مغزى مشاركة الرئيس السيسي في قمة بريكس بالصين

 

تأتي دعوة الحكومة الصينية والرئيس الصيني شي جين بينغ إلى نظيره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمشاركة في فعاليات الحوار الاستراتيجى حول تنمية الأسواق الناشئة والدول النامية الذي يقام على المستوى الرئاسي على هامش قمة مجموعة "بريكس" التي تضم خمس دول ذات الاقتصاديات الأسرع نمواً في العالم، وهي: الهند والبرازيل والصين وروسيا، وجنوب إفريقيا، وتستضيفها الصين في مدينة شيامن في الفترة من 3- 5 سبتمبر 2017، حيث تسعى "قمة البريكس" القادمة في عقدها الثاني الذي يحمل عنوان "بريكس: شراكة أقوى لمستقبل أفضل" إلى بناء منصة أوسع للتعاون المفتوح وخلق وضع جديد للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية. تهدف "بريكس" في الأساس إلى كسر الاحتكار الغربي- الأمريكي للاقتصاد العالمي، فضلاً عن خلق رؤية موحدة حول ضرورة خلق عالم متعدد الأقطاب.

 ويأتى انعقاد "قمة البريكس" المقبلة أيضاً تزامناً مع الترتيبات الجارية لمشاركة مصر في فعاليات الدورة الثالثة لـ"معرض الصين والدول العربية" في الفترة من 6 إلى 9 سبتمبر في مدينة ينتشوان بمنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، والذي ستشارك فيه مصر كضيف شرف، وذلك في دورته الثالثة هذا العام، حيث تعتبر الصين هذا المعرض بمثابة دفعة حقيقية لمجال التعاون الصيني- العربي.

وتأتى هذه المجهودات انعكاساً لحرص القيادات السياسية في كل من مصر والصين للعمل على دفع وتطوير العلاقات بين البلدين على المستوى الثنائي، خاصة في ظل حرص مصر على إزالة كافة المعوقات التي تعترض عمل الشركات الصينية في مصر، وتهيئة مناخ الاستثمار أمام الشركاء الصينيين. كما تعكس الزيارات المتبادلة قبلها للمسؤولين المصريين والصينيين رفيعي المستوى استمراراً وتتويجاً للعلاقات المثمرة بين الجانبين ورفعها إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" خلال زيارة الرئيس السيسي للصين في شهر ديسمبر 2014، فضلاً عن  التشاور والتنسيق المصري- الصيني المستمر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى موضوع  إصلاح مجلس الأمن.

وتأتى أهمية مشاركة مصر في قمة بريكس كنموذج مثالي للتعاون بين الدول النامية بجانب مبادرة "الحزام والطريق"، التي ستتيح مزيداً من الفرص لإجراء تعاون معمق بين مصر والصين اللتين تعدان دولتين ناميتين هامتين في العالم. كما أن مشاركة مصر في قمة بريكس بمدينة شيامن الصينية لها دلالة على الدور البارز الذي تضطلع به الصين في الحوكمة الاقتصادية العالمية، وحرص مصر على مشاركة دول بريكس وخاصة الصين في هذه الحوكمة، وحتى الانضمام للمجموعة مستقبلاً. كما أنه في حال انضمام مصر لعضوية هذه المجموعة فإن ذلك سيعد بمثابة تشكيل لثقل عالمي يستطيع حل مشكلات سياسية واقتصادية كبيرة.          

وتهدف قمة بريكس لأن تكون آلية نموذجية للتعاون الدولي في شتى المجالات، وليس فقط في المجالات الاقتصادية والمالية والإنمائية، كما حققت نتائج مثمرة مع افتتاح "بنك دول بريكس للتنمية" برأس مال قدره 100 مليار دولار أمريكي مقسمة بين الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، وهو الأمر الذي سيؤدى إلى تمويل عدد من المشروعات والخطط الاستراتيجية الهامة، مما سيمثل علامة فارقة في مسار هذه الدول، بالإضافة إلى إطلاق "صندوق نقد احتياطي للطوارئ في دول بريكس" عام 2015. وتشير بعض الدراسات إلى أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن تنافس مجموعة بريكس، اقتصاديات أغنى الدول في العالم، كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى.

 إن الدول المشاركة في قمة بريكس تمثل تجمعاً لدول قطعت شوطاً كبيراً في التنمية، وأصبحت تمثل ثقلا في القوى السياسية والاقتصادية، وفي حال انضمام مصر إليها، فإن ذلك يعتبر بحد ذاته تعميقاً في الاتصالات والعلاقات بينهما لأن مصر تربطها علاقة طيبة مع معظم هذه الدول. ومن هنا، فإن النفع يعود على مصر حال انضمامها لتكتل دول بريكس من خلال المساعدة على تعافي الاقتصاد المصري، خاصة بعد إجراءات الإصلاح الإقتصادي التي تم اتخاذها مؤخراً، وأبرزها تعويم الجنيه، فضلاً عن نقل الخبرات والاستفادة من هذه الدول المتقدمة.

وتأتى أهم المحاور التي من المتوقع أن يطرحها الرئيس السيسي خلال حضوره لقمة البريكس، في الآتي:

1-     سيعرض الرئيس السيسي لدول بريكس خطط الإصلاح الاقتصادي التي قامت بإعدادها مصر في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى شرح تفاصيل قانون الاستثمار والذي يتيح الفرصة أمام المُستثمرين للاستثمار في مصر.

2-  كما سيشرح الرئيس مدى خطورة انتشار ظاهر الإرهاب بدول العالم والذي يترتب عليه تعطيل حركة الاستثمار بشكل عام.

 

3-  كما سيسعى الرئيس السيسي إلى فتح قنوات اتصال بين دول "بريكس" مع مصر تمهيدا لتوقيع الاتفاقيات التي تخدم الاقتصاد المصري في المستقبل.

 

4-  سيهدف الرئيس أيضاً إلى الحصول على تسهيلات ائتمانية أفضل من تلك المفروضة من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

 

5-     الدعوة لإنشاء استراتيجية تنموية طويلة الأمد بين مصر والدول الأعضاء في بريكس.

ومن هنا، نخلص إلى أن قمة بريكس المقبلة ستكون هامة للغاية لأنها تضع الأساس لحل الخلافات بين الدول أعضاء بريكس، وتعمل على توسيع التعاون من مجرد القضايا الاقتصادية إلى غير ذلك من المجالات. كما أن مشاركة مصر في هذه القمة أمر هام للغاية، حيث أن مصر هى بوابة لأسواق أفريقيا وقارات العالم الأخرى، وفي نفس الوقت تسعى الصين لاجتذاب مصر، وبالمقابل، فإن القاهرة حريصة بشكل خاص على الاستثمار مع بكين، وهذا ما تؤكده حقيقة أن مصر كانت أول دولة أفريقية تنضم إلى البنك الآسيوى للاستثمار في البنية التحتية عام 2015. كما أن الصين تستهدف مصر في مجال الاستثمارات، لأنها ترى أن قناة السويس هى نقطة حاسمة في مشروع "طريق الحرير" الذي تسعى لإنشائه، وما يؤكد هذه الحقيقة هو أن الصين قد أعلنت خلال قمة "طريق الحرير" في مايو 2017، أنها تخطط لاستثمارات بقيمة 40 مليار دولار أمريكي في مشروعات التنمية في مصر بما فيها مشروعات محور قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة.

--

 

د. نادية حلمي، مدرسة العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية في جامعة بني سويف المصرية.