ملتقى "العلاقات المصرية- الصينية عبر العصور" في القاهرة

عقد يومي الخامس عشر والسادس عشر من مارس 2017،  بالقاهرة "الملتقى الدولي للعلاقات المصرية- الصينية عبر العصور"، بحضور سفير الصين لدى مصر سونغ آي قوه، ورئيس وزراء مصر الأسبق د. عصام شرف، وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة بمصر د. هيثم الحاج علي، وغيرهم من الباحثين المصريين في الشأن الصيني والباحثين الصينيين في الشؤون العربية.

في افتتاح المنتدى، قال د. خلف الدميري عضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة المصري: "انطلاقا من العلاقات والمصالح المشتركة عبر العصور والاحترام المتبادل بين الدولتين المصرية والصينية، وسعياً لترسيخ واستمرار هذه العلاقات والمصالح، جاءت فكرة تأسيس هذا الملتقى الدولي بعدما انتهى العام الثقافي المصري- الصيني 2016/2017، إيذاناً بتأسيس بنيان مستمر، وعلى أساس أن العلاقات لا يمكن أن تكون رهناً بأيام أو أشهر أو أعوام." وأشار د. الميري إلى أنه من أهداف هذا الملتقى إتاحة الفرصة أمام الباحثين والمتخصصين من الجانبين لطرح أفكارهم ورؤاهم لماضي هذه العلاقات وحاضرها، وكيفية الانطلاق بها إلى آفاق أبعد مدى في المستقبل.

وفي كلمتها، قالت مقررة لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة المصري د. زبيدة عطا الله، إن مؤتمر باندونغ عام 1955، الذي حضرته وفود تسع وعشرين دولة، لم يكن فقط بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لحركة عدم الانحياز، بل كان أيضاً بداية لتوطيد العلاقات المصرية- الصينية، فعلى هامش المؤتمر استعرض الرئيس جمال عبد الناصر مع الزعيم الصيني شو أن لاي إمكانية شراء مصر السلاح من الاتحاد السوفيتي، ووعده الزعيم الصيني بأنه سوف يبعث للقيادة السوفيتية وسيبلغه بالأمر. كما وجه شو أن لاي دعوة للشيخ الباقوري- وزير الأوقاف المصري آنذاك- للذهاب إلى الصين والاطلاع على أحوال المسلمين هناك. وأشارت د. عطا الله إلى أن الغرب كان يعتبر دائما أن التقارب المصري- الصيني هو بمثابة تهديد لنفوذ الغرب في المنطقة العربية، في حين اعتبرته الصين موقفاً لصالحها حتى لا تُتخذ أرض العرب كقواعد عسكرية للقوى الغربية. وفي عام 1956، اعترفت مصر بالصين الشعبية، لهذا يمكن القول إن مؤتمر باندونغ كان فاتحة العلاقة بين البلدين.

وقال د. تشانغ هونغ الأستاذ في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، إنه خلال الستين عاما الماضية وبفضل الجهود المشتركة بين الجانبين، شهدت العلاقات الصينية- المصرية تطوراً كبيراً وحققت إنجازات مثمرة في مجالات التعاون بين البلدين في شتى المجالات. وتناول د. تشانغ أربعة مجالات للعلاقات الصينية- المصرية، وهي: العلاقات السياسية القائمة على الاحترام والثقة المتبادلة؛ العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة المنفعة؛ العلاقات العسكرية الوثيقة والتي تتطور يوما بعد يوم؛ بالإضافة إلى العلاقات الثقافية المنفتحة والمتسامحة التي تُزيد التعارف والتفاهم والتعاون المثمر .

وخلال الملتقى، قدمت د. تسو لان فنغ الأستاذة في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين، ورقة بعنوان "نجيب محفوظ في الصين من منظور جمال التلقي"، أوضحت فيها شغف الصينيين بنجيب محفوظ وأعماله. وقالت د. تسو إن أعمال نجيب محفوظ من أكثر الأعمال العربية التي ترجمت وتُدَرس في الصين، حيث تمت خلال نصف قرن ترجمة عشرين رواية له إلى الصينية. ويعتبر الصينيون نجيب محفوظ كاتبا واقعيا اشتراكيا كاشفا للمشاكل الاجتماعية. ويرى الأدباء الصينيون أن محفوظ كشف حياة شرائح اجتماعية مختلفة، خصوصا الطبقة المتوسطة، وأنه قدم تحليلا دقيقا للتناقضات الاجتماعية. وأشارت تسو لان إلى أن المترجمين الصينيين في ثمانينات القرن العشرين بذلوا جهودا طيبة في ترجمة روائع أعمال محفوظ، إذ تمت ترجمة ((الحرافيش )) و((بداية ونهاية)) و((زقاق المدق)) وغيرها. وبعد تتويج محفوظ بجائزة نوبل للأدب، أقامت الجمعية الصينية لدراسات الأدب العربي بالتعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية والسفارات العربية لدى الصين ندوة خاصة بأعمال محفوظ ومعرضا لمؤلفاته العربية والصينية، بهدف إحداث موجة جديدة وقوية من الترجمة الواسعة النطاق والدراسة الشاملة في الصين لأعمال صاحب جائزة نوبل العربي. ومؤخرا تمت ترجمة ((أصداء السيرة الذاتية)) وإعادة ترجمة ثلاثيته.

 وقدم سفير مصر الأسبق لدى الصين د. نعمان جلال ورقة بعنوان "طريق الحرير الجديد والإبداع في النموذج الاقتصادي الصيني"، فأشار إلى أنه رغم تراجع أهمية طريق الحرير نتيجة للتطور الذي حدث في وسائل النقل نتيجة للنهضة الأوروبية بعد الثورة الصناعية والتغيرات الجغرافية، فإن تقدم اقتصاد الصين واتجاهها للانفتاح السياسي والاجتماعي والثقافي، أعادا إحياء طريق الحرير ولكن بمنظور جديد. وأكد د. جلال على أن النموذج الصيني يقوم على مجموعة ركائز، في مقدمتها وجود مفهوم أو نظرية واضحة تقود النموذج، وجود كوادر متمرنة ومدربة ومؤمنة بالنموذج وتعمل على تحقيقه، وارتباط عناصر النموذج بعضها ببعض، وأخيرا وجود وضوح في التعامل النقدي والمالي. وقال إن هناك ارتباطا وثيقا بين مصر وطريق الحرير والنموذج التنموي الصيني، بالنظر إلى العلاقات القديمة والعريقة بين مصر والصين منذ طريق الحرير القديم، حيث كانت مصر جزءاً لا يتجزأ من هذا الطريق.

وفي نهاية الملتقى توصل الباحثون من الجانبين إلى عدة توصيات، يعمل الجانبان على تحقيقها لتفعيل العمل المشترك، ومنها: أن يكون الملتقى تبادلياً كل عام بين الدولتين؛ العمل على إتاحة الفرصة أمام الباحثين والمثقفين من البلدين بهدف تعميق معرفة كل جانب بالآخر وذلك في إطار الملتقيات العلمية والأنشطة الثقافية؛ العمل على تنشيط الترجمة والدراسات التاريخية وغيرها من التوصيات التي تهدف لتعميق العلاقات والتعاون بين البلدين.