مستقبل بريكس
طريق جديد للتنمية والتطور

تستضيف الصين هذا الشهر، سبتمبر 2017، قمة مجموعة دول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) وذلك بمدينة شيامن في مقاطعة فوجيان. تتزامن هذه القمة مع الاحتفال بمرور عشر سنوات على إنشاء "بريكس"، فماذا حققت هذه المجموعة وماذا ينتظرها في المستقبل؟   

الشروط الأولية: تعزيز قوة التلاحم للمستقبل

الشروط الأولية لتطور دول بريكس في المستقبل،هي تعزيز القوة الداخلية لتلك الدول وزيادة قوة التلاحم بينها ومواصلة النمو،بحيث تتحول في النهاية إلى إلى قوة حافزة جوهرية لإصلاح نظام الحوكمة العالمية.

في العقد الأول، تطورت مجموعة بريكس من مفهوم نظري لمؤسسة مالية وسلسلة من الأحداث المتفرقة إلى كيان حقيقي يؤثر في الحوكمة العالمية. كان العقد الأول هو مرحلة نمو مجموعة بريكس وآليات تعاونها، من الصفر إلى الوجود.

مع الدخول إلى العقد الثاني الذي يتميز بالتطور الناضج نسبيا والمستقر، ستواجه مجموعة بريكس تحديات وصعوبات أكبر وفي مقدمتها سعي قوى خارجية لتفكيك المجموعة. في هذا السياق، ينبغي لكل دول المجموعة أن تواصل تحقيق تطورها المستدام لتتحول المجموعة إلى محرك جوهري لدفع إصلاح نظام الحوكمة العالمية. يتجسد مسعى تفكيك مجموعة بريكس في جانبين: حق الكلام وقوة التلاحم. يتركز الجدل حول حق الكلام على: من يحق له تحديد مفهوم دول بريكس؟ وهل بريكس موجودة فعليا؟ وهل هي مجموعة جيدة؟ وكيف تتطور هذه المجموعة؟ ومن يحق له إدارة هذه المجموعة؟ من الواضح أن مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية تريد أن تسطير على مصير مجموعة بريكس واتجاه تطورها. والحقيقة أن أساس  حق الكلام يرجع إلى قدرة التطور الذاتي لدول بريكس والتعاون والمساعدة بينها.

أما قوة التلاحم، فهي قضية تتعلق بالتغلب على الاختلافات والخلافات حتى الاحتكاكات بين دول المجموعة، وصد إغراءات تفكيكها من جانب القوى الخارجية، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية التي تتقرب إلى دول جنوبي آسيا في محاولة استمالتها. من المهم لدول بريكس أن ترفض الإغراء وتعرض رؤيتها وحكمتها على أساس المصالح الاستراتيجية. بشكل عام، فإن ظهور دول بريكس وتطورها يتفقان مع اتجاه تطور تعددية الأقطاب العالمية، كما أنه حتمية تاريخية. لكن ظهور مجموعة بريكس وتطورها، باعتبارها آلية تعاونية محددة، ظاهرة عَرَضية، سيقرر مصيرها وآلياتها التعاونية إلى حد كبير ما إذا كان التعاون وقوة التلاحم بين دول المجموعة سوف يتعزز في العقد القادم.

الهدف الاستراتيجي: بذل جهود فعلية

يعد تحديد الموقع الذاتي لمجموعة دول بريكس ورفع قوتها وتعزيز مكانتها في نظام الحوكمة العالمية وتوسيع تأثيرها في العالم، هدفا استراتيجيا لدول المجموعة في المستقبل.

  من خلال الممارسات الواقعية في السنوات الماضية، نرى أن مسيرة العولمة التي تسيطر عليها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية دخلت إلى فترة عنق الزجاجة، وظهر ما يسمى بـ"تيار مناهضة العولمة" الذي بدأ في عام 2016. لا تستطيع الدول الغربية احتكار السيطرة على العولمة ولا تستطيع تحقيق التطور المستدام للحوكمة العالمية بسبب النقص الهيكلي في أنظمة التوزيع بهذه الدول. لكن، لن تتوقف مسيرة العولمة ولن تتراجع أبدا. يجب علينا تعديل وتغيير هيكل حوكمة البُنى الفوقية وخاصة آليات الإدارة وما يتعلق بتوزيع  حق صناعة القرار، وبريكس نافذة استراتيجية يمكن للصين وغيرها من دول المجموعة أن تستفيد منها لتحقيق هدف التعديل المذكور.

في العقد الثاني لمجموعة بريكس، يجب عليها أن تتمسك بهذه النافذة وأن تحدد مكانتها الذاتية وأن تبذل الجهود من أجل رفع مكانة دول بريكس وتأثيرها في نظام الحوكمة العالمية. يمكن لهذه الدول أن تعمل على دفع مسيرة العولمة بصورة جيدة ودفع الإصلاح المنتظم لنظام الحوكمة العالمية وتلخيص التجارب واختيار نمط وطريق التنمية الجيدين اللذين يجسدان تعددية العالم. في هذه العملية، يجب على دول بريكس التغلب على محدودية النخبة الداخلية المتأثرة سلبا بالدول الغربية والتمسك بطريقها بصورة ثابتة وبدون النظر إلى الشكوك الخارجية، وذلك من أجل الولوج إلى مركز نظام الحوكمة العالمية.

مسؤولية تاريخية: رفع قدرة الحوكمة العالمية

يعد التقدم والتجاوز وتوسيع مجالات التعاون الفعلي من أجل رفع القدرة الاستراتيجية لدول بريكس على المشاركة في إصلاح نظام الحوكمة العالمية، مسؤولية تاريخية مهمة لدول بريكس في المستقبل.

في الحقيقة، آليات التعاون لدول بريكس هي نتيجة للتناقضات بين عرض المنتجات العامة الدولية والطلب عليها في ظل نظام الحوكمة العالمية الحالي الذي أنشأته الدول الغربية المتقدمة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية. في إطار هذه النظام، تم إنشاء نظام الحوكمة الاقتصادية ومحوره نظام بريتون وودز ونظام الحوكمة الأمنية العالمية ومحوره الأمم المتحدة. تسيطر الدول الغربية المتقدمة على قوانين نظام الحوكمة العالمية، في حين أن الدول الناشئة والنامية ليس لها حق الكلام ولا تأثير لها في هذا النظام. الدول الغربية لا تهتم بمتطلبات هذه الدول ومصالحها.

برزت مشكلات صندوق النقد الدولي في مراقبة السياسات وتقديم الإغاثة المالية خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008. فأدركت الدول الغربية أهمية مشاركة الدول النامية في تنسيق السياسات العالمية وتقديم الإغاثة في الأزمة المالية. في هذا السياق، تشكلت مجموعة العشرين التي تتكون من دول متقدمة ونامية هامة في إطار صندوق النقد الدولي وبدأت تلعب دورا هاما في التنسيق ومعالجة مسائل الحوكمة الاقتصادية العالمية. دول بريكس أعضاء في مجموعة العشرين. بسبب تقارب مواقفها في كثير من القضايا العالمية والمتطلبات المشتركة في إصلاح نمط الحوكمة القائم، قامت الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا بمفاوضات ونقاشات على هامش قمة مجموعة العشرين وغيرها من المؤتمرات المتعددة الأطراف. هكذا، تشكلت آلية التعاون لدول بريكس.

التجاوز والابتكار: مفتاح التنمية المستدامة لدول بريكس

منذ اليوم الأول لإنشاء مجموعة بريكس، فإن التجاوز الذاتي هو ميزة بارزة لتنمية دول بريكس. بفضل التجاوز، تحولت "دول بريكس" من مفهوم تسويق المنتجات المالية لشركة غولدمان ساكس إلى كيان حقيقي؛ وبفضل التجاوز، تحولت أعمال دول بريكس من الحوكمة الاقتصادية العالمية إلى إصلاح نظام الحوكمة العالمية؛ وبفضل التجاوز، تحولت دول بريكس من التنسيق والتعاون في السياسات إلى إنشاء آلية تعاون فعلي وشامل. في العقد الثاني، ستتمسك دول بريكس بخصائصها وستعمل على توسع وتعميق التعاون وتشكيل آليات تعاون مبتكرة فيما يتعلق بحياة الشعوب. هذا مفتاح دول بريكس في تحقيق التنمية المستدامة.

يمكن لدول بريكس أن تقوم بالابتكار في المجالات التالية:

أولا: التعاون العميق في القضايا السياسية والأمنية في النظام العالمي، لتشكيل صوت دول بريكس، كقوة جديدة، في إصلاح النظام العالمي. لقد وُضِع موضوع "التعاون الفعلي بين دول بريكس في مجالات الأمن والسياسة" في المكانة الأولى من بين أربعة موضوعات مطروحة على قمة بريكس في الصين، وتلك خطوة مفعمة بالحكمة الاستراتيجية والشجاعة السياسية. كان النظام العالمي يتجسد في دفع إصلاح الديمقراطية وفقا للنموذج الغربي في مجال السياسة، وتعزيز التحالفات العسكرية التي ظهرت خلال الحرب الباردة، في مجال الأمن، وترجيح الإجراءات العسكرية في مكافحة الإرهاب، كل ذلك لا يجعل العالم يعيش في وضع أكثر أمنا. إن النظام العالمي الحالي، يحتاج إلى الإصلاح الجيد والمعتدل فيما يتعلق بالقضايا السياسية والأمنية. في هذه العملية، تتمتع دول بريكس بمزايا خاصة، ويمكنها تقديم مساهمات جديدة.

ثانيا: اتخاذ وكالة التصنيف الائتماني لدول بريكس نقطة اختراق جديدة، والاستفادة من تجارب بنك التنمية الجديد لدول بريكس والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية للتعبير عن آراء دول بريكس في نظام التصنيف الائتماني العالمي، وما يجعل هذه الدول تقدم منتجات عامة أكثر فعالية.

ثالثا: بناء وإكمال نمط التنمية والممارسات الجديدة الذي يتميز بالتطور الشامل، والعمل مع استراتيجية التنمية المستدامة للأمم المتحدة ودفع خطى ومسيرة بناء رابطة المصير المشترك للبشرية في إطار التنسيق الاستراتيجي لدول بريكس.

يقول المثل الصيني: "مثلما تتحرك السماء بقوة وحيوية، فإن الشخص النبيل ينبغي أن يقوم بتطوير نفسه من دون توقف." بعد تحقيق تطور جيد في عقدها الأول، تحدونا الثقة في أن دول بريكس، في عقدها الثاني، ستسلك طريقا جديدا للتنمية وستقدم مساهمات أكثر للعالم.

--

شن يي: أستاذ مساعد، مدير مركز دراسات دول بريكس بجامعة فودان في شانغهاي.