قمة بريكس
خطوة جديدة للصين نحو تنمية العالم

من الثالث إلى الخامس من  سبتمبر 2017، وعلى أرض مدينة شيامن، تخطو الصين خطوة جديدة نحو التآخي والسلام، نحو التنمية والرفاهية والتواصل والتناغم والتفاعل والتكامل. على أرض مدينة شيامن ستضع الصين جذوراً جديدة لكي تنبت أشجار التنمية في بقاع الأرض، فتخف حدة الفقر وتتوافر فرص العمل، وتوضع رؤية جديدة لإقامة علاقات بين الدول، وخلق فرص للتعاون المثمر والفعال القائم على أسس الاحترام المتبادل.

سوف يفتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ فعاليات وأعمال الدورة التاسعة لمؤتمر قمة بريكس تحت عنوان "شراكة أقوى من أجل مستقبل أكثر إشراقا". نعم، فكل المؤشرات تؤكد أن الصين تسعى لتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً وتنويراً؛ مستقبل بلا بارود وبلا ألغام وبلا أسلحة للدمار الشامل، في الوقت الذي تعمل فيه دول لهدم كيانات دول أخرى وتشريد شعوبها وتدمير اقتصادها وإفقار شعوبها وطمس تاريخها وتراثها.

وتكتسب الدورة التاسعة لقمة بريكس أهميتها لأنها تأتي بعد عشر سنوات من التطوير، وقد تحولت بريكس إلى منصة هامة للتعاون بين الأسواق الناشئة والبلدان النامية. وتشمل مجموعة بريكس دولاً من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا، وجميع أعضائها أعضاء في مجموعة العشرين، وتشكل معا 46ر26% من مساحة العالم، وتضم 58ر42% من سكان العالم، و24ر13% من قوة التصويت لدى البنك الدولي، و91ر14% من حصص صندوق النقد الدولي. ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، حققت دول بريكس 53ر22% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2015، وساهمت بأكثر من 50٪ من النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات العشر الماضية.

كما تكتسب هذه القمة أهمية لأنها تأتي وقد تحققت بعض  صور التعاون بين دول مجموعة بريكس إلى درجة أكبر من العمق، وتحققت بعض الإنجازات الجوهرية مما أسفر عن نتائج مثمرة وجديرة بالثناء. والآن أصبحت مجموعة "بريكس" منصة تعاون هامة للأسواق الناشئة والدول النامية. كما يفي تعاون بريكس بالاحتياجات الموضوعية للتنمية الاقتصادية العالمية ويتفق مع اتجاه تطور النموذج الدولي ويخدم المصالح المشتركة للمجتمع الدولي. وتأتي أهميتها كونها تعقد مع بداية العقد الثاني، وتقف الصين على أهبة الاستعداد للتعاون مع الأعضاء الآخرين لدعم روح "بريكس"، وهي دفع الانفتاح والشمول والتعاون المربح لكل الأطراف، وتقديم نتائج شاملة لنتائج مؤتمرات القمة السابقة، وبناء شراكة أوثق، وتعميق التعاون العملي في جميع المجالات، والتصدي بفعالية للتحديات العالمية، وتقديم إسهامات أكبر في النمو الاقتصادي العالمي، والحوكمة العالمية والديمقراطية في العلاقات الدولية.

الصين تعمل لرفاهية العالم

هكذا هي الصين، تعمل من أجل رفاهيتها ورفاهية الدول الأخرى بعيداً عن الصراعات والحروب، مع احترام ثقافة الآخرين وعدم التدخل في شؤونهم. فبمجرد الانتهاء من "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي"، الذي عقد خلال مايو 2017 بحضور ممثلي أكثر من 110 دول وممثلي أكثر من 60 منظمة دولية، والذي حقق نجاحاً غير مسبوق، يأتي الشهر الحالي لتنعقد قمة بريكس لتتكامل الجهود وتتناغم ولتعزف الصين سيمفونية رائعة لا نشاز فيها، ولتخلق حالة اقتصادية فريدة تبهر بها العالم. وقد أشار إلى ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ بقوله: "إن هناك عجزاً في مجالات السلام والتنمية والحوكمة، الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد." نعم، تعمل الصين ورئيسها على نزع فتيل الحروب والنزاعات والإرهاب والحد من الهجرة غير المشروعة واللاجئين. نعم، تخاطب الصين ورئيسها وشعبها قلوب الشعوب من خلال تبادل الثقافات وتنميتها لتجعل العلاقات بين الدول المختلفة أكثر تناغماً وتكاملاً وشفافية ووضوحاً، وصولاً بالبشرية إلى مسار السلام وطريق الاستقرار، لنصل جميعاً إلى التنمية المشتركة وتحسين أحوال الشعوب.

وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول الكبرى لاستنزاف موارد بعض الدول تحت كل المسميات وبالترغيب والترهيب، نجد الصين تنتهج نهجاً تنمويا راقيا لا يستهدف الدول الآسيوية والأوروبية والأفريقية التي تقع في طريق الحرير فحسب، وإنما أيضا هي منفتحة على جميع الدول الأخرى. وفي الوقت الذي تقوم فيه بعض الدول بنشر ترساناتها المسلحة ستنشر الصين عدة مراكز منها ما هو لبحوث التنمية المالية والاقتصادية للحزام والطريق، والثاني لتسهيل بناء الحزام والطريق، والثالث للتعاون المصرفي للتنمية المتعددة الأطراف بالتعاون مع بنوك التنمية المتعددة الأطراف، والرابع لبناء القدرات بالتعاون بين صندوق النقد الدولي والصين. هذا إلى جانب قيامها بإنشاء شبكة للتعاون بين المنظمات غير الحكومية في البلدان الواقعة على طول الحزام والطريق بجانب منصات تبادل جديدة بين الشعوب، مثل تحالف التعاون الإخباري أو تحالف التعليم الموسيقي. وفي الوقت الذي تقوم فيه مخابرات وعصابات بعض الدول بتدمير دول وشعوب طمعا في ثرواتها، نجد الرئيس شي يؤكد على وجوب إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية يتميز بالتعاون المربح للجانبين، وتأسيس شراكات الحوار القائمة على أسس عدم المواجهة، والصداقة بدلا من التحالف. إن كل تحركات الصين تهدف إلى بناء شبكة للتجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا على طول طرق التجارة القديمة. يتعين بناء الحزام والطريق كطريق للسلام، لأن السعي وراء تحقيق المبادرة يتطلب إيجاد بيئة سلمية مستقرة.

دعم السلام العالمي والأمن المشترك

تهدف قمة شيامن إلى تحقيق شراكة تدعم السلام العالمي، من خلال دفاع دول بريكس عن الأمن المشترك والشامل والتعاوني والدائم، إلى جانب تحقيق شراكة تعزز التنمية المشتركة وتدفع تنوع الحضارات إلى الأمام، وتعمل على تحسين حوكمة الاقتصاد العالمي. وتعتقد الصين أنه من خلال تعميق الشراكة، ستتمكن دول بريكس من تعزيز التعاون العملي في كافة المجالات وتحسن رفاهية الشعوب وبناء مستقبل أكثر إشراقا للتنمية المشتركة للدول الخمس الأعضاء. ومن خلال تعميق الشراكة، يمكن لدول بريكس أن ترتقي بالتعاون بين دول الجنوب إلى مستوى جديد، وتسرع في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتفتح مستقبلا أكثر إشراقا للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لجميع الدول النامية. ومن خلال تعميق الشراكة، ستتمكن أيضاً دول بريكس من تعزيز الاتصالات فيما بينها، وتنسيق مواقفها حول القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية، والعمل على إقامة نظام دولي أكثر عدالة وإنصافا، وفتح مستقبل أكثر إشراقا للسلام والتنمية على مستوى العالم. كما أن الصين، بوصفها رئيس مجموعة بريكس لعام 2017، تحافظ على التنسيق والتعاون الوثيقين مع جميع الأعضاء الآخرين خلال الأعمال التحضيرية لقمة شيامن من أجل ضمان نجاحها بشكل مشترك وكتابة فصل جديد للتعاون بين دول بريكس. وتهدف أيضا قمة بريكس لأن تكون آلية نموذجية للتعاون الدولي في شتى المجالات وليست الاقتصادية والمالية والإنمائية فحسب، كما حققت نتائج مثمرة مع افتتاح بنك دول بريكس للتنمية وإطلاق صندوق نقد احتياطي للطوارئ عام 2015.

وقد أكد الرئيس شي جين بينغ في الخطاب الذي وجهه إلى نظرائه من رؤساء دول بريكس في الأول من يناير 2017، أنه من المتوقع أن تحقق قمة شيامين تقدماً في تعميق التعاون بين دول بريكس من أجل التنمية المشتركة، إلى جانب تعزيز الحوكمة العالمية من أجل مواجهة التحديات بشكل مشترك ودفع التبادلات بين الشعوب من أجل دعم التعاون بين دول بريكس، بالإضافة إلى إدخال تحسينات على المؤسسات وبناء شراكة أوسع نطاقاً.

دعوة مستحقة للرئيس السيسي

انطلاقا من العلاقات الاسترايتجية بين الصين ومصر، واستنادا على روح الاحترام المتبادل بين الرئيسين شي جين بينغ وعبد الفتاح السيسي، حرص الرئيس الصيني على توجيه الدعوة للرئيس المصري لحضور قمة بريكس. يأتي ذلك نتيجة للعلاقات المتميزة بين مصر والصين والتي وصلت إلى مستويات جديدة في السنوات الأخيرة، لم تصل إليها من قبل على مدى ستين عاماً من علاقات الصداقة والدعم المتبادل. كما تعد هذه الدعوة أيضا اعترافا بأهمية الإصلاحات التي يشهدها الاقتصاد المصري، وبالخطوات الإيجابية التي تحققت على طريق جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر والتي كان آخرها صدور قانون الاستثمار الجديد الذي أقره مجلس النواب المصري في مايو 2017.

وتعتبر زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الصين ومشاركته في قمة بريكس المرتقبة، خطوة جيدة، وتمثل ثقلا سياسيا واقتصاديا يضاف إلى مصر، فالدول المشاركة في قمة بريكس تمثل تجمعا لدول قطعت شوطا كبيرا في التنمية، وأصبحت تمثل ثقلا في القوى السياسية والاقتصادية. كما أن العلاقات الجيدة بينها وبين مصر تصب في مصلحة الطرفين، وفي حال انضمام مصر لعضوية هذه المجموعة يمكن تشكيل ثقل عالمي يستطيع حل مشاكل سياسية واقتصادية كبيرة.

ولا شك أن التبادلات بين مصر والدول أعضاء بريكس يسهم بدوره في تعزيز تبادل التجارب والخبرات، نظرا لوجود العديد من أوجه التشابه في الظروف الوطنية بين مصر ودول بريكس أو غيرها من الدول النامية والاقتصادات الناشئة، وقمة شيامن تعد بمثابة فرصة لكي تتقاسم الصين ومصر والاقتصادات الناشئة والنامية الأخرى الخبرات الناجحة في تنمية الدول وتعم الفائدة على جميع الأطراف المشاركة، وربما يكون التواجد المستمر والمشاركة الفعالة لمصر في هذه القمة تمهيداً لانضمامها إلى المجموعة في المستقبل.

--

علي عبد الغني، نائب رئيس تحرير جريدة ((الجمهورية)) المصرية