محتويات العدد 2 فبراير (شباط) 2004

نظرة مستقبلية على العلاقات المصرية الصينية

 د. محمد نعمان جلال سفر مصر لدي الصين سابقا

العلاقات بين الدول لها خصائص تتسم بها وهي تختلف باختلاف أوضاع الدول وظروفها. ولعل العلاقات المصرية الصينية هي من نمط العلاقات الفريدة بين الدول. ولقد دأبنا في الماضي على التحدث عن عراقتها وعن مبادرات المساندة المتبادلة بين كل من الدولتين ومواقفهما المبدئية من قضايا الطرف الآخر. وعندئذ يكون

إلا أنه في القرن الحادي والعشرين أصبحت الدول تتغير في مواقفها وفي سياساتها وتراجعت المفاهيم التقليدية في السياسة الدولية أو بالأحرى تراجع بعض تلك المفاهيم وبرزت أو تم إعلاء شأن مفاهيم أخرى. وهذا هو التحدي الرئيسي الذي يواجه مخطط السياسة الخارجية لكل دولة، ولكنه تحدي أكبر خطورة في حالة العلاقات المصرية الصينية. ومن هنا تنبع أهمية النظرة المستقبلية لتلك العلاقات. وعندئذ يكون

لقد أصبحت الدول تفكر بمنظور المصلحة الاقتصادية في جذب رؤوس الأموال والسياحة وتعزيز العلاقات التجارية وكذلك اجتذاب التكنولوجيا واكتساب المعرفة وهنا تتعمق معضلة العلاقات المصرية الصينية ذلك لأن أوضاع هاتين الدولتين ربما اختلفت جوهريا مع بداية القرن الحادي والعشرين عنه في القرن العشرين. فالصين انطلقت في معراج التقدم بسرعة فائقة فدخلت عالم الفضاء بإرسال يانغ لي وي كأول رجل فضاء صيني في أواخر عام 2003 فضلا عن انطلاقها في معدلات التنمية وفي اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية وفي حجم تجارتها الخارجية. أما مصر فإنها رغم ما تقوم به من محاولات في معراج التنمية الاقتصادية لم تحقق الانطلاقة المطلوبة أو المرجوة وما تزال تواجه مشاكل مرحلة الإعداد للانطلاق الحقيقي بعكس الصين التي تواجه مشكلة ما بعد مرحلة الانطلاق. كيف إذن يمكن لكل من الدولتين أن تعزز علاقاتها بالأخرى في مثل هذه الحالة. هذه بعض الرؤى ذات الصبغة الفكرية نعرضها كباحث بصفة شخصية. وعندئذ يكون

الفكرة الأولى: أن الصين في مرحلة ما بعد الانطلاق تتوافر لديها رؤوس أموال تبحث عن السوق للاستثمار. ومصر تعد أرضا خصبة لمثل هذا الاستثمار حيث مناخ الاستثمار في تحسن مستمر، وإمكانيات السوق الواعدة كبيرة فضلا عن موقعها المركزي في الإطارين العربي والأفريقي. ومن ثم فإن عائد الاستثمار يكون مضمونا من حيث مردوده المالي ومن حيث تأمين مخاطره في مناخ الاستقرار السياسي المصري. وعندئذ يكون

الفكرة الثانية: أن الصين وهي في مرحلة ما بعد الانطلاق انفتحت على المجتمعات الأخرى للتعرف على ثقافاتها وحضارتها وليس هناك أضخم وأعرق وأكثر ثراء من الحضارة المصرية وهذا يمثل قوة جذب سياحي لمصر للمواطن الصيني. ونفس الشيء بالنسبة للحضارة الصينية في اجتذابها للسائح المصري خاصة والعربي عامة. ففي مرحلة ما بعد 11 سبتمبر أصبحت شعوب المنطقة العربية تنظر شرقا بعد أن كانت نظرتها في معظمها تتجه غربا نحو أوروبا وأمريكا. وهذه فرصة سانحة لعمل أكثر نشاطا وديناميكية، عمل اقتصادي من الدرجة الأولى لجذب الأموال للاستثمار في الصين ولجذب السياحة العربية. ولا ننسى أن هناك أكثر من 800 مليار دولار تمثل حجم الأموال العربية الفائضة والتي تبحث عن سوق للاستثمار، وتواجه مشاكل في الدول الغربية ذات أبعاد سياسية تتصل بردود الفعل منذ 11 سبتمبر. والصين دولة جاذبة للاستثمار وهي أكثر أمنا لاستقرار عملتها بعكس عملات دول غربية أخرى بما في ذلك الدولار الذي يواجه تذبذبا كبيرا يترتب عليها خسائر لا محيد عنها. وعندئذ يكون

ما هو المطلوب إذن من الجانب الصيني في هذه المرحلة. إنه أولا فتح فروع للبنوك الصينية في مصر ودخول سوق البورصة المصرية، وسوق المال المصري. ومن المعروف أن البورصة المصرية هي من البورصات الواعدة وأن اتجاه الخصخصة المصري للشركات يتعزز بصفة دائمة ولقد أدرك ذلك مستثمرون تمتعوا بالجرأة والإقدام من دول أمريكا اللاتينية وعلى وجه الخصوص البرازيل فجاء أحدهم ليشتري مصنعا للإسمنت في محافظة أسيوط منذ عام واستطاع تحويله إلى مؤسسة صناعية ناجحة. وعندئذ يكون

المطلوب ثانيا هو فتح خطوط الاتصالات بخاصة الطيران مع مركز محاور الالتقاء الدولي في خطوط الطيران وهو مطار القاهرة الدولي. ولقد افتتحت شركة مصر للطيران خطها مع الصين عام 2002 ولكن هذا الخط سرعان ما توقف بعد بضعة شهور نتيجة وباء سارس كما يقال إنه تعرض لخسائر ولهذا فهو يتردد في استئناف العمل في هذه المرحلة. وأنا من خبرتي إن هذه الخسائر التي يقال عنها مرجعها ضعف التسويق لمكتب مصر للطيران فضلا عن قلة الصبر. فالعمل الاقتصادي المجدي يحتاج لصبر ولديناميكية في التسويق وكلتا السمتان متوافرتان في رجل وسيدة الأعمال في الصين ولذلك فإن فتح خط طيران بين بكين وشانغهاي القاهرة سيكون أكثر مردودا وأكبر عائدا. وعندئذ يكون

الفكرة الثالثة: أن مصر تطور العديد من صناعاتها ومنها صناعات التكنولوجيا والمعرفة وهناك مجال مفيد للصناعات الإلكترونية وصناعات التكنولوجيا العلمية الصينية. فالمدارس المصرية تتجه للكومبيوتر والشركات والوزارات والحكومة الإلكترونية أصبحت هي المطلب الملح ويولي الرئيس حسنى مبارك شخصيا هذه القضية جل اهتمامه كما برز ذلك في مشاركته في المؤتمر الدولي للاتصالات في جنيف في أوائل ديسمبر 2003. وهذا ميدان خصب لتطوير علاقات البلدين من خلال التجارة وأيضا من خلال إنشاء صناعات صينية في مصر فهناك أكثر من 25 ألف قرية مصرية في كل واحدة منها على الأقل مدرستان، وهذا يمثل سوقا للسلع الإلكترونية الصينية. ولا شك أن إقامة مراكز إنتاج لسلع الكومبيوتر وما يتصل به من تطوير المعرفة سيمثل قاعدة انطلاق لباقي المنطقة العربية وخاصة بالنسبة لمستقبل إعمار العراق أو أعمار الدولة الفلسطينية رغم أن الشواهد السياسية الراهنة قد توحي بوجود عقبات ولكنها عقبات مؤقتة ولن تستطيع القرارات قصيرة النظر لبعض القوى الدولية أن تصمد في وجه حقائق التاريخ وإرادة شعوب المنطقة على التحرر والانطلاق نحو التقدم. ولعل من يطلع على التقرير العربي الثاني للتنمية الإنسانية الصادر في أكتوبر 2003 يلمس تركيزه على المعرفة كأداة للتقدم ولقد ترك ذلك صداه على الحكومات العربية التي أصبحت تولي هذا الموضوع اهتماما كبيرا. وعندئذ يكون

الفكرة الرابعة: أنه من المنطقي أن تسعى كل دولة لتعزيز مكانتها الدولية والصين هي من الدول الحريصة على ذلك لمصالحها الذاتية أولا وتمشيا مع منطق التطور وسياسة الانطلاق والتعاون مع العالم الخارجي ومن هنا ارتباط الدورين السياسي والاقتصادي في العلاقات المستقبلية بين مصر والصين. فمصر هي مفتاح الشرق الأوسط ومفتاح أفريقيا وهي البوابة الخلفية لأوروبا وخاصة جنوبها وسياستها تتسم بالديناميكية بحيث يصعب تجاهلها حتى وإن بدت أحيانا تواجه مأزقا ولقد أخفقت كل المحاولات من دول معينة ذات ثقل في تجاهل مصر ودورها، ومن ثم نجد أن تلك الدول تتراجع وتدرك المنطق السليم النابع من عبقرية الموقع الاستراتيجي المصري ومن ديناميكية السياسة المصرية تجاه هذه المنطقة لهذا لا عجب أن يعود الدور المصري في البحث عن حل لقضية فلسطين أو في البحث عن حل لقضية السودان، وفي إطار السياسة يأتي الاقتصاد فالحركة الآن قوية لإقامة منطقة تجارة حرة كبرى بين الدول العربية ولعدة مشاريع اقتصادية منها مصرف عربي للاستثمار وغير ذلك من المشروعات ذات الأبعاد الاستراتيجية يجري بحثها الآن في القاهرة ليس في إطار مصري، وإنما في إطار عربي لتحويل الجامعة العربية لمؤسسة عربية جديدة يضخ فيها ديناميكية جديدة وسيتم بحيث ذلك كله في القمة العربية القادمة في تونس. ما هي دلالات ذلك للعلاقات المصرية الصينية؟ إنها بلا شك دلالة مستقبلية تدعو لتعزيز التعاون المصري الصيني كركيزة للتعاون العربي الصيني. وعندئذ يكون

ولحسن حظ العلاقات المصرية الصينية في السنوات الأخيرة أن تولي إدارتها على المستوى الموضعي سفراء متميزون لمصر في بكين مثل السفير على الحفني وسفراء متميزون للصين في القاهرة مثل السفير ليو شياو مينغ ثم خلفه السفير وو سي كه، ويتميز هؤلاء بخبرة كبيرة وديناميكية وحيوية الشباب ويستطيعون أن يعيدوا الشباب للعلاقات المصرية الصينية وينطلقون بها نحو آفاق أرحب. وعندئذ يكون

وإذا انتقلنا للفكرة الخامسة: نقول إنها ترتبط بالثقافة المصرية؛ من موسيقى وفنون وآداب. ولقد قام أحد سفراء مصر السابقين في الصين بإصدار كتاب بعنوان "الصين بعيون مصرية" وهي عيون كلها محبة شارك في تلك العيون خبراء من قطاعات مختلفة كل منهم نظر مبهورا للصين وقارن فيها بين الأمس واليوم وتطلع نحو الغد المشرق ولهذا لا عجب أن رأينا البعض يتحدث عن الصين معجزة القرن العشرين ولكن الأهم هو تحويل العلاقات المصرية/العربية الصينية لكي تكون معجزة القرن الحادي والعشرين ليس بالكلام والأماني وإنما من خلال العمل الجاد والاتصال المستمر والمكثف فالتقدم الصيني في حاجة إلى شحنتين أساسيتين في القرن الحادي والعشرين. وعندئذ يكون

أولاهما الطاقة فالبترول الصيني ومصادر الطاقة الأخرى لا تكفي لتوفير الوقود للانطلاقة الكبرى القائمة الآن ومصادر هذه الطاقة متوافرة في المنطقة العربية وفي مصر ما تزال آفاق البترول والغاز أكثر من واعدة ولهذا يتسابق المستثمرون في هذا المجال ولا ينبغي للصين في رؤيتها المستقبلية أن تتخلف عن الركب. وعندئذ يكون

الشحنة الثانية هي روح الجرأة والإقدام والمغامرة فمن المعروف أن المستثمر الناشئ يتسم عادة بالحذر والحيطة ولكن المستثمر الصيني إذا بقي على حذره وتردده سوف يفقد الكثير. فالثروة في جزء منها ترجع إلى حب المغامرة والإقدام، والمستثمر الصيني لابد أن يعتاد هذه الروح الثورية في البحث عن الثروة كما اعتادها في المسيرة الكبرى وبذلك يتحول الضعف إلى قوة، والفقر إلى غنى، والعلاقات القديمة إلى علاقات مستقبلية. وعندئذ يكون

هذه الرسالة لا نوجهها للمستثمر أو السياسي أو صاحب القرار في الصين فحسب، بل إلى نظيره في مصر ولعل المثل العربي التقليدي أن الخير في الإبكار وأن العصافير المبكرة هي التي يمكنها أن تملأ بطونها خير ما يقدم لنا المصباح الهادي لتطوير العلاقات المصرية الصينية لكي يكون اتفاق إقامة علاقة استراتيجية للقرن الحادي والعشرين الذي وقعه الرئيسان المصري والصيني عام 1999 حقيقة واقعة وملموسة وليس مجرد وثيقة توضع على أرفف المكتبات. وعندئذ يكون

وإنني على ثقة بأن مشاركة رئيس وزراء الصين ون جيا باو في المنتدى الصيني الإفريقي الثاني لها آثارها ليس فقط على العلاقات الصينية الأفريقية بل وأيضا على العلاقات المصرية الضينية كما أن الزيارات بين البلدين على المستوى القيادي سوف تلعب دورها في تعريف الأجيال الجديدة في قيادة البلدين بإمكانيات وآفاق التطور المستقبلي الواعد بينهما حتى يمكن تجنب أية خطوة قد تكون خاطئة من أي من الدولتين في غمار بحثهما عن مزيد من العلاقات الاقتصادية الواعدة مع أطراف أخرى وعندئذ يكون المخططون الاستراتيجيون قد ارتكبوا خطأ ضيق الأفق وقلة البصيرة. وعندئذ يكون

 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

قصة في صورة
موضوع تسجلي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.