قضايا ساخنة | منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي

مبادرة "الحزام والطريق" الصينية تغير حياة أشخاص ومدن

2017-05-16 10:03

 حققت مبادرة "الحزام والطريق" نجاحات مبدئية مهمة منذ طرحها عام ٢٠١٣، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى وسط آسيا

فبالرغم من مرور ٣ أعوام فقط على طرحها، إلا أنها بما تضمنت من مشاريع أنجزت، وأخرى قيد التنفيذ، وعقود أبرمت واتفاقيات وقعت، نجحت في تغيير حياة مدن وأشخاص في دول كثيرة على طول مساراتها، من باكستان إلى كازاخستان وتايوان ولاوس وتايلاند والسعودية ومصروالجزائر واليونان وكينيا ودول أخرى كثيرة في آسيا وإفريقيا وأوروبا.

وتشهد المبادرة على تنفيذ مصانع، وموانئ، ومحطات طاقة، وخطوط سكك حديدية، وطرق وجسور، ومشاريع بنية تحتية أخرى عملاقة، نجحت بشهادة المحليين في تغيير واقعهم إلى الأفضل وسط طموحات بتحقق المزيد.

وساعدت المنافع التى جلبها رأس المال الصيني والشركات الصينية في المناطق المختلفة في إطار المبادرة على توسع عدد داعميها من الدول إلى نحو ١٠٠ دولة، أبرمت الصين مع ٤٠ منها اتفاقيات تعاونية لتشهد على نجاحات مبدئية ينتظر أن يعطيها منتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي الذى بدأت فعالياته، اليوم الأحد، في العاصمة الصينية بكين، زخما جديدا.

ويحضر المنتدى وهو الأول الذي تنظمه الصين منذ بدء المبادرة نحو ٢٠ رئيس دولة وحكومة وممثلون من نحو ١٠٠ دولة بينها مصر التى تشارك بوفد رفيع يضم وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر ووزير الصناعة طارق قابيل ورئيس الغرفة التجارية وغيرهم.

المبادرة: الخلفية والتاريخ

رغم أن المبادرة استلهمت اسمها كما يتضح من طريق الحرير القديم للتجارة، إلا أنها أعمق في مفهومها وأشمل في أهدافها، إذ لا تهدف فقط إلى إحياء الطريق التجاري القديم، وتعميق التبادل التجاري بين الصين والدول الأخرى الواقعة على الطريق، وإنما تمتد إلى مجالات أوسع من التعاون إلى الاقتصاد والسياسة والثقافة والسياحة والآثار والتعليم والتكنولوجيا وغيرها.

وتربط المبادرة أكثر من 60 دولة بإجمالي عدد سكان ٤.٥ مليار نسمة، أي 63 % من سكان العالم، بإجمالي 21 تريليون دولار أي 29 بالمئة من الناتج العالمي عبر عدة طرق.

وأعطاها "شي" دفعة قوية في قمة ابيك نوفمبر 2014 عندما أعلن عن مساهمة الصين بـ40 مليار دولار لإنشاء صندوق الحرير لتوفير الدعم المالي والاستثماري للبنية التحتية المحتملة، والتعاون الصناعي والمالي والمشاريع الأخرى التي ستقام بطول الطريق

وشهد عام 2015 توسعا في المشروع، ولدعم التنفيذ أطلقت الصين رسميا في 16 يناير العام الماضي في بكين بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية بعضوية 57 عضوا، ووصل العدد الآن إلى ٧٠ دولة ومنظمة بينها مصر، ويعتبر البنك ممولا مهما جدا لتنفيذ المشاريع.

وتتطلع الصين التي بدأت خطة لتحقيق مجتمع رغيد العيش لمواطنيها، وتعديل نمط نمو اقتصادها اعتمادا أكثر على الاستهلاك والخدمات، بدلا من التصدير والاستثمار إلى تحقيق الاستدامة لاقتصادها وتعزيز نوعيته، وهو ما أدى إلى تباطؤ معدل النمو ليتراوح في حدود ٧.٥ بالمئة بعدما كان يحوم فوق الـ10 بالمئة لسنوات عديدة.

وتتيح المبادرة لها الوصول إلى أسواق عالمية جديدة وسط طاقة إنتاجية مفرطة بعد سنوات من الانفتاح والنمو السريع ما يتيح لدول أخرى مختلفة تنموية أن تستفيد من ثمار النمو الصيني السريع.

وتحتل المبادرة أولوية كبيرة لدى الجانب الصيني في السنوات المقبلة لاعتبارات عدة داخليا وخارجيا.

فداخليا: ستساعدها على تنويع شبكة النقل البري والبحري الداخلية، وجسر الهوة التنموية بين الشرق المزدهر والغرب المتخلف من خلال نقل الطاقة الإنتاجية من المناطق الأكثر نموا إلى المناطق الأقل نموا، وبالتالي مواجهة مشكلات تعاني منها مثل التطرّف والإرهاب والانفصالية في أقاليم متخلفة تنمويا

ويراد أن تحفز الاستراتيجية الأجندة التنموية وتأمين الاستقرار داخليا وخارجيا في المناطق المضطربة مثل الشرق الأوسط.

وخارجيا: ستمكنها المبادرة من تأمين مصادر الطاقة التقليدية وإمدادات المواد الخام، فمنطقة مثل الشرق الأوسط تستورد منها الصين أكبر احتياجاتها النفطية بزيادة ثلاث مرات عن إفريقيا التي تحل ثانيا، كما أن تنويع شبكة النقل البحرية سيجعلها تتغلب على المخاوف بشأن أزمة خليج ملقا، أقصر طريق بين الصين والشرق الأوسط

وستساعد المبادرة الصين على تخفيف مخاوفها ببناء طرق بديلة لإمدادات الطاقة والمواد الخام.

كما تجنب المبادرة المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، التى تعتمد استراتيجية الهبوط الخشن ( تعزيز الوجود العسكري) في آسيا لاحتواء الصين وذلك عن طريق استراتيجة ناعمة تعتمد على التعاون مع الدول كافة لما في ذلك حلفاء أمريكا على أساس مبدأ التنمية المشتركة والتنافع المتبادل.

مشاريع مجدية في إطار المبادرة

مع ذلك، لا تتناقض المصلحة الصينية مع تحقيق مصالح الدول الأخرى الطامعة إلى التنمية وتحقيق الرخاء فالمبادرة ليست خطة مارشال إذ تعتمد في جوهرها على التعاون مع جميع الدول بدون مشروطيات وتقوم في شقها الأوسع على ربط استراتيجة الصين التنموية باستراتيجات التنمية للدول الأخرى.

وانطوت العديد من المشاريع الأولية التي أنجزت في كنف المبادرة في الدول المختلفة على كم كبير من بناء البنى التحتية والطرق والسكك الحديد والموانئ والمطارات ومحطات للطاقة، كان لها مفعول السخر في تغيير واقع الحياة في المناطق التي شيدت بها

ويشيد حاليا في إطار المبادرة 6 ممرات اقتصادية برية من بينها الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي يضم طريقا عاما رئيسيا وميناء إلى جانب مشاريع طاقة قيد البناء.

وفي مدينة غوادر الباكستانية، يلحظ تأثير المبادرة جليا بعد تحول ميناء الصيد إلى ميناء مزدهر يحلم السكان المحليين في أن يصبح مثل ميناء دبي، ويعد الميناء كمشروع رئيسي في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.

وفي الجارة القريبة ايران، تألق مشروع تابع لشركة طهران واغون للتصنيع، وهو مشروع مشترك بين إيران وشركة "سي أن آر تشانغشون" لصناعة مركبات السكك الحديدية الصينية وشركة "نورينكو للتعاون الدولي" الصينية

ويؤمن الإيرانيون بأن الصين متقدمة جدا في تطوير مترو الأنفاق والسكك الحديدية، ولديها ما يمكن أن تتقاسمه مع إيران ومن هنا تولدت رغبة الإيرانيين في التحول من استيراد عربات المترو من الصين إلى تجميعها في الداخل وبالتالي توطين التكنولوجيا

وكانت هناك مفاوضات بين الحكومة المصرية وشركة افيك الصينية حول إنشاء مصنع مماثل في مصر دون أن يعرف مصيره حتى الآن.

ويعمل حاليا بالمصنع الإيراني الذي أنشئ في عام 2003 نحو 960 عاملا إيرانيا فضلا عن فريق صيني مكون من 30 شخصا، لتجميع 450 عربة مترو و27 عربة ذات طابقين للقطارات بين المدن، وتصنيع 144 وحدة لهياكل عربات المترو سنويا، ويذهب الإنتاج إلى طهران وغيرها من المدن الإيرانية مثل مشهد وتبريز واصفهان وشيراز.

ويعتقد المحليون أن مترو الأنفاق غير حياتهم اليومية إلى الافضل، وينقل مترو طهران على سبيل المثال نحو 4 إلى 5 ملايين راكب يوميا، وتعمل 5 خطوط بنتها جميعا شركات صينية في العاصمة، ويوجد اثنان آخران قيد الإنشاء.

وفي المجر، لا شيء يعلو عن نجاح شركة صينية في إعادة احياء مصنع مجري ضخم للمواد الكيماوية كان على وشك الموت

وحولت مجموعة "وانهوا الصينية"  شركة "بورسودكيم" المحدودة في كزينبراسكا وهي منتج أوروبي رئيسي لأسيوسيانات توفر المواد الخام لعدد واسع من الصناعات، مثل السيارات والإنشاء والملابس والأحذية وإلالكترونيات والمستحضرات الصيدلانية إلى شركة رابحة بعد أن كانت تسجل خسائر ضخمة وكادت أن تغلق قبل استخواذ الأولى عليها.

واشترى صندوق بيرميرا البريطاني للاستثمار ومجموعة فيينا كابيتال بارتنرز شركة بورسودكيم التي تأسست عام 1949 في عام 2006، بيد أنها واجهت صعوبات حادة في عام 2008 بسبب ركود السوق العالمية وغياب الابتكار التقني.

وبدأ عملاق المواد الكيمائية ومقره مقاطعة شاندونغ في إعادة هيكلة الشركة بطريقة عصرية، جالبا إليها التقنيات المتقدمة والأساليب الجديدة في الإدارة دون أن يسرح أي عامل.

وتحولت "بورسودكيم" من شركة خاسرة إلى شركة رابحة في عام 2014، وفي عام 2015، قدر إجمالي صافي أرباحها بـ50 مليون يورو (نحو 54 مليون دولار) وهذا الرقم قد يصل إلى 90 مليون يورو (نحو 96 مليون دولار)، ورأى المجريون هذا التعاون بأنه ملهم ومشجع.

وتحمل العلاقات الصينية-المجرية توقعات أكثر إشراقا في ضوء تحول مبادرة الحزام والطريق تدريجيا من الورق إلى الواقع

وتوجد شركات "هواوي وزي تي إي" وبنك الصين وانخراط صيني في خط قطار بوادبيست- بلغراد ونمو مستمر في عدد السياح وكلها دلائل تشير إلى اندماج مبادرة الحزام والطريق مع سياسة الانفتاح على الشرق المجر.

ويمتد التعاون بين الدول الواقعة على طول الحزام والطريق ليشمل أيضا مجالات حماية البيئة، والتغير المناخي، ومكافحة الإرهاب، التبادلات الثقافية والفنون والتعليم والتنقيب عن الآثار.

فرص مصر

وبينما ينظر إلى التعاون بين الصين وكازاخستان كنقطة مضيئة على طول المبادرة، حيث توصل البلدان إلى 51 اتفاقية حول تعزيز القدرة الإنتاجية الصناعية بإجمالي استثمارات تبلغ قيمتها 26 مليار دولا بينها بناء ١٢ مشروعا في السكك الحديدية الخفيفة ومترو الأنفاق باستثمارات 4 مليارات دولار، إلا أن حجم التعاون التجاري والاستثماري بين مصر والصين لم يرق بعد إلى مستوى العلاقات السياسية.

وبلغ حجم الميزان التجاري نحو ١٣ مليار دولار في العام الماضي معظمه في مصلحة الصين، وفي إطار المبادرة ورغم رفع مستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في عام ٢٠١٤ وصلت الاستثمارات الصينية إلى ٧٠٠ مليون دولار فقط.

وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعمه لمبادرة الحزام والطريق خلال زيارة "شي جين" بين القاهرة في يناير العام الماضي واتفقا على ربط استراتيجة تنمية البلدين، وكانت الصين من أوائل المستثمرين في منطقة قناة السويس.

وفي ضوء الأرقام التي تشير إلى تجاوز الاستثمارات الصينية المباشرة الموجهة للخارج نظيرتها الأجنبية المباشرة الموجهة لداخل الصين وقفز الاستثمارات الصينية الخارجية غير المالية إلى 170 مليار دولار أمريكي في العام 2016، تتجه التوقعات إلى توسع الاستثمارات، الصينية في السنوات القادمة في إطار المبادرة الصينية.

ما يعني أن أمام مصر فرصة لزيادة الاستثمارات الصينية وتجاوز الرقم الضئيل جدا في ضوء العلاقات التاريخية الطيبة التي تجمع البلدين ومكانة مصر كنقطة ارتكاز مهمة على طول الطريق البحري للقرن الـ٢١، الذراع البحري المبادرة، بفضل الممر الملاحي الحيوي قناة السويس.