مال واقتصاد < الرئيسية

التعاون الاقتصادي والتجاري يعطي زخما قويا للعلاقات الصينية- العربية

: مشاركة
2024-05-07 14:58:00 الصين اليوم:Source عبدالله الفرج:Author

تمر هذا العام الذكرى السنوية العشرون لتأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي، في الوقت الذي تحقق فيه العلاقات العربية- الصينية مزيدا من التقدم والتطور. وهذا ليس مصادفة، فخلال العشرين عاما الماضية، تغيرت أمور عدة. فمنذ 30 يناير عام 2004، عندما تم الإعلان عن تأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي، بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، وحتى الآن جرت مياه كثيرة كما يقول المثل. إن نظرة خاطفة على التغيرات التي طرأت على موقع الصين في النظام العالمي، خلال العشرين عاما الماضية، كفيلة بتوضيح مدى التغير الذي شهدته العلاقات الصينية- العربية خلال هذه الفترة. وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى التقدم الاقتصادي الذي حققته الصين. فقد تسارع نمو هذا الاقتصاد، بعد الإصلاحات التي أطلقتها الصين منذ عام 1978. ولذلك ارتفعت معدلات نمو الاقتصاد الصيني بوتائر عالية، فمن 57ر1% في عام 1976 إلى 33ر11% في عام 1978 واستمرت هذه المعدلات المرتفعة حتى وصلت إلى أعلى مستوى لها 19ر15% في عام 1984. وفيما بعد انخفضت هذه الوتائر بعض الشئ، إلا أنها بقيت مرتفعة. ففي عام 2007، كان معدل نمو الاقتصاد الصيني 2ر14%. وهذا التطور السريع أدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني من 54ر149 مليار دولار أمريكي في عام 1978 إلى 6ر3 تريليونات دولار أمريكي تقريبا في عام 2007، أي أنه تضاعف، خلال هذه الفترة، أكثر من 24 مرة تقريبا، وتخطى الاقتصاد الفرنسي والبريطاني والألماني، متحولا بذلك إلى ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وعلى هذا الأساس لم يبق أمام الصين غير دولتين؛ الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.

وبعد عام 2008 دخل الاقتصاد العالمي في دورة جديدة، أهم معالمها تحول الاقتصاد الصيني إلى قاطرة تجر وراءها بقية عربات الاقتصاد العالمي. وخلال هذه الفترة، أي في عام 2010، تخطى الاقتصاد الصيني الاقتصاد الياباني وتحول إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهكذا، فلم يعد أمامه غير الاقتصاد الأمريكي. الأمر الذي أدى إلى دخول النظام العالمي في مرحلة انتقالية، أهم سماتها التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من أجل التربع على عرش الزعامة العالمية.

وفي نفس الفترة تقريبا، أخذت تتشكل أطر النظام الإقليمي العربي، حيث بدأت تتسارع وتائر النمو في العديد من البلدان العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي وصل ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 528 مليار دولار أمريكي تقريبا. كذلك نمى الاقتصاد في بقية البلدان العربية، وعلى رأسها الإمارات ومصر والجزائر والعراق، التي أصبحت أكبر 5 اقتصادات عربية.

وهذا التطور الذي شهده اقتصاد البلدان العربية، يعود في جزء منه إلى زيادة التبادل التجاري مع الصين. فإن التبادل التجاري بين المملكة العربية والصين خلال الفترة من عام 2011 وحتى عام 2022، قد نمى بشكل ملفت للنظر. ففي عام 2011 كانت الصين ثالث أكبر دولة تصدر إليها السعودية، وأول دولة تستورد منها. ولكن هذا تغير ابتداء من عام 2018، عندما أصبحت الصين الشريك التجاري رقم واحد للسعودية وبشكل مطلق (أي على طرفي التجارة الخارجية: الصادرات والواردات)، واستمر هذا حتى الآن. وهذا الموقع التجاري المتميز كانت تشغله فيما مضى الولايات المتحدة الأمريكية التي تراجعت إلى خامس شريك تجاري للسعودية حاليا.

في عام 2022، وصل حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين إلى حوالي 399 مليار ريال (الدولار الأمريكي يساوي 75ر3 ريالات)، أي أكبر من حجم التبادل التجاري مع البلدين اللذين أتيا بعدها مجتمعين، وهما الهند واليابان. وفي نفس العام، بلغ حجم التبادل التجاري للسعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى حوالي 152 مليار ريال، أي أقل من الصين بما يصل إلى 6ر2 مرة.

ويعود جزء كبير من ضخامة حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين، إلى حجم واردات السعودية من الصين. ففي قائمة أكبر عشر دول استوردت منها السعودية عام 2022، جاءت الصين على رأس القائمة، وبعدها أتت الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة والهند واليابان. ورغم أن ترتيب الولايات المتحدة الأمريكية، قد جاء الثاني، فإنه من غير الممكن، عدم ملاحظة الفرق الكبير بينها وبين الصين التي استوردت منها السعودية في العام المشار إليه بما يقارب 149 مليار ريال. في حين أن حجم الواردات من الولايات المتحدة الأمريكية، قد وصل إلى حوالي 65 مليار ريال فقط، أي أقل بـ3ر2 مرة تقريبا عن واردات السعودية من الصين.

كذلك، فإن صادرات السعودية إلى الصين هي الأكبر، بالمقارنة مع بقية شركائها التجاريين. ففي عام 2022، جاءت الصين على رأس قائمة البلدان التي ذهبت إليها صادرات السعودية، وبفارق كبير عن بقية البلدان التسعة التي جاءت بعد الصين، عندما وصلت هذه الصادرات إلى 250 مليار ريال تقريبا. في حين بلغت الصادرات للهند التي تعتبر ثاني أكبر الدول التي صدرت إليها السعودية نحو 157 مليار ريال، مما يعني أن صادرات السعودية للصين تزيد بما يقارب 6ر1 مرة على صادراتها للهند. وفيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية، فإن حجم صادرات السعودية إليها، قد وصل في عام 2022 إلى حوالي 87 مليار دولار أمريكي فقط، أي أقل من حجم صادراتها للصين بحوالي 9ر2 مرة.

والتفاوت في حجم التبادل التجاري بين السعودية من جهة وكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، ليس هو الاختلاف الوحيد في العلاقات التي تربط السعودية مع هذين البلدين. فالعلاقة الاقتصادية مع الصين مرتبطة بإقبال سكان السعودية على البضائع الصينية، نتيجة المزايا التنافسية التي تتمتع بها هذه البضائع. أما السلع الأمريكية، فإن الطلب عليها من السكان ليس كبيرا، نتيجة ارتفاع أسعارها. فالمشتري والمستورد للسلع الصينية، هو القطاع الخاص، وبصفة رئيسية رأس المال التجاري في السعودية، الذي يحقق أرباحا عالية نتيجة رواج السلع التي يستوردها. وهذا التوجه سوف يستمر طالما ظلت المنتجات الصينية تتمتع بمزايا نسبية. ولذلك، يمكن إدراج هذا الإقبال على السلع الصينية ضمن القوة الناعمة، التي من شأنها تعزيز العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر.

وعلى هذا الأساس، فمن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيدا من تعزيز العلاقات بين السعودية والصين، مدفوعة بالعديد من العوامل لعل أهمها:

-1 تطور المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي؛

-2 تغير موقع الصين في النظام العالمي؛

-3 توافق رؤية المملكة 2030 مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

إن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي، ربما تشارف على الانتهاء خلال الخمسة عشر عاما القادمة. فحسب ما تشير إليه التوقعات، ومن ضمنها توقعات مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال (سي إي بي آر "CEBR") البريطاني، وبنك غولدمان ساكس، فإن الصين هي المرشحة لقيادة النظام العالمي القادم. ولذلك، فإن الفترة المقبلة سوف تشهد تنافسا بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بطرق متباينة. فالصين سوف تسعى لتعزيز اقتصادها، وهذا يعني أنها سوف تكون في موقع أشبه ما يكون بالهجوم، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية، ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سوف تكون في موقع الدفاع، وذلك لإعاقة تقدم الصين- كحد أدنى- أو الحيلولة بين الصين وبين تحقيق ما تصبو إليه كحد أعلى. فكما تشير توقعات التقرير الجديد لمركز "CEBR" لعام 2024، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين سوف يتعدى نظيره الأمريكي في عام 2038. ومن ثم، وكما تشير توقعات بنك غولدمان ساكس، فإنه سوف يتباعد عنه للأمام بمسافات كبيرة بعد ذلك.

إن الناتج المحلي الإجمالي الصيني من المتوقع أن يصل في عام 2050 إلى 42 تريليون دولار أمريكي تقريبا، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لن يتعدى حينها 2ر37 تريليون دولار أمريكي. أما في عام 2075، فإن النتائج المحلي الإجمالي الصيني من المحتمل أن يصل إلى 57 تريليون دولار أمريكي، في الوقت الذي لن يتعدى فيه الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 5ر51 تريليون دولار أمريكي.

إن تغير موقع الصين في النظام العالمي وتحولها إلى أضخم اقتصاد في العالم، سوف يؤدي إلى تغير جذري في النظام العالمي، لم يشهده منذ خمسمائة عام. فانتقال الزعامة إلى الصين وآسيا، سوف يؤدي إلى مزيد من تطور العلاقات بين الدول العربية والصين.

وقد أتت القمة السعودية- الصينية والقمة الخليجية والعربية- الصينية التي عقدت في ديسمبر 2022 في الرياض بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، لتعطي زخما قويا للعلاقات السعودية- الصينية وللعلاقة الخليجية والعربية مع الصين، في وقت يعيش فيه النظام العالمي مرحلة انتقالية، أهم سماتها الاضطراب وعدم الاستقرار غير المسبوقين.

وتدل الكلمات التي ألقاها ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، على تطور كبير في العلاقات مع الصين. فقد أشار ولي العهد، خلال القمة الخليجيةـ الصينية إلى: أهمية تنسيق وجهات النظر حيال القضايا الإقليمية والدولية "انطلاقا من الأهداف السامية والغايات التي بني عليها مجلس التعاون، واستنادا إلى عمق العلاقة والصداقة التاريخية التي تربط بلداننا مع الصين". فهذه الإشارة، تعني أن العلاقات تسير باتجاه تنسيق الأجندة مع الصين حول القضايا الإقليمية والدولية. وهذا إذا تم، فإنه سوف يشكل نقلة نوعية متقدمة للعلاقات، قل إن تجد ما يشابهها بين دول مجلس التعاون الخليجي وأي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى ما يبدو، فإن عودة العلاقات السعودية- الإيرانية بوساطة صينية، تأتي ضمن هذا التوجه.

ولذلك، فليس مصادفة انتقال الصين من الدفاع إلى الهجوم، وذلك ضمن ما يطلق عليه "دبلوماسية الذئاب المحاربة"، من أجل الدفاع عن المكتسبات التي حققتها. فهذا التوجه هو الآخر سوف يؤدي إلى تعزيز العلاقات بين البلدان العربية والصين. فهذا سوف ينهي المرحلة التي أشار إليها الباحثون الصينيين: "الصين دولة قوية، لكنها لا تتصرف وفقا لذلك". وعلى هذا الأساس، فإن العلاقة بين البلدان العربية والصين مرشحة للعب دور كبير في تشكل النظام العالمي القادم. وهذا بالتأكيد سوف يعطي دفعا لا يستهان به لنشاط منتدى التعاون الصيني- العربي، الذي من المتوقع أن يلعب دورا متزايدا في توطيد العلاقات بين البلدان العربية والصين خلال الفترة القادمة.

--

عبد الله بن عبد المحسن الفرج، باحث زائر في مركز الدراسات الصينية- العربية للإصلاح والتنمية، وباحث كبير في مركز البحوث والتواصل المعرفي السعودي.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4