صور الأخبار | المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني

هل يصبح الحزب الشيوعي الصيني الأقوى ونموذج القيادة في العالم؟

2017-10-04 09:53

                                        

                  عادل ص

مع إطلالة شهر أكتوبر 2017، تشهد مدينة بكين استعدادات انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني. يندهش الغرباء من الاستعدادات التي تجري على قدم وساق بين المؤسسات الصينية المختلفة من أجل التجهيز لأعمال هذا المؤتمر، من وضع جدول الأعمال للجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، يعقبها مراجعة أعمال الحزب التي تمت خلال السنوات الخمس الماضية. نظرة فاحصة لحجم الملفات الساخنة التي سيناقشها الحزب، على المستويين المحلي والدولي تبين أن الحزب الشيوعي الذي أصبح أكبر كيان سياسي في العالم، حيث يضم نحو 89 مليون عضو، أمام تحديات يجب أن يتوقف عندها ليس الصينيون فحسب، وإنما أيضا كل من يهتم بمستقبل الكرة الأرضية برمتها.

الحزب الشيوعي الصيني، الذي ولدت أفكاره على يد الفيلسوف الرائد صون يات صن عام 1911، وولد من رحم ثورة الفلاحين الصينيين للقضاء على الاستعمار وأعوانه من الإقطاعيين وبقايا الحكم الإمبراطوري الذي قضى على استقلال البلاد، وجعلها فريسة للدول الاستعمارية، وأوقعها في المجاعات والجهل والتخلف، هو الحزب الذي يقود الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويرغب في أن ينهض ببلاده إلى قيادة العالم خلال السنوات المقبلة. جاءت لحظة ميلاد الحزب الشيوعي الصيني على يد الزعيم التاريخي ماو تسي تونغ، في يوليو 1921، مواكبة لانطلاق الأحزاب الوطنية الكبرى في مصر كحزب الوفد، وحزب المؤتمر في الهند، وغيرها من الدول النامية، احتجاجا على ما قررته الدول الاستعمارية مع انقضاء الحرب العالمية الأولى واتفاقها في مؤتمر فرساي بباريس على إعادة تقسيم الدول إلى مستعمرات فرنسية وبريطانية، ومد النفوذ الاستعماري الياباني والأمريكي لدول الجوار الجغرافي، مما أحبط الشعوب وأشعل ثوراتها الكبرى. تميزت تلك الأحزاب التاريخية بأنها ولدت من رحم شعوبها، حيث انتفضت كل الطوائف والأعراق لمواجهة الاستعمار، وبينما اختلفت في طريقة المواجهة مع الاستعمار وذيوله، كان طريق الحزب الشيوعي الصيني واضحا منذ البداية، حيث كون الحزب كوادره من الفلاحين الذين يشكلون نحو 90% من سكان الصين في ذلك الوقت.

استطاع الحزب الصيني الشيوعي أن يحدد رؤيته منذ انطلاقه،  فقد اختار الماركسية طريقا ومنهجا، على خلاف الأحزاب الأخرى التي انطلقت في المشرق العربي والهند، التي حاولت اتباع الليبرالية على النهج الغربي وسيلة للتحرر، فتعثرت في الخطي كثيرا. وبينما استفاد الحزب الشيوعي الصيني من الزخم الذي أحدثه الثورة البلشفية في روسيا، وتحفيز طبقة العمال والفلاحين ضد الاقطاع والاستعمار في أنحاء العالم، خرجت الثورة الأم عن مسارها، بما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي بعد 70 عاما. تسببت الضربة الموجعة التي تلقاها الحزب الشيوعي السوفيتي في انهيار أغلب الأنظمة التي اتبعت النهج الماركسي، في أنحاء المعمورة، وحينما انتظر العالم أن تصبح الشيوعية أثرا بعد عين، كانت الصين تشهد انطلاقة جديدة، تحت قيادة الحزب الشيوعي.

شهد العالم تحولات كبرى في عالم السياسة في الربع الأخير من القرن الماضي، فحدثت تحولات في أنحاء الأرض، وتغيرت الأفكار. وفي وقت بدأ العالم يغرق في الحروب، كان الحزب الشيوعي الصيني ينهج طريق الإصلاح، الذي بدأ اقتصاديا، على يد الزعيم دنغ شياو بينغ، الذي أضاف رؤية جديدة للحزب الشيوعي تتواكب مع متطلبات عصره، بما دعاه للانفتاح على العالم الرأسمالي مع الاحتفاظ بميراثه الشيوعي، وخلق ما يسمى بالمفهوم الصيني للإصلاح على الطريقة الصينية.  بظهور هذا المصطلح السياسي، عرف العالم نوعا جديدا من الشيوعية ذات الخصائص الصينية، والديمقراطية عبر مسارات الحزب الواحد، الحاكم لأكبر دولة سكانا على وجه الكرة الأرضية. وفي الوقت الذي انهارت فيه اقتصادات دولة عتيقة مثل الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا، وتعرضت الدول الغربية لأزمات مالية عديدة، كان الحزب الشيوعي يقود البلاد نحو التنمية المستدامة، والاستقرار الاجتماعي والتطور الاقتصادي الشامل، بل ويقود تحولا في الأفكار والرؤى، بما دفعه لتغيير دستوره، ووضع نظام جديد يحول دون استمرار قيادته في منصبها للأبد، ويحارب مظاهر الفساد المالي والاجتماعي والانحراف، من خلال نظم حديثة للرقابة على أعضاء الحزب، ومؤسساته الداخلية، وقياداته.

المسيرة الكبرى

 لم يكن سهلا في رحلة تمتد نحو قرن إلا قليلا، أن يواصل الحزب الشيوعي الصيني مسيرته، دون توظيف الخبرات الثمينة التي جناها أثناء مرحلة توحيد وقيادة الشعب من كل المجموعات العرقية وتنفيذ ودفع الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. ورغم أن المسؤولين سيفحصون بشكل شامل الوضع دوليا ومحليا، فمن المنتظر أيضا أن يبحثوا المتطلبات الجديدة لتنمية الحزب والبلاد والمطالب الجديدة للشعب التي تتواكب مع متطلبات العصر، وبخاصة تجديد شباب الحزب، ليصبح بحق أقوى حزب في العالم، قادرا على مواجهة الظروف المحلية والدولية المحيطة بالصين، وعدد السكان الهائل، والاقتصاد الذي يمر بظروف محلية ودولية صعبة للغاية.

من المؤكد أن قيادات الحزب تحاول العبور به من المحلية إلى الدولية، بخلق نموذج يتطلع إليه العالم، بعد أن صنع قيادات قادرة على إدارة دولة بحجم الصين وتنهض بها من القاع إلى القمة، وأن تصبح خبرته في التنمية الاجتماعية والاقتصادية نموذجا عالميا، يساهم في وضع نظام للحوكمة العالمية. فقد أنشأ الحزب الشيوعي الصيني هيكلا تنظيميا فعالا وانضباطا حزبيا صارما، ساعداه في الاستمرار رغم الحروب والثورات وواصل الازدهار بعد قرن تقريبا ولم  يتوقف عند إنجازاته، حيث تم انتشال أكثر من سبعمائة مليون شخص من براثن الفقر منذ عام 1978. وفي السنوات الأربع الماضية فقط، شهدت الصين وصول أكثر من 55 مليون نسمة إلى مستويات معيشية مقبولة،  بل حذرت قيادته مرارا من أن "أكبر تهديد للحزب هو الفساد، وأن الحزب الشيوعي الصيني يجب أن يخدم الشعب بشكل أفضل ويقود ثاني أكبر اقتصاد في العالم". فمنذ المؤتمر الوطني الثامن عشر اجتاحت البلاد حملة لمكافحة الفساد ما أدى إلى التحقيق مع 240 مسؤولا كبيرا.

في خطابه خلال حلقة نقاش رفيعة المستوى، في إطار التحضير للمؤتمر الوطني الـتاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، أرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ رسالة قوية بأن البلاد ستتمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وستعمل على تعزيزها. ومن المقرر أن ينتخب المؤتمر قيادة الحزب لفترة مقبلة مدتها خمس سنوات. ومن ثم، فإن خطاب شي كان يحضر للأساس السياسي والأيدولوجي والنظري للمؤتمر.

يشهد للصين أنها استطاعت خلال السنوات الخمس الماضية، تنفيذ المفهوم الجديد للتنمية بتعميق الإصلاح وتعزيز حكم القانون وتحسين البيئة وبناء جيش قوي، وحماية نفسها من الاضطرابات وتحقيق قفزة تاريخية من حالة الفقر والمجاعات إلى حال أفضل وأقوى، متخطية مشكلات الاختلاف عن الأنظمة السياسية الغربية، التي أثارت سوء الفهم والشكوك  في نظامها السياسي، عبر العقود الماضية، دفعت عددا من المراقبين للتنبؤ بمستقبل متشائم للصين وانهيارها. والواقع يؤكد أن معدل التنمية في الصين تجاوز مثيله في الكثير من الاقتصادات الكبرى في العالم، والحزب الشيوعي الصيني الذي يدير البلاد يزداد قوة، ودائرة أصدقاء الصين في المجتمع الدولي تزداد اتساعا. الآن تقف الصين عند منحنى تاريخي جديد، فالصين تواجه الكثير من التحديات الصعبة منها،  الفساد والفقر وظاهرة التلوث البيئي، بما يستدعي عدم التفاؤل المفرط، فالشعب يريد تعليما أفضل ودخولا أعلى ووظائف مستقرة ونظام ضمان اجتماعي يُعتمد عليه وخدمات طبية أرقى وظروف معيشية أكثر راحة وبيئة أكثر جمالا وحياة ثقافية أكثر ثراءً وانفتاحا على شعوب العالم.

طموحات الشعب المتزايدة تحتاج من الحزب الشيوعي الصيني تنفيذ استراتيجيات جديدة لامتلاك زمام المبادرة في حقبة سريعة التغير، خاصة مع إصرار الحزب على قيادة البلاد نحو تحقيق هدف بناء مجتمع الحياة الرغيدة، بحلول عام 2020، وعقب تحقيق هذا الهدف، ستسعى الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة بحلول 2049، وهو الوقت الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

تحقيق هذا الوعد مهم جدا للمواطنين وللحزب أيضا، كي يثبت أن "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" تستطيع الصمود أمام اختبارات الزمن، بل يمكنه أن يدعي أن سياسته يمكنها أن تحقق للدول النامية نقلة حضارية توافق متطلبات العصر، وأن يزعم بأن الحكمة الصينية والحلول الصينية المبتكرة، هي وسيلة فعالة في حل المشكلات التى تواجه العالم بأسره.