاتهم القيمة لها. الثقافي السعودي

وإضافة إلى ذلك دعينا إلى حضور ندوة صغيرة أقيمت في مزرعة الأستاذ / فهد العبيكان. وما لم يكن في حسباننا هو ان المضيفين أحدثوا موضوعا للحديث عن الصين في هذه المناسبة فرددنا نحن الصينيين على أسئلة الحاضرين عن النقاط المشتركة بين الإسلام والكونفوشية في المجال الأخلاقي، وعن صمود الصين للتأثيرات السلبية للحضارة الغربية وعن انتشار الإسلام واللغة العربية في الصين وعن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية. والطريف هو أن مقولة الدكتور تشو ليه ( غير مسلم ) الداعية إلى ضرورة استعمال الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية القائمة على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية لمعارضة هجمات الفكر الإسلامي الغربي و الحضارة الغربية " أثارت إعجابا لدى الحاضرين إلى درجة ان عددا ليس بالقليل منهم يأملون في أن يسلم في أقرب وقت ممكن . وفيما كان يرد عليهم بـ " إن شاء الله تعالى" ضجت قاعة الندوة بالضحك إعجابا بحسن استعماله هذا التعبير في محله. الثقافي السعودي

 خلال 23 سنة، من سنة 1980 إلى سنة 2003 وطئت قدماي أراضي المملكة العربية السعودية خمس مرات. وقد ذهبت إليها مرتين قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج وتوجهت إليها ثلاث مرات بعد ذلك،  للحج والعمل. وقد أفادتني تجربتي خلال الـ 23 سنة الماضية بأني كلما زرت المملكة مرة انتابني شعور بأن العلاقات بين البلدين شهدت تطورا جديدا كما ورد في المثل الصيني القائل :"كلما تفتحت زهور السمسم مرة ارتفعت ساقه عقدة". ( أي كلما مضت على شئ فترة طرأت عليه تغيرات كبيرة ) الثقافي السعودي

وفي ليل 14 يناير فاجأني الدكتور محمد خالد الفاضل مأمورا حيث ألزمني أن اقدم كلمة تهنئة لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله ولي العهد في مأدبة العشاء المقامة في اليوم التالي، نيابة عن جميع العلماء من مختلف الدول. وقد كنت مترددا في الأمر بعض الشيء ولكن قبلت طلبه هذا بعد أن عرفت في سياق حديثه أن ذلك ليس مجاملة لي فحسب بل هو تجسيد لمحبة المضيفين للصين في حقيقة الأمر. الثقافي السعودي

وما إن دلف صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز/ ولي العهد السعودي في عصر اليوم التالي إلى قاعة الاستقبال في منزله بخطى قوية حتى قام الخبراء والعلماء من مختلف الدول الذين جاءوا إلى هناك مبكرين من مقاعدهم وهم يسلمون عليه بكل احترام . ولما استعادت قاعة الاستقبال هدوءها ألقيت كلمة نيابة عن ضيوف الحرس الوطني ( أي ضيوف المهرجان ) حسب برنامج هذا اللقاء حيث أعربت عن شكر الجميع لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الذي أتاح لنا فرصة المشاركة في المهرجان والتشرف بمقابلته، أولا و قبل كل شئ ثم قلت :" ورد في الأثر" اطلبوا العلم و لو بالصين " وهو أثر يحمل معاني عميقة متمثلة في التشجيع على طلب العلم من أهله في كل مكان ولو كان بعيدا. وإضافة إلى ذلك يشير هذا الأثر إلى عراقة العلاقات الودية بين الأمتين الصينية والعربية العظيمتين. وأشد ما يدعو إلى السرور هو أن العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية قد أصبحت مضرب المثل في العلاقات الدولية و أنها قد دخلت إلى مرحلة جديدة، خاصة بعد زيارة صاحب السمو الملكي للصين سنة 1998 و زيارة صاحب الفخامة السيد جيانغ تسـه مين رئيس جمهوريـة الصين الشعـبية آنذاك للمملكـة سنـة 1999م." وأضـفت قائلا:"ولذلك فان المسلمين و بني وطنهم من غير المسلمين ما زالوا يتذكرون زيارتكم التاريخية و توجيهاتكم لهم وهم سعيدون بذلك ومقدرون كل مواقفكم العظيمة في خدمة المسلمين وإسعاد الإنسانية في كل مكان ". . وأخيرا كررت الشكر والامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله ومعاونيه باسمي واسم ضيوف المهرجان  متمنيا لسموه تمام الصحة والعافية وطول العمر وللمملكة بالازدهار والرخاء وللشعب السعودي السعادة والخير. الثقافي السعودي

وبعد حظوتي بالاستقبال الودي من قبل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله تبادر كثير من الحاضرين إلى مصافحتي تهنئة لنجاحي في إلقاء كلمة التهنئة. ولم يمض على عودتي إلى فندق قصر الرياض سوى وقت قصير حتى كلمني السيد قاو ماي، الصيني الاصل، السعودي الجنسية المقيم في مدينة الطائف و هنأني بنجاحي في القاء الكلمة إذ رآني في التلفيزيون في المساء ذاته. زد على ذلك انه كان هناك عدد ليس بالقليل ممن لا أعرفهم هنأوني بمبادرة منهم. فذات مرة صادفنا نحن الصينيين معالي مدير جامعة الملك عبد الله الفيصل في المصعد الكهربائي فناداني باسمي بلطف. ولم يكتف هذا العلامة المرموق المكانة بذلك بل سره الوقوف معنا أمام الكاميرا للتصوير علما بأن صورتنا التذكارية التي أخذت خلال ذلك قد نشرت في صدارة صحيفة "الجنادرية" بتاريخ 14 يناير. ولقد فاق حسن استقبال الاخوة السعوديين لنا ما كان في حسباننا! الثقافي السعودي

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

المسلمون الصينيون

في هوهيهوت، المسجد الصغير لم يعد صغير! رؤية صينية

مهرجان الجنادرية الثقافي.. رؤية صينية رؤية صينية

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.