قراءة في "الدورتين"

عقدت خلال شهر مارس 2017، الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والدورة السنوية للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (الدروتان اختصارا).

المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني يعتبر أكبر هيئة تشريعية في العالم، ويجتمع كل سنة جنباً إلى جنب مع المجلس الوطني "للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني"، ويقر التشريعات والقرارات السياسية الهامة على المستوى الوطني. مدة المجلس الوطني لنواب الشعب خمس سنوات، وقد انتخب أول مجلس وطني لنواب الشعب في سبتمبر 1954، والمجلس الحالي، وهو الثاني عشر، تم انتخابه في عام 2013 ويبلغ عدد أعضائه 2943 نائباً. وينظر العالم إلى اجتماع المجلس الوطني لنواب الشعب باعتباره تجمعا سياسيا رفيع المستوى، بحضور كبار المسؤولين الصينيين لمناقشة أهم القضايا والخطط الصينية في شتى المجالات في الداخل والخارج.

وقد ركز تقرير عمل الحكومة، الذي ألقاه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، في الخامس من مارس 2017، أمام نواب الشعب على النمو الاقتصادي، والتلوث، والإنفاق على البنية التحتية، إضافة إلى الإعلان عن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للصين وميزانية الدفاع الصينية لعام 2017. وقد أشار السيد لي إلى أن الصين تستهدف تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5ر6% في عام 2017، وأن الصين تخطط للاستثمار في مشروعات بناء السكك الحديدية والطرق السريعة والممرات المائية. كما أكد على أن الصين تعارض كل أشكال الحمائية وسوف "تصبح أكثر انخراطاً في الحوكمة العالمية وتوجيه العولمة الاقتصادية". وفيما يتعلق بمحاربة التلوث، قال رئيس مجلس الدولة إن هناك التزاما بجعل السماء زرقاء مرة أخرى، حيث ستعمل الصين بجد لوقف التلوث الناجم عن حرق الفحم، مع وعد من قبل الحكومة لرصد والسيطرة على التلوث الصناعي في كافة المناطق. وفي ظل تحسين البنية التحتية مثل محطات شحن السيارات، ثمة مطلب ملح بأن تصبح سيارات الطاقة النظيفة اختيار عدد متزايد من الصينيين.

   وأعلنت الصين أن ميزانية الدفاع ستزيد بنحو 7% في عام 2017. وهي أقل من نسبة الزيادة في السنوات السابقة، فقد كانت 1ر10% في 2015 و6ر7% في عام 2016. وأكد لي كه تشيانغ في  تقرير عمل الحكومة، أن الصين سوف تعارض أي محاولة لاستقلال تايوان وانفصالها عن الصين، وقال: "لن نتساهل مع أي نشاط، تحت أي شكل أو اسم، يحاول فصل تايوان عن الوطن الأم." وأكد لي على أن نفس الأمر ينطبق تماماً على فكرة استقلال "هونغ كونغ"، حيث تتمسك بكين بمبدأ "دولة واحدة ذات نظامين". وأكد تقرير عمل الحكومة  أن الصين ستواصل تعميق الإصلاحات العسكرية، والتمسك بالقيادة المطلقة للحزب الشيوعي الصيني للقوات المسلحة. وأكد أيضا أن الصين ستضمن تنظيم وتخطيط العمليات الهامة المتصلة بمكافحة الإرهاب، والحفاظ على الاستقرار وصيانة السلام الدولي وحراسة السفن التجارية في أعالي البحار، وأن الصين سترفع من قدرتها على الإبداع في علوم وتكنولوجيا الدفاع الوطني، وتعزيز تطوير اللوجستيات والمعدات المتقدمة، فضلا عن تعزيز التكامل بين القطاعين العسكري والمدني، إضافة إلى تعزيز إجراءات السيطرة والمراقبة على حدودها البحرية والجوية في سبيل حماية سيادتها وأمنها.

وشملت أهم القضايا الداخلية التي أدرجت على جدول أعمال "الدورتين" هذا العام، تعديل الأحكام العامة للقانون المدني الصيني، لوضع إطار شامل لمعالجة العديد من الموضوعات الاجتماعية في الصين: مثل مكافحة الضباب الدخاني باعتباره التحدي الطويل الأجل الذي يواجه الصين؛ تقليل أعباء الشركات، ذلك أن تباطؤ الاقتصاد والبيئة العالمية المتغيرة جعلا الشركات أكثر حساسية تجاه الضرائب والرسوم؛ سياسة دعم الطفلين، باعتبار أن تطبيق الصين لسياسة الطفلين التى بدأت في عام 2013، ينبغي أن تصاحبها ترقية وتحسين جودة السياسات والخدمات المعنية من أجل حياة أفضل للمواطن.

وأشار تقرير عمل الحكومة إلى "تسريع" أعمال البحوث والتحول  إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والجيل الخامس، فمن المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الصين إلى تسعة مليارات ومائة مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات) في عام 2020. كما أن دخول شبكة الجيل الخامس في العمل التجاري رسميا، سيجعل قطاع الاتصالات يدخل جولة جديدة من التطوير، ويجلب تطوير الصناعات الناشئة الكبيرة. ومن المتوقع أن يصل حجم إنتاج الصين من التصنيع الذكي إلى ثلاثة تريليونات يوان بحلول عام 2020. وقد أشار تقرير عمل الحكومة إلى التنفيذ المتعمق لـ "صنع في الصين 2025"، و"اتخاذ تطوير التصنيع الذكي كالاتجاه الرئيسي في التطوير".

ومن المصطلحات الجديدة التي تضمنها تقرير عمل الحكومة لهذا العام "العائلات الرقمية"، إذ يمكن للعائلات الرقمية تحقيق ربط وإدارة المعدات الإلكترونية المتنوعة في البيت، وتعزيز تمديد الرعاية الصحية والخدمات الإلكترونية والتجارة الإلكترونية للبيوت. وأشار التقرير إلى توسيع الاستهلاك المعلوماتي المتمثل في العائلات الرقمية، مؤكدا مغزى تطوير هذه الصناعة.

ومع تحول الصين إلى ما يسمى بمجتمع الشيخوخة، يشهد حجم سوق خدمات المسنين زيادة كبيرة في الصين. وباتت المطالبة بالتكامل الفعال للموارد الصحية وخدمات المعاشات التقاعدية لتيسير حصول المسنين على الخدمات المستدامة والمناسبة والمهنية، أكثر إلحاحا.

وحول السياسة الخارجية للصين، طالب وانغ يي وزير خارجية الصين، الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بالتعاون معا والسعي إلى الفوز المشترك. وقال: "في العصر الجديد، يجب ألا تكون العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مثل لعبة الأرجوحة ، وإنما يجب على الدول الثلاث التعاون بدلا من العمل ضد بعضها البعض، والسعي لتحقيق الفوز المشترك بدلا من الفوز على حساب الآخرين." وأكد وانغ أن الصين ستواصل دورها كمرساة للاستقرار الدولي ومحرك للنمو العالمي، وداعم للسلام والتنمية ومساهم في الحوكمة العالمية. وأضاف: "منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، رفعت الدبلوماسية الصينية من مستوى التحديات والصعوبات واقتحمت آفاقا جديدة وحققت سلسلة من الإنجازات الهامة وفتحت صفحة جديدة لدبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية، وذلك تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومحورها شي جين بينغ." وأوضح وانغ أن الآراء والأفكار الصينية الجديدة "ترفض المفهوم القديم حول التحالف والمجابهة، وتتجاوز ذلك الأسلوب القديم القائم على ألعاب المحصلة الصفرية، وشكلت مفهوما متميزا بخصائص صينية واضحة ذات مغزى مفيد وذي أهمية للعالم أجمع." وأشار وزير الخارجية إلى أن رؤية الصين موضحة بسلسلة من الأفكار والآراء الجديدة التي طرحها الرئيس شي، بما فيها تشكيل شراكات بالحوار بدلا من المجابهة، وبالمشاركة بدلا من التحالف بمفهومه القديم، وبناء نوع جديد من العلاقات الدولية التي تتميز بتعاون الفوز المشترك والمشاركة في بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. وقال إن تلك الأفكار والآراء تعتبر خطوطا إرشادية لعمل الدبلوماسية الصينية خلال العصر الجديد، وإن من شأنها أن تعود بتأثيرات عميقة وطويلة المدى للتنمية وتقدم البشرية. وأكد أن بلاده لن تسمح أبدا بتكدير وتقويض الاستقرار المُتحقق بصعوبة في بحر الصين الجنوبي مرة أخرى. مشيرا أن الوضع في بحر الصين الجنوبي هدأ بشكل واضح نتيجة للجهود المشتركة من قبل الصين ودول رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، الأمر الذي يعد نعمة للمنطقة والعالم.

وحول سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط، قال وانغ يي إن الوضع في الشرق الأوسط عاد مجددا لمفترق طرق حاسم، في ظل تنامي عدم الاستقرار والأمل في السلام .وأوضح الوزير الصيني أن وجهة نظر الصين تتمحور حول ضرورة دفع الوضع الإقليمي قدما في الاتجاه الصحيح. وأكد وانغ على ضرورة أن تحافظ البلدان المعنية في الشرق الأوسط على الإجماع الدولي لمكافحة الإرهاب والتمسك بالهدف الصحيح الساعي إلى التسوية السياسية للقضايا الساخنة ووضع الأمم المتحدة في مكان قيادة عملية السلام في الشرق الأوسط. 

--

د.نادية حلمي، مدرسة العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية في جامعة بني سويف المصرية.