الرقم "خمسة" شيفرة معرفة التنمية المستقبلية للصين

أنا من المعجبين بقدرة الكاتب الأمريكي دان براون، مؤلف ((شيفرة دا فينشي)) على قص الحكايات، ولكنني لست شغوفا به، لاعتقادي بأن الرموز البسيطة لا يمكن أن تشرح تاريخ المجتمع البشري المعقد. ومع ذلك، أود أن أكشف للقراء الأجانب رمزا هو السر في حل كثير من ألغاز الصين. هذا الرمز السري هو الرقم "خمسة". وفي هذه المقالة سيكون حديثنا عن "مفاهيم التنمية الخمسة".

وردت "مفاهيم التنمية الخمسة" في ((اقتراح بشأن وضع الخطة الخمسية الثالثة عشرة للاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية)) الذي أجازته الدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 2015. في الحقيقة، تتكون "مفاهيم التنمية الخمسة" من خمس كلمات مفتاحية، هي: الابتكار، التنسيق، الخضرة، الانفتاح، والتمتع المشترك بثمار التنمية. وقد وضعت الخطة الخمسية الثالثة عشرة للاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية معالم خريطة جديدة للصين في الفترة من عام 2016 إلى عام 2020.

على أساس الواقع

في صناعة واتخاذ القرارات، يؤكد الحزب الشيوعي الصيني دائما على "الانطلاق من الواقع". قبل وضع الخطة الخمسية الثالثة عشرة، قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بالدراسة والبحث على نطاق واسع، بهدف معرفة الواقع بشكل أوضح، وهذا الواقع يتمثل في ثلاث نواح:

أولا، "الوضع الطبيعي الجديد". الخطة الخمسية الثالثة عشرة هي أول خطة خمسية بعد دخول التنمية الاقتصادية الصينية إلى "الوضع الطبيعي الجديد". يتميز هذا الوضع بثلاث خصائص رئيسية: تحول سرعة نمو الاقتصاد الصيني من النمو السريع إلى النمو بسرعة بين متوسطة وعالية؛ تحول هيكل الاقتصاد من التركيز على زيادة حجم النمو وتوسيع القدرة الإنتاجية إلى الجمع بين الزيادة وتحقيق نمو أفضل، وتحول التنمية من نمط الحجم والسرعة إلى نمط النوعية والفعالية؛ تحول زخم النمو الاقتصادي من الاعتماد رئيسيا على العوامل مثل الموارد والقوى العاملة إلى الاعتماد على الابتكار.

ثانيا، "المشكلات الجديدة". خلال فترة الخطة الخمسية الثالثة عشرة، لا تواجه تنمية اقتصاد ومجتمع الصين تيارات جديدة وفرصا جديدة فحسب، وإنما أيضا الكثير من التناقضات والتحديات الجديدة. على سبيل المثال، كان أداء بعض المؤسسات الاقتصادية جيدا في الماضي، ولكن هذه المؤسسات تواجهها حاليا صعوبات مثل كساد البضائع وارتفاع التكلفة، فتحتاج إلى "الابتكار"؛ وهناك بعض المناطق تتطور بشكل جيد، وحقق المواطنون فيها الرخاء أولا، في حين مازالت بعض المناطق الأخرى متأخرة، ومن ثم فهناك حاجة إلى "التنسيق"؛ وخلال سنوات من تنمية اقتصاد الصين، برزت نتائج استهلاك الموارد وتخريب البيئة بشكل ملحوظ، فيحتاج ذلك إلى "الخضرة"؛ وفي الماضي تطورت الصين بفضل الانفتاح وتثق بأن تنمية العالم تحتاج إلى الانفتاح، الآن، تواجه مسيرة العولمة رياحا معاكسة، وتحتاج الصين إلى مزيد من القوة لدفع "الانفتاح"؛ وتزداد ثمار التنمية للصين يوما بعد يوم، ويجب عليها أن "تنسق" بين الادخار والتوزيع على خير وجه، وتحاول بقدر الإمكان أن تضع العدالة في عين الاعتبار خلال التوزيع، فذلك يحتاج إلى "التمتع المشترك بثمار التنمية". هكذا، تحل الخطة الخمسية الثالثة عشرة هذه المشكلات الجديدة بالاستفادة من مفاهيم التنمية الخمسة.

ثالثا، "المتطلبات الجديدة". طرح تقرير المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب هدف "إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل" بحلول عام 2020. فترة الخطة الخمسية الثالثة عشرة هي المرحلة الأخيرة لإنجاز هذا الهدف. ولكن في الحقيقة، ما زال هناك كثير من ثغرات ضعف اقتصاد ومجتمع الصين في هذه الفترة، فيجب على الصين أن تعمل على تعزيز التنسيق والتوازن بين أوجه التنمية لسد ثغرات الضعف، ولن يكون هناك مجتمع الحياة الرغيدة الذي تبنيه الصين "على نحو شامل" إلا إذا سُدت ثغرات الضعف هذه.

أهداف واضحة

لقد طُرحت "مفاهيم التنمية الخمسة" على أساس الواقع الذي أشرنا إليه، ووفقا للمشكلات الموجودة والمتطلبات التي تحتاج إلى إجابة، ولها أهداف واضحة وهي:

يعتبر الابتكار القوة المحركة الأولى لقيادة التنمية، ومن ثم وُضع الابتكار في مركز الوضع الكلي لتنمية الصين. الابتكار الذي ستدفعه الصين لا يقتصر على المستوى الجزئي للمؤسسات الاقتصادية، بل يشتمل على مجالات النظرية والنظام والعلوم والتكنولوجيا والثقافة وغيرها، وتعمل الصين أيضا على دفع الابتكار ليرشد كل الأعمال للحزب والدولة وجعله يصبح عادة شائعة في كل المجتمع.

يعتبر التنسيق ضرورة للتنمية السليمة، إذ يعالج العلاقات الهامة في التنمية بشكل صحيح ويعزز شمول التنمية باستمرار. التنسيق الذي تقوم به الصين، يشمل دفع التنمية المتناسقة بين المدن والأرياف وبين الأقاليم وتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتناسقة ودفع التنمية المتزامنة للتصنيع بالنمط الجديد وتكنولوجيا المعلومات والتحول الحضري والتحديث الزراعي والاهتمام برفع القوة الوطنية الناعمة في ظل تعزيز القوة الوطنية الصلبة، وغيرها.

تعتبر الخضرة شرطا لازما للتنمية المستدامة، وتعكس تطلع الصينيين إلى الحياة الجميلة. "الخضرة" التي ستحققها الصين تشتمل على توفير الموارد وحماية البيئة وتشكيل هيكل جديد لبناء التحديث للتنمية المتناغمة بين الإنسان والطبيعة، كما تشتمل على تقديم مساهمات جديدة في السلامة الإيكولوجية للعالم.

يعتبر الانفتاح الطريق الوحيد المؤدي إلى التنمية المزدهرة. الانفتاح الذي تدفعه الصين يتماشى مع تيار تعزز العلاقات بين الصين والعالم يوما بعد يوم في العصر الجديد، ويحقق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك بين الصين والعالم باستمرار، ويشتمل على السعي لتحقيق التنسيق بين الطلب الداخلي والطلب الخارجي والتوازن بين الاستيراد والتصدير والاهتمام بالاستقدام والتوجه نحو الخارج معا وجذب الأموال والتقنيات والأكفاء في آن واحد، وتطوير الاقتصاد المنفتح على المستوى الأعلى، كما يشتمل على المشاركة النشيطة في الحوكمة الاقتصادية العالمية والتزويد بالمنتجات العامة العالمية وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية مع شعوب العالم.

يعتبر التمتع المشترك بثمار التنمية مطلبا جوهريا للتنمية الاجتماعية. ويدعو الحزب الشيوعي الصيني إلى التنمية من أجل الشعب والتنمية المعتمدة على الشعب وتقاسم الشعب لثمار التنمية. إن ذلك يحتاج إلى مخطط مؤسسي فعال على مستوى الاقتصاد والمجتمع لزيادة الشعور لدى كل الشعب بالكسب خلال البناء المشترك والتمتع المشترك بثمار التنمية، مما يعزز القوة المحركة للتنمية ويقوي التضامن بين جماهير الشعب ويدفع التقدم نحو تحقيق الرخاء المشترك بخطى ثابتة.

ثمار أولية

حققت "مفاهيم التنمية الخمسة" نتائج فعلية ملموسة في الصين، وتتجسد في النواحي التالية:

بروز قوة الابتكار. تدفع الصين عمل "شبكة الإنترنت +" والاستراتيجية الوطنية للبيانات الكبرى بشكل معمق، وتنفذ استراتيجية ((صنع في الصين 2025)) على نحو شامل. وأقامت ست مناطق وطنية نموذجية للابتكار المستقل. ويشكل الإنفاق على البحث والتطوير 08ر2% من إجمالي الناتج المحلي للصين، وارتفعت نسبة إسهام التقدم العلمي والتكنولوجي في نمو الاقتصاد إلى 2ر56%.

ظهور تأثير التعاون والتراكم للتنمية بلا انقطاع. نفذت الصين بشكل معمق الاستراتيجيات الثلاث: بناء "الحزام والطريق"، التنمية التعاونية بين مناطق بكين وتيانجين وخبي، وتنمية الحزام الاقتصادي لنهر اليانغتسي، وقد بدأ العمل في إقامة دفعة من المشروعات الهامة. أصبحت فجوة التنمية بين مناطق شرقي ووسط وغربي الصين أقل، وتُنفذ الصين حاليا المزيد من سياسات الإصلاح المتعلقة بالنمط الجديد للتحول الحضري.

تقدم جديد في التنمية الخضراء. أنشأت الصين مناطق تجريبية وطنية للحضارة الإيكولوجية، وشددت إجراءات معالجة تلوث الهواء، حيث خفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت بنسبة 6ر5% وأكسيد النتروجين بنسبة 4%، ورفعت نسبة استهلاك الطاقة النظيفة إلى 1ر7 نقطة مئوية، وخفضت نسبة استهلاك الفحم نقطتين مئويتين.

ارتفاع مستوى الانفتاح على الخارج باطراد. ظلت الصين تعمل لتعزيز التلاحم الاستراتيجي والتعاون العملي مع الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق". وانضم الرنمينبي (العملة الصينية) إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي بصورة رسمية. وأنشأت الصين 12 منطقة تجريبية شاملة للتجارة الإلكترونية عبر الحدود، وعممت نتائج الإصلاح والابتكار بالمناطق التجريبية للتجارة الحرة، بما فيها منطقة شانغهاي التجريبية للتجارة الحرة، وأنشأت سبع مناطق تجريبية أخرى للتجارة الحرة. وفيما يتعلق بإنشاء مؤسسات الاستثمار الأجنبية وتغييرها، أحلت الصين الإدارة بأسلوب حفظ السجلات محل الموافقة بشكل عام، باستثناء القليل من المجالات التي تتطلب إجراءات إدارية خاصة بالسماح بالنفاذ إلى السوق.

زيادة الشعور بالكسب لدى جماهير الشعب. في عام 2016، خلصت الصين 4ر12 مليون نسمة من الفقر. واستثمرت الحكومة بصورة نشيطة في قضايا الإغاثة من الكوارث والتوظيف والتعليم، وتحسنت الخدمات الصحية العامة الأساسية والخدمات الثقافية العامة في الوحدات القاعدية إلى حد كبير.

القوة ثمرة التعاون

مفاهيم التنمية الخمسة لها أهمية عالمية.

عندما نستعرض تاريخ تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية في عام 2008، نجد أن الاقتصاد العالمي يفتقر إلى طاقة محركة جديدة، فتحتاج الشعوب إلى الابتكار؛ وأمام الاضطرابات السياسية والاقتصادية الدولية، لم تعد الحوكمة العالمية تجدي نفعا، وصارت كل دولة من دول العالم تكافح منفردة، فتحتاج الشعوب إلى التنسيق؛ وتتطور القوى الإنتاجية للدول الرئيسية في العالم تطورا سريعا بعد دخول التصنيع، ولكن ظهرت مشكلات تغير المناخ وتدهور بيئة المعيشة ونضوب الموارد الهامة وعدم سلاسة دورانها وتوزيعها، فتحتاج الشعوب إلى الخضرة؛ وتتعرض العولمة لانتكاسة، وتجمدت بعض الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والمالية المتعددة الأطراف بسبب النزعات الوطنية لبعض القوى العالمية، فتحتاج البشرية إلى الانفتاح؛ ويتمتع بعض الناس في العالم بأفضل مستوى معيشة منذ فجر تاريخ البشرية، بينما بعضهم الآخر ما زال يعيش في المجاعة والمرض والخوف والجهل، فتحتاج الشعوب إلى التمتع المشترك بثمار التنمية.

إن ثمة تشابها بين الصين وبقية دول العالم في بعض النواحي، ولكن هناك اختلافات في نواح أخرى. الوضع مثل يدي الإنسان، فلكل شخص يدان، لكن شكل اليد وكذلك طول كل إصبع، مختلف. إذا تعاونت الخمس أصابع، يمكن أن تُشد لتشكل قبضة في الملاكمة، أو تُمد للعزف على البيانو. إن ذلك يشبه تطبيق "مفاهيم التنمية الخمسة" في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين والعالم. منذ ولادة الإنسان، تؤدي يد كل شخص دورها في خلق ثمار العمل، وتتراكم هذه الثمار باستمرار حتى تشكل حضارة الإنسان اليوم. هذه المسيرة التاريخية توضح أن "مفاهيم التنمية الخمسة" ستجعل الصين تحقق تطورا أعظم، كما ستلعب دورا في التفاعل الوثيق بين الصين والعالم، وتساعد على خلق الوعي برابطة المصير المشترك للبشرية وتحقيق الإنجازات الملموسة بلا انقطاع.

 

كو لي يان، باحث مساعد في مركز الصينللدراسات العالمية المعاصرة