عين صينية < الرئيسية

تيار المصالحة في الشرق الأوسط يجتاز نيران الحرب

: مشاركة
2023-06-08 14:40:00 الصين اليوم:Source هو يوي شيانغ يانغ قوانغ:Author

على مدى السنوات العشر ونيف الماضية، شهدت منطقة الشرق الأوسط حروبا وفوضى ونزاعات سياسية مختلفة، كان لها تاثير خطير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. الآن، أدركت دول الشرق الأوسط أهمية المصالحة في تحقيق استقرار وتنمية المنطقة، فبدأت تبذل جهودا غير مسبوقة للمصالحة في سلسلة من القضايا. في العاشر من مارس عام 2023، أجرت السعودية وإيران محادثات في بكين بدعم من الصين، وأصدرت الصين والسعودية وإيران بيانا ثلاثيا مشتركا أعلنت فيه اتفاق الجانبين السعودي والإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتوصل إلى "اتفاق بكين". مع عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بدأت رياح المصالحة تهب على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، فتابعها تيار المصالحة في الشرق الأوسط، الذي شجع المجتمع الدولي كثيرا، وأشرق على العالم من جديد فجر تسوية سلمية لمشكلات الشرق الأوسط والتنمية الإقليمية والعالمية المنسقة.

منذ مارس 2023 حتى الآن، نرى سلسلة من تطورات المصالحة المشجّعة للعلاقات بين عدد غير قليل من دول الشرق الأوسط، فتحسنت علاقات سوريا مع دول عربية عديدة مثل السعودية ومصر والعراق والأردن وتونس. وفي الدورة الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، استعادت سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية بعد أكثر من اثني عشر عاما من تجميد عضويتها في الجامعة. ويجتاح تيار مصالحة دول الشرق الأوسط قارة آسيا وأفريقيا، حيث تجاوزت عديد من الدول المتحاربة لسنوات نيران الحرب واستقبلت فترة فرص السلام الثمينة. يعكس تيار المصالحة في الشرق الأوسط ارتفاع رغبة دول الشرق الأوسط في إعادة تشكيل الوضع الإقليمي بمبادرتها الذاتية ويجسد أملها المشترك في السعي إلى السلام والعمل على التنمية. منذ وقت طويل، ظلت منطقة الشرق الأوسط من المناطق التي تعرضت للتدخل الشديد من قبل القوى الخارجية، وانزلق عدد غير قليل منها في الحروب والفوضى، ولم تتمكن من تحقيق التنمية الوطنية في ظل عدم الاستقرار. في الوقت الحالي، يعتقد الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط أن دول المنطقة تعزز مبادرتها الذاتية في الشؤون الخارجية، وأن إرادتها في اختيار طريق التنمية باستقلال أصبحت أكثر ثباتا. ويوفر تيار المصالحة فترة لتخفيف الصدمات وفترة لفرص تحول دول المنطقة من المجابهة إلى التواصل، ويهيئ بيئة مناسبة للتعاون والتنمية الاقتصادية في المنطقة، ويساعد على تحقيق التنمية المشتركة والازدهار المشترك للدول المعنية.

المصالحة في الشرق الأوسط نتيجة لا بد منها

أدركت دول منطقة الشرق الأوسط أن الصراع الجيوسياسي يستنزف كمية كبيرة من الموارد البشرية والمادية والمالية، ولا يحقق فائدة لأي منها. إن الأمر الشديد الإلحاح للسعودية وغيرها من معظم دول منطقة الشرق الأوسط هو التنمية السريعة وتغيير نمط التنمية الاقتصادية الأحادي الذي يعتمد على النفط وغيره من موارد الطاقة، مع العمل على تحسين العلاقات بين الدول في هذه المنطقة لتهيئة بيئة جوار مناسبة لتنميتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، نشهد تراجعا إستراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، فواشنطن لا تريد تحمل مزيد من المسؤوليات عن حماية أمن الدول المتحالفة في المنطقة، مما جعل رغبة هذه الدول في المصالحة مع الدول المعادية أقوى. بالإضافة إلى ذلك، مع التراجع المستمر لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، يزداد نفوذ روسيا والصين وأوروبا. وتقوم دول الشرق الأوسط، التي تتزايد مبادراتها الذاتية في الإستراتيجية الدبلوماسية، بتوسيع المجالات الدبلوماسية خطوة بعد خطوة، وبدأت تبحث عن شركاء تعاون تجمع بينهم تطلعات مشتركة.

 المصالحة في منطقة الشرق الأوسط اختيار حكيم لدول المنطقة لمواجهة الوضع الدولي الحالي. وأصبحت الوقاية من المخاطر المجهولة والسعي وراء السلام والتنمية قوة محركة مهمة تقود توجه دول الشرق الأوسط نحو المصالحة. بسبب التأثيرات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية وأزمة الغذاء ورفع مجلس نظام الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة باستمرار وغير ذلك، تتعرض دول عديدة في الشرق الأوسط لتسرب الرأسمال إلى الخارج وانخفاض سعر العملات المحلية وزيادة معدل التضخم، وغير ذلك من التحديات الخطيرة، الأمر الذي يحدث قلقا عميقا لدول الشرق الأوسط على الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة وتغير المناخ وغيرها من المشكلات الملحة، وبدأت هذه الدول تولي اهتماما شديدا لاستقرار وسلام بيئة الجوار وتعمل على تعزيز التعاون الإقليمي، من أجل تسوية المشكلات المحلية. بفضل المصالحة، يمكن أن تواجه دول هذه المنطقة سلسلة من التحديات الأمنية غير التقليدية وتحافظ على سلام واستقرار المنطقة بجهود مشتركة، مما يثبت منظومة التعاون الاقتصادي الإقليمي ويحقق تقاسم الموارد وتوسيع السوق والارتقاء بمستوى الصناعات ورفع القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية.

تلعب الصين دورا مهما في المصالحة في منطقة الشرق الأوسط. في السنوات الأخيرة، طرحت الصين مبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية اللتين تدعوان إلى إقامة نظام دولي جديد يتسم بالتنمية السلمية والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك ولا تقوده الدول الغربية، للسعي إلى الأمن النسبي والأمن المشترك وليس إلى الأمن المطلق لدولة معينة، وتدعوان إلى الحوار الحضاري وليس إلى المجابهة بين التكتلات. هذا يتفق مع متطلبات التنمية والسلام في المنطقة. من ناحية، لا يسعى الجانب الصيني وراء المصالح الذاتية، بل تدعم دول الشرق الأوسط لتسوية القضايا الإقليمية عبر الحوار والتشاور. وفي السنوات الأخيرة، اقترح الجانب الصيني المبادرة ذات النقاط الخمس بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والمبادرة ذات النقاط الأربع للحل السياسي للقضية السورية، والأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ "حل الدولتين" بين فلسطين وإسرائيل، والدعوة إلى بناء منصة حوار متعدد الأطراف في منطقة الخليج، فيهدف كل ذلك إلى إقامة إطار أمني مشترك ومتكامل وتعاوني ومستدام في الشرق الأوسط، ويواصل الجانب الصيني جهود الوساطة من أجل المحافظة على السلام، وحظي بتأكيد واستجابة إيجابية من قبل دول الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، تهتم الصين بالتنمية، فهي أكبر شريك تجاري لإيران على مدى عشر سنوات متتالية، وقد وقع البلدان اتفاقية تعاون لمدة خمس وعشرين سنة. بالإضافة إلى ذلك، وقعت الصين والسعودية سلسلة من الاتفاقيات التي تضمن اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة، وذلك أثناء القمة الصينية- العربية الأولى التي عقدت في ديسمبر عام 2022. وفي الوقت نفسه، توصل الجانبان الصيني والعربي إلى اتفاق على بذل كل جهودهما في بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد ودفع الشراكة الإستراتيجية الصينية- العربية المتميزة بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة ومواجهة العصر الجديد إلى مستوى أعلى.

مصالحة الشرق الأوسط تفيد المجتمع الدولي

توفر مصالحة الشرق الأوسط للعالم إمكانية حل التناقضات من خلال الحوار والتشاور. أثارت الحروب والنزاعات الطويلة المدى سلسلة من المشكلات الأمنية غير التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، مثل الأزمة الاقتصادية وأزمة الغذاء والتطرف والإرهاب والصراعات العرقية، فأصبحت إقامة نمط أمن جديد يتوافق مع الظروف الواقعية للمنطقة أمرا ضروريا. في إبريل عام 2022، طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي التي قدمت إجابة واضحة على موضوع العصر بشأن كيفية تحقيق الأمن المشترك لكافة الدول، وتتمتع بمغزى مهم في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وفي سبتمبر من نفس العام، طرح الجانب الصيني أربع مقترحات للعمل سويا على دفع إقامة إطار أمني جديد في الشرق الأوسط مع مختلف دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولي، على ضوء تنفيذ مبادرة الأمن العالمي، ألا وهي: أولا، ينبغي الالتزام بالمفهوم الجديد للأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدام؛ ثانيا، ينبغي التأكيد على المكانة القيادية لدول الشرق الأوسط؛ ثالثا، ينبغي الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ رابعا، ينبغي تعزيز الحوار الأمني الإقليمي.

يجسد الإطار الأمني الجديد في الشرق الأوسط الحكمة الصينية ويُعتبر "وصفة ناجعة" تستهدف "الأمراض المستعصية" لمنطقة الشرق الأوسط، وتراعي هذه المقترحات الأربعة الظروف الواقعية في هذه المنطقة بشكل مستفيض، وتحترم إرادة دول المنطقة لتكون سادة مصيرها، وتدعو إلى استبدال المواجهة بالحوار واستبدال "كلا الطرفين يتكبد الخسائر" بالتعاون والفوز المشترك. تُعد الوساطة النشيطة للجانب الصيني في إنجاح المصالحة في الشرق الأوسط تقدما مهما في عملية السلام للبشرية، كما تعد نموذجا ممتازا للتوسط في النزاعات في المناطق الأخرى في العالم.

بفضل المصالحة في الشرق الأوسط، هيأت أمطار السلام أرضا خصبة للتنمية الإقليمية والعالمية. يتمتع الشرق الأوسط بمزايا طبيعية للتنمية في مختلف المجالات، باعتباره عقدة مواصلات ومنطقة منتجة للطاقة مهمة في العالم. إن تحقيق أمن واستقرار الشرق الأوسط لا يفيد دول المنطقة بشكل كبير فحسب، وإنما أيضا يخلق ظروفا مؤاتية لجميع دول العالم لمشاركة فرص التنمية، ويدفع المجتمع الدولي لإحراز اختراقات في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والبنية التحتية والأمن.

المصالحة في الشرق الأوسط خطوة مفتاحية لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية في العالم. في الوقت الحالي، يواجه المجتمع البشري تحديات غير مسبوقة. إن "الربيع الدبلوماسي" الذي لم نشهده منذ وقت طويل في الشرق الأوسط، سيحسن تعاون مختلف الدول في التجارة والاستثمار ومكافحة الإرهاب وغيرها من الجوانب، ويدفع عملية الأمن والتنمية للمنطقة والمجتمع الدولي بشكل ملموس، حيث يمكن أن يولي المجتمع الدولي مزيدا من الاهتمام لتخفيف حدة الفقر والتعليم وحماية البيئة وغيرها من أهداف التنمية المشتركة ودفع تغير منظومة الحوكمة العالمية، وبناء نظام دولي أكثر عدالة ورشدا، لمواجهة التحديات العالمية وإرساء أساس ثابت لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية.

الوقاية المشتركة من المخاطر في عملية المصالحة

لا تأتي ثمار السلام في ظل نيران الحرب بسهولة. إن تيار المصالحة في الشرق الأوسط يهيئ بيئة اجتماعية أمنية مستقرة لمنطقة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي بأسره، ويدفع التعاون والتنمية في مختلف المجالات. وقد أصبحت الوقاية من المخاطر والحواجز في عملية المصالحة وتحقيق الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط نقطة مهمة تتطلب من دول المنطقة والمجتمع الدولي تركيز القوة عليها بسرعة.

ينبغي الحذر من التدخل الأمريكي في الوضع الإقليمي، في عملية المصالحة في الشرق الأوسط. في الوضع الحالي، حولت الولايات المتحدة الأمريكية تركيز ثقلها الإستراتيجي إلى منطقة آسيا- المحيط الهادئ، خففت تدخلها في القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، وتخلت عن وعدها بالأمن لحلفائها العرب تدريجيا، فازداد استعداد دول الشرق الأوسط لممارسة دبلوماسية مستقلة. وفي الوقت نفسه، وفّر تيار المصالحة بيئة خارجية طيبة لإيران وسوريا، فحاولت الولايات المتحدة الأمريكية منع دول الشرق الأوسط من تحسين علاقاتها مع إيران وسوريا، وعارضت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بأزمة التضخم فيها والأزمة الأوكرانية، فإنها تتدخل في عملية المصالحة.

من الناحية الجيوسياسية، لا يجوز تجاهل الاختلافات بين دول الشرق الأوسط في السياسة والدين والعرق وغيرها من المجالات، وقد تؤدي هذه الاختلافات إلى نزاعات جيوسياسية، وتؤثر على عملية المصالحة. وفي نفس الوقت، تمثل الأزمة الاقتصادية وأزمة الغذاء والتطرف والإرهاب وغيرها من المشكلات الأمنية غير التقليدية أيضا عقبات مثل "نمر في الطريق" في عملية المصالحة.

من أجل الوقاية من المخاطر في عملية المصالحة بجهود مشتركة، يجب على دول الشرق الأوسط أن تركز قوتها على الجوانب التالية: أولا، المشاركة النشيطة في المنظمات الدولية والآليات التعاونية المتعددة الأطراف للبحث عن المصالح المشتركة واتجاه التنمية؛ ثانيا، تعزيز التبادل والثقة المتبادلة من خلال المؤتمرات الدولية والحوارات الثنائية والمتعددة الأطراف وغيرها من الأشكال، وتطوير نمط من التفاعل على أساس الحوار والتشاور؛ ثالثا، دفع الإصلاح الاقتصادي ورفع مستوى معيشة الشعب وتهيئة بيئة اجتماعية طيبة لوضع أساس عملية المصالحة؛ رابعا، تعزيز التواصل والترابط داخل المنطقة ووضع برامج العمل المشتركة لمواجهة التدخل الخارجي والإرهاب والتطرف وغيرها من المخاطر الكامنة التي تثير النزاعات في المنطقة. كما يجب على المجتمع الدولي أن يحترم الإرادة المستقلة لأبناء منطقة الشرق الأوسط، ويقدم مزيدا من المساعدات لدول المنطقة في التغلب على الأزمات وإعادة تشكيل الهيكل الإقليمي، ويبذل كل جهوده في دعم سعي منطقة الشرق الأوسط إلى السلام والتنمية.

--

 هو يوي شيانغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين.

 يانغ قوانغ، طالب ماجستير بمعهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4