العدد10 أكتوبر (تشرين الأول) 2002

((تاريخ العلاقات الصينية العربية))

تأليف: قوه ينغ ده

ترجمة: تشانغ جيا مين

(بقية الباب الثاني)الاتصالات الودية بين

ثلاثة مراجع قيمة حول الاتصالات الودية بين الصين والبلدان العربية وخريطة تشنغ خه الملاحية

صاغ ما هوان وفي شين وقونغ تشن المرافقون الثلاثة لتشنغ خه في رحلاته، ما اطلعوا عليه وراء البحار في ((مشاهدات رائعة وراء البحار الشاسعة))، و((تجولات في أقاصي الأرض))، و((سجلات البلدان في المحيط الهندي)) كل على حدة، حيث تناولوا ما يخص البلدان العربية وغيرها من البلدان الأفروآسيوية من المواقع والتضاريس ومعيشة السكان واللغات التي ينطقون بها والديانات التي يعتنقونها وأحوال مناخاتها والمنتجات والعادات والتقاليد والأوضاع السياسية والاقتصادية فيها، وكذلك التعاملات التجارية، والزيارات المتبادلة التي قام بها المبعوثون من الجانبين، مما جعل هذه المعلومات مستندات تاريخية ذات قيمة عظيمة لدراسة التعاملات الودية بين الصين والبلدان العربية، واتصالات الصين مع البلدان الأجنبية، ولدراسة أحوال البلدان في المحيط الهندي أيضا.

وما هوان هذا هو الملقب بتسونغ داو، من مواليد قويجي في تشجيانغ، وكان مسلما متقنا للغة العربية، فبدأ عمله مترجما عند تشنغ خه في رحلته الثالثة إلى المحيط الهندي، ثم رافقه في رحلتين أخريين، فاطلع على ما تتميز به البلدان التي وصل إليها من سلوك الإنسان وصفاته وخصائص العادات والتقاليد والمنتجات المحلية وما تنتهجه من أنظمة الحكم، ومن ثم أودع هذه المعلومات بين دفتي كتابه ((مشاهدات رائعة وراء البحار الشاسعة))، حتى إذا قرأه أحد، تعرف على المعلومات عن البلدان المعنية (1). ويتناول هذا الكتاب عشرين دولة بأسلوب يجمع بين التفصيل والشمول. وجاء في مادة البلاد العربية أن دولة(Tianfang) (أي الكعبة السماوية) هي مكة التي "يدين سكانها بالإسلام، والتي بدأ فيها النبي محمد الدعوة إلى الإسلام"، وأن "لغة هذا البلد هي اللغة العربية، ونظامها يحرم على سكانها شرب الخمر، ولأهلها عادات طيبة وتقاليد حميدة"، و"مسجد الجنة يسمى الكعبة.. وفي اليوم العاشر من ذي الحجة من كل عام يتوافد إليه المسلمون من مختلف البلدان، حتى ولو استغرق سفرهم سنة أو سنتين، ليؤدوا فيه مناسك الحج". و"الجو حار طيلة العام، حيث لا مطر ولا برق ولا صقيع ولا ثلج، لكن الندي الكثيف هو الذي يروي النبات ويغذيه" (2). وقد بدا كل ما ورد في كتاب ما هوان هذا متفقا والحقيقة، إذ أن النبي محمدا بدأ الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة عام 610، وأن المسلمين في مختلف البلدان إذا تيسرت لهم الظروف، يرحلون إليها لأداء مناسك الحج. والجدير بالذكر أن ما هوان هو أول من نقل لفظة "عربي" إلى أقرب المقاطع الصينية إليها.

أما في شين فهو الملقب بقونغ شياو، من مواليد محافظة تايتسانغ في جيانغسو، وقد سبق له أن أدى الخدمة العسكرية في حامية تايسانغ. "وما بين فترة يونغ له وفترة شيوان ده، وقع الاختيار عليه للاشتراك في الرحلة إلى المحيط الهندي، فرافق تشنغ خه المبعوث الخاص إلى ما وراء البحار أربع مرات، حيث اطلع على سلوك الناس وعاداتهم وتقاليدهم ومنتجاتهم في البلدان التي زارها، وأودع ذلك في كتاب من جزئين تحت عنوان ((تجولات في أقاصي الأرض))، أولهما سجل لما شاهده بأم عينيه، وثانيهما مأخوذ عما نقله المترجم من المعلومات المحققة." (3) ويتناول هذا الكتاب أحوال أكثر من أربعين دولة. وبرغم أن نصف متنه مأخوذ من ((لمحة عن البلدان والجزر)) لوانغ دا يوان(4)، وأنه من حيث الشمول والتفصيل أقل من ((مشاهدات رائعة وراء البحار الشاسعة))، غير أنه يتناول مناطق أكثر، فيكمل نقص كتاب المشاهدات بمعلومات صادقة. فالأحساء ومقديشو مثلا لم يرد لهما ذكر في كتاب المشاهدات.

أما قونغ تشن فهو الملقب بيانغ سو شنغ، من مواليد نانجينغ. وقد سبق له أن التحق بالجيش وهو في السادسة عشرة من عمره، فبدأ الخدمة العسكرية جنديا، ثم أخذ يترقى حتى بلغ مرتبة ركن قبل أن يصبح مستشارا لتشنغ خه في الرحلة السابعة إلى ما وراء البحار. وكتابه ((سجل البلدان في المحيط الهندي)) يتناول عشرين دولة متوافقة مع ((مشاهدات رائعة وراء البحار الشاسعة)) تقريبا من حيث المواد والترتيب. وقد قال قونغ تشن في مقدمة الكتاب: " إن كل ما ورد في الكتاب، إما أن يكون ما رأته عيناي، وإما أن يكون ما بلغ مسمعي أو ما وصلني من المعلومات التي نقلها المترجم خلال الزيارات والتي دونتها دون أن أترك منها شيئا"، ومن المرجح أن هذا المترجم الذي أشار إليه قونغ تشن هو ما هوان، وأن المعلومات الواردة في متن الكتاب أخذت من محضر ما هوان أيضا. و((سجل البلدان في المحيط الهندي)) يتناول الأمور بأسلوب رفيع يجمع بين الشمول والتفصيل. وقد ورد فيه ذكر للمراسيم الإمبراطورية الثلاثة التي حملها تشنغ خه في رحلته إلى المحيط الهندي ما بين فترة يونغ له وفترة شيوان ده، وذكر بأن أسطول تشنغ خه "يعبر المحيط مسترشدا بالنجوم"، ويحدد اتجاهاته بواسطة البوصلة المائية، وأن سارية السفينة الإمبراطورية وشراعها ومرساتها ودفتها، تحتاج من 200 إلى 300 رجل كي يحركوها. كما ورد فيه ذكر لكيفية خزن ما يلزم الرحلة الطويلة من المياه العذبة، وما إلى ذلك من المعلومات التي لم ترد في الكتابين السابقين والتي لها أهمية بالغة في دراسة تاريخ الصين في القرن الخامس عشر في مجال الملاحة.

لقد رسم تشنغ خه في رحلاته إلى المحيط الهندي ((خريطة ملاحة تشنغ خه)) التي كان يسترشد بها للدلالة على خط ملاحته. وقد سجل فيها ما يتوسط بين شاطئ جنوب شرقي الصين والبلدان العربية وغيرها من البلدان من الاتجاهات والخطوط والمسافات والجزر والمخاضات والصخور، وما يتناثر على الشواطئ من الموانئ والمدن والقمم الشامخة، وما يمكن اعتباره من المعالم التي تهدى السفن (مثل الباغودوات والمعابد والجسور.. إلخ). و((خريطة ملاحة تشنغ خه)) التي تم رسمها في رحلات تشنغ خه إلى المحيط الهندي هي أول خريطة صينية في مجال الجغرافيا البحرية، وتمثل أحد الإنجازات التي تحققت في مجال الجغرافيا في النصف الأول من القرن الخامس عشر، وتعتبر شاهدا تاريخيا على الاتصالات الودية التي قامت بين الصين والبلدان العربية.

الباب الثالث    العلاقات الاقتصادية بين الصين وبلاد العرب
1-   العلاقات الاقتصادية الصينية العربية قبل عهد أسرة تانغ

وصلت المنسوجات الحريرية إلى اليونان في القرن الثالث قبل الميلاد. وبعد أن شق تشانغ تشيان الطريق إلى المناطق الغربية أقامت أسرة هان سلطتها في المناطق الغربية (عام 59 ق.م)، فجعلت الأوامر الإدارية من الحكومة المركزية تسرى فيها فور إعلانها، وأصبح طريق الحرير سالكا دون العوائق، وأخذت الحرائر والأدوات اللكية والأدوات الحديدية وأواني الخزف الصيني وما إليها من البضائع الصينية وخاصة الحرائر تنقل بكميات هائلة إلى الغرب، وكانت البضائع من أنحاء المناطق الغربية تنقل هي الأخرى إلى الصين بلا انقطاع، الأمر الذي شكل حركة تجارية نشطة على امتداد طريق الحرير، حيث كان "سعاة البريد ينطلقون على ظهور المطايا طوال السنة، والتجار الأجانب يطرقون مداخل الحدود بين حين وآخر" (5).

دور الوساطة الذي قام به التجار العرب

كانت البضائع الصينية إذا ما وصلت إلى سلوقية- طيشفون ومدخل البحر الأحمر والخليج الفارسي، تنقل ثانية إلى سوريا ومصر، ومن ثم إلى أوربا فتباع فيها. ففي زمني اليونان والرومان كانت قوافل التجار العرب في جزيرة العرب وسوريا تمارس تجارة الترانزيت، فلعبت بذلك دورا نشيطا في الوساطة التجارية بين الصين والغرب، وأسهمت في التبادلات الاقتصادية بين الصين والبلدان العربية من جهة وبين الصين والغرب من جهة أخرى.

وكان في اليمن الواقعة على مدخل البحر الأحمر عدد من الموانئ الدولية مثل (Eudaemon) (عدن اليوم) و(Ocelis) وموزا (Muza هي مخا اليوم) (6)، حيث كانت البضائع الصينية تصل إليها وتنقل ثانية على امتداد الشاطئ الغربي من جزيرة العرب باتجاه الشمال وعبر مكة المكرمة، إلى فلسطين وسوريا في زمن حكم الرومان، ثم تباع هناك أو تنقل من جديد إلى مصر. وقد تم شق هذا الطريق التجاري على يد السبأيين الذين أقاموا دولتهم ما بين عامي 750 و115 ق. م، ثم سيطر عليه الحميريون الذين أقاموا دولتهم ما بين عامي 115 ق.م و525 م، واستمروا كذلك إلى أن حلت قريش محلهم في السيطرة عليه في القرن السادس. (7)

وكانت البضائع الصينية التي تدخل البحر الأحمر من باب المندب تنقل أيضا إلى البتراء عاصمة الدولة النبطية، عبر (Luokekemei) الميناء الكبير الواقع على الشاطئ الغربي من البحر الأحمر. وهذه الدولة النبطية هي الدولة العربية القديمة التي أسستها قبيلة الأنباط في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، وقد بلغت أوج ازدهارها الحضاري في الفترة ما بين العام التاسع قبل الميلاد والعام الأربعين بعد الميلاد، واستمر وجودها إلى أن قضي عليها الرومان عام 105. وكانت البتراء تتحكم بالطريق التجاري إلى غزة والعقبة جنوبا وإلى البصرة ودمشق شمالا، وإلى الخليج الفارسي شرقا، فظلت فترة من الزمن همزة وصل بين جنوب جزيرة العرب والشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وقد سبق للأنباط أن أقاموا شبكة تجارية امتدت إلى روما ومصر، وكانوا يتاجرون بمنتجات مختلف البلدان، وكان الحرير الصيني الخام يحتل فيها مركزا هاما. كما كانوا يعملون في إرشاد القوافل التجارية، وينظمون رجالا ذوي خبرة قتالية في فرق تحمي القوافل التجارية (8)، ويجبون الضرائب على بضائع الترانزيت.

ولما أفل نجم البتراء، حلت محلها تدمر. وتدمر هي أشهر القبائل العربية التي ظهرت بين دمشق وسلوقية- طيشفون، وقد سبق لها أن أسست دولتها قبل القرن الأول قبل الميلاد، وبنت عاصمتها تدمر الواقعة داخل صحراء سوريا. وكانت فيها ينابيع غزيرة المياه، مما هيأها لأن تكون ملتقى لخطوط المواصلات من جميع الاتجاهات، ومركزا يتجمع فيه التجار من مختلف الأماكن حتى أصبحت في عداد أغنى المدن في غربي آسيا، واشتهرت في أنحاء العالم طيلة القرنين الثاني والثالث. واستمرت كذلك إلى أن استولى عليها الرومان عام 272. وكانت تدمر قبيلة عربية شديدة البأس، تعيش في صحراء سوريا، وتجيد الأعمال التجارية، فتركت آثارها في كل من أوربا ومصر وفارس، وأقامت اتصالات وثيقة مع (Charax Spasinu) الميناء الهام في الخليج الفارسي، كما نشط بنوها في التجارة بين الفرس والرومان، إذ كانوا ينقلون الحرائر الصينية القادمة إليهم عن الطريق البري والطريق البحري بأمان إلى أنطاكية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، لتنقل في السفن السورية أو اليونانية إلى روما. ونتيجة لعملهم الفائق في نقل الحرائر الصينية وتأمين سلامة القوافل التجارية تحولت التجارة بين روما والهند من خط البحر الأحمر ومصر إلى خط الخليج الفارسي وأرض سوريا لفترة من الزمن.

وقد سبق أن ظهرت بين أنطاكية وسلوقية- طيشفون دويلات متعددة، أقواها دويلة (Orsroene) التي أسستها إحدى القبائل العربية، والتي اتخذت أدسة Edesse) أورفا التركية حاليا) عاصمة لها. ففي أواخر القرن الثاني بعد الميلاد أنشأ بنو (Orsroene) دولة لهم ذات سيادة مستقلة، ونشطوا كذلك في الوساطة التجارية بين الفرس والرومان، إذ كانوا ينقلون الحرائر إلى أنطاكية، واستمروا كذلك إلى أن احتل الرومان دولتهم عام 216 (9).

احتمال وجود تبادل اقتصادي مباشر بين الصين والبلدان العربية

لقد اختلفت الآراء في هذا الموضوع، فهودسين رأى أن السفن العربية ربما وصلت إلى الصين ومصر بعد القرن الأول الميلادي (10)؛ وبيزلي قطع بأن الزمن الذي وصلت فيه السفن الصينية من كانتون إلى الخليج الفارسي لا يتأخر عن القرن الثالث الميلادي (11)؛ وا.هـ. وارمينغتون أشار إلى أن الصينيين قد نقلوا القرفة إلى الخليج الفارسي بعد القرن الثالث الميلادي (12)؛ وأميانوس مارسيلينوس  (Ammianus Marcellinus) ذكر بأن السوق الدورية التي أقيمت في البتراء الواقعة على شط الفرات عام 360 تقريبا قد شهدت بضائع صينية، وربما نقلت بعض هذه البضائع إليها في سفن صينية (13)؛ والمؤرخ العربي أبو حسن المسعودي ذكر بأن السفن الصينية قد وصلت قبل عهد أسرة تانغ إلى الحلة الواقعة على شط الفرات حيث كانت تمارس التجارة مع العرب (14)؛ و((كتاب سونغ)) الذي تم تأليفه عام 500 تقريبا يفيد هو الآخر بأن بين الصين و(Daqin) (المقصود بها سوريا ومصر في زمن حكم البيزنطيين) و(Tianzhu) (أي الهند) "كانت السفن تسير، والتجار والرسل يغدون ويروحون" (15)، وأن السفن الصينية كانت تشكل مشهدا رائعا في المحيط الهندي، و "هي مقبلة من الآفاق، والرياح تدفعها دفعا والمد المتموج يتقدم تلالا" (16).

وهذه المعلومات التاريخية تدل على احتمال وجود تبادل اقتصادي صيني عربي مباشر عبر البحر قبل عهد أسرة تانغ.

ملاحظات:

(1)         مقدمة ((مشاهدات رائعة وراء البحار الشاسعة)).

(2)          كل هذه الشواهد واردة في مادة مكة من ((مشاهدات رائعة وراء البحار الشاسعة)).

(3)       في شين: مقدمة ((تجولات في أقاصي الأرض))، مراجعة وتفسير فنغ تشنغ جيون، إعادة طبع دار الصين عام 1954، بكين، طبقا لطبعته الأصلية لدار الشؤون التجارية.

(4)         مقدمة فنغ تشنغ جيون لنفس المصدر السابق.

(5)          ((كتاب أسرة هان الأخيرة- سجلات المناطق الغربية)).

(6)       ((ملاحة العرب في المحيط الهندي في العصور القديمة وفي أوائل العصور الوسطي))، ص 21، 23، 31.

(7)          راجع أحمد أمين: ((فجر الإسلام)) القاهرة 1955، ص 13.

(8)         روستوفزوف: ((مدينة القوافل))-

 Rostovzov.M.I: ((Caravan Cities)) Tr by D and T Talbot Rice,Oxford 1932- ص 51.

(9)         راجع ((أوربا والصين))، ص 81- 82.

(10)       نفس المصدر السابق ص 76.

(11)      بيزلي: ((بداية علم الجغرافيا الحديث))

Beazley: ((The Dawn of Modern Geography)), Lodon,1987

-ص 490.

(12)      أ.هـ. وارمينغتون: ((التجارة بين الإمبراطورية الرومانية والهند))

 E.H.Warmington: ((The Commerce Between The Roman Empine and India)) Cambridge,1928- ص 257.

(13)      نفس المصدر السابق ص 138.

(14)           راجع (( مروج الذهب)) جـ 1 ، ص 103.

(15)            (16)   (( كتاب سونغ- سجلات الشعوب )).

( البقية في العدد القادم )

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

الصين والعالم العربي

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.