العرب وقمة "الحزام والطريق"

"منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" الذي استضافته العاصمة الصينية بكين يومي الرابع عشر والخامس عشر من مايو 2017، بمشاركة تسعة وعشرين رئيس دولة وحكومة وممثلي أكثر من مائة وعشرة دول، من بينها دول عربية شاركت بوفود رفيعة المستوى، جاء فرصة أخرى للعرب لتوسيع إطار مصالحهم الاستراتيجية، خاصة وأن دولة كبرى مثل الصين هي صاحبة مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تعني إقامة حزام اقتصادي لطريق الحرير البري وإحياء طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين. وقد كان هدف هذا المنتدى هو خلق منصة متعددة الأطراف وبناء آلية متعددة المستويات بين دول المبادرة لتبادل الرؤى حول السياسات الاقتصادية الكلية التي تتخذها، وتوسيع المصالح المشتركة بينها، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وإزالة العوائق أمام التجارة، وربط المرافق، والتكامل المالي، والتوصل إلى توافق جديد للتعاون فيما يتعلق باستراتيجيات التنمية الاقتصادية، وتقديم دعم مشترك نحو تنفيذ السياسات والمشروعات المشتركة، بالإضافة إلى تعزيز التبادل والتعاون الثقافي بين الشعوب وعلى مستوى مراكز الفكر والأبحاث.

وقد تضمنت كلمة الرئيس شي جين بينغ خلال افتتاح المنتدى عددا من الرسائل الهامة التي يجب التوقف عندها وقراءتها بعناية وروية، ومنها: أولا: أن الصين وإن كانت أطلقت مبادرة "الحزام والطريق"، إلا أنها لا تعتبر هذه المبادرة تخصها وحدها، بل تشمل العالم كله، إذ قال الرئيس شي إن "الحزام والطريق" يجب أن يكون طريقا منفتحا، و"علينا أن نبني منصة منفتحة للتعاون، وأن ندعم ونطور اقتصادا عالميا منفتحا". ثانيا: أن "مبادرة الحزام والطريق" مشروع طويل الأجل ومتعدد الأطراف، فقد قال الرئيس شي إن الصين ستنشئ آلية اتصال لمتابعة أنشطة "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي". ثالثا: أن الصين، بهذه المبادرة ترسخ دورها القيادي في العالم من خلال تبني توجهات تصب في مصلحة العولمة الاقتصادية وتحرير وتيسير التجارة والاستثمار، من خلال إطلاق مبادرة الحزام والطريق للتعاون في الترابط التجاري. رابعا: أن الصين تدرك التحديات التي تواجه العالم، ولديها رؤية واضحة لمواجهة تلك التحديات، فقد أشار الرئيس في كلمته إلى أن البشرية تواجه تحديات العجز في السلام والتنمية والحوكمة، وتحدث عن عالم "محفوف بالتحديات"، ولكنه قال أيضا إن البشرية تعيش في عصر من التقدم العظيم، والتحول الكبير، والتغير العميق. وقد أكد الرئيس شي أن التنمية العالمية تتطلب قوة دافعة جديدة، وينبغي أن تكون أكثر شمولا وتوازنا، فيما ينبغي تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

ويرى كثير من المحللين الصينيين أن الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، تحظى بقيمة استراتيجية واضحة لدى الصين في تحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك اقتصاديا، وتحسين البيئة الجيوسياسية وبناء نظام جديد للاقتصاد الدولي، وغيرها من المجالات.

وقد شهد العام الماضي وبداية العام الحالي انخراطا عربيا متزايدا في مبادرة "الحزام والطريق"، التي من شأنها ليس فقط تعزيز انتقال الموارد والعناصر بشكل حر ومنتظم بين الصين ودول المنطقة العربية، وإنما أيضا تحسين توزيع الموارد، ودفع بناء البنية التحتية في الدول العربية، وخلق نقاط نمو جديدة للاقتصاد وتوفير فرص العمل.

وإذا كانت الصين قد حددت محاور تعاونها مع الدول العربية بأنها الطاقة وبناء البنية التحتية وتيسير التجارة والاستثمار، فضلا عن التكنولوجيا العالية الجديدة والطاقة النووية والأقمار الاصطناعية الفضائية، فإن الدول العربية عليها أن تغتنم هذه الفرصة لإدماج مشروعاتها العملاقة، ومنها المشروعات التي يجري تنفيذها بمنطقة قناة السويس في مصر، و"رؤية 2030" السعودية ضمن "الحزام والطريق"،  علما بأنه في عام 2016، تجاوزت قيمة اتفاقيات مقاولة المشروعات التي وقعتها الصين مع الدول العربية 46 مليار دولار أمريكي.

في سبتمبر 2016، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة مجموعة العشرين بمدينة هانغتشو الصينية، وبذلك يكون الرئيس السيسي قد زار الصين ثلاث مرات منذ توليه مسؤولية الحكم في مصر. وفي عام 2015، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين 9ر12 مليار دولار أمريكي، ولكن الميزان التجاري يميل لصالح الصين بشدة، ومن هنا تأتي أهمية الاندماج بقوة في "الحزام والطريق"؛ لأن ذلك يعني المزيد من المشروعات المشتركة والتدفق السياحي والاستثمارات. في العام الماضي زار مصر 170 ألف سائح صيني، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم في نهاية العام الحالي إلى 250 ألفا، وأن يصل في غضون خمس سنوات إلى مليون. ومن ثم فإن الانفتاح أكثر على الصين ودول الحزام والطريق يعني المزيد من التدفق السياحي إلى مصر من أسواق جديدة. 

وفي مارس 2017، قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بزيارة رسمية للصين، تم خلالها توقيع مذكرات تفاهم وخطابات نوايا بقيمة نحو 65 مليار دولار أمريكي بين الجانبين الصيني والسعودي، من بينها اتفاقيات في مجالات التجارة والطاقة وقدرة الإنتاج والثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، كما أصدرت الصين والسعودية بيانا مشتركا بشأن توسيع التعاون الثنائي في مجال النفط. وتعتبر السعودية أكبر مورد للنفط الخام للصين على مدى ست عشرة سنة متتالية؛ من عام 2000 إلى عام 2015، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 36ر42 مليار دولار أمريكي في عام 2016.

الجوهر الرئيسي لمبادرة "الحزام والطريق" هو "المصير المشترك للبشرية"، وقد ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ بناء "رابطة المصير المشترك للبشرية" أكثر من مائة مرة في مناسبات محلية ودولية مختلفة، منذ أن طرح مبادرة "الحزام والطريق".

في عام 2015، ساهمت الصين بنحو 25% من نمو الاقتصاد العالمي. ولم يكن إعلان أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية عن استجابتها ودعمها لمبادرة "الحزام والطريق" مفاجئا، فقد باتت الصين المحرك الرئيسي لنمو الاقتصادي العالمي. لقد أنشأت المؤسسات الصينية 56 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في أكثر من عشرين دولة واقعة على طول "الحزام والطريق"، يتجاوز حجم الاستثمار التراكمي فيها 5ر18 مليار دولار أمريكي. وفي بداية عام 2016، تم تدشين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يضم في عضويته سبعين دولة ومنطقة، من بينها مصر، وهو بنك معني بقطاع تحتاجه الدول العربية بشدة خلال السنوات المقبلة. وإذا أضفنا إلى ذلك عددا من التوقعات الخاصة بالصين خلال السنوات الخمس المقبلة، ومنها أن حجم وارداتها سيصل إلى ثمانية تريليونات دولار أمريكي، وأن حجم الاستثمار الأجنبي المستخدم في الصين سيصل إلى ستمائة مليار دولار أمريكي، وأن حجم استثمارات الصين في الخارج سبعمائة وخمسين مليار دولار أمريكي، وأن عدد الصينيين الذين سيقومون بزيارات للخارج سيتجاوز سبعمائة مليون شخص، ندرك أهمية مشاركة مصر والدول العربية بقوة في "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي"، والذي ناقشت الصين خلاله مع الأطراف المعنية الخطط الهامة للتعاون مع الدول الأخرى، والعمل على تعميق ربط الاستراتيجيات مع مختلف الدول المشاركة والمنظمات الدولية، لتحقيق الجمع العضوي بين تحول نمط اقتصاد الصين والارتقاء بمستواه، ودفع التصنيع والتحديث وتعزيز بناء البنية التحتية للدول المختلفة، وفتح حيز جديد لتنمية البلدان المشاركة وإضافة قوة محركة جديدة للنمو.

وقد أعلنت الصين أنها ستدفع مختلف الدول للقيام بالتعاون الدولي في القدرة الإنتاجية وتصنيع الأجهزة، وتعزيز التواصل والترابط عبر القارات، ورفع مستوى التعاون في التجارة والاستثمار، وخلق فرص جديدة لنمو الاقتصاد العالمي، مما يجعل قمة "الحزام والطريق" حشدا لحكمة مختلف الأطراف وبناء آلية تعاون فعالة طويلة المدى، وتشكيل شبكة للتعاون المتبادل المنفعة وإقامة نمط تعاون من طراز جديد.

حجم التجارة البينية للدول العربية يتراوح بين 8% و10% من إجمالي حجم تجارتها الخارجية، مع ضعف التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي العربي. فإذا كانت جامعة الدول العربية تسعى لدفع التكامل الاقتصادي العربي وبناء منطقة اقتصادية عربية موحدة وغيرها من الخطط والتطلعات الجديدة التي تتوافق مع متطلبات التنمية في القرن الحادي والعشرين، والاستفادة من ظروف الدول العربية، فإن مبادرة "الحزام والطريق" تحتضن هذه التطلعات العربية في إطار أكثر شمولا.

--

أشرف السيد محمد، باحث مصري متخصص في الشؤون الآسيوية