قضايا ساخنة | منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي

خط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي يدفع ترابط شرقي أفريقيا

2017-03-13 15:18

 

 في الساعة الحادية عشرة وسبع وأربعين دقيقة ظهر الخامس من أكتوبر 2016، انطلق القطار من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا غربا متجها إلى ميناء جيبوتي على البحر الأحمر شرقا، متوجا مراسم تدشين أول خط للسكك الحديدية عابر للحدود بين أديس أبابا وجيبوتي. هذا المشروع نفذته المجموعة الصينية لإنشاء السكك الحديدية والمجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية.

"خط تنزانيا- زامبيا" في المرحلة الجديدة

 في عام 2012، ذهب فو شيون مدير عام المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية، إلى إثيوبيا للتحضير لهذا المشروع، وشهد كافة مراحله حتى تشغيله. قال فو شيون: "هذا الخط اختصر وقت السفر بين أديس أبابا وجيبوتي من سبعة أيام إلى عشر ساعات."

منذ تخرجه في معهد تشاغتشا للسكك الحديدية عام 1985، يعمل فو شيون في الخط الأول لإنشاء السكك الحديدية الصينية، وشارك في مشروعات عديدة. بيد أن خط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي العابر للحدود هو أضخم مشروع شارك فيه وترك في نفسه ذكريات لا تُمحى، ويفخر به كثيرا. قال فو شيون: "يبلغ طول هذا الخط أكثر من سبعمائة وخمسين كيلومترا وبه خمس وأربعون محطة، وتبلغ سرعة القطار مائة وعشرين كيلومترا في الساعة، وبلغت تكلفته أربعة مليارات دولار أمريكي. تم إنشاء الخط وفقا للمعايير الصينية وبمعدات بناء صينية. هذا الخط هو أول مشروع للسكك الحديدية بصناعة صينية كاملة من حيث التصميم والاستثمار والتمويل والمعدات والمواد والإنشاء والإشراف والإدارة التنفيذية. شاركت الشركات الصينية في أعمال مختلفة بهذا المشروع؛ حيث قدم بنك الصين للاستيراد والتصدير قرض تمويل المشروع، ونفذته المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية، وقدمت شركة الصين لاستشارات المشروعات الدولية الخدمات الاستشارية والمراقبة والإدارة."

خط أديس أبابا- جيبوتي، خط آخر للسكك الحديدية عابر للحدود في أفريقيا، بعد خط تنزانيا- زامبيا. وإذا كان البعض يسمي خط أديس أبابا- جيبوتي بـ"خط تنزانيا- زامبيا في المرحلة الجديدة"، فالحقيقة أن ثمة اختلاف بين الاثنين، فخط تنزانيا- زامبيا مشروع مساعدة من الحكومة الصينية، بينما خط أديس أبابا- جيبوتي مشروع تجاري.

قبل تنفيذ المشروع، استشارت إثيوبيا خبراء من سويسرا وأستراليا ودول أخرى. وبعد البحث ودراسة واقع وحالة إثيوبيا، اعتقد الخبراء الغربيون أن بناء خط للسكك الحديدية الكهربائية في هذا المكان صعب لا يطابق الواقع، بسبب تخلف المنشآت التحتية الداعمة في إثيوبيا. إضافة إلى فجوة الارتفاع بين جيبوتي التي تقع في منطقة سهلية، وإثيوبيا التي تقع في هضبة يبلغ ارتفاعها ألفين وخمسمائة متر، تزيد الصعوبات التقنية لتنفيذ المشروع.

بعد ذلك، بادرت المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية بالاتصال بالجانب الإثيوبي لتقديم المساعدة والمشورة، وبعثت خبراء وفنيين لبحث الحالة الهيدروجيولوجية والتحقق من معلومات أخرى. واعتمادا على خبراتها الوافرة في إنشاء السكك الحديدية، قدمت تقريرا ودراسة جدوى اقتصادية للمشروع وخطة أولية ذات جودة عالية لشركة إثيوبيا للسكك الحديدية، وفازت بمقاولة المشروع.

 خلال عملية التنفيذ، نجح البناة الصينيون في التغلب على أنواع من الصعوبات؛ منها النقص في المواد، دورة النقل الطويلة لاستيراد المعدات والمواد، الظروف الصحية والعلاجية السيئة، حاجز اللغة، اختلاف التقاليد والعادات وغيرها. وقد شقوا طرقا في الجبل وبنوا جسورا على الأنهار. بدأ العمل في هذا المشروع في أكتوبر عام 2012 وأنجز في أكتوبر عام 2016، أي أنه استغرق ثمانية وأربعين شهرا فقط، وثلاثة عشر شهرا لمد الخط الحديدي، وتلك معجزة أخرى في إنشاء السكك الحديدية.

 خدمة المحليين

إيمان، الفتاة الإثيوبية التي لم تركب قطارا من قبل، تعمل منذ التشغيل الرسمي للخط مضيفة قطار ومحصلة تذاكر بهذا المشروع، وتفتخر أسرتها بوظيفتها كثيرا. قالت إيمان إن شقيقها مهندس، وقد شارك في أعمال القياسات بهذا المشروع منذ عام 2013، فأرادت أن تعمل في السكك الحديدية أيضا. بعد تخرجها في الجامعة عام 2016، تقدمت إيمان بطلب للحصول على وظيفة مضيفة قطار، وقد تحقق حلمها.

قال فو شيون: "خلال تنفيذ المشروع، تم توظيف حوالي أربعين ألف محلي. وفي عام 2016، قامت هيئة الإدارة المشتركة المكونة من المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية والمجموعة الصينية لإنشاءات الهندسة المدنية بتوقيع عقد لهذا الخط لمدة ست سنوات. بعد تشغيل الخط، سيصل عدد فرص العمل للمحليين به أكثر من ألفين، في مجالات الشحن وسفر الركاب وفحص وصيانة القطارات وصيانة البنية التحتية، وغيرها من الأعمال الأخرى.

يقول المثل الصيني: "أن تعلمني الصيد خير من أن تعطيني السمك". خلال عملية بناء الخط، قدمت الحكومة الصينية والشركات الصينية أموالا خاصة لتدريب أكفاء من إثيوبيا وجيبوتي في مجالات السكك الحديدية، فهناك أكثر من ثلاثمائة موظف من شركة إثيوبيا للسكك الحديدية تم تدريبهم على التقنيات والمعلومات الخاصة بهندسة السكك الحديدية وقيادة وصيانة القطارات وغيرها.

تاديسي، سائق سيارة في شركة إثيوبيا للسكك الحديدية، كان محظوظا حيث تم اختياره من مئات الأشخاص ليتعلم في الصين قيادة القطارات. بعد سنة من التدريب، عاد إلى بلاده حيث واصل التعلم والتدرب في هذا المشروع. قال تاديسي، الذي يستطيع حاليا قيادة القطارات: "أقدم شكري وامتناني الكبيرين للمساعدة الرائعة التي قدمها لي المعلمون والمدربون الصينيون." تاديسي، وهو واحد من المائة والستة والثلاثين إثيوبيا الذين تعلموا في الصين قيادة القطار، يريد أن يكون سائق قطار ممتازا.

بجانب إنشاء السكك الحديدية، يلعب البناة الصينيون دورا إيجابيا في تحسين المنشآت التحتية والخدمات العامة المحلية. رغم وفرة المياه الجوفية في إثيوبيا، فإن وجودها على أعماق بعيدة يجعل الحصول عليها صعبا للغاية بالنسبة للسكان في المناطق النائية في موسم الجفاف، فيضطرون للذهاب إلى أماكن بعيدة للحصول على  المياه. من أجل مساعدة القرويين على طول السكك الحديدية في حل مشكلة المياه، أرسلت المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية شاحنة للمياه لتقديم المياه للمحليين، وقامت بمد أنابيب المياه من مخيمات العاملين الصينيين إلى خارجه لتيسر على القرويين الحصول على المياه، بجانب حفر الآبار مجانا في أماكن مناسبة للقرويين المحليين.

وقد كان للأعمال الإضافية المرافقة للمشروع، مثل التبرع لبناء المدارس وصيانة غرف الدراسة، وتشجير  الطرق، وغيرها، مردود طيب، وساهمت في تعزيز الانطباع الجيد لدى المحليين تجاه المشروع. وحسب الإحصاءات، خلال الأربع سنوات الماضية، أتمت المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية إنشاء أكثر من أربعمائة كيلومتر من الطرق في المناطق الريفية وحفر تسع عشرة بئرا في مناطق حول مخيمات العاملين الصينيين، وتوفير عشرين نقطة إمداد بالمياه، وترميم ألفي متر مربع من ملاعب المدارس في أثيوبيا.

في نهاية عام 2015، وبسبب ظاهرة النينو المناخية، تعرضت إثيوبيا لكارثة جفاف خطيرة، هي الأسوأ منذ ثلاثين سنة، وبلغ عدد المنكوبين أكثر من ثمانية ملايين شخص، كانوا في حاجة إلى الأغذية والمساعدات العاجلة. وقد قدمت العديد من الدول، ومنها الصين، كثيرا من مواد المساعدة، لكن قدرة الطرق الضعيفة على النقل أدت إلى إبقاء إمدادات الإغاثة عالقة في ميناء جيبوتي. بعد أن تلقت الحكومة الصينية طلبا من إثيوبيا للإغاثة والمساعدة، تمت دراسة خطة مؤقتة لنقل المواد بالسكك الحديدية فورا، وبدأت نقل المواد عبر خط السكك الحديدية العابرة للحدود بين أديس أبابا وجيبوتي، وتم نقل مائة ألف طن من مواد الإغاثة إلى المنكوبين في حينه بمركبات البناء.

دفع تنمية شرقي أفريقيا

يوصف خط السكك الحديدية العابر للحدود بين أديس أبابا وجيبوتي بأنه "شريان الحياة نحو المستقبل".

إثيوبيا بلد غير ساحلي، وأكثر من 90% من واردات وصادرات هذه الدولة تمر بميناء جيبوتي، لكن الطريق الوحيد بين البلدين، يستغرق سبعة أيام ذهابا وإيابا، فالسرعة بطيئة والتكلفة عالية. باختصار السبعة أيام إلى عشر ساعات، يعتبر خط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي، قناة رئيسية لاستيراد وتصدير السلع بالنسبة لإثيوبيا، بل وللمناطق الداخلية في شرقي أفريقيا، ويحسن كثيرا الوضع الحالي لبنية النقل التحتية في إثيوبيا وجيبوتي والدول المجاورة والمناطق الداخلية لأفريقيا.

المبعوث الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية شيو شاو شي، حضر مراسم تشغيل خط أديس أبابا- جيبوتي، وهو أول خط للسكك الحديدية الكهربائية عابر للحدود في أفريقيا، ومعلم للتنمية في تاريخ إثيوبيا وجيبوتي، ومشروع رمزي بين الصين والدول الأفريقية، من حيث التعاون في قدرة الإنتاج وشبكة السكك الحديدية السريعة وشبكة الطرق السريعة وشبكة الطيران الإقليمية والتصنيع، وهو إنجاز هام ودعم استراتيجي حيوي لـ"الحزام والطريق" أيضا، ولا شك أنه سيزيد القوة المحركة لتنمية إثيوبيا وجيبوتي.

وقد أعرب كل من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله والرئيس الإثيوبي جيرما وولد جيورجيس، في كلمته بحفل التدشين، عن أن خط السكك الحديدية العابر الحدود بين أديس أبابا وجيبوتي سوف يدفع تنمية اقتصاد الدولتين كثيرا، وسيكون ممرا اقتصاديا يأتي بفرص تنمية جديدة لهذه المناطق، وستغدو منطقة شرقي أفريقيا أفضل وأجمل.