دفعت إقامة دورتي الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتويتين في بكين 2022، تطور رياضات الجليد والثلج في الصين بشكل كبير. امتدت تلك الرياضات من منطقة شمال شرقي الصين إلى مختلف أنحاء البلاد، فبدأ عصر جديد لرياضات الجليد والثلج في الصين.

 وقد خططت اللجنة المنظمة لدورتي بكين للألعاب الأولمبية والبارالمبية 2022، مع الأجهزة الحكومية وهيئات إدارة المواقع الرياضية، مواصلة استخدام تلك المواقع بعد الأولمبياد الشتوية، لتكون كل ملاعب الأولمبياد الشتوية مفتوحة للجماهير، حتى يتمكن عشاق رياضات الجليد والثلج من تحقيق أحلامهم الثلجية فيها.

حديقة شوقانغ الصناعية، التي استخدمت كموقع للمسابقات الأولمبية، صارت مقصدا سياحيا مشهورا، يمارس فيه عشاق الرياضة التزلج على الثلج. وفتح المركز الوطني للسباحة "المكعب المائي" للجماهير أيضا، حيث يقدم خدمات السباحة. واعتبارا من يناير 2023، تم فتح   ملعب الكيرلنغ فيه للجماهير. وفي منطقة تبلغ مساحتها 34 ألف متر مربع بالقرب من إستاد بكين الوطني، يمكن ممارسة عشرين رياضة، منها التزلج على الثلج وركوب الدراجات النارية على الثلج والأطباق الطائرة وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح الاستمتاع بالمناظر الثلجية الجميلة في المركز الوطني للتزلج على الثلج على الجبل العالي "شيويه في يان" وتجربة الإقامة في "غرف حاملي الألقاب الأولمبية" في قرية الألعاب الأولمبية الشتوية، من النقاط السياحية الساخنة الجديدة للصينيين.

إقبال متزايد على رياضات الجليد والثلج في الصين

في نهاية عام 2022، بدأت الدورة التاسعة للموسم الوطني للجليد والثلج للجماهير وستستمر حتى هذا الشهر، إبريل 2023. هذه الدورة التي تقيمها الإدارة العامة للرياضات الصينية، يبلغ عدد فعالياتها في مختلف أرجاء الصين 1499.

في نهاية ديسمبر عام 2022، افتتحت الدورة التاسعة عشرة لمهرجان "نادام" والدورة الخامسة لاجتماع الأبطال على الجليد والثلج في هولونبير بمنطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم، وقد اجتذب الحدثان كثيرا من السياح من مناطق جنوبي الصيني لتجربة النشاطات الثلجية والعادات التقليدية المحلية. ومن أجل جذب المزيد من الزوار، قدم مهرجان "نادام" خدمات تجربة المركبات على الطرق الوعرة والدرجات النارية على الثلج، بجانب الرياضات التقليدية الثلجية مثل ركوب الخيل والرماية. وقد جذبت المشاهد الثلجية الساحرة والأنشطة الترفيهية والثقافة الرائعة والرياضات الثلجية، الزوار من مختلف أنحاء الصين لتجربة سحر مهرجان "نادام".

في يناير عام 2023، افتتحت الدورة الخامسة لموسم الرياضة البدنية على الجليد والثلج للجماهير بمقاطعة سيتشوان، في منحدرات التزلج بحديقة جبل تشقو الطبيعية في ولاية آبا بالمقاطعة، وأقامت مدن تشنغدو وداتشو وقوانغيوان سلسلة من النشاطات المتتالية لهذا الموسم، على مدى ثلاثة شهور تقريبا. إن النشاطات التي يشارك فيها الآباء مع أطفالهم أصبحت المفضلة لدى الناس من بين النشاطات المختلفة.

في بلدية تشونغتشينغ، أصبحت رياضات الجليد والثلج نشاطات عامة محبوبة للمحليين، إذ تندمج مع المناظر الطبيعية الجميلة. وقد أقيمت الدورة الثانية لمهرجان الثلج في حديقة هونغتشيبا الوطنية للغابات بمحافظة ووشي، حيث يتعلم اليافعون التزلج على الجليد وتجربة الثقافة الثلجية في أنشطة المخيمات الشتوية.

وفي مقاطعة قوانغدونغ، أصبح هوكي الجليد والتزلج على الجليد بمختلف أشكاله حدثين رسميين في ألعاب مقاطعة قوانغدونغ لأول مرة، وشارك فيهما 364 لاعبا من ثماني مدن، وفاز لاعبون من سبع مدن بميداليات.

وبالإضافة إلى المدن المذكورة، تعمل مدن ييتشانغ بمقاطعة هوبي وتشانغتشو بمقاطعة جيانغسو وناننينغ بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ، على دمج رياضات الجليد والثلج مع السياحة، مما يجعلها "بطاقة عمل" جديدة لها.

الجليد والثلج جبال من الذهب والفضة أيضا

نموذج "الجليد والثلج +"، أي دمج رياضات الجليد والثلج بالسياحة والعادات الثقافية التقليدية، انضم إلى نماذج التنمية الاقتصادية ويدفع تطور المجتمع الاقتصادي بشكل إيجابي.

في بكين، اكتظ 40 منحدر وحلبة تزلج في خمس وعشرين حديقة بالسياح في عطلة عيد رأس السنة لعام 2023، وبلغ عدد زوار حي يانتشنغ في العاصمة 758 ألفا في عطلة عيد الربيع لعام 2023، أي ما يعادل 57% من إجمالي عدد من قاموا بالسياحة الريفية في بكين، بالاستفادة من تراث دورة بكين للألعاب الأولمبية الشتوية. قال نائب رئيس حكومة حي يانتشنغ، رن جيانغ هاو: "سوف تعزز الحكومة بشكل عميق السياحة الريفية والرياضات في الهواء الطلق، لبناء أجمل حي للرياضات الشتوية على أساس تراث دورة الألعاب الأولمبية الشتوية وخبرتنا في تقديم الخدمات الجيدة للمسابقات على الجليد والثلج."

تجاوزت أرباح منتجع تشانغبايشان الدولي في مدينة بايشان بمقاطعة جيلين عشرة ملايين يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات) في ثلاثة أيام متتالية في عطلة عيد الربيع لعام 2023، وفي نفس الوقت، زاد عدد حجوزات الأنزال المحيطة بمنحدر بايداهو للتزلج لعام 2023 في مدينة جيلين 16 ضعفا مقارنة مع عام 2019، وجاء 1ر18% من السياح من مقاطعات أخرى، مما ساهم بنسبة 9ر68% من إجمالي حجم الاستهلاك السياحي للسوق السياحية في مقاطعة جيلين.

شهد منحدر يويهاي للتزلج في مدينة ينتشوان بمنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، ذروة سياحية في عطلة عيد الربيع، حيث بلغ أعلى عدد سياح في يوم واحد حوالي سبعة آلاف فرد، وكان المرشدون مشغولين جدا. واستقبل منحدر التزلج حوالي 170 ألف سائح حتى نهاية فبراير، وحقق أرباحا بلغت نحو عشرة ملايين يوان ووفر فرص عمل لحوالي مائتي شخص.

تجاوز عدد السياح في منحدر ليويتسونغبوه للتزلج في ولاية أنشي الذاتية الحكم لقوميتي توجيا ومياو في مقاطعة هوبي أربعة آلاف فرد يوميا، منذ عطلة عيد الربيع، وبلغ عدد السياح الإجمالي حتى نهاية يناير أكثر من ستين ألف فرد، وتجاوز الدخل السياحي الإجمالي أكثر من مائة مليون يوان.

كما ازدهر منتجع منحدر آوشان للتزلج في محافظة تايباي بمدينة باوجي في مقاطعة شنشي مع انتشار التزلج على الثلج محليا، وتستفيد محافظة تايباي من ازدهاره أيضا. قال المدير التنفيذي للمنتجع، جي لي جيانغ: "يحيط بنا أكثر من أربعمائة مطعم وأربعون نزلا ريفيا وعشرون فندقا. وحصل أكثر من أربعمائة مزارع محلي على فرص عمل بعد أن كانوا من الأسر الفقيرة."

دفع تطور صناعة الجليد والثلج الصينية

تعهدت الصين بـ"دفع ثلاثمائة مليون شخص للمشاركة في رياضات الجليد والثلج"، الأمر الذي نشط اقتصاد الجليد والثلج بصورة عميقة. أصبحت "الموارد الباردة من الجليد والثلج" محركا قويا لتنمية الاقتصاد المحلي، فقد أصدرت حكومات عديدة على مستوى المقاطعة سياسات خاصة لتعزيز تطوير رياضات الجليد والثلج وصناعة الجليد والثلج. وأصدرت الإدارة العامة للرياضة الصينية واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح وغيرهما من الهيئات الحكومية الوطنية الصينية ((خطة تطوير صناعة الرياضة في الهواء الطلق (2022- 2025))) التي طرحت بناء هيكل تنمية يندمج مع رياضات الجليد والثلج. فأصبح تطور السوق قوة مهمة لتعزيز تطور صناعة الجليد والثلج.

قال رئيس غرفة التجارة الدولية الصينية، رن هونغ بين، إن قطاع رياضات الجليد والثلج في الصين قد حقق تطورا سريعا بالاستفادة من إقامة دورة بكين للألعاب الأولمبية الشتوية، وتنشطت سلاسل الصناعة الكاملة، من المعارض والسياحة والمعدات والسباقات. ووفقا لـ((تقرير تطور سياحة الجليد والثلج في الصين لعام 2023)) الذي أصدره المعهد الصيني لأبحاث السياحة، بلغ عدد من قاموا بسياحة الجليد والثلج 344 مليونا في عامي 2021 و2022، ووصلت عائدات سياحة الجليد والثلج إلى 474 مليون يوان.

لا يجرب السياح رياضات الجليد والثلج فحسب، وإنما أيضا ينفقون الأموال على الإقامة والترفيه. ووفقا لـ((تقرير البيانات الكبرى لاستهلاك سياحة الجليد والثلج في الصين لعام 2022))، يفضل السياح إنفاق المزيد من المال على الإقامة والتزلج على الثلج والاستمتاع بالينابيع الساخنة، من بين نفقاتهم الرئيسية في سياحة الجليد والثلج.

وتلبية لاحتياجات المستهلكين إلى سياحة الجليد والثلج، عززت الحكومات على المستويات المختلفة أنماط استهلاك جديدة، ومن بينها منتجعات التزلج على الثلج والأنزال ذات ميزات الجليد والثلج، والمطاعم المتميزة، وإحياء التراث الثقافي غير المادي، وعروض الجليد والثلج. ودمج الجليد والثلج بالمواقع السياحية وقاعات الحفلات الموسيقية والمسارح الكبيرة، الأمر الذي يوسع السلسلة الصناعية لرياضات الجليد والثلج.

انتشار رياضات الجليد والثلج ليس دافعا قويا للسياحة فحسب، وإنما أيضا يعزز ترقية صناعة المعدات المعنية باستمرار.

قال رئيس المعهد الصيني لأبحاث السياحة، داي بين، إن توسع سوق سياحة الجليد والثلج، مع سياسات الدعم لها، ينشط الاستثمارات العامة والصناعية، وينمي أيضا كيانات السوق الجديدة. ووفقا للإحصاءات، تم تسجيل حوالي 9000 شركة معنية بصناعة الجليد والثلج في الصين حتى نهاية عام 2022، من بينها 1460 شركة سجلت في عام 2022، بزيادة بلغت نسبتها 1ر20% مقارنة مع عام 2021. ووفقا لـ((مخطط تنمية رياضات الجليد والثلج (2016- 2025))) الذي أصدرته الإدارة العامة الصينية للرياضة واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، سوف يبلغ الحجم الإجمالي لصناعة الجليد والثلج الصينية تريليون يوان بحلول عام 2025. ويُعتقد أن السنوات العشر المقبلة، هي مرحلة تنمية ذهبية لصناعة الجليد والثلج في الصين.

جياشيانغ محافظة كبيرة في زراعة القطن في مقاطعة شاندونغ، فيها أكثر من 300 شركة و1500 أسرة لإنتاج القفازات وتجهيزها ودعمها، لذلك تعرف باسم "مدينة القفازات الشهيرة". إنتاجها من قفازات رياضة التزلج على الثلج مشهورة وتباع في أكثر من ثلاثين دولة ومنطقة في مختلف أنحاء العالم.

البطانية الثلجية (توفر شعور التزلج على الثلج لمستخدميها)، التي تنتجها شركة داووا للمعدات الرياضية بمدينة لانغفانغ بمقاطعة خبي، تتجاوز حصتها في السوق الصينية 60%، وتباع في أسواق اليابان وجمهورية كوريا ومنغوليا وروسيا. أنشأت شركة هيلونغ لمعدات رياضات الجليد والثلج بمدينة تشيتشيهار في مقاطعة هيلونغجيانغ، خط إنتاج ألواح التزلج على الثلج، وتبلغ قدرتها الإنتاجية أكثر من مائتي ألف لوح تزلج سنويا.

يحتل عدد الشركات العاملة في مجال رياضات الجليد والثلج في مقاطعة شاندونغ طليعة البلاد. وتعد تشنغداو وويهاي ودتشو، مدنا قوية في صناعة معدات رياضات الجليد والثلج.

تاريخ رياضات الجليد والثلج في الصين

عاش أبناء الشعب الصيني من القوميات المختلفة في المناطق الشمالية من الصين مع الجليد والثلج لمدة طويلة في تاريخ التطور الصيني، وخلقوا ثقافة رائعة لرياضات الجليد والثلج.

في عام 2005، اكتُشف اللوحة الضخرية الملونة المحفوظة بشكل جيد في كهف بمدينة آلتاي بمنطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية الويغور في الصين. تصف اللوحة مشاهد لأفراد يطاردون فرائسهم ويركبون ألواح التزلج على الثلج، ممسكين بعصي في أيديهم، مما يبرز الدلالة التاريخية للتزلج على الثلج.

ومرورا بالأسرات العديدة في تاريخ الصين، فإن رياضات الجليد والثلج ليست رياضة فحسب، وإنما أيضا تلعب دورا مهما في مجالات الصيد والحرب والإنتاج والنقل وغيرها. جاء في ((سيرة قومية شيوي بكتاب أسرة سوي (581- 618))): إن مناخ بيئة المعيشة لقومية شيوي بارد جدا، حيث تتراكم الثلوج الكثيفة، وكان الناس يخشون الوقوع في الحفر الثلجية، فكانوا يمشون على ألواح خشبية.

وجاء ذكرُ "الحصان الخشبي" وعربات الكلاب في ((سجلات التوحيد لأسرة يوان (1271- 1368)) بمنطقة كاييوان الإدارية، وكان شكل "الحصان الخشبي" يشبه المنجنيق ويبلغ طوله حوالي 33ر1 متر وعرضه 15 سنتيمترا، كل قدم مرتبطة به، يمكنه المشي على الجليد والثلج، بسرعة تضاهي سرعة الحصان الحقيقي. وصنعت عربات الكلاب من الأخشاب، شكلها يشبه السفن، ويبلغ طولها حوالي ثلاثة أمتار وعرضها 66 سنتيمترا، وتجرها عدة كلاب على الجليد والثلج.

انتشرت المزلجة بشكل عام في أسرتي مينغ (1368- 1644) وتشينغ (1644- 1911). جاء في ((سجلات البلاط لأسرة مينغ)): عندما يتجمد النهر في الشتاء، يحب الناس وضع لوح خشبي كبير على الجليد وعليه مقاعد أو حصير من القش، يجلس على اللوح شخصان أو ثلاثة أشخاص ويجر اللوح شخص واحد. أصبحت المزلجة وسيلة مهمة للجماهير للترفيه في الشتاء.

اليوم، أدرج العديد من رياضات الجليد والثلج التقليدية على قائمة التراث الثقافي غير المادي للصين، وتحظى بحماية جيدة لكونها تراثا ثقافيا غير مادي.

رغم اختتام دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ببكين منذ أكثر من سنة، أصبح حب الشعب الصيني لرياضات الجليد والثلج أعمق، وتحقق صناعة الجليد والثلج تطورا كبيرا أيضا. وتماشيا مع مشاركة المزيد من الجماهير في رياضات الجليد والثلج، سوف تشهد المزيد من التطور الطويل الأجل في المستقبل بلا شك.