ثقافة وفن < الرئيسية

فيلم ((طبلة بالانغ)).. وجائزة الديك الذهبي

: مشاركة
2024-03-08 14:14:00 الصين اليوم:Source مي عاشور:Author

أحيانا يكون الفقد أثقل بل وأشد وطأة على النفس من الموت، يخلق شعورا ملازما في نفس المرء بأنه سوف يعيش في عتمة لا خلاص منها. ولكن عندما يضع القدر في طريقه بعض الأشخاص، يبدأ ذلك الثقل في الزوال، وتلك العتمة في الاضمحلال، فيتسلل إلى قلبه النور، الذي غاب عنه منذ أمد بعيد.

من أجمل الأفلام التي شاهدتها في الفترة الماضية، هو الفيلم الصيني ((طبلة بالانغ))، الذي فاز في الخامس من نوفمبر 2023 بجائزة أفضل فيلم للأطفال في الدورة السادسة والثلاثين لجوائز الديك الذهبي، وهي من أشهر وأهم الجوائز السينمائية في الصين، وقد بدأت في عام 1981، وسميت بهذا الاسم لأن دورتها الأولى انطلقت في عام الديك، وفقا للأبراج الفلكية الصينية.

تدور أحداث الفيلم في عام 2008، وتحديدا في بلدة تشينغجيان بمقاطعة شانشي. يحكي الفيلم قصة مؤثرة تلمس القلوب، عن بائع بضائع متجول اسمه قو رن، فقد ابنه بسبب مرض عضال، وطفل صغير اسمه ماو دو، يعيش مع جدته المسنة، يبحث عن والده. يجمع القدر بين البائع قو رن والطفل ماو دو، وكأن كلا منها يداوي قلب الأخر.

 يتجول البائع بسيارته، ويقف في أماكن مختلفة لبيع بضاعته المتنوعة، من الأواني والمأكولات وأدوات التنظيف والألعاب نارية، وكذلك يقدم أيضا خدمات مثل التصوير الفوتوغرافي. ذات يوم تأتي جدة الطفل ماو دو بصحبته لتلتقط صورة، ومن هنا تبدأ الحكاية.

ماو دو طفل وحيد للغاية، يتنامى بداخله الشوق إلى والده، وخاصة بعد وفاة جدته، لم يبق له أحد يرعاه، فيلجأ إلى حيلة في منتهى الذكاء. في سبيل الذهاب للبحث عن والده؛ يختبىء بداخل صندوق سيارة قو رن، ولكن في الطريق يسمع قو رن صوتا غريبا فيوقف السيارة، ويفتح صندوقها فيرى حريقا، ودخان متطاير، وطفل يقفز من الداخل. وتكون النتيجة أنه يخسر جزءا كبيرا من بضاعته، وحينما يسأل الطفل ماذا يفعل هنا، وما الذي جرى؟ يقول الطفل إنه ذاهب للبحث عن والده في مدينة شنمو، وأن العربة كانت مظلمة للغاية فاضطر لإشعال شمعة.

ينهره البائع قو رن، ويقرر أن يأخذه معه، للبحث عن والده، وذلك ليأخذ منه تعويضا عن الخسائر التي تسبب فيها ابنه. من هنا تبدأ علاقتهما، في اتخاذ شكل مغاير تماما، فتتحول من علاقة فاترة، يسيطر عليها الغضب، إلى علاقة أب وابنه؛ فالبائع قو رن يرى في الطفل ابنه الراحل، وكذلك الطفل يشعر أن قو رن يهتم به كوالده الذي يفتقده. يقضيان معا وقتا طويلا للبحث عن والد ماو دو، ويتنقلان من مكان إلى آخر، وفي النهاية يعثران على مكانه، ولكن للأسف تكون الصدمة أن والد ماو دو قد توفي في حادث غامض، وبالطبع لم يكن ماو دو يعلم هذه الحقيقة، فقد كان يظن أن والده ذهب للعمل في شانغهاي.

وفي النهاية يضطر قو رن إلى إعادة ماو دو إلى قريته، حيث يعتني به أحد أقاربه البعيدين، ولكن في مشهد مؤثر، لركض ماو دو خلف سيارة قو رن، ينتهي الفيلم، ويتركنا معجبين بكل تفاصيله، والتي قد تبدو بسيطة، ولكنها في حقيقتها عميقة، بل ومؤثرة للغاية.

ما هي طبلة بالانغ؟ وما سبب اختيار هذا الاسم للفيلم؟

اختيار هذا الاسم للفيلم له رمزية مهمة، ولكن قبل التطرق إلى ذلك، سأجيب على القسم الأول من السؤال. طبلة بالانغ، هي آلة موسيقية تقليدية وقديمة في الصين، ظهرت في عصر الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م). وهي عبارة عن طبلة صغيرة مستديرة، يتدلى من جانبيها حبلان في نهايتهما كرتان صغيرتان، وعند تحريك الطبلة يمينا ويسارا، ترتطم الكرتان الصغيرتان بجلد الطبلة فتحدثا صوتا. وطبلة بالانغ، كانت آلة موسيقية وحسب في الصين قديما، أما الآن فهي تعد من الألعاب التقليدية الصينية.

الطبلة التي يعلقها البائع في سيارته في الفيلم، هي أصلا لابنه المتوفي. وإعطاؤها للطفل في النهاية، يعني أنه شعر أن ماو دو مثل ابنه. ويشرح لنا المخرج الشاب باي تشي تشيانغ سبب اختيار اسم هذا الفيلم: "قال العديد من الأصدقاء على الإنترنت، إن هذا الاسم ’عائق‘ للفيلم؛ فمن وجهة نظرهم أنه ليس اسما تجاريا بشكل كاف. في الحقيقة، أنا أشعر أن هذا الاسم يميل إلى كونه اسما أدبيا؛ لأن طبلة بالانغ هذه، في الواقع، هي رمز لمشاعر البائع قو رن والطفل ماو دو. وفكرة القصة كلها كتبت حول تعاطف قو رن مع ماو دو، وإعطاؤه في النهاية طبلة بالانغ، يجسد تغير مشاعره. كما أن ثقب ماو دو للطبلة، ولصقها بضمادة الجروح، يرمز لجرح مشاعره، وشفائها فيما بعد، وعلى هذا الأساس اخترت هذا الاسم للفيلم."

الفيلم درامي، وتطغى عليه روح الأفلام التسجيلية، كما أن السيناريو فيه قليل نسبيا- يشبه إلى حد ما فيلم "العودة إلى التراب"، الذي عرض على شاشات السينما الصينية في عام 2022. كما أنه "حقيقي جدا " كما وصفه المشاهدون. وذلك ليس فقط بسبب تناوله لموضوع "الأطفال المتروكين" (أطفال الريف الذين يتركهم والدهم أو والدتهم للسعي لكسب الرزق والعمل في المدن)؛ بل لأن أبطال الفيلم هم أناس حقيقيون وليسوا ممثلين محترفين، فالبائع قو رن هو في الأصل سائق تاكسي، وأما الطفل الصغير ماو دو فهو طالب في المرحلة الابتدائية، ولكن أداءهما كان مميزا، وساعد المخرج في إيصال فكرة الفيلم بشكل فعال، جذب المشاهدين.

عرض الفيلم على شاشات السينما في الصين في فبراير عام 2023، وتم إنتاجه بإمكانات متواضعة وبسيطة، ويطلق عليه فيلم "الثلاثة بدون"؛ لأنه بدون ممثلين مشهورين، وبدون ميزانية كبيرة، وبدون مخرج مشهور. وكذلك رغم أنه أول فيلم درامي طويل للمخرج باي تشي تشيانغ، فإنه جذب قطاعا كبيرا من المشاهدين، ونال إعجاب المتخصصين في مجال السينما وصناعتها. والأكثر من ذلك أنه حصد العديد من الجوائز الدولية والمحلية، وآخرها جائزة الديك الذهبي لعام 2023، الذي حصد فيها خمس جوائز: جائزة أفضل فيلم للأطفال، وأفضل مصور، وأفضل مونتاج، وأفضل ممثل، وأفضل "عمل أول". وكذلك فاز في مهرجان بكين الدولي للأفلام في دورته العاشرة، وفاز في مهرجان شانشي للأفلام، ومهرجان الشرق الأقصى السينمائي في مدينة أوديني بإيطاليا.

ويمكن من خلال ذلك التماس أن الشغف هو القوة التي لا تصمد أمامها المعوقات، والدرب الذي يحمل المرء إلى ما يطمح إليه، وأن إدراك الأحلام لا يأتي سوى بالسعي وراءها، والإخلاص في العمل هو وحده ما يجلب النجاح.

--

مي عاشور، كاتبة ومترجمة من مصر.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4