مقالات من المجلة | منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي

عمار وحلم طريق الحرير

2017-02-28 14:42

قبل ستة وعشرين عاماً، في مدينة إب بالمنطقة الجبلية في جنوبي اليمن، كانت هناك فرقة طبية صينية تعالج المرضى وتغرس الحب في القلوب، وكان هناك صبي في ربيعه الثالث عشر داهم والده شلل عصب الوجه. لجأ الفتى إلى الفرقة الطبية التي نجحت في علاجه بإبر الوخز و"التشييح". وفي ذلك الوقت، نبتت بذرة حب الصين والصينيين في قلب عمار أحمد عبده إسماعيل البعداني، الشاب البالغ من العمر حاليا تسعة وثلاثين عاما. قال عمار: "منذ ذلك الوقت، ظل السفر إلى الصين حلما لي، وبدأت أمهد في قلبي طريق الحرير الذي يمتد إلى الشرق البعيد."

 

عاشق الصين صار خبيرا بشؤونها

بعد تخرجه في المدرسة الثانوية في عام 1996، اختارت الحكومة اليمنية أحد عشر طالبا متفوقا لإرسالهم إلى الصين للدراسة، وكان عمار واحدا منهم. جاء إلى مدينة جينان للدراسة في الفصل التحضيري للغة الصينية في جامعة شاندونغ، قبل أن يلتحق بجامعة الطب في مدينة تيانجين في عام 1998، حيث حصل على البكالريوس والماجستير. وفي عام 2008، درس في جامعة تشجيانغ للحصول على الدكتوراه في الطب. في العطلات الدراسية الصيفية والشتوية، زار عمار كل بقاع الصين الساحرة تقريبا، فعرف الصين أكثر وازداد عشقه لها.

 قال د. البعداني: "اللغة الصينية بالنسبة لي مثل فتاة جميلة، شغفي بها وحبي لها يحيرني، فأخشى دائما أن يكون حبي لها من طرف واحد." عمار، المهووس بلغة الصينيين، أبدع طريقة لدراسة الصينية يطلق عليها "الصينية المجنونة"، وبهذه الطريقة اجتاز اختبار الدرجة السابعة لامتحان مستوى اللغة الصينية (HSK) بعد ستة شهور فقط من الدراسة، وهذا نتيجة لا يستطيع طالب وافد أن يحققها حتى وإن اجتهد في الدراسة لمدة سنتين. عندما كان يدرس في جامعة الطب بمدينة تيانجين، سعى إلى فهم الثقافة الصينية وعادات الصينيين في هذه المدينة المشهورة بالفنون الصينية الشعبية، فتردد إلى مقاهي الشاي المختلفة في تيانجين في وقت فراغه للتمتع بعروض شيانغشنغ (الحوار الفكاهي الصيني). وعندما كان يدرس في مدينة هانغتشو للحصول على درجة الدكتوراه، تتلمذ على يد السيد يه مينغ تشو، مدير نادي شياوهاي للحوار الفكاهي في هانغتشو، لتعلم شيانغشنغ، وأصبح نجما مشهورا في هذا النادي.

في عام 2009، شارك عمار في الدورة الثانية لمسابقة "جسر اللغة الصينية" للطلاب الوافدين في الصين، وحصل على الجائزة الذهبية، وأصبح أول عربي يفوز بهذه المسابقة. على خشبة المسرح أثناء الدور النهائي، قال عمار إنه يسمي رحلته إلى الصين بـ"حلم طريق الحرير"، ومن شمالي إلى جنوبي الصين، تكونت هذه الرحلة من الأحلام. وأضاف: "أود أن أكون قطعة من حجر، لبناء جسر الصداقة بين الصين والدول العربية". بعد الحصول على المركز الأول في مسابقة اللغة الصينية، ذاعت شهرة عمار، فعمل مقدم برامج تلفزيونية وقدم عروض شيانغشنغ وشارك في إنتاج برامج تلفزيونية سياحية، وغير ذلك. اللغة الصينية التي يتحدث بها بطلاقة صارت المفتاح الذهبي الذي يطرق به باب العمل.

 

حياة مطمئنة وعمل مريح

في عام 2013، وبعد أن حصل عمار على درجة الدكتوراه من جامعة تشجيانغ، لم يذهب إلى بكين أو شانغهاي أو غيرهما من المدن الكبرى في الصين، وإنما قصد إلى إيوو، تلك المدينة الصغيرة في مقاطعة تشجيانغ، التي أطلقت عليها الأمم المتحدة والبنك الدولي ومؤسسة مورغان ستانلي وغيرها من المؤسسات الدولية لقب "أكبر سوق للبضائع الصغيرة في العالم"، ويأتيها التجار من مختلف بقاع الأرض لشراء البضائع، وفيها أكثر من خمسة عشر ألف تاجر أجنبي من أكثر من مائة دولة يمارسون التجارة ويعيشون فيها حياة متناغمة ويتطورون معها. هؤلاء الأجانب جلبوا إلى إيوو ثقافات وأنماط حياة وأفكار ومفاهيم متنوعة. عمار واحد منهم، ويبذل كل جهوده في نشر ثقافة طريق الحرير وتحقيق حلم طريق الحرير الذي لا يفارقه.

قال عمار: "إيوو، بالنسبة لي، جنة فيها أصدقاء كثيرون وأطعمة لذيذة كثيرة. العادات الشعبية والأجواء الدولية فيها تجذبني. انفتاحها وتسامحها هما السبب في اختياري لها."

في بداية وصوله إلى إيوو، ساعد عمار في إدارة شركة صديق له، قبل أن يفتتح شركته الخاصة للتجارة الخارجية بعد سنة واحدة. وقد واجه بعض الصعوبات في استطلاع المنتجات والتعامل مع المصانع وشراء البضائع وغيرها، ولكن بمساعدة الأصدقاء تغلب على الصعوبات. ومن أجل رد جميلهم، استخدم عمار برنامج "ويتشات" ليكون "معلم اللغة الصينية" لتعليم أصدقائه من خلال نشر بعض الحوارات الصينية وقصص الأمثال الصينية.

قال عمار مبتسما: "حاليا، أعمال شركتي مزدهرة، وأصبحت إيوو ليست فقط جنتي التي تضم الأصدقاء وفيها الأطعمة اللذيذة، وإنما أيضا فيها قضيتي وأسرتي. ولد ابني الأكبر في هانغتشو، وولد الابن الثاني في إيوو. نعيش في إيوو حياة سعيدة، وزوجتي وولداي يحبون هذه المدينة أيضا، وأصبحنا من أبناء إيوو الجدد."

في عام 2017، يكون قد مضى على وصوله إلى الصين عشرون عاما. قال عمار، الذي جاء إلى الصين وعمره ثماني عشرة سنة: "نصفي مصنوع في الصين التي عشت فيها فترة أطول من التي عشتها في بلادي. أرجو أن يبقى ولداي هنا، فأنا أشعر بأنني في موطني في هذه المدينة."

 

نشر ثقافة طريق الحرير

عمار مشغول دائما، ولديه مسؤوليات كثيرة، فهو المدير التنفيذي لنادي ثقافة طريق الحرير التابع لبيت التجار العالميين بمدينة إيوو، ونائب رئيس غرفة التجارة اليمنية، وأول عضو أجنبي لجمعية الفنانين بمدينة إيوو، وأستاذ زائر ومرشد لتأسيس المشروعات في معهد الصناعة والتجارة بمدينة إيوو.

ولكن، ومهما تغيرت المسؤوليات، يواصل عمار تحقيق حلمه بطريق الحرير، ويبذل جهوده في بناء جسر للصداقة بين الصين واليمن، ويساهم في تعزيز التبادلات الاقتصادية والثقافية بين البلدين. قال عمار إنه يود أن يكون "رسولا" على "الحزام والطريق"، وإن جذور "حلم طريق الحرير" قد ترسخت في قلبه. وأضاف: "اليمن كانت ممرا هاما للمواصلات البحرية بين الشرق بالغرب على طريق الحرير القديم، ولعبت دورا لا بديل عنه."

عندما شارك عمار في مسابقة "جسر اللغة الصينية" في عام 2009، ألقى كلمة بعنوان "حلمي على طريق الحرير"، ومع تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" الصينية حاليا، تلوح فرصة جديدة للتعاون الصيني- اليمني وتنمية اليمن، ما يجعل عمار يحقق "حلم طريق الحرير" له.

في السنوات الأخيرة، من أجل تعزيز التبادلات الاقتصادية والثقافية بين إيوو والدول العربية، دعا عمار وأصدقاؤه الأصدقاء العرب إلى إيوو للمشاركة في المعارض التجارية، حيث يعودون إلى بلادهم بالبضائع وينشرون ثقافة إيوو في العالم. يشارك عمار في النشاطات التي تنظمها الأجهزة الحكومية المحلية باعتباره ممثل التجار الأجانب، حيث يتبادل آراءه مع المسؤولين المحليين ويطرح اقتراحاته لآفاق تنمية إيوو.

في نهاية عام 2015، وافقت الحكومة المحلية على تأسيس "نادي ثقافة طريق الحرير" التابع لبيت التجار العالميين بمدينة إيوو، وتولى عمار منصب المدير التنفيذي للنادي. تعتبر هذه المنظمة الخيرية بيتا كبيرا للأجانب في إيوو، وأصبح عمار رسول اندماج الثقافات ونشر ثقافة طريق الحرير. يضم النادي نحو مائة عضو من خمس وعشرين دولة، ومن بينهم أصدقاء من الدول العربية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والهند وغيرها. تحت قيادة عمار، يشاركون في أعمال خيرية مختلفة، مثل زيارة الأيتام في الملاجئ، ومساندة رجال المرور في تنظيم حركة السير في يوم ذكرى لي فنغ للعمل التطوعي، والتبرع بالدم، والدعوة إلى ركوب الدراجة لحماية البيئة، وإقامة ملتقى تذوق الشاي وغيرها. صادف عام 2016 الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليمن، فأقام نادي ثقافة طريق الحرير نشاطا احتفاليا خاصا ودعا الأصدقاء الصينيين واليمنيين للاجتماع فيه.

باعتباره العضو الأجنبي الأول والوحيد بجمعية الفنانين في مدينة إيوو، يشارك عمار في النشاطات الفنية والعروض المختلفة مستفيدا من مهارته في شيانغشنغ، ويسافر مع الجمعية كل شهر إلى المناطق الريفية لتقديم العروض.

قال عمار: "أشعر أنني أتحمل أهم مسؤولية الآن، وعليّ ألا أكون تاجرا ممتازا فقط، بل أن أكون أيضا إنسانا صالحا وأشيد جسرا راسخا لنشر روح طريق الحرير."