الصين تحلق في الأجواء بإبداع ذاتي

سجل الخامس من مايو عام سبعة عشر وألفين، انضمام الصين إلى كبرى الدول المنتجة لطائرات الركاب العملاقة، بعد أن هبطت بسلام الطائرة "سي 919" الصينية الصنع، التي أقلعت من مطار بودونغ الدولي بشانغهاي، وحلقت في السماء لمدة ساعة وتسع عشرة دقيقة، بعد أن اجتازت الاختبارات الفنية المحددة.

سي 919

الطائرة التي تحمل اسم"Comac C919" (كوماك سي 919)، تجمع بين حرف (C) الذي يرمز للحرف الأول من الصين وشركة كوماك الصينية للطائرات التجارية المنتجة لها، والرقم 9 الذي يرمز للخلود لأنه يتجانس في النطق مع كلمة صينية بهذا المعنى. أما رقم "19" فيشير إلى عدد مقاعد الطائرة الإجمالي، المائة والتسعين.

سي 919 طائرة تجارية للمسافات القصيرة، طولها 38 مترا ويصل امتداد الجناحين إلى عشرين مترا، بينما يبلغ ارتفاعها اثني عشر مترا، ويصل عدد مقاعد الركاب، حسب توزيعها الأساسي، إلى مائة وثمانية وستين مقعدا، بينما يبلغ المدى القياسي لطيرانها 4075 كيلومترا، ويصل الحد الأقصى إلى  5555 كيلومترا، ويبلغ العمر الافتراضي لتشغيلها تسعين ألف ساعة طيران.

منذ إقلاع أول رحلة للطائرة الصينية "يون 10" في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1980 إلى إقلاع الطائرة"سي 919" في الخامس من مايو 2017، استغرقت رحلة الصين في تطوير وإنتاج الطائرات الكبرى سبعة وثلاثين عاما من الجهود والعمل الدءوب؛ لتحقق اختراقا تاريخيا في صناعة الطيران.

"سي 919"، هي أول طائرة مدنية محلية الصنع حسب أحدث معايير الطيران مزايا التصميم

من حيث المواد، يُستخدم في "سي 919" كثير من المواد المركبة المتطورة وسبائك الألومنيوم- الليثيوم المتطورة من أجل تقليل وزن الطائرة. تمثل سبائك الألومنيوم وسبائك التيتانيوم والحديد وغيرها من المواد الأخرى 20%- 30% من وزن الطائرة، الأمر الذي يدفع تطور الصناعات الصينية الأساسية أيضا. وفي ذات الوقت، فإن استخدام كثير من المواد المركبة يخفض الضوضاء داخل مقصورة الركاب إلى أقل من 60 ديسيبل مقارنة مع 80 ديسيبل لنفس النوع من الطائرات الأجنبية.

وفي ناحية خفض الانبعاثات، تعتبر "سي 919" طائرة خضراء وصديقة للبيئة، إذ تقل انبعاثاتها بنسبة 50% مقارنة مع نفس النوع من الطائرات.

ومن ناحية الراحة، فإن توفير أقصى درجات الراحة هو الهدف الأهم الذي تمت مراعاته في تصميم مقصورة الركاب. المقصورة بها ممر واحد، على كلا جانبيه ثلاثة مقاعد، وقد تم توسيع الفراغ للمتوسط منها، مما يخفف من الشعور بالازدحام لمن يجلسه. وحسب البيانات الرسمية، تتمتع "سي 919 بتكنولوجيا متطورة للرقابة البيئية وتكنولوجيا الإضاءة، وتوفر نافذة مشاهدة كبيرة للركاب.

"سي 919" مزودة بتقنية الزجاج الأمامي الرباعي الأوجه، والمستخدمة فقط في أحدث جيل من طائرات بيونغ 787 للركاب، الأمر الذي يخفض مقاومة الهواء في رأس الطائرة، كما أنها تستخدم النظام الهيدروليكي بضغط 5000PSI، والذي يوفر قوة محركة أكبر مقارنة مع الطائرات المدنية المجهزة بالنظام الهيدروليكي بضغط 3000PSI. وبجانب وضع عجلات الهبوط في الجناحين، يمكن تخزين الوقود أيضا، بحجم 386ر186 لترا في الجناحين.

صناعات التريليون

حسب شركة كوماك، تلقت الشركة حتى الآن طلبات شراء لخمسمائة وسبعين طائرة من طراز "سي 919"، مع توقعات بزيادة الطلبات بعد نجاح رحلة الخامس من مايو. تشير التقديرات إلى أن سوق الطيران المدني الصينية تحتاج إلى 5952 طائرة قيمتها تسعمائة مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات)، وهذا يعني أن سوقا هائلة تنتظر سي 919.

لقد أثار نجاح "سي 919" اهتماما عالميا واسع النطاق، فقد ذكرت صحيفة ((دي فيلت)) الألمانية، أن شركات الطيران الصينية لن تعتمد بعد الآن على بوينغ وايرباص فقط. وقالت وكالة "رويترز" للأنباء إن كوماك سوف تؤثر على نصيب بوينغ وايرباص في السوق الصينية والأسواق العالمية خلال العقود القادمة، معتبرة أن إنتاج "سي 919" مجرد خطوة أولى نحو ذلك. أما شبكة CNN الإخبارية الأمريكية فقد اعتبرت أن "سي 919" معْلَم لصناعة الطيران المدني في الصين التي مازال أمامها طريق طويل لمنافسة الشركات الأمريكية والأوروبية الرئيسية.

الحقيقة أن "سي 919" تضع عينها على أسواق الطيران الرئيسية، وتصنع حسب معايير الطيران الدولي الرئيسية وتتفق مع مطالب السوق الدولية الرئيسية، وتجذب اهتمام السوق الصينية والخارجية. قال وو قوانغ هوي، كبير مصممي "سي 919": "إنها منتج عالي المستوى ظهر في الوقت المناسب. هذه الطائرة المميزة تلبي طلب سوق الطيران الصينية أولا، ثم ستتجه إلى السوق العالمية."

من حيث صناعات المنبع، تساعد بحوث وإنتاج طائرات الركاب الكبيرة في تحقيق اختراقات في التقنيات الرئيسية في مجالات المواد الجديدة، القوة المحركة المتطورة، والمعلومات الإلكترونية، التحكم الأوتوماتكي، والكومبيوتر وغيرها. الارتقاء بصناعة الطيران يتطلب تقدما كبيرا في مجالات ميكانيكا الموائع وميكانيكا المواد الصلبة والفيزياء الحرارية والكيمياء وعلم المعلومات وعلوم البيئة وغيرها من العلوم الأساسية. ومن حيث صناعات المصب، فإن الأداء التجاري للطائرة المدنية الكبيرة يدفع تطور النقل الجوي وصيانة الطائرات والسياحة والخدمات اللوجستية وغيرها كثيرا.

قال خبراء متخصصون في هذا المجال، إن تحقيق اختراقات في قطاع تصنيع المعدات الكبيرة العالية المستوى، مثل صناعة الطائرات الكبيرة، هو فقط يوفر أساسا للصين الصناعية القوية في القرن ال21، ويساهم في دفع تحول الصين من "دولة تصنيع كبيرة" إلى "دولة تصنيع قوية".