سفير الأردن لدى الصين:
· الأردن أكد على احترامه لمبدأ "الصين الواحدة" ودعمه لمبادرة "الحزام والطريق"
· هناك زيادة في أعداد السياح الصينيين إلى المملكة ولكن الأرقام ما زالت متواضعة
· النموذج الصيني محط اهتمام واحترام من الجميع

بمناسبة احتفال جمهورية الصين الشعبية والمملكة الأردنية الهاشمية في إبريل 2017، بذكرى مرور أربعين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، أجرت ((الصين اليوم)) حوارا مع سفير الأردن لدى الصين يحيى القرالة، الذي استعرض مسيرة تلك العلاقات وأبرز مجالات التعاون بين البلدين وخطط التعاون في المستقبل. وإلى تفاصيل الحوار.

((الصين اليوم)): في الذكرى السنوية الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والأردن، ما هي أهم المراحل والمحطات التي شهدتها مسيرة الصداقة بين البلدين خلال تلك الفترة؟

السفير يحيى القرالة: إن أبرز المحطات التي شهدتها العلاقات الأردنية الصينية في الزيارات المتعددة التي قام بها صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسن المعظم إلى جمهورية الصين الشعبية، التي بلغ عددها ثماني زيارات وكان آخرها في سبتمبر من عام 2015. بذلك يكون جلالته أكثر الزعماء العرب زيارة للصين وهو ما يدل على الأهمية الكبرى التي توليها القيادة الأردنية لدور الصين المهم على الساحة الدولية وفي قضايا المنطقة الساخنة، وعلى الرغبة الأكيدة في زيادة أواصر التعاون الثنائي بين البلدين. وخلال زيارة جلالته الأخيرة للصين، وقع البلدان على بيان الشراكة الاستراتيجية ليشكل بذلك نقطة انطلاق جديدة في مسيرة العلاقات الثنائية، وليعطي زخما إضافيا ودفعة قوية لروابط الصداقة والتعاون. كما حضر جلالته، خلال تلك الزيارة، جانبا من المعرض الصيني- العربي 2015 في نينغشيا والذي شارك الأردن فيه كضيف شرف.

في بيان الشراكة الاستراتيجية، أكد الجانبان على استمرار التواصل والتشاور والتنسيق بين قيادتي البلدين، كما أكد الأردن على احترامه لمبدأ "الصين الواحدة" وعلى دعمه لمبادرة "الحزام والطريق" واحترامه لشواغل الصين. وبالمقابل، أكد الجانب الصيني دعمه لجهود الأردن للحفاظ على أمنه واستقراره وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيه، ومواصلة تشجيع ودعم الشركات الصينية للاستمرار في الأردن.

وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري، هناك العديد من العلاقات المضيئة في مسيرة البلدين، فقد كان الأردن من أوائل الدول التي دعمت الصين في مبادرتها لإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، حيث شارك الأردن فيه بصفته عضوا مؤسسا.

((الصين اليوم)): مع تعزيز العلاقات الودية بين الصين والأردن في العقود الأربعة الماضية، كيف ترون اتجاه تطور علاقات البلدين في الفترة المقبلة؟

السفير يحيى القرالة: عندما نتكلم عن العلاقات الأردنية- الصينية، فنحن بلا شك نتكلم عن قاعدة صلبة يمكن أن تنطلق منها إلى مزيد من مجالات التعاون. فبالإضافة إلى ما ذكر، فإن البلدين يتقاسمان المواقف السياسية تجاه قضايا المنطقة، مثل الأزمة السورية والقضية الفلسطينية، كما أنهما يواجهان نفس المهام باعتبارهما بلدين ناميين. وعليه، فإنني أعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح ونحن مقبلون على مزيد من التعاون. ولو أردنا أن نقيم ما أنجز في مجالات التعاون بين البلدين خلال فترة معينة، فبلا شك أننا سنلمس فارقا إيجابيا كبيرا. فعلى سبيل المثال، تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من مرة ليصل إلى 71ر3 مليارات دولار أمريكي مع نهاية عام 2015.

ومن المؤكد أن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية ستعطي زخما لهذا التعاون، كونها ستفتح مزيدا من الآفاق والفرص الجديدة، خاصة وأن الأردن يتمتع بميزات تمكنه من لعب دور مهم في المبادرة، ومنها على سبيل المثال موقعه الجغرافي المتميز بين ثلاث قارات. إن المشاريع والاستثمارات الصينية التي تنفذ حاليا في المملكة شاهد آخر على المرحلة التي وصلنا إليها، والتي نتمنى أن تزيد في المستقبل. وقد لاحظنا خلال السنوات الأخيرة أن هناك توجها واهتماما صينيا متزايدا في المنطقة، والأردن يحاول أن يستفيد من هذا الاهتمام بأن يقدم الفرص المربحة  للجانب الصيني، فعلى سبيل المثال أعطى الأردن الأولوية للاستثمارات الصينية في الفرص الاستثمارية المتاحة لديه.

 

((الصين اليوم)): ما هي أبرز مجالات التعاون بين الصين والأردن حاليا؟

السفير يحيى القرالة: يمكن أن أقول إن التعاون يمكن أن يشمل معظم، بل كل النواحي الممكنة. والسبب في ذلك أن لدى كل جانب الكثير لكي يقدمه للآخر، والمزايا متوفرة لدى البلدين للوصول إلى آفاق تعاون جديدة. وكما أسلفت فإن مبادرة "الحزام ولطريق " فرصة سانحة للبلدين لمزيد من التعاون والانفتاح والنفع المتبادل.

التعاون في المجال الاقتصادي بين البلدين سبق غيره من أوجه التعاون، فبالنسبة لمجال الاستثمار، هناك حاليا العديد من المشاريع  التي يجري تنفيذها مع  الجانب الصيني، ومن أبرزها إنشاء مصنع لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 554 ميغاوات باستغلال الصخر الزيتي في منطقة "العطارات" في جنوبي المملكة بتكلفة تبلغ مليارين ومائة مليون دولار أمريكي. كما أن هناك استثمارات صينية في عدد من المناطق الحرة في المملكة. وتم مؤخرا التوقيع على اتفاقية لتطوير منطقة تنموية متخصصة بالصناعات في العقبة في منطقة لواء "القويرة" ستكون بمساحة 1200 دونم، وسيتم تطويرها على أربع مراحل. وهناك استثمارات صينية في مشاريع الطاقة المتجددة وأخرى ما زالت حاليا قيد البحث والدراسة بين الجانبين.

وأما في مجال التجارة، فبالرغم من أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في تزايد مستمر، يميل الميزان التجاري بشكل كبير لصالح الصين. وبالتالي فإن الأردن يسعى لزيادة صادراته إلى الأسواق الصينية. ومن أهم الصادرات الأردنية إلى الصين: الصناعات الكيماوية مثل البوتاس والأسمدة والفوسفات، الألبسة، ومنتجات البحر الميت. وخلال الفترة الأخيرة طُرحت بعض الأفكار لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، منها على سبيل المثال إقامة مجلس مشترك للأعمال وتأسيس صندوق أردني صيني لدعم وترويج المنتجات والخدمات بين البلدين. ونأمل بأن يتم بحث ودراسة هذه الأفكار عن كثب. كما نعتقد بأهمية إقامة  معارض أردنية دورية في الصين لتسويق المنتجات والصناعات الأردنية على غرار معرض المنتجات الصينية الذي يقام سنويا في الأردن.

 

((الصين اليوم)): بعد أن قررت الأردن إعفاء الصينيين من تأشيرة الدخول، زاد حجم السياحة الصينية إلى الأردن. كيف ترون التعاون في هذا المجال، ومستقبل السياحة الصينية إلى بلادكم؟

السفير يحيى القرالة: في الحقيقة، قام الأردن بمجموعة من الخطوات بهدف تشجيع السياحة الصينية  لديه من منطق أنه يعي تماما أن الصين هي الدولة الأولى في العالم في عدد السياح للخارج، وأن الأردن بات مقصدا سياحيا للسائح الصيني منذ عام 2003 وأن هناك الكثير الذي يمكن أن يقدمه للسائح الصيني. فالأردن من الدول المتقدمة على مستوى المنطقة في مجال السياحة العلاجية ويزخر بالمواقع الأثرية والدينية من شماله إلى جنوبه، ولديه أماكن طبيعية أثرية لن يشاهدها السائح الصيني في أي مكان آخر في العالم ، مثل البحر الميت، أخفض نقطة على سطح الأرض، والبتراء وهي إحدى عجائب الدنيا السبع، والمغطس (مكان عماد السيد المسيح عليه السلام).

وانطلاقا من هذا الإدراك، قامت الخطوط الجوية الملكية الأردنية بتشغيل خط جوي منتظم بين العاصمة عمان ومدينة قوانغتشو بواقع ثلاث رحلات جوية أسبوعيا، اعتبارا من مطلع شهر مارس 2016. كما تقوم هيئة تنشيط السياحة الأردنية بالتعاون مع المكاتب السياحية في الأردن بزيارات دورية ومنتظمة إلى الصين، للقيام بورشات عمل وتنظيم معارض يتم خلالها عقد لقاءات مع شركات ووكلاء السياحة الصينيين، منها عدة ورش ومعارض خلال شهر مارس 2017، في قوانغتشو وشانغهاي وبكين. وقد بدأ الأردن مؤخرا إصدار كتيبات ومنشورات عن المواقع السياحية في الأردن باللغة الصينية. والأردن بصدد اعتماد اللغة الصينية  في المواقع السياحية والأثرية في الأردن. كما بدأ الأردن خلال السنوات القليلة الماضية بإعداد كوادر أردنية يتقنون اللغة الصينية للعمل في المجالات الفندقية والسياحية.

هناك زيادة مستمرة في أعداد السياح الصينيين إلى المملكة، ولكننا نعتقد بأن الأرقام ما زالت متواضعة بعض الشيء في هذا المجال. وعليه، فإن الأردن يطمح بكل جد إلى زيادة حصته من أعداد السياح الصينيين، كما أننا نرحب في الأردن بالاستثمارات الصينية في المجال السياحي وفي القطاع الفندقي.

 

((الصين اليوم)): بدأت في الصين أعمال الدورتين (دورة المجلس الوطني لنواب الشعب ودورة المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني)، التي تعتبر مؤشرا لاتجاه تطور الصين خلال الفترة المقبلة. ما هي الموضوعات التي توليها سعادتكم اهتماما أكبر في الدورتين، ولماذا؟

السفير يحيى القرالة: لا شك أن النموذج الصيني هو محط اهتمام واحترام من قبل الجميع. فقد استطاعت الصين أن تحقق قفزات هائلة في مختلف المجالات مثل النواحي الاقتصادية ورفع المستوى المعيشي لأبناء الشعب الصيني أو مكافحة الفساد والسير بالإصلاح. الأردن والصين يتقاسمان الكثير من أوجه الشبه، ومنها أنهما دولتان ناميتان. وعليه، فإن استفادة الأردن من النموذج والخبرة الصينية سيكون أمرا مفيدا بحيث يتم تكييف تلك الخبرات لتتلاءم مع البيئة والخصائص في الأردن.

وخلال هاتين الدورتين، تتوضح المعالم الرئيسية لتوجهات الصين وخططها على مختلف الصعد. وبما أن الصين تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأحد أهم محركات التحفيز للاقتصاد والسوق العالميين وذات الدور البارز في القضايا الساخنة على الساحتين الإقليمية والدولية وصاحبة المبادرات المتميزة، فإن الأردن يهتم بقراءة انعكاسات القرارات التي تتخذها الصين على البيئة الدولية المحيطة به، وكذلك الاستفادة من التجربة والنموذج الصيني في النواحي الاقتصادية والاجتماعية وإدارة شؤون البلاد.

إننا ندعم تبادل الخبرات بين المجلسين التشريعيين في البلدين، حيث أننا في الأردن لدينا سلطة تشريعية عريقة قد اكتسبت خبرات طويلة في مجالات التشريع  والمراقبة.

 

((الصين اليوم)): ما هي مشروعات وخطط التعاون بين البلدين في مجالات الثقافة والفنون والتعليم؟

السفير يحيى القرالة: كانت هناك زيارة لمعالي وزير الثقافة الأردنية السابق د. عادل الطويسي، على رأس وفد، إلى الصين في شهر سبتمبر 2016. حيث عقد خلالها مباحثات مع نظيره الصيني معالي السيد لوه شو قانغ. كما تم توقيع اتفاقية لإنشاء مركز ثقافي صيني في المملكة. سيكون لهذا المركز عظيم الأثر في زيادة التواصل والتلاقي بين الثقافتين الأردنية (العربية) والصينية. كما شارك معالي الوزير الأردني والوفد المرافق في معرض "طريق الحرير" الذي أقيم في مقاطعة قانسو الصينية.

إننا في الأردن حريصون على المشاركة في الأنشطة الثقافية التي تقام في الصين، حيث كان لنا أيضا مشاركة واسعة في المعرض العربي- الصيني 2015، إذ حضرت فرق فنية أردنية وقدمت أداء متميزا نال إعجاب الجميع. كما تم إقامة معرض ثقافي أردني ضمن فعاليات المعرض العربي- الصيني 2015. وبالمقابل فإن هناك مشاركات متميزة من الفرق الفنية والثقافية الصينية في مختلف المهرجانات التي تقام سنويا في المملكة،  كمهرجان "جرش للثقافة والفنون".

أما في مجال التعليم، فهناك إقبال متزايد من الطلبة الأردنيين خلال السنوات الأخيرة على دراسة مختلف التخصصات في الجامعات الصينية. وبحسب الإحصاءات المتوفرة لدينا، فإنه يوجد نحو تسعمائة طالب أردني يدرسون في الجامعات الصينية حتى نهاية عام 2015. كما أن هناك أعدادا متزايدة من الطلبة الصينيين الذي يدرسون اللغة العربية في المملكة. أود أن أشير إلى أن بعض الجامعات والمدارس الأردنية بدأت بتدريس اللغة الصينية للطلبة الأردنيين، وهو ما يعكس شعور الجيل الحالي بدور الصين ومستقبلها المتعاظم على مختلف الصعد.

ومن أهم المشاريع التي يجري تنفيذها حاليا على أرض الواقع، إنشاء جامعة تقنية أردنية- صينية مشتركة في الأردن تدرس التخصصات الهندسية.

 

((الصين اليوم)): نرجو منكم توجيه كلمة إلى قراء ((الصين اليوم))

السفير يحيى القرالة: في البداية، أود أن أتقدم لقراء مجلتكم الكرام وللصين قيادة وحكومة وشعبا بأسمى آيات التهنئة والتبريكات بمناسبة العام الصيني الجديد، والذكرى السنوية الأربعين لانطلاق العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا. إننا نؤكد عزمنا على المضي قدما في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلين، ومواصلة العمل على بناء علاقات ثنائية سليمة ومفعمة بالحيوية في ظل قيادتي البلدين الحكيمتين، والسعي لمد جسور الصداقة والمحبة حاضرا ومستقبلا بين شعبي بلدينا.